سياستها تثير شكوكا وجدلا:

ألمانيا-أوروبا: سيناريوهات ما بعد أنجيلا ميركل...!

ألمانيا-أوروبا: سيناريوهات ما بعد أنجيلا ميركل...!

  بينما ستتنحى المستشارة الحالية قريبًا، فإن مستقبل السياسة الألمانية داخل الاتحاد الأوروبي يظل موضوع الكثير من الجدل وعدم اليقين.
   شغلت أنجيلا ميركل منصب المستشارة لجمهورية ألمانيا الاتحادية من 2005 إلى 2021. فقط، كونراد أديناور "1949-1963" وهيلموت كول "1982-1998" شغلا رئاسة الحكومة الألمانية نفس المدة. وفي نظر العديد من المراقبين، فإن سجلها الأوروبي مخيب للآمال بدرجة أكبر: أزمة اليورو، والصعوبات في تعزيز إدارة منطقة اليورو، أو سياسات التقشف في الميزانية المطبقة في أوروبا، ساهمت جميعها في إلقاء الشكوك حول التزام ألمانيا الأوروبي.
أجريت مؤخرا الانتخابات التشريعية لانتخاب المستشار الالماني الجديد في 26 سبتمبر. ولئن تستمر المفاوضات بشكل جيد حول تشكيل الحكومة المستقبلية، يبدو أن نقطة تحول قد تحدث بعد رحيل أنجيلا ميركل، نقطة تحول بالنسبة للبلد، ولكن أيضًا للاتحاد الأوروبي.

المنتصرون الاشتراكيون الديمقراطيون والخضر والليبراليون
   في 26 سبتمبر، حصل المسيحيون الديمقراطيون، "حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي - الاتحاد المسيحي الاجتماعي" بقيادة أرمين لاشيت على 24 فاصل 1 بالمائة فقط من الأصوات، وهي ببساطة أسوأ نتيجة في تاريخهم.
   في المقابل، يستطيع الاشتراكيون الديمقراطيون وحزب الخضر تهنئة أنفسهم على النتائج التي حققوها. استطاع أولاف شولتز، الذي قاد حملة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وضع حدّ لانحدار حزبه، الذي بدأ منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بجمعه 25 فاصل 7 بالمائة من الأصوات. وبفضل حملة ذكية أعطت أهمية لقضية التحول البيئي، أثبت شولتز، دون شك، وجوده. من جانبهم، يجمع الخضر أفضل نتيجة في تاريخهم بتحقيق نسبة 14 فاصل 8 بالمائة من الأصوات.
   احتمالان أساسيان طرحا فيما يتعلق بتشكيل الحكومة المستقبلية. استبعد الخيار الأول، المتمثل في أن يقود المسيحيون الديمقراطيون الحكومة الجديدة بدعم من الاشتراكيين الديمقراطيين أو بدعم من الليبراليين وأنصار البيئة. لكن هذا كان يعني التجديد للمحافظين، الذين تعرضوا لهزيمة قاسية في الانتخابات، بالإضافة إلى ان الخضر يرفضون بشدة هذا الاحتمال.
   المسار الثاني المفتوح والجاري، هو تشكيل ائتلاف بين الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر والليبراليين من الحزب الديمقراطي الحر. وسيجمع هذا التحالف بين القيم التقدمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، والبراغماتية الاقتصادية التي يدعي الحزب الديمقراطي الحر أنه يجسدها. وسيشهد هذا السيناريو، الذي يحظى بقبول الأحزاب المعنية والناخبين، تشكيل حكومة مماثلة تمامًا لتلك التي حكمت ألمانيا في عهد ويلي برانت.

نقطة تحول اجتماعية وبيئية؟
   يعود نجاح الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى استعادة قدرته على كسب دعم العمال والعاطلين عن العمل. وهذا شكل من أشكال المصالحة مع أصوله. لقد بنى هذا الحزب حملته على موضوع "الاحترام" للعمال والعاطلين و"عامة الناس". ونأى الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنفسه عن سنوات شرودر، التي تميزت بتخفيض منح البطالة والتكيّف مع العولمة. وهدفه المعلن، بمجرد توليه السلطة، هو تنفيذ سياسة إعادة توزيع أكبر، مما يعني زيادة الضرائب على أغنى الأسر.
   يغذي الحزب الاشتراكي الديمقراطي العديد من المشاريع لإعادة إطلاق البناء الأوروبي، خلافًا لسنوات ميركل. ويقول الاشتراكيون الديمقراطيون في برنامجهم، إنهم يتطلعون إلى "أوروبا ذات سيادة"، والتي تشكل ثورة صغيرة في لغة اليسار الألماني الذي تحدث تاريخيًا عن قيم كونية أكثر من السيادة.
   بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، يتعلق الأمر دون شك بالحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة، ولكنه يتعلق أيضًا بإقامة سياسة دفاعية أوروبية. حتى أن الليبراليين يريدون جيشًا أوروبيًا مشتركًا يخضع لرقابة النواب الأوروبيين. والهدف هو إعطاء سيادة استراتيجية حقيقية لأوروبا، بما يتماشى مع مشاريع إيمانويل ماكرون في فرنسا.
   على المستوى الاقتصادي، يقوم البرنامج الأوروبي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، على مكونين: مشروع اتحاد اجتماعي وضريبي، وإنشاء صندوق استثمار مشترك بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني تكريس المساعدة بين الدول الأوروبية، وإنهاء المنافسة الضريبية بين الدول، ووضع خطة مالية لإحداث الانتقال إلى اقتصاد بيئي ورقمي. وتتطلب مثل هذه السياسة دعمًا لشركات الإنترنت الأوروبية، أو حتى عبر تفكيك الشركات الأمريكية العملاقة في هذا القطاع.
   الخضر، قريبون من هذه المقترحات، لكنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك. إنهم يقترحون استثمارات بقيمة 500 مليار يورو على مدى السنوات العشر القادمة في ألمانيا وحدها من أجل تحقيق اقتصاد محايد مناخيًا، وهو هدف يرون أنه من الممكن تحقيقه عام 2040.    وعلى مستوى السياسة الأوروبية، فإنهم يدعون إلى مزيد من الشفافية فيما يتعلق بتأثير جماعات الضغط على الهيئات الأوروبية، وهي منصة أوروبية تجمع وسائل الإعلام العامة. إنهم يريدون أيضًا تعزيز الحقوق في أوروبا من خلال ضمان الحد الأدنى من المعايير الاجتماعية في جميع أنحاء القارة، على سبيل المثال، عبر تشجيع الإدارة المشتركة، وإدخال الحد الأدنى للأجور، وإنشاء التأمين الأوروبي ضد البطالة.
   ويعتبر الاشتراكيون الديمقراطيون والخضر أيضًا، ضرورة منح البرلمان الأوروبي سلطة مراقبة السياسات الاقتصادية للاتحاد من أجل منحها شرعية ديمقراطية. ويعتزم الحزب الديمقراطي الحر أيضًا تقوية أوروبا بشكل كبير، لجعلها دولة فيدرالية تتمتع بدستور مشترك، وكتالوج للحقوق الأساسية، ومؤسسات قوية، وبرلمان أوروبي قوي.

مشاريع تنتظر أن تصبح حقيقة واقعة
   إن اليسار يتقدم... واليمين ينهار... لكن يمكن التساؤل إلى أي مدى ستنقطع ألمانيا تمامًا عن سياسة أنجيلا ميركل، خاصة أن المستشارة كرّست العديد من حلول الوسط: الانتعاش الاقتصادي عام 2008، والمساعدات (المشروطة) لليونان خلال أزمة اليورو، والتخلص التدريجي من الطاقة النووية، واستقبال المهاجرين عام 2015.
   بالإضافة إلى ذلك، فإن الشخصية الوسطية، أولاف شولتز، هي من تمتلك مفاتيح مستقبل البلاد. لقد كان وزيراً للمالية في حكومة ميركل منذ عام 2018، وهو رجل متحفظ، وينتمي إلى الجناح المحافظ داخل حزبه، وقد رفضه لفترة طويلة جزء من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي لم يجد أنه راسخ بما يكفي في اليسار.
    وإذا أصبح مستشارًا، فمن المستحيل في هذه المرحلة، معرفة سياسته بالتفصيل. لكن الأحزاب في المانيا توقع عقد ائتلاف يشجع على التسويات والذي يجب أن يأخذ في الاعتبار توقعات الليبراليين، المعادين لزيادة الإنفاق العام. ويريد الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأنصار البيئة والحزب الديمقراطي الحر، الإبقاء على "فرملة الديون"، حتى لو أراد الخضر والاشتراكيون الديمقراطيون تسهيل الاستثمار العمومي.
   أما بالنسبة لشيخوخة الجسم الانتخابي الألماني، فإن هذا يشجع على اتباع سياسات أكثر تدبيرًا وتوافقًا. على المستوى الأوروبي، سيتعين على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالتأكيد، مواجهة مقاومة من العديد من الدول لإنشاء حكومة في منطقة اليورو أو سياسة صناعية أوروبية محتملة. ان اليسار يريد إعادة إطلاق أوروبا، لكن التحديات التي تنتظره كثيرة.
*يدرس في جامعة بورغوندي.