نعمة للحركة المعزولة:

أفغانستان: رهان الصين مع طالبان...!

أفغانستان: رهان الصين مع طالبان...!

 - لن تسمح طالبان أبدًا لأي قوة باستغلال أراضي أفغانستان للقيام بأعمال تضر بالصين
- أكثر ما تخشاه بكين هو أن يؤدي انتصار طالبان إلى زعزعة استقرار شينجيانغ
- في تقرير مشترك أممي وأوروبي، تقدّر إمكانات جميع الموارد الجوفية لأفغانستان بحوالي تريليون دولار
- سبب آخر لاهتمام الصين بأفغانستان: وفرة تربتها من النحاس والأتربة النادرة والليثيوم والمعادن الأخرى
- هذا التقارب نعمة لطالبان التي تدرك جيدًا أن عزلتها ساعدت في التعجيل بسقوطها في نهاية عام 2001


  كانت الصين من أوائل الدول التي انفتحت على بناء علاقات دبلوماسية مع طالبان عندما استعادت السيطرة على أفغانستان. واعتراف بكين وموسكو بحكومة الحركة سيكون نعمة للملالي، الذين ساهمت عزلتهم الدولية في سقوط عام 2001.
   في 28 يوليو، استقبل وزير الخارجية وعضو مجلس الدولة الصيني، وانغ يي، وفدا من طالبان برئاسة رئيس اللجنة السياسية لطالبان الملا عبد الغني بارادار، الشريك المؤسس والرجل الثاني في الحركة الأصولية، في مدينة تيانجين الساحلية، على بعد 100 كيلومتر شرق بكين. وكان ضمن هذا الوفد أيضًا، رئيس مجلس الشؤون الدينية لحركة طالبان.

   ثم أعلن وانغ يي، أن أفغانستان هي أكبر جار للصين، وأن هذه الأخيرة، تحترم دائمًا استقلال ووحدة أراضي هذا البلد، وتنوي عدم التدخل في شؤونه الداخلية مع مراعاة سياسة الصداقة تجاه الشعب الأفغاني بأكمله.

وقال وزير الخارجية الصيني، إن أفغانستان ملك للشعب الأفغاني، وأن مستقبلها يجب أن يكون في أيدي شعبها. واضاف وانغ يي، إن الانسحاب المتسرع للجيش الأمريكي يوضح إفلاس سياسة واشنطن تجاه هذا البلد: ونتيجة لذلك، لدى الشعب الأفغاني الآن فرصة مهمة لتحقيق الاستقرار الوطني، و”ضمان تنميته الاقتصادية».
   وأوضح الوزير، أن حركة طالبان تمثل قوة عسكرية وسياسية مهمة في أفغانستان، وبالتالي ينبغي أن تلعب دورًا مركزيًا في بناء السلام والمصالحة وإعادة إعمار البلاد.

«صديق يمكن الاعتماد عليه»
   «نعرب عن أملنا في أن تضع طالبان مصالح البلاد على رأس أولوياتها، وأن ترفع راية محادثات السلام عالياً، وأن تبني هدفًا للسلام بالإضافة إلى صورة إيجابية عن البلاد، تمامًا كما ستتبع سياسة شاملة، شدّد وانغ يي، ويجب أن تتحد كل التيارات والأعراق في أفغانستان معًا لتشكيل كيان واحد، ويكون هدفهم مبدأ “أفغانستان سيدة على اراضيها”. كما يجب أن يركزوا على السعي لتحقيق السلام والمصالحة الوطنية، وإنشاء هياكل سياسية واسعة بشكل مستقل تتناسب مع الحقائق الوطنية لأفغانستان. «
   وأصر وزير الخارجية الصيني، على أن حركة تركستان الشرقية الإسلامية ،هي منظمة إرهابية دولية مصنّفة على هذا النحو من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هذه الحركة “تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي للصين وسلامة أراضيها، وأن محاربة هذه الحركة مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي، شدّد وانغ يي، ونأمل أن تقوم حركة طالبان بقطع العلاقات مع جميع المنظمات الإرهابية، بما في ذلك تلك الحركة، وإزالة جميع العقبات التي تحول دون ذلك من أجل تهيئة الظروف للأمن والاستقرار والتنمية والتعاون في الجهة. «

   من جانبه، أعرب الملا بردار، عن ارتياحه لاستقبال الوزير الصيني. وشدد على أن الصين “كانت دائما صديقا موثوقا به للشعب الأفغاني”، مضيفا أنه أشاد شخصيا “بالدور العادل والإيجابي” الذي لعبته بكين في البحث عن السلام والمصالحة في أفغانستان.
   وشدد على أن طالبان “لديها هدف صادق للعمل من أجل السلام، وإنها على استعداد للعمل مع الأطراف الأفغانية الأخرى لإنشاء إطار سياسي في أفغانستان يتسم بالاتساع والشمول، ويكون مقبولا من قبل جميع الأفغان. كما ستعمل طالبان على حماية حقوق الإنسان، وخاصة حقوق النساء والأطفال، ولن تسمح الحركة أبدًا لأي قوة باستغلال أراضي أفغانستان للقيام بأعمال تضر بالصين. «

   وعبّر الملاّ عن أمله في أن تطور الصين علاقات ودية مع الدول المجاورة لها: “يجب أن تشارك الصين بشكل أكبر في عملية السلام والمصالحة في أفغانستان، وأن تلعب دورًا أكثر أهمية في عملية التنمية وإعادة الإعمار في البلاد. «
   ونحن نعرف الآن أن وعود طالبان فيما يتعلق بالفتيات والنساء على وجه الخصوص، قد تمت خيانتها، وكذلك تلك المتعلقة بانفتاح حكومة طالبان المستقبلية في كابول على مختلف الأطراف المعنية.

نعمة لطالبان
   لم تتردد بكين في وصف الانسحاب المتسرع للقوات الأمريكية من أفغانستان بأنه “إفلاس” للسياسة الأمريكية هناك. هذا الانسحاب المتسرع، بعد عشرين عاما من الوجود العسكري على الأراضي الأفغانية، وكلّف أمريكا أكثر من تريليون دولار، سمح لطالبان بالعودة إلى السلطة في غضون عشرة أيام فقط، هازمة كل توقّعات الرئيس الأمريكي. فحتى أيام قليلة مضت، ظل جو بايدن يؤكد أن الجيش الأفغاني سيكون قادرًا على الصمود طيلة عام على الأقل.
   وتجدر الإشارة إلى أن أكثر ما تخشاه بكين هو أن يؤدي انتصار طالبان إلى زعزعة استقرار شينجيانغ، التي سبق ان تعرضت لسلسلة من الهجمات بين 2013 و2014، في حين حافظت طالبان في الماضي على علاقات وثيقة مع بعض المجموعات الاسلامية الصغيرة من الاويغور المنتصبة في افغانستان.

   منذ عام 2015، اتبعت الحكومة الصينية سياسة قمعية تجاه السكان الأويغور من المسلمين داخل شينجيانغ: يُقال إن أكثر من مليون من الأويغور والأقليات الأخرى، محتجزون في معسكرات إعادة تأهيل تعتبرها بكين “مراكز تدريب مهني” بحسب العديد من المصادر الغربية. وتبنّت برلمانات كندا والمملكة المتحدة وهولندا، نصوصًا تتهم بكين بارتكاب “إبادة جماعية” في شينجيانغ.
   «إن أولوية الصين، هي منع تشكيل حركات معادية في أفغانستان ومن ثم العمل في أراضيها. وهذا هو السبب وراء رغبتها في إعطاء الأولوية للاستقرار السياسي لجارتها، حتى لو كان ذلك يعني التوصل إلى تفاهم مع طالبان”، أكد مؤخرًا أنطوان بونداز، الباحث في مؤسسة البحوث الاستراتيجية والمتخصص في الصين.

   هذا التقارب نعمة لطالبان، فالحركة تدرك جيدًا أن عزلتها ساعدت في التعجيل بسقوطها في نهاية عام 2001، وهي تسعى اليوم لنيل دعم على المسرح العالمي، وبحاجة إلى اعتراف دولي لاكتساب شرعية وترسيخ سلطتها. ولا شك ان الحصول على دعم قوتين عظميين مثل الصين وروسيا، سيكون رصيدًا كبيرًا وورقة رابحة لها، يعتبر كريم باكزاد، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية والمتخصص في أفغانستان وإيران والعراق.
   وهذه هي النقطة الرئيسية التي تلوح بها بكين وموسكو للحركة. وقد اشار المبعوث الرئاسي الروسي لأفغانستان، زامير كابولوف، مؤخرًا، إن روسيا يمكن أن تعترف بحكم طالبان إذا تصرفت “بمسؤولية».
   «يجب ضمان المصالح الروسية: أي ضمان حماية الدبلوماسيين الروس والمواطنين الروس الموجودين في أفغانستان، وعدم زعزعة استقرار الدول التي تشكل جزءً من منطقة النفوذ الروسي في المنطقة”، تلاحظ كارول جريمود بوتر، مؤسسة مركز أبحاث روسيا وأوروبا الشرقية، ومقره جنيف. انه خطاب مشابه لخطاب الجار الصيني.

«مخزون ضخم من الليثيوم، لم يتم استغلاله حتى الآن»
   ولكن هناك سبب آخر لاهتمام الصين بأفغانستان: وفرة تربتها من النحاس والأتربة النادرة والليثيوم والمعادن الأخرى. عام 2013، قُدّرت الإمكانات الهائلة لجميع الموارد الجوفية لأفغانستان بحوالي تريليون دولار في تقرير مشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بتاريخ 2013. ويزخر باطن الأرض في أفغانستان بالمعادن التي تعتبر بالغة الأهمية للانتقال الطاقي والمناخي.
    وبحسب بعض التقديرات، فإن هذه الودائع تمثل مكاسب غير متوقعة لم يتم استغلالها حتى اليوم، وبالتالي فهي الآن في أيدي نظام طالبان الحاكم في البلاد. “تمتلك أفغانستان رواسب من البوكسيت والنحاس والحديد والليثيوم والأتربة النادرة”، يقول أحدث تقرير سنوي عن موارد التعدين في أفغانستان، صدر في يناير 2021 عن المعهد الأمريكي للدراسات الجيولوجية.

   وبينما يحاول العالم العيش دون الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، يزداد البحث عن هذه المعادن لنقل أو تخزين الكهرباء. وهكذا حطم النحاس، وهو عنصر أساسي في صناعة الأسلاك الكهربائية، رقمه القياسي التاريخي هذا العام في الأسواق العالمية، بتكلفة تفوق 10 آلاف دولار للطن. والليثيوم، هو مورد أساسي للانتقال الطاقي، ويتم استخدامه لتخزين الطاقة في البطاريات أو الطاقة الشمسية أو الرياح.
   عام 2020، انضم الليثيوم إلى القائمة الرسمية المكونة من 30 مادة خام تعتبر “حاسمة” لاستقلال الاتحاد الأوروبي الطاقي، إلى جانب الكوبالت والجرافيت والسيليكون والتنتالوم على وجه الخصوص. وقدرت وكالة الطاقة الدولية من جانبها في مايو الماضي أن الطلب العالمي على الليثيوم سيتضاعف بمقدار 40 بحلول عام 2040. ومع ذلك، فإن أفغانستان “تحتفظ بمخزون هائل من الليثيوم، لم يتم استغلاله حتى الآن”، يشير الى وكالة فرانس برس، غيوم بترون، مؤلف كتاب حرب المعادن النادرة (2018).

   وتعتبر الأتربة النادرة، مثل النيوديميوم أو البراسيوديميوم أو الديسبروسيوم، والتي توجد أيضًا في أفغانستان، ضرورية في تصنيع المغناطيس المستخدم في صناعات المستقبل مثل طاقة الرياح والسيارات الكهربائية. وكانت البلاد، التي تعد ثروتها الباطنية أسطورية، معروفة حتى الآن بشكل أساسي بالأحجار الكريمة “اللازورد والزمرد والياقوت والتورمالين”، ومسحوق التلك، أو حتى الرخام. كما أنها تنتج الفحم والمعادن التقليدية مثل الحديد.

مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.