بأسوأ طريقة ممكنة

أفغانستان تقتحم حملة الرئاسة الفرنسية...!

أفغانستان تقتحم حملة الرئاسة الفرنسية...!

- لسحب البساط من تحت أقدام اليمين المتطرف، سارع ماكرون إلى استخدام ورقة تدفق الأفغان
- تسلل معظم المرشحين، من أقصى اليمين إلى ما يسمى باليمين الجمهوري، من الشرخ الذي فتحه إيمانويل ماكرون
- لم تعد مهمة الغرب حماية الآلاف من الأفغان الذين قاتلوا إلى جانبه طيلة عشرين عامًا، وإنما حماية نفسه منهم
- كذب القوى الغربية وجبنها، استمرا من عام 2001 إلى عام 2021


   كان الرئيس الفرنسي، منذ 16 أغسطس، إثر سقوط كابول في أيدي طالبان، أول من قارب الأزمة الأفغانية من زاوية موجة الهجرة التي ستثيرها، وتستوجب التوقّي منها.

   وحرصًا على سحب البساط من تحت أقدام اليمين المتطرف، لم يخف ماكرون من التأكيد على أن: “أوروبا وحدها لا تستطيع تحمّل عواقب الوضع الحالي. ويجب أن نتوقع ونحمي أنفسنا من تدفقات الهجرة غير النظامية الكبيرة التي من شأنها أن تعرّض الذين سيسلكونها للخطر، وتؤجج الاتجار بجميع أنواعه. لذلك، سنقوم، بالاشتراك مع الدول الأوروبية الأخرى، بمبادرة لبناء ردّ قويّ ومنسّق وموحّد دون تأخير، والذي سيشمل مكافحة التدفقات غير المنظمة، والتضامن في الجهود، وتناغم معايير الحماية، والتعاون مع دول العبور والدول المضيفة مثل باكستان أو تركيا أو إيران. “...” يجب أن نستمر في الدفاع عن مبادئنا، وقيمنا، التي تصنع ما نحن عليه”، قيم بلا شك الصرامة والتضامن في الجهود ضد التدفقات غير المنظمة.

   منذئذ، قام إيمانويل ماكرون بتعديل اوتاره، متأثرا دون شك، بموجة السخط التي أثارتها تصريحاته. وخلال رحلة إلى العراق، طالب بإصدار قرار لإنشاء منطقة آمنة تحت سيطرة الأمم المتحدة حول مطار كابول. كما أصر على ضرورة “عدم إثارة مخاوف طائشة” بشأن الهجرة، وهو ما لم يتردد في القيام به قبل أسبوعين. لماذا لم يبدأ بهذا الوتر المعدّل؟ أحيانًا ما يأخذ منطق “في نفس الوقت” الماكروني، خاصة عندما يتعلق الأمر بأزمة إنسانية، اجواء تكشيرة فظة.

   الفجوة بين الخطاب الأخلاقي والانتخابي قابل للقراءة بشكل يبدو الخطأ جماليّا أكثر منه سياسيًا، أي خطأ في الذوق. إن الحديث عن “الدفاع عن مبادئنا وقيمنا”، وتسليم الأفغان الذين ورطناهم في الحرب الأكثر دموية على الإطلاق، تسليمهم فريسة لحركة طالبان، ليس فقط عدم تضامن مع الحلفاء، بل يعني تجاهل قوانين الحرب ذاتها. إن اللعب على لوحة المفاتيح المزدوجة للأنانية والتضامن والديماغوجية وحقوق الإنسان، ليس فقط خيانة المرء لقيمه، بل هو شهادة على افتقاره التام لتلك القيم.

انعطاف 180 درجة
   إن عودة طالبان إلى السلطة بعد الانسحاب الأمريكي، بدل ان تثير وقفة تأمّل ضرورية للوقوف على أسباب فشل التدخل العسكري الذي تم تنفيذه على مدى عشرين عامًا بدعم من الطبقات السياسية ووسائل الإعلام الغربية الرئيسية، لم يثر بين هؤلاء، سوى رد فعل بافلوفي تلخص في الصراخ تحذيرا من الهجرة.

   تسلل معظم المرشحين، من أقصى اليمين إلى ما يسمى باليمين الجمهوري، من الفتحة التي اخترقها إيمانويل ماكرون. أضاف كزافييه برتران “محاربة الإسلام الأصولي”، وهي “حرب جيلنا”. وشجبت فاليري بيكريس “الهزيمة الرهيبة في معركتنا ضد الإسلاموية”، التي “أعادت الظلامية “...” بعد عشرين عامًا من هجمات 11 سبتمبر”. وانزعج رئيس مجموعة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، برونو ريتايو، من “موجة الهجرة المزعزعة للاستقرار».

   أما مارين لوبان، فلم تتردد في ركوب فرسها المفضل، واضعة رأس مسلم على جسد مهاجر: “بينما يتجادل هؤلاء التكنوقراط حول جنس الملائكة، ويوجهون تهديداتهم السخيفة، فإن الإسلاموية تتقدم وتقوّي نفسها، وستقيم خلافة في أفغانستان، مما يعرّض شعوبنا وأمن العالم كله لخطر جسيم «.

   وهكذا شهدنا انقلابا خطابيًا مذهلاً حقًا. لم يكن علينا حماية عشرات الآلاف من الأفغان الذين قاتلوا طالبان إلى جانب الغرب طيلة عشرين عامًا، ولكن كان علينا حماية أنفسنا منهم. لم تكن النساء الأفغانيات هن من تعرضن للتهديد من قبل طالبان، لكنهن هن من يهددننا، ومن نفيهن، أو هروبهن، أو يأسهن، يجب إقامة الاسوار والتوقّي. ولسبب وجيه جعلنا ننسى المصدر الحقيقي: طابعها “غير النظامي”، وهو مصطلح يعمل على تطبيع حالة الاستثناء، ويدخل الكارثة الإنسانية في السجل القانوني غير الشرعي، أو التعسفي، أو في الترتيب الإحصائي لظاهرة متقطعة ومتحفظة.

   لم يخطر ببال أي من هؤلاء السياسيين، أن الأفغان عانوا طوال عشرين عامًا من تدفقات الهجرة غير النظامية من الولايات المتحدة وأوروبا وخاصة من فرنسا حتى عام 2014، غير نظامية ومدججة بالسلاح. وأن هذه التدفقات غير النظامية قد زعزعت استقرار البلاد، وتسببت في مقتل مئات الآلاف، ودمرت المدن، وزرعت الذعر في افراح الزواج، وفككت المجتمع بحجة بناء الديمقراطية  “بناء الدولة».
   ألم يكن التدخل الغربي مبررًا باسم المرأة الأفغانية؟ ألم يكن اضطهادهن من قبل طالبان هو الذي استُخدم لحشد الرأي العام الغربي للجهد الحربي؟

بين اقتلاع الأظافر وقطع اليد، خطوة
   سام غاردينر، الخبير في المحاكاة الاستراتيجية، والعقيد السابق في الجيش الأمريكي، قام قبل عشر سنوات بالتحقيق في العملية الاتصالية الحربية للحملات في أفغانستان والعراق. وقد أحصى ما لا يقل عن خمسين مرويّة، منها قصة الإنقاذ المذهل لجيسيكا لينش، وأعلن: “لم يسبق أن تم مطلقا ابتكار هذا العدد الكبير من القصص لبيع الحرب».
   في قلب كل ذلك قصة اقتلاع أظافر النساء الأفغانيات لأنهن استخدمن طلاء الأظافر، والتي كانت مصدر أكبر عملية دعاية حربية على الإطلاق.
   وأكد سام غاردينر في سبتمبر 2007، إن السيناريوهات اليومية التي أعدت في مركز معلومات البيت الأبيض، وغذّاها أليستر كامبل، مستشار توني بلير، ومؤلف التقرير الشهير الآن عن أسلحة الدمار الشامل في العراق.

   تم اختيار القصة لتوضيح العنف ضد المرأة من قبل عناصر طالبان، وتم نشرها على نطاق واسع لإقناع الرأي العام والحكومات الأوروبية التي كانت مترددة في الانضمام إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.   يقول سام غاردينر: “منذ نوفمبر 2001، أظهر تنظيم حملة النساء الأفغانيات أوجه تشابه مذهلة في التوقيت والسيناريوهات المستخدمة في لندن وواشنطن”. وهكذا، في 17 نوفمبر 2001، قالت لورا بوش: “فقط الإرهابيون وطالبان هم الذين يهددون بقطع أظافر النساء اللواتي يضعن طلاء الأظافر”. وتطلق نظيرتها البريطانية شيري بلير “في لندن في اليوم التالي”: “في أفغانستان، إذا وضعت طلاء أظافر، فيمكن نزع أظافرك».   جيم ويلكينسون، الذي كان يعمل في ذلك الوقت في مكتب الاتصال الاستراتيجي بالبيت الأبيض، أشاد بفاعلية الحملة، “لقد قوبل أفضل شيء قمنا به لكسب دعم البلدان التي يصطدم فيها التحالف المناهض للإرهاب بشك كبير».

   القصة لم تنته عند هذا الحد ... لقد تم تداولها على الإنترنت لسنوات في نسخ لا حصر لها. وفي كثير من الأحيان، يقال إن مقاتلي طالبان “يكتفون”، إذا جاز التعبير، بـ “اقتلاع الأظافر».
   منذ عام 2008، تبنى نيكولا ساركوزي هذا المعيار لحسابه. وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع باراك أوباما، برر بقاء القوات في أفغانستان موضحا بشكل خاص، أنها بلد “تقطع فيه أصابع النساء بسبب طلاء أظافر”. وفي يناير 2010، خلال خطاب ألقاه في كابول بعد مقتل عشرة جنود فرنسيين في إحدى المعارك، استعاد مرة أخرى قصة الاظافر المقتلعة لتبرير الحرب. 

  لقد عرضها مرات عديدة، وكانت العنوان المفضل لصندوق موسيقاه، وكل ما كان عليك فعله هو الضغط على زر “أفغانستان” ليغني أغنية “الاظافر المقتلعة”. وخلال المناظرة الكبرى التي دارت بين جولتي عام 2012 مع فرانسوا هولاند، قدم الاغنية للمرة الأخيرة، مثل مطرب هرم في جولته الوداعية: “لا يمكن التحدث إلى أشخاص يقطعون أيدي الفتيات الصغيرات لمجرد انهن وضعن طلاء أظافر».

   خلال محاضرة في جامعة ستراثكلايد، اسكتلندا “7-9 سبتمبر 2007”، حذّر سام غاردينر من مغبّة: “ترك الكثير من التأثير لـ “ رواة القصص السياسية”، فقد شوّه بوش وبلير “مصداقية” بلديهما... عندما سيتعين علينا الانسحاب، فإن الصدمة ستكون أكبر مما كانت عليه في فيتنام، سيصطدم السياسيون برأي عام يرفض تصديقهم، حتى لو كانوا يقولون الحقيقة «.