تحت رعاية رئيس الدولة.. خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل تخريج جامعة خليفة لعام 2025
الاستقرار الإقليمي ومنع تصاعد الإرهاب
أفغانستان: بعد الوجود الأمريكي، النظام الصيني...!
-- طورت الصين استراتيجية بديلة لمواجهة هذا السياق الجيوسياسي الجديد
-- دعوة لإنشاء «حزام أمان» حول أفغانستان لمنع توسع محتمل للجماعات الإرهابية
-- الوضع الجيوسياسي الجديد يجبر بكين على ملء الفراغ الأمني الخطير الذي نشأ
-- لم تكن آسيا الوسطى أولوية للسياسة الخارجية الصينية، والانسحاب الأمريكي لا يغيّر هذا الموقف جوهريًا
-- وجود المعادن الاستراتيجية في أفغانستان يسيل لعاب الصين، لكن الاستقرار السياسي شرط أساسي لاستغلالها
بعد 20 عامًا من التواجد في أفغانستان، غادرت الولايات المتحدة ذلك البلد في 30 أغسطس. وردت الصين بإدانة هذا “الانسحاب المتسرع”. هذا البيان عزف نشاز لأن بكين تدين بشكل روتيني ومنهجي أي وجود أمريكي بالقرب من حدودها. باختصار، نحن لسنا معتادين على الكثير من الصراحة أو حتى البراءة من جانب بكين.
يمكن تفسير هذا التحليل المختلف الذي أجرته السلطات الصينية لأفغانستان: كان هناك غلبة في مزايا رؤية الولايات المتحدة متورطة في مستنقع ذاك البلد. فمن ناحية، أخذت الولايات المتحدة على عاتقها ضمان عدم التحضير لهجمات إرهابية من أفغانستان. ومن ناحية أخرى، كان لهذا الوجود العسكري الأمريكي الضخم أثر في الحد من قدرة الولايات المتحدة على التدخل في مسارح عمليات أخرى.
تقوم الولايات المتحدة والصين بنفس التحليل هنا. كما قال الرئيس بايدن، “لا يوجد شيء تريده الصين وروسيا أكثر من رؤية الولايات المتحدة تغرق لعقد آخر في أفغانستان”. وسبق ان حثت بكين في أبريل، واشنطن على “أن تأخذ في الحسبان بشكل كامل المخاوف الأمنية المعقولة للمنطقة».
ومع ذلك، طورت الصين استراتيجية بديلة لمواجهة هذا السياق الجيوسياسي الجديد. الهدف الأول: ضمان الاستقرار الإقليمي ومنع تصاعد الإرهاب.
من وجهة نظر بكين، يمثّل الأويغور في شينجيانغ، أولاً وقبل كل شيء، مشكلة أمنية، رغم أنه وفقًا لمنظمات حقوقية، فإننا هناك امام “جرائم ضد الإنسانية” ارتكبتها الحكومة الصينية. في يوليو، التقى وفد من طالبان بوزير الخارجية الصيني وانغ يي في الصين. بالنسبة لبكين، يتعلق الأمر بالحصول على تأكيدات بأن نظام طالبان لن يدعم حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي منظمة إيغورية انفصالية أعلنت في الماضي مسؤوليتها عن هجمات في الصين.
ضمان الاستقرار
مع رحيل القوات الأمريكية، أصبح على عاتق الصين ضمان استقرار أفغانستان والدول الواقعة على الحدود في آسيا الوسطى، حيث يمكن أن يحفّز انتصار طالبان الجماعات المتطرفة. بالتأكيد، إن ذلك لن يعني إرسال قوات صينية إلى أفغانستان، لكن التزام طالبان بمنع الهجمات الإرهابية قد لا يكون بالضرورة كافياً، وحتى العلاقات الودية مع النظام الأفغاني الجديد لا تشكل ضمانة.
ففي يوليو الماضي، في باكستان المجاورة، وهي دولة صديقة للصين منذ عقود، أودى هجوم إرهابي بحياة تسعة مواطنين صينيين. وفي أفغانستان نفسها، في أواخر أغسطس، أدى هجوم انتحاري تبنته “جماعة داعش - خراسان”، إلى مقتل ما يقرب من 200 شخص.
وسيكون على الصين أيضًا، أن تقلق بشأن الأمن في المناطق المجاورة في آسيا الوسطى. وفي هذا الصدد، فإن منظمة شنغهاي للتعاون، التي أنشأتها الصين وروسيا، مدعوة للعب دور قيادي. ولاستكمال هيكل الأمن الإقليمي، وقعت بكين اتفاقية تعاون استراتيجي مع طهران في وقت سابق من هذا العام، واعترفت منظمة شنغهاي للتعاون مؤخرا بإيران كعضو جديد. طاجيكستان، التي ذهب عدة مئات من مواطنيها للقتال مع الجماعات المتطرفة في سوريا، هي دولة عضو في منظمة شنغهاي للتعاون. وفي قمة المنظمة في 17 سبتمبر، دعا الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان إلى إنشاء “حزام أمان” حول أفغانستان لمنع توسّع محتمل للجماعات الإرهابية. وهذا الحذر تتقاسمه بكين. وخلال القمة ذاتها، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إنه “يأمل” أن يرى سلطات طالبان تقطع العلاقات مع جميع القوى الإرهابية.
باختصار، من جانب الصين والدول المجاورة لآسيا الوسطى، هم في طور انتظار تجسيم الوعود، لأنه، رغم تأكيدات كابول، لا يزال الوضع الأمني غير مؤكد ومتقلب.
تقليديا، لم تكن آسيا الوسطى أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية. ولا يغير انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وجهة النظر هذه جوهريًا. ومع ذلك، فإن الوضع الجيوسياسي الجديد يجبر بكين على ملء الفراغ الأمني الخطير الذي نشأ. هذا هو الهدف الأساسي. ومن المؤكد أن وجود المعادن الاستراتيجية مثل الليثيوم و”التربة النادرة” في أفغانستان أمر مثير للاهتمام بالنسبة للصين، لكن الاستقرار السياسي شرط أساسي لاستغلالها.
لقد تم منح الصين وضعًا متميزًا من قبل النظام الأفغاني الجديد، الذي أعلم أن هذا البلد سيكون “الشريك الرئيسي” لطالبان. وهذه بالتأكيد أخبار جيدة للصين. لكن أعين السلطات الصينية تتجه أكثر إلى شرق آسيا وجنوب شرق آسيا. فإذا كانت الصين قد شجبت “مغادرة الولايات المتحدة المتسرعة” لأفغانستان، فإن الخطاب يختلف تمامًا بالنسبة لبحر الصين الجنوبي، حيث تقول بكين إن الوجود الأمريكي “يقوض الاستقرار في المنطقة».
ويعطي التشكيل الأخير للتحالف بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة مزيدًا من الأهمية والحدة للتنافس بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن المحتمل أن يكون هناك، قبل أفغانستان وآسيا الوسطى، قيام بكين بأهم استثماراتها الاستراتيجية.
------------------------------
* كرونيكور حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون باريس تخصص السياسة الخارجية الصينية.
-- دعوة لإنشاء «حزام أمان» حول أفغانستان لمنع توسع محتمل للجماعات الإرهابية
-- الوضع الجيوسياسي الجديد يجبر بكين على ملء الفراغ الأمني الخطير الذي نشأ
-- لم تكن آسيا الوسطى أولوية للسياسة الخارجية الصينية، والانسحاب الأمريكي لا يغيّر هذا الموقف جوهريًا
-- وجود المعادن الاستراتيجية في أفغانستان يسيل لعاب الصين، لكن الاستقرار السياسي شرط أساسي لاستغلالها
بعد 20 عامًا من التواجد في أفغانستان، غادرت الولايات المتحدة ذلك البلد في 30 أغسطس. وردت الصين بإدانة هذا “الانسحاب المتسرع”. هذا البيان عزف نشاز لأن بكين تدين بشكل روتيني ومنهجي أي وجود أمريكي بالقرب من حدودها. باختصار، نحن لسنا معتادين على الكثير من الصراحة أو حتى البراءة من جانب بكين.
يمكن تفسير هذا التحليل المختلف الذي أجرته السلطات الصينية لأفغانستان: كان هناك غلبة في مزايا رؤية الولايات المتحدة متورطة في مستنقع ذاك البلد. فمن ناحية، أخذت الولايات المتحدة على عاتقها ضمان عدم التحضير لهجمات إرهابية من أفغانستان. ومن ناحية أخرى، كان لهذا الوجود العسكري الأمريكي الضخم أثر في الحد من قدرة الولايات المتحدة على التدخل في مسارح عمليات أخرى.
تقوم الولايات المتحدة والصين بنفس التحليل هنا. كما قال الرئيس بايدن، “لا يوجد شيء تريده الصين وروسيا أكثر من رؤية الولايات المتحدة تغرق لعقد آخر في أفغانستان”. وسبق ان حثت بكين في أبريل، واشنطن على “أن تأخذ في الحسبان بشكل كامل المخاوف الأمنية المعقولة للمنطقة».
ومع ذلك، طورت الصين استراتيجية بديلة لمواجهة هذا السياق الجيوسياسي الجديد. الهدف الأول: ضمان الاستقرار الإقليمي ومنع تصاعد الإرهاب.
من وجهة نظر بكين، يمثّل الأويغور في شينجيانغ، أولاً وقبل كل شيء، مشكلة أمنية، رغم أنه وفقًا لمنظمات حقوقية، فإننا هناك امام “جرائم ضد الإنسانية” ارتكبتها الحكومة الصينية. في يوليو، التقى وفد من طالبان بوزير الخارجية الصيني وانغ يي في الصين. بالنسبة لبكين، يتعلق الأمر بالحصول على تأكيدات بأن نظام طالبان لن يدعم حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي منظمة إيغورية انفصالية أعلنت في الماضي مسؤوليتها عن هجمات في الصين.
ضمان الاستقرار
مع رحيل القوات الأمريكية، أصبح على عاتق الصين ضمان استقرار أفغانستان والدول الواقعة على الحدود في آسيا الوسطى، حيث يمكن أن يحفّز انتصار طالبان الجماعات المتطرفة. بالتأكيد، إن ذلك لن يعني إرسال قوات صينية إلى أفغانستان، لكن التزام طالبان بمنع الهجمات الإرهابية قد لا يكون بالضرورة كافياً، وحتى العلاقات الودية مع النظام الأفغاني الجديد لا تشكل ضمانة.
ففي يوليو الماضي، في باكستان المجاورة، وهي دولة صديقة للصين منذ عقود، أودى هجوم إرهابي بحياة تسعة مواطنين صينيين. وفي أفغانستان نفسها، في أواخر أغسطس، أدى هجوم انتحاري تبنته “جماعة داعش - خراسان”، إلى مقتل ما يقرب من 200 شخص.
وسيكون على الصين أيضًا، أن تقلق بشأن الأمن في المناطق المجاورة في آسيا الوسطى. وفي هذا الصدد، فإن منظمة شنغهاي للتعاون، التي أنشأتها الصين وروسيا، مدعوة للعب دور قيادي. ولاستكمال هيكل الأمن الإقليمي، وقعت بكين اتفاقية تعاون استراتيجي مع طهران في وقت سابق من هذا العام، واعترفت منظمة شنغهاي للتعاون مؤخرا بإيران كعضو جديد. طاجيكستان، التي ذهب عدة مئات من مواطنيها للقتال مع الجماعات المتطرفة في سوريا، هي دولة عضو في منظمة شنغهاي للتعاون. وفي قمة المنظمة في 17 سبتمبر، دعا الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان إلى إنشاء “حزام أمان” حول أفغانستان لمنع توسّع محتمل للجماعات الإرهابية. وهذا الحذر تتقاسمه بكين. وخلال القمة ذاتها، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إنه “يأمل” أن يرى سلطات طالبان تقطع العلاقات مع جميع القوى الإرهابية.
باختصار، من جانب الصين والدول المجاورة لآسيا الوسطى، هم في طور انتظار تجسيم الوعود، لأنه، رغم تأكيدات كابول، لا يزال الوضع الأمني غير مؤكد ومتقلب.
تقليديا، لم تكن آسيا الوسطى أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية. ولا يغير انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وجهة النظر هذه جوهريًا. ومع ذلك، فإن الوضع الجيوسياسي الجديد يجبر بكين على ملء الفراغ الأمني الخطير الذي نشأ. هذا هو الهدف الأساسي. ومن المؤكد أن وجود المعادن الاستراتيجية مثل الليثيوم و”التربة النادرة” في أفغانستان أمر مثير للاهتمام بالنسبة للصين، لكن الاستقرار السياسي شرط أساسي لاستغلالها.
لقد تم منح الصين وضعًا متميزًا من قبل النظام الأفغاني الجديد، الذي أعلم أن هذا البلد سيكون “الشريك الرئيسي” لطالبان. وهذه بالتأكيد أخبار جيدة للصين. لكن أعين السلطات الصينية تتجه أكثر إلى شرق آسيا وجنوب شرق آسيا. فإذا كانت الصين قد شجبت “مغادرة الولايات المتحدة المتسرعة” لأفغانستان، فإن الخطاب يختلف تمامًا بالنسبة لبحر الصين الجنوبي، حيث تقول بكين إن الوجود الأمريكي “يقوض الاستقرار في المنطقة».
ويعطي التشكيل الأخير للتحالف بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة مزيدًا من الأهمية والحدة للتنافس بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن المحتمل أن يكون هناك، قبل أفغانستان وآسيا الوسطى، قيام بكين بأهم استثماراتها الاستراتيجية.
------------------------------
* كرونيكور حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون باريس تخصص السياسة الخارجية الصينية.