واقع أخفته عن الرأي العام ثلاث رئاسات متتالية

أفغانستان: انتصار حركة طالبان ليس مفاجأة...!

أفغانستان: انتصار حركة طالبان ليس مفاجأة...!

- شرعت الولايات المتحدة في حرب دون أن تحدد استراتيجيتها
- أكد كل من بوش وأوباما للأمريكيين أنهما لن يقعا في فخ بناء الأمة
- يعترف معظم المسؤولين عن الحرب، بأنهم لا يعرفون من هو عدوهم في أفغانستان
- ما أنفق على الدولة الأفغانية، يفوق ما تم إنفاقه على إعادة بناء أوروبا بخطة مارشال
- انسحاب الولايات المتحدة يأتي لإنهاء حرب سبق أن خسرتها منذ فترة طويلة


منذ سقوط كابول، كانت المقارنة في أذهان الجميع. صورة طائرة هليكوبتر نقل أمريكية من طراز شينوك تحلق فوق سفارة الولايات المتحدة في كابول تذكّر حتما بكارثة تاريخية أخرى، وهي كارثة الإخلاء الطارئ لسايغون، فيتنام، أبريل 1975.
الأسابيع الأخيرة من هجوم طالبان الذي أدى إلى سقوط كابول، قدّمت آخر مثال على المفاهيم الأمريكية الخاطئة. قبل أربعة أيام من سقوط العاصمة، قدّر محللون عسكريون في البنتاغون، أن المدينة ستصمد تسعين يوما. وفي 8 يوليو، أكد الرئيس جو بايدن، خلال مؤتمر صحفي، أن انتصار طالبان ليس حتميا، وأنه مطمئن على قدرات المقاومة للجيش الوطني الأفغاني. وردا على سؤال حول احتمال وجود تشابه بين أفغانستان وفيتنام، أجاب: “لن تشهد إخلاء أفغانستان من سطح السفارة الأمريكية».

من المؤكد أن الرئيس الأمريكي لم يكن يؤمن للحظة واحدة بصحة تصريحاته، وكان هدفه الرئيسي هو الوفاء بوعد حملته الانتخابية: إخراج الولايات المتحدة من الحروب الأبدية في أفغانستان والشرق الأوسط، وإعادة الأولاد إلى الوطن. لكن، لئن استمر التدخل الأمريكي في أفغانستان طويلاً - فترة بلغت درجة أن بعض الجنود الذين أرسلوا للقتال، كانوا أصغر من أن يعرفوا هجمات 11 سبتمبر 2001 - فذلك تحديدا بسبب أكاذيب وإنكار ثلاث إدارات أمريكية متعاقبة.

حرب بلا خطة
لا يصمد التشابه بين فيتنام وأفغانستان فقط بسبب الصور، ولكن أيضًا بسبب الاختلالات السياسية العديدة التي أدت إلى هزائم مماثلة منذ أكثر من أربعين عامًا. كان للصراع في فيتنام “أوراق البنتاغون”، نشر صحيفة نيويورك تايمز لدراسة وزارة الدفاع الأمريكية، كشف الفجوة بين خطاب البيت الأبيض والواقع على الأرض. وفي ديسمبر 2019، نشرت صحيفة واشنطن بوست هذه المرة، “أوراق أفغانستان”. بعد سنوات من المعارك القانونية، حصلت الصحيفة الأمريكية اليومية على تقرير هيئة مراقبة إعادة إعمار أفغانستان (سيغار).
من 2014 إلى 2018، قابلت هذه الهيئة مئات السياسيين والجنود والدبلوماسيين. وهنا مرة أخرى، كان تقديرهم، بعيدًا عن الجمهور، يتناقض جذريًا مع الخطب الرسمية.

يعترف معظم المسؤولين عن الحرب، على سبيل المثال، بأنهم لا يعرفون من هو عدوهم في أفغانستان: القاعدة؟ طالبان؟ باكستان متهمة بدعم طالبان؟ أم تنظيم الدولة الإسلامية؟ عند سؤاله عن الموضوع، قال دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي من عام 2001 إلى عام 2006، إلى سيغار، أنه “لا يعرف هوية الأشرار «.
وهكذا شرعت الولايات المتحدة في حرب دون أن تحدد استراتيجيتها. بدأ جورج دبليو بوش الصراع عام 2001 بأهداف واضحة على ما يبدو: تدمير القاعدة، والإطاحة بنظام طالبان، والتأكد من أن أفغانستان لن تصبح مجددا ملاذاً يمكن للإرهابيين انطلاقا منه ارتكاب أحداث 11 سبتمبر أخرى. وقد تحققت هذه الأهداف فعليًا بين 2001 و2002، مع مقتل قادة طالبان وزعماء القاعدة أو هروبهم. ولكن في وقت مبكر من عام 2003، كان بوش يستعد لغزو دولة أخرى، العراق، وتأجيل أفغانستان.

رأى أحد الدبلوماسيين الذين قابلتهم سيغار في ذلك خطأ غطرسة وعنجهية: “بداية، كان علينا غزو دولة واحدة فقط في كل مرة”، قال ساخرًا، خوفًا من تخمة النظام السياسي والعسكري الأمريكي.
وعندما أصبح باراك أوباما رئيسًا عام 2009، لم يعد للقاعدة أي سيطرة في أفغانستان، الا ان طالبان كانت تزحف وتتقدم. وضع الرئيس الديمقراطي حينها أهدافًا مختلفة جذريًا عن الأهداف الأولية وأطلق حملة ضخمة لمكافحة التمرد من خلال إرسال المزيد من القوات. إنه يأمل في إعادة إنتاج نجاح الخطة التي قادها الجنرال ديفيد بتريوس في العراق عام 2007، والتي مكنت بشكل خاص من هزم القاعدة.

انتصار يستحيل تكراره في أفغانستان، بحسب مسؤولين استشارهم سيغار.
 لكن البيت الأبيض أكد للشعب الأمريكي “إحراز تقدم”، وذهب إلى حد تقديم إحصائيات متحيزة، كما فعل وزير الدفاع روبرت ماكنمارا خلال حقبة فيتنام.
أحد الأخطاء الرئيسية لأوباما الذي وعد أيضا بالانسحاب ليتم انتخابه: تحديد مواعيد نهائية مصطنعة للنصر... وكان على طالبان فقط المقاومة والانتظار.

سريع جدا، قوي جدا
طوال فترة الصراع، كما في أيام فيتنام، لم ترغب الإدارات الأمريكية المتعاقبة في رؤية المشكلة التي يمثلها حليفها الرئيسي: الحكومة الأفغانية. أكد كل من بوش وأوباما للأمريكيين أنهما لن يقعا في فخ بناء الدولة. عام 2018، أشارت صحيفة واشنطن بوست، إلى أن الولايات المتحدة قد أفرجت حتى الآن عن 133 مليار دولار للسماح للدولة الأفغانية بالتطور -وهو مبلغ أكبر من المبلغ الذي تم إنفاقه على إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بخطة مارشال. والهزيمة العسكرية السريعة كالبرق للجيش الوطني الأفغاني في الأسابيع الأخيرة كافية لتقييم النتائج.
كما أخبر مسؤول من وزارة الدفاع الأمريكية سيغار، بأن إنشاء دولة ديمقراطية مستقرة في أفغانستان ربما يستغرق في الواقع “مائة عام” في بلد لم يعرف فيه السكان سوى القبلية والملكية والشيوعية والشريعة.

وخصوصا، أدى التدفق الهائل للدولارات الأمريكية إلى أفغانستان إلى إطلاق العنان للفساد المستشري اصلا. وهكذا تم وصف حكومة حامد كرزاي (الرئيس الأفغاني من 2004 إلى 2014) بأنها ليست أقل من حكم كليبتوقراطي منذ عام 2006 من قبل المسؤولين الأمريكيين. لقد تم تحويل وجهة الكثير من أموال إعادة الإعمار من قبل نظام مدعوم من الولايات المتحدة مع الإفلات من العقاب. حقيقة مخفيّة إلى حد كبير عن دافعي الضرائب الأمريكيين، وأكد أوباما أن “الحرب على الفساد” تتقدم أيضًا. وعلى الأرض، كان لدى السكان الأفغان، المحرومين من الوصول إلى الثروة، المزيد والمزيد من الأسباب للتوجه إلى طالبان.

أخيرًا، فإن العديد من الوفيات بين المدنيين التي تسببت فيها القوات الأمريكية قد مرت في معظمها دون عقاب. ووفق دراسة تستند إلى بيانات الأمم المتحدة، زادت الخسائر المدنية من الضربات الجوية بنسبة 330 بالمائة بين عام 2016، العام الأخير لأوباما في المنصب، و2019. وبين 2016 و2020، في ظل رئاسة ترامب، قيل إن الضربات الجوية للقوات الجوية الأمريكية والأفغانية قتلت ما يقرب من 4000 مدني 40 بالمائة منهم أطفال. بما، هنا ايضا، يقلّل ثقة الأفغان في حكومتهم.
بعد التفجيرات الأمريكية الأولى في أكتوبر 2001، صرح جورج دبليو بوش للصحافة: “لقد تعلمنا الكثير من فيتنام”... بعد عشرين عاما وما لا يقلّ عن عشرات الآلاف من القتلى، السؤال الآن هو ما هي الدروس التي سيتم استخلاصها من أفغانستان.
-------------------------
*متخصص في العلاقات الدولية والإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة.