تجربة جيدة جمعت بطريقة مميزة وغير مستهلكة نجمين في مرحلة نضوج فني

"أحمد وأحمد" مباراة بين السقا وفهمي أداراها بذكاء لمصلحتهما ووفق قواعد اللعبة السينمائية

تعودت السينما أن تقدم مواضيع مضمونة النجاح تعتمد على بطل أوحد يسانده آخرون، لكن مغامرة الجمع بين نجمين مختلفين بصورة جذرية ولكل منهما لون مختلف عن الآخر بالتأكيد معادلة صعبة جداً تحتاج إلى كثير من الذكاء.
الجمع بين أحمد السقا بطل الـ"أكشن" الأول في السينما العربية على مدى ما يزيد على ربع قرن، ونجم له طابع خاص مثل أحمد فهمي في  فيلم "أحمد وأحمد" بفكرة تخلط بين الحركة والكوميديا والتشويق كان مغامرة كبيرة تستحق أن تتحقق على أرض الواقع.

والأهم أن هذا العمل السينمائي حقق معادلة صعبة أكدت أن عجلة الزمن ليست دائماً ضد الممثل إذا استطاع إدارة موهبته بذكاء لمصلحة مرحلته العمرية باختيارات تتناسب مع نضجه وتطوره الفني، وبهذا الشريط السينمائي يفاجئنا أحمد السقا فارس أحلام الفتيات ونجم الحركة الأفضل بتقديم شخصية خال طيب، يهب نفسه لتربية ابن شقيقته التي توفيت وزوجها وتركت له مسؤولية لا يستهان بها.
وعلى رغم أن الفارق العمري بين الخال وابن الشقيقة لا يعد كبيراً، فإنه يتكفل بدور الأب والأم والسند لابن شقيقته حتى يكمل دراسته ويسافر ليعمل مهندساً للديكور في السعودية.
وللمرة الأولى على شاشة السينما نسمع السقا الذي احتكر أدوار الجان يكرر جملاً حوارية غير مألوفة في تاريخه السينمائي مثل " يا بنتي" و"احنا كبرنا ومش هناخد زماننا وزمن غيرنا".
كما قدم مشاهد تظهر ملامح الطيبة والتصالح مع الذات في إطار كوميدي، مما يكشف عن مروره بنقلة من نوع ما في مسيرته الفنية.

كوميديا الموقف
جسد أحمد فهمي دور ابن الشقيقة الذي يحمل اسم الخال نفسه "أحمد"، ومنذ المشهد الأول كان واضحاً أن مسيرة فهمي وأعماله الأخيرة صقلت موهبته وحضوره، فكان متنوع الأداء بين الـ"أكشن" والكوميدي، واستفاد فهمي كثيراً من تطور أدواره خلال الفترة الأخيرة وإن كانت الكوميديا هي ملعبه الأفضل والأجمل بالنسبة إلى قطاع كبير من جمهوره، فكان أداؤه بسيطاً ومضحكاً ومؤثراً وعكس تمكناً كبيراً من أدواته، إضافة إلى تحكمه بتغيير البوصلة في الأداء وقتما يشاء ومن دون مجهود.
ولأن الكتابة هي أساس نجاح أي مشروع والسيناريو هو العمود الفقري له، استفاد "أحمد وأحمد" كثيراً من خبرة فهمي كمؤلف مميز يملك الخيال وخفة الظل ويستطيع الحكم على العمل من بداية الفكرة وحتى التنفيذ.
وعلى رغم ان الفيلم يحمل توقيع أربعة مؤلفين هم أحمد درويش ومحمد عبدالله وأحمد عبد الوهاب وكريم سامي، لكن لا يمكن ألا تشعر بلمسات أحمد فهمي الكوميدية وأنه مؤلف مخضرم بالأساس وله طريقة تختلف عن طريقة أي مؤلف اخر.

فقدان الذاكرة
اعتمدت فكرة الفيلم بصورة رئيسة على الخال الذي يفقد الذاكرة ويستدعي ابن شقيقته لمساعدته في التعايش، فيكتشف الثاني أن خاله مدرس الكيمياء المثالي ما هو إلا مجرم متورط مع أخطر العصابات في عمليات غير مشروعة، ويحمل جنسيات أجنبية مزورة وأسماء وهمية مثل المعلم سعادة والضابط شريف.
ويواجه "الأحمدان" سلسلة متوالية من المصائب غير المفهومة بسبب نسيان الخال كل ما فعله، ويحاولان فك طلاسم اللغز.
وتتصاعد الأحداث التي يتواجه خلالها البطلان مع رجال أقوياء في معارك ضخمة، فيركز السقا على المشاهد الحركية، بينما يمارس فهمي خبرته في تفجير الضحك بكلمات وتعابير وجه عفوية تعتمد علي البساطة، وفي معظم مشاهد الفيلم أنقذت كوميديا فهمي الجمهور من إرهاق مشاهد الحركة، ومطاردات السيارات التي استغرقت كثيراً من الوقت على الشاشة.
تبدو المعادلة في هذا العمل منصفة ومخالفة لمعادلات الجمع بين نجمين في الأعمال الأخرى، فلم تصنع مشاهد للسقا مكلفة بحمل الجمع بين الحركة والضحك والإبهار، وفي مقابلها نفس العدد والنوع لفهمي ليتعادلا على الشاشة من ناحية الكم والكيف، ولكن تميزت حسبة "أحمد وأحمد" بتوازن استغل اختلاف شخصية وقدرات ومهارات كل منهما، فظهر التعادل مهنياً وعفوياً ومتنوعاً، وترك كل منهما بصمة لا تتشابه مع الآخر في أي مشهد.

مذاق مختلف
وتفوق خلال "أحمد وأحمد" عدد من ضيوف الشرف في تقديم أدوار مؤثرة أضفت مذاقاً مختلفاً على العمل مثل طارق لطفي الذي قدم دور رؤوف رئيس العصابة الأولى التي تطارد البطلين، وتميز هذا المجرم بعشقه للأسماك لدرجة صنع أحواض ضخمة لها في مكتبه، حيث يدير صفقاته وعملياته العنيفة.
  وتألق الممثل الشاب أحمد عبدالوهاب في تقديم دور "المستشار سراج" وهو أحد أكثر الأدوار الكوميدية في الفيلم التي أجمع عليها الجمهور.
وعلى رغم وجود حاتم صلاح في عدد من الأعمال الكوميدية بحركات يعرفها الجمهور مثل غمزة العين واستخدامه الأدوات نفسها في "أحمد وأحمد"، لكن وجوده أضفى بهجة كبيرة وطرافة على أكثر من مشهد.

مكملات صورة
لم يكُن وجود ضحى التي قامت بدورها جيهان الشماشرجي مهماً في معظم المشاهد التي ظهرت بها مثل مطاردات السيارات المتعددة ولقاءات رؤساء العصابات، بل بدت كأنها إحدى مكملات الصورة الجمالية بدلاً من وجود رجلين فقط في سياق كل الأحداث.
جودة الفيلم لا تنفي وجود ملاحظات تبدو واضحة مثل فكرة الصراع الأساسي على لوحة نادرة، وهي فكرة ليست جديدة ، وقد يكون من الأفضل لو كان موضوع الصراع شيئاً أكثر ابتكاراً.
تاريخ الشخصيات
ومن الملاحظات الهامة على الفيلم أن معظم شخصيات العمل ليس لها تاريخ واضح ولو عن طريق الحوار أو الـ"فلاش باك"، فجميعهم نعرف أسماءهم الأولى من دون فهم أسباب أو دوافع تصرفاتهم، فمثلاً شخصية "ضحى" لا نعرف شيئاً عن مهنتها أو صفات شخصيتها أو حتى عمق علاقتها بخطيبها أحمد، وكذلك لم نفهم سر دوافعها للمشاركة في مغامرات إجرامية خطرة تتعارض مع تربيتها وسط عائلة من الضباط، بحسب حديث فهمي ضمن أحد المشاهد.
وكذلك لم نعرف الأسباب التي دفعت أحمد السقا للعمل الإجرامي، وعلاقاته المتعددة مع الشخصيات الأخرى مثل غادة عبد الرازق .
وأخيراً لم تأخذ مشاعر الأبطال لبعضهم بعضاً مساحتها الكافية من الحوار والمشاهد والعمق، 
حتى علاقة أحمد وأحمد ومشاعر القرابة والصداقة بينهما كان يمكن أن تحتل مساحة أكبر وتتركز لتضفي دفئاً عاطفياً مؤثراً، بدلاً من المطاردات التي أسرف فيها المخرج أحمد نادر جلال.
"أحمد وأحمد" تجربة جيدة جمعت بطريقة مميزة وغير مستهلكة نجمين في مرحلة نضوج فني، 
وكانت مباراة بين السقا وفهمي أداراها بذكاء لمصلحتهما ووفق قواعد اللعبة السينمائية ومتغيراتها.