بايدن تبنى استراتيجية «مهما كانت التكلفة»

أفغانستان: «صدمة نفسية في العاصمة واشنطن»...!

أفغانستان: «صدمة نفسية في العاصمة واشنطن»...!

- بات من المؤكد أن سياسة بايدن لن تكون دولية وتدخلية، كما صدّق البعض بسرعة كبيرة
- لم يعد التدخل الخارجي قابلا للدفاع عنه في الولايات المتحدة منذ ما يقارب العشر سنوات
- اندهاش من الفجوة بين البيانات الاستخباراتية والتقدم الخاطف لطالبان


   ما كان من المفترض أن يكون انسحابًا محكمًا للقوات صار موضع تساؤل بسبب هجوم حركة طالبان الخاطف. لماذا هذا التحول، ما العواقب؟ الأجوبة في هذه المقابلة التي أجراها لمجلة لوبوان الفرنسية، فرانسوا غيوم لورين.   إحياء المناسبات سيف ذو حدين. إنها تأتي لتذكّرنا بأن الحاضر لم ينس الماضي، ولكن عندما يميل الأول إلى اتخاذ منعطف سيئ، يمكنه ان يجعل من ذلك الماضي شاهدًا مزعجًا كم وددنا الاستغناء عنه.

 في الوقت الذي تقترب فيه مراسم احياء الذكرى السنوية العشرين لـ 11 سبتمبر، كم كانت الولايات المتحدة، المهتمة بالإرهاب القومي والعرقي أكثر من اهتمامها بالتهديد الإسلامي، تود لو انه بإمكانها تجاهل هذا الحدث الذي يبرر تدخلها في أفغانستان. لكن الآن، أصبحت أفغانستان هذه على القائمة بأسوأ طريقة ممكنة، وفي تناقض صارخ بين الجو الحربي لأمريكا المهيمنة الواثقة من حقها بعد 11 سبتمبر 2001، وأجواء الهروب وفز بحياتك السائدة حاليًا حول آخر قوات أمريكية في كابول.

   قبل ثلاثة أسابيع من الذكرى العشرين، ستردد ذكرى هذا الموعد المأساوي للغاية في التاريخ الأمريكي، صدى آخر، ليس كبداية انتفاضة نهوض ورد فعل، وانما كبداية النهاية.
  ما هو رد فعل واشنطن؟ سألنا بنجامين حداد، مدير فرع أوروبا للمركز الفكري “المجلس الأطلسي”، وهو مؤسسة فكرية أمريكية متخصصة في الشؤون الدولية، ومؤلف كتاب “الفردوس المفقود... أمريكا ترامب ونهاية الأوهام الأوروبية (غراسيه، 2019).

  * كيف نفسر هذا الفشل للمخابرات الأمريكية التي أكدت قبل أيام أن الحكومة الأفغانية ستظل تسيطر على الوضع طيلة عدة أشهر؟
  - الفشل الأمريكي هو أولاً فشلهم. يمكننا أن نفسره طبعا، على أنه تأثير إعلاني، واتصالي، لتبرير قرار بايدن السياسي بالانسحاب من أفغانستان: انظروا، لقد اتخذنا الخيار الصحيح،
كل شيء سيكون على ما يرام، وأحيانًا تغازل اجهزة الاستخبارات إدارتهم.
ولكن وراء ذلك الفشل الكبير، هو فشل التحليل على عدم الكفاءة، وقلة الإرادة لدى 300 ألف جندي أفغاني مدرب، ويشرف عليهم منذ سنوات الجيش الأمريكي، الذي لم يكن يقاتل ضد طالبان، ومن هنا هذا الانطباع بانهيار قصر من الرمال. لم يقس الجيش وجهاز المخابرات التابع له بشكل جيد، أو لم يرغبوا في قياس تأثير الفساد، الذي منع الأموال التي دفعتها الولايات المتحدة من الوصول إلى الجنود والشرطة الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور. ومع ذلك، تم اتخاذ الاحتياطات من خلال اللجوء إلى المدفوعات الإلكترونية، لكنها لم تكن كافية.

  * لماذا قيّموا الواقع الأفغاني بهذا السوء؟
   - يجب وضع هذا التحليل في سياق الجيش الأمريكي وعلى المدى الطويل:
 ضباط رفيعو المستوى، لأسباب مهنية، ولأسباب سياسية، بالغوا في تقدير فعالية الدعم والتدريب المقدمين للأفغان في واشنطن... رؤية ملائكية مثالية لا تصمد أمام الواقع.

  * كيف يُنظر إلى هذا الانهيار في الولايات المتحدة؟
   - إنها صدمة نفسية. حتى الان، كانت إدارة بايدن تحظى بدعم كبير، رغم أن القرار الذي اتخذ في بداية الصيف بدعم ألمانيا من أجل نورد ستريم 2-مشروع خط أنابيب الغاز الروسي المتصل مباشرة بأوروبا مع وصوله إلى ألمانيا -قد نوقش على نطاق واسع. وهذه المرة،
 انطلقت الألسن، ونحن مندهشون من الفجوة بين البيانات الاستخباراتية والتقدم الخاطف لطالبان. لقد اعتدنا على فكرة الانسحاب كامتداد لسياسات ترامب، لكننا نشعر بالفزع من عدم الكفاءة التي تم بها ذلك، من خلال هذا الإحساس الفاضح والكارثي بالارتجال.

   * ألا يبرر هذا الانهيار موقف المناهضين للتدخل حينها؟
   - على ما يبدو نعم. انظروا، سيقولون، لقد أنفقنا ما يقرب من تريليون دولار خلال العشرين عامًا الماضية،
ولماذا؟ حكومة أفغانية منهارة وانتصار سريع لطالبان.
 إن الإهمال في العملية التي بدأت عام 2001 يبرر الانسحاب. ولكن، على العكس من ذلك، يمكننا الآن أن نرى أنه، منذ عدة سنوات، كانت الحكومة الأمريكية راضية عن وجود 2500 إلى 5000 جندي متمركزين،
 مع عدد قليل جدًا من الضحايا وبتكلفة معتدلة للغاية، وهو استثمار ضئيل نجح في استقرار الوضع في البلد، ومنع كارثة عودة طالبان، حتى لو كانت فكرة تحقيق تحوّل عميق للمجتمع الأفغاني طموحة للغاية وغير واقعية. لكن هذا المنطق السائد في الأوساط السياسية سيضع مناهضي التدخل في موقف دفاعي.
  * يتم قياس الضرر الذي لحق بايدن أيضًا من حيث الصور. طائرات الهليكوبتر التي تحلق فوق كابول تذكرنا بسايغون عام 1975 ...
   - سنقوم بتقييم سريع: من ناحية، اعتراف الأمريكيين بالعجز. من ناحية أخرى، صبر حركة طالبان، التي تمكنت من التفاوض مع الأمريكيين دون احترام الصفقة المفروضة، لأنهم كانوا يعلمون،
 انه في وقت أو آخر، أن الأمريكيين سيغادرون. لكن بايدن تبنى استراتيجية “مهما كانت التكلفة”... تم اتخاذ قرار، يجب أن نتحمل العواقب، وقام بتمزيق الجص بعنف. دعونا لا ننسى أنه كان أحد أكثر المناهضين للتدخل صراحة خلال ولاية أوباما.
  أما بالنسبة لأولئك الذين يستشهدون بانحدار أمريكي جديد، وبجرح أصاب كرامة البلاد، نذكّر أن عودة العظمة الأمريكية سرعان ما جاءت، كرد فعل عنيف، بعد سايغون، مع انتخاب ريغان.
 ولدينا اليوم، ببساطة، تأكيد على أن سياسة بايدن لن تكون دولية وتدخلية، كما أردنا أن نصدق بسرعة كبيرة.
 ولأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية، لم تعد النزعة التدخلية في الولايات المتحدة قابلة للدفاع عنها منذ ما يقرب من عشر سنوات:
فقد تم انتخاب أوباما ثم ترامب جزئيًا، لأنهما عرفا كيف يلعبان على حبل الجنود القتلى والدولارات التي تُنفق عبثًا في الخارج.

  * هل حجة التركيز على الصين كافية؟
   - نعم الآن. يتم تقديم أي تدخل في ساحة عمليات اخرى على أنه تحويل وجهة عن الرهان الرئيسي اي المنافســـــة مع الصين.
 لكن هذا التنافس يمكن أيضًا أن تدور رحاه في مناطق تعتبر ثانوية، وليس هناك شك في أن الصين، من خلال علاقاتها مع باكستان،
 ستقدم بيادقها في أفغانستان، وربما تلعب دور الداعم المالي، بما أن الولايات المتحدة تخلت عن هذا الدور... باستثناء أن بكين تعرف تاريخ هذا البلد الذي فشلت فيه التدخلات الخارجية.
------------------------