رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان جهود تعزيز التنمية الوطنية والازدهار الذي يحققه الاقتصاد الوطني
أزمة ديموغرافية في أوكرانيا.. تداعيات بعيدة المدى
تطرقت المراسلتان في صحيفة “وول ستريت جورنال” إيزابيل كولز، ويفغينيا سيفوركا إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا على الوضع الديموغرافي للبلاد. وكتبتا أن القابلة أولينا دوروش ولدت أكثر من 10 آلاف طفل في العقود الثلاثة التي تلت إعلان أوكرانيا استقلالها. لكن الأرقام في انخفاض كبير هذه السنة.
داخل مستشفى الولادة حيث تعمل في كييف، تساعد دوروش حياة جديدة لتبصر النور في خضم حرب يرى العديد من الأوكرانيين أنها محاولة للقضاء على استقلالهم. وساعدت أخيراً في ولادة رضيع قُتل والده، وهو جندي، في خضم القتال. سمت الأم الوليد باسم زوجها الراحل الذي جاء رفاقه لمقابلتها عند خروجها من المستشفى. “إنه أمر محزن”، قالت دوروش: “إذا لم نواصل الإنجاب، فلن نكون قادرين على الوجود دولة مستقلة».في جميع أنحاء أوكرانيا، تشهد المقابر الجديدة والمشارح المكتظة على وفاة عشرات الآلاف بسبب الغزو الروسي. الأقل وضوحاً هو التأثير على الأطفال الذين لم يولدوا بعد. كان عدد الولادات في الأشهر الستة الأولى من هذه السنة أقل بـ 28% من نفس الفترة قبل الحرب، وهو أكبر انخفاض منذ حصول أوكرانيا على استقلالها في 1991.
وتقول “وول ستريت جورنال” إنه حتى قبل الغزو الروسي، كان معدل الخصوبة في أوكرانيا الأدنى في أوروبا. يتوقع ديموغرافيون أوكرانيون الآن أن يصبح هذا المعدل الأدنى في العالم، ما يؤدي إلى تسريع انخفاض عدد السكان الذي تقلص أساساً في العقود الأخيرة.
إن انخفاض الولادات يعني عدداً أقل من الأوكرانيين القادرين على إعادة بناء البلاد، والدفاع عنها ضد روسيا التي من المرجح أن تواصل تشكيل تهديد طويل الأمد بغض النظر عن نتيجة الحرب، وفق التقرير. وقال أولكسندر غلادون، ديموغرافي من معهد بتوخا للدراسات الديموغرافية ومقره كييف إنه “تهديد هائل».
بدأ الاتجاه التنازلي في أعقاب الاستقلال، عندما دفعت الاضطرابات الاقتصادية العديد من الأوكرانيين إلى الخارج بحثاً عن عمل، وأصبح إنجاب طفل واحد هو القاعدة. وانخفضت الولادات بـ12% بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وغزت سراً شرق أوكرانيا في 2014.
مع إطلاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزواً شاملاً في 2022، انخفض معدل الخصوبة في أوكرانيا إلى نحو 1.2، وليحافظ السكان على حجمهم، يجب أن يولد ما معدله 2.1 طفل لكل امرأة.
وأدت الحرب إلى نزوح ملايين النساء والأطفال في حين مُنع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً من المغادرة. أدى ذلك إلى فصل العديد من الأزواج، ودفع آخرين إلى تأجيل الإنجاب.إن الجهود المبذولة لقياس تأثير الحرب على سكان أوكرانيا بدقة محفوفة بالشك. سيعتمد الكثير على مسار ومدة الحرب التي لا تظهر أي علامة على التراجع. ما يقرب من 20% من أراضي أوكرانيا محتلة، ما يعني عجز كييف عن الوصول إلى بيانات موثوقة. واحتمالات استعادة الأرض غير واضحة.لقي عشرات الآلاف من الأوكرانيين حتفهم، لكن الأعداد الدقيقة غير واضحة. فالوفيات العسكرية مصنفة، بينما لم يسجل العديد من الوفيات بين المدنيين في الأراضي المحتلة. وفيما تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 6 ملايين غادروا البلاد خلال الحرب، يشير ديموغرافيون أوكرانيون إلى أرقام أقل.إن السؤال الكبير هو كيف سيتصرف الناس عندما تنتهي الأعمال العدوانية، ويسمح للرجال بمغادرة البلاد مرة أخرى. “هل ستعود النساء، أم سيذهب الرجال وينضمون إلى زوجاتهم في الخارج؟” تساءل غلادون، عالم الديموغرافيا. وأضاف أنه في أسوأ الأحوال، يمكن أن ينخفض عدد سكان أوكرانيا إلى أقل من 30 مليوناً في العقدين المقبلين، من نحو 43 مليوناً عشية الحرب.
كانت أولكسندرا بوندار وزوجها يخططان لإنجاب طفل ثانٍ، قبل الغزو الروسي. وقالت المرأة من مدينة دنيبرو في شرق أوكرانيا، 35 عاماً: “كنا نرغب دائماً في تكوين عائلة كبيرة”. هذه الخطط معلقة الآن. وقالت إن رعاية رضيع أمر مرهق بدرجة كافية دون التهديد المستمر بالضربات الصاروخية، كما أن زوجها الذي يعمل في تكنولوجيا المعلومات، معرض للتجنيد في أي يوم. وقالت: “لا أفهم لماذا يجب أن ألد طفلاً في هذا الوضع الرهيب».
في أكبر مستشفى للولادة بكييف، يولد نحو 250 رضيعاً شهرياً هذه السنة، بعد أن انخفض العدد من نحو 400 قبل الحرب. وقالت أولينا ياروشوك، المديرة الطبية في المستشفى، إن الأعداد كانت ستكون أقل لولا تدفق النازحات من أجزاء أخرى من البلاد. على جدار مكتبها توجد لوحة لحامل مع هدف على بطنها، وفي الخلفية العلم الأوكراني.
ورسم اللوحة ابنها، 11 عاماً، عندما كانت القوات الروسية تقتحم العاصمة في السنة الماضية، ما أدى إلى نقل الموظفين والمرضى في مستشفى الولادة إلى الطابق السفلي بحثاً عن مأوى. تراجع الروس بعد شهر، لكن ياروشوك ألقت اللوم على الضغوط المستمرة للحرب في ارتفاع الإجهاض.تمضي بعض النساء قدماً رغم خطر الحرب والشك، فرّت أولينا كابانيتس في البداية من كييف، لكنها عادت في الصيف الماضي، ومن المقرر أن تضع مولودها قريباً. وقالت المرأة، 34 عاماً: “إذا واصلنا التأجيل، فقد لا يحدث ذلك أبداً».
بعد ثلاث إجهاضات، كانت إيرينا ستيبانيوك تستعد لعلاج تخصيب عندما غزت روسيا أوكرانيا، ما أدى إلى عرقلة الإجراء. وعندما بدأت روسيا ضرب شبكة الكهرباء في أوكرانيا في الخريف الماضي، خافت أن يموت جنينها في المختبر. لكن الزراعة نجحت في وقت سابق من هذه السنة، وهي على وشك الولادة هذا الخريف. وقالت: “لم تكن لدينا أي شكوك».
لقد دفع طيف الموت بعض الأزواج إلى الإنجاب. التقت مارغريتا ريفتشاتشينكو بشريكها على خط المواجهة منذ أقل من عام وهي الآن حامل في شهرها الثامن. وقالت المسؤولة الصحافية للقوات المسلحة الأوكرانية، 26 عاماً، إن احتمال مقتل شريكها أثناء القتال دفعهما إلى الإنجاب.وقالت ريفتشاتشينكو: “ليس هناك وقت مناسب للحمل على الإطلاق” مضيفة “قررنا إنجاب طفل الآن لأنه ربما لن تتاح لنا هذه الفرصة السنة المقبلة».
كما ذكرت أن ثمة أيضاً بعداً وطنياً “إذا ربينا جيلاً جديداً من الأطفال الذين لا يعرفون اللغة أو الأدب الروسي، الذين لا يعرفون ستالين، أو لينين، أو الاتحاد السوفيتي، في غضون 20 عاماً، ستكون لدينا أمة أوكرانية أكثر مما هي عليه الآن».