التشريعية في ألمانيا:

أرمين لاشيت، خلافة أنجيلا ميركل، مهمة مستحيلة...؟

أرمين لاشيت، خلافة أنجيلا ميركل، مهمة مستحيلة...؟

-- التأخير في حملة التطعيم الألمانية، مقارنة بدول أخرى، قد غذى عدم الثقة في المحافظين
-- يعتبر زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي النسخة الرجالية من المستشارة أنجيلا ميركل
-- يدافع عن ألمانيا أوروبية، حاضرة في العالم، ويناصر العمل المتعدد الأطراف
-- يستفيد أرمين من التقليل من شأنه ليفاجئ الجميع بفرض نفسه


  وصفه البعض بأنه معتدل، واعتبره البعض الآخر لطيفًا ومؤدبا جدًا، ولكن حسم الاختيار بعد تصويت أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب المسيحي الديمقراطي مساء الاثنين الماضي في اجتماع دام عدة ساعات،

على أرمين لاشيت لتمثيلهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، سبتمبر، على أمل أن يصبح المستشار الجديد.
   وإذا كان ترشيح الشخصية التذي تولت رئاسة الحزب المحافظ في يناير الماضي يبدو منطقيًا، الا انه وُضع في وقت ما في الميزان امام ترشّح ماركوس سودر، زعيم الحزب الشقيق، حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري. ورغم شعبية هذا الأخير في استطلاعات الرأي، فقد تم تفضيل أرمين لاشيت للدفاع عن حظوظ الاتحاد المسيحي الديمقراطي في انتخابات 26 سبتمبر.

   ويجب القول، إنه يقدم استمرارية حقيقية مع أنجيلا ميركل. “إنه اختيار الحل الوسط، فهو معتدل للغاية، وتجسيد حيّ لتيّار الوسط. علما ان تطور الاتحاد المسيحي الديمقراطي باتجاه الوسط حدث في عهد ميركل”، تؤكد هيلين ميارد-ديلاكروا، الأستاذة في جامعة السوربون والمتخصصة في ألمانيا المعاصرة.
   من وجهة نظر سياسية، يدافع أرمين لاشيت عن ألمانيا الأوروبية، والحاضرة في العالم، ويصر على العمل المتعدد الاطراف، وعلى البحث عن الحلول والتهدئة. “إنه حقًا ميركل مكرر”، تبتسم الأستاذة. “ما زلت أعتقد أن للاثنين أسلوب مختلف تمامًا”، يضيف هانز بيتر ستارك، أستاذ الحضارة الألمانية في جامعة السوربون، ومستشار العلاقات الفرنسية الألمانية في المعهد الدولي للعلاقات الدولية.

هزائم كثيرة
   وصفت هيلين ميارد-ديلاكروا، الوزير-رئيس ولاية شمال الراين-وستفاليا بأنه “متفائل”. سمة شخصية تم الانتباه اليها بها أيضًا في إدارته لازمة فيروس كورونا. بل إنها أكسبته انتقادات مباشرة من أنجيلا ميركل. في نهاية شهر مارس، هاجمت المستشارة علنًا المقاطعات، التي قررت رفع بعض القيود رغم زيادة العدوى، بل إنها هددت بفرض تدابير وطنية، بينما تقع إدارة المسالة الصحية على عاتق الولايات.    

وكان أرمين لاشيت، زعيم المنطقة الأكثر كثافة سكانية في البلاد، قد دعا، من جانبه، إلى الخروج من “منطق الحجر المحض”. “ربما كان أخف وزنا وأسرع، خاصة بالمقارنة مع ماركوس سودر. لقد كان أكثر استعدادًا لتخفيف الإجراءات التي تعتبر صارمة. إقليميا، هذا الموقف مصدر امتنان، وعلى المستوى الفيدرالي، لا يضره”، تعلق هيلين ميارد ديلاكروا. ومع ذلك، لم يفلت من انتقادات المواطنين للسلطة التنفيذية بشأن إدارة الأزمة الصحية. ويوضح مستشار العلاقات الفرنسية الألمانية في المعهد الدولي للعلاقات الدولية قائلاً: “إن شعبيته تتقلص، حتى داخل مقاطعته».

   على المستوى الشخصي، بلغ 60 عامًا في فبراير -هو أب لثلاثة أطفال، بدأ كصحفي ثم دخل عالم السياسة. قبل توليه رئاسة ولاية شمال الراين -وستفاليا عام 2017، شغل منصب مستشار بلدي ونائب في البرلمان الأوروبي. “لقد عرف عديد الهزائم خلال مسيرته السياسية، ولعل هذا ما يفسر سبب عدم استسلامه في مواجهة الشدائد”، يعلق هانز بيتر ستارك.

ليس كاريزماتيا
   حسب صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية، غالبا ما يتم “الاستخفاف” بأرمين لاشيت بسبب جانبه “المرح” و “المؤدب جدا”.
“ليس خطيبًا كبيرا، ولا كاريزما له”، يثري أستاذ الحضارة الألمانية، لكنه “يستفيد من التقليل من شأنه ليفاجئ الجميع بفرض نفسه».
   ورغم اعتداله، إلا أنه ليس بمنأى عن الجدل. على وجه الخصوص، أثار الصيف الماضي غضب البعض، عندما اتهم العمال الرومانيين والبلغاريين بأنهم سبب تفشي فيروس كورونا في مسلخ. كما جرّت عليه الأزمة الصحية -مرة أخرى -اتهامات بمحاباة الأقارب في سياق أمر حكومته الإقليمية بكمامات من علامة تجارية أثنى ابنه على مزاياها.

    وقبل خمسـة أشهر من الانتخابات التشريعية، يظـــل السؤال الحقيقي لهذا الوريث المحتمل لأنجيـلا ميركل، هو ما إذا كـــان “سيتمكن من فرض نفسه بحزم كبير، وما إذا كان سيتمتع بنفس قوة الشخصية”، يلخص البروفيسور هانز بيتر ستارك. ويخلص هذا الاخير إلى القول: “من السابق لأوانه الحسم».

عوائق بالجملة
    ان رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي، أرمين لاشيت، زعيم ذو قاعدة هشة، وطريقه إلى المستشارية سيكون مليئًا بالعقبات.
   الأولى، وليس أقلها، هو عدم شعبيته. يعتقد 12 بالمائة فقط من الألمان أنه سيكون مرشحًا جيدًا، وفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة هاندلسبلات اليومية. وتشير استطلاعات الرأي، وكما أسلفنا، إلى نقص الكاريزما. “كان يُنظر إلى أرمين لاشيت على أنه مدير جيد لمنطقته، قبل أن تفقده الأزمة هذه الجودة”، يلاحظ بول موريس، الباحث في لجنة دراسة العلاقات الفرنسية الألمانية في المعهد الدولي للعلاقات الدولية.

   العائق الاخـــــــر، يبلغ طولـــــــه 1.97 م، ويتمتع بكاريزمـــــا: ماركوس سودر. ألم يكن زعيم الاتحاد المسيحي الاجتماعي، الشقيق البافـــــــاري الصغير لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، خيــــــــارًا أفضـــــل لقيادة المحافظين؟
 وهـــذا السؤال هو الذي دفــــع أعضاء حزبــــــــه للنقاش أياماً طويلة قبـــــل اتخاذ القرار النهائي. ويخاطر أرمين لاشيت بان يشكل سودر ثقلا مرهقا واغلالا تكبله خلال الحملة.

  ان رئيس بافاريا هو بلا شك أكثر شعبية منه: 46 بالمائة من الألمان يرون أن هذا المؤيد للتدابير الصارمة ضد فيروس كورونا مرشح جيد، تقول صحيفة هاندلسبلات. ومن خلال الإصرار على ترشّحه، ألقى سودر مزيدًا من الضوء على نقاط ضعف منافسه. يبقى أن نرى ما نوع الدعم الذي سيقدمه لمرشح الحزب الآن: صريح أم محتشم؟
   صعوبة أخرى يتعين على لاشيت التعامل معها: لقد تولى رئاسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي، فقط منذ يناير. في حين كانت أنجيلا ميركل طيلة عدة سنوات عندما تولت رئاسة حملة المحافظين عام 2005. “لم يتمكن بعد من فرض نفسه بوضوح داخل الحزب، يعلق بول موريس، وقـــــد حان الوقت لتقريب الاختلافــــــات المهمـــــة بين التيارات التي يمثلها المرشحون الآخرون وأن ينجـــح في جلب الجميع خلفه «.

الفضائح والملل من المحافظين
   على الخط الوسطي المعتدل، يقدم أرمين لاشيت نفسه كمرشح للاستمرارية، بعد ستة عشر عامًا من وجود ميركل على رأس ألمانيا. ميزة أم عيب؟ الوقت مبكر جدا للإفصاح. بالنسبة لتحالف الاتحاد المسيحي الديمقراطي -الاتحاد المسيحي الاجتماعي، في السلطة حاليًا ، عادت استطلاعات الرأي إلى مستواها المنخفض نسبيًا قبل أزمة كوفيد-19: حوالي 27 بالمائة من نوايا التصويت للمحافظين، مقابل 22 بالمائة لحزب الخضر، الذي اختار الشابة أنالينا بيربوك كمرشحة. “هناك سأم من الرأي العام تجاه حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وهو الحزب الذي لم يعد يعرف حقًا إلى أين يتجه، كما يشير بول موريس. هل سيرغب الألمان في تجربة شيء آخر؟ نجد جوًا من نهاية الحكم كما في نهاية فترة هيلموت كول “المستشار من 1982 إلى 1998”. باستثناء ان ميركل، هي التي اختارت عدم الترشح مجددا».  

   ناهيك عن الفضائح ... نائب من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وآخر من الاتحاد المسيحي الاجتماعي، متهمان بتلقي مبالغ كبيرة للعبهما دور الوسيط في طلبات الكمامات قبل عام، في منتصف الموجة الأولى من الوباء. وقد اضطرا إلى ترك صفوف المحافظين في مارس، مثل عضو برلماني آخر يشتبه في أنه يخدم مصالح أذربيجان أكثر من اللازم. وفي نفس الوقت، عانى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي من هزيمتين في الانتخابات الإقليمية. ومما يزيد الطين بلة، أن التأخير في حملة التطعيم الألمانية، مقارنة بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة، يغذّى عدم الثقة في المحافظين.

   كلما خرجت ألمانيا من الوباء بشكل أسرع، ستكون مهمة لاشيت أقل صعوبة. كانت انتصاراته على منافسيه في رئاسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي في يناير، ثم على سودر في أبريل، بمثابة تذكير بمهاراته كرجل تكتيكي. ويمكن أن تسمح نهاية عملية لي الذراع مع البافاري، بصعود محراره في استطلاعات الرأي. وخصوصا، سيكون قادرًا على الاعتماد على الدعم النشط والرسمي لأنجيلا ميركل، التي لا تزال تحظى بشعبية لدى الألمان.