أوكرانيا بين «صناديق الاقتراع والمدافع».. زيلينسكي يطرح انتخابات مشروطة

أوكرانيا بين «صناديق الاقتراع والمدافع».. زيلينسكي يطرح انتخابات مشروطة


لم يأتِ إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده لإجراء انتخابات رئاسية في توقيت عادي، بل في لحظة تتقاطع فيها الحرب المفتوحة مع ضغوط سياسية أمريكية متصاعدة، وسجال دولي حول معنى الديمقراطية وحدودها في زمن القتال. وأعلن زيلينسكي استعداده لتنظيم انتخابات خلال فترة تتراوح بين 60 و90 يومًا، شريطة توفير ضمانات أمنية كافية وتعديل قانون الانتخابات، وهو ما اعتبره مراقبون ردًا مباشرًا على انتقادات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اتهم القيادة الأوكرانية بالحديث عن الديمقراطية مع تأجيل الاستحقاقات الانتخابية.
وطلب زيلينسكي من شركائه الأمريكيين والأوروبيين دعمًا أمنيًا غير مسبوق لضمان سلامة العملية الانتخابية في ظل الحرب. ويصطدم هذا الإعلان بإطار قانوني صارم، إذ يحظر القانون الأوكراني إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية أثناء سريان الأحكام العرفية، المفروضة منذ الغزو الروسي في فبراير-شباط 2022، والتي جرى تمديدها 17 مرة حتى فبراير-شباط 2026.
ومع انتهاء الولاية الدستورية لزيلينسكي في مايو-أيار 2024، والبرلمان في أغسطس-آب من العام نفسه، تحولت مسألة الشرعية إلى ملف سياسي مفتوح أكثر منها إشكالًا قانونيًا مغلقًا.
وداخليًا، لا يبدو المزاج الشعبي متحمسًا لهذه الخطوة، إذ أظهر استطلاع لمعهد «KIIS» أن 81% من الأوكرانيين يرفضون إجراء انتخابات قبل انتهاء الحرب، كما أعلنت أكثر من 200 مؤسسة مجتمع مدني ومنظمة حقوقية معارضتها الصريحة لأي استحقاق انتخابي في ظل القتال، خوفًا من تقويض الاستقرار الداخلي وإضعاف الجبهة السياسية.
وامتد الانقسام إلى النخبة السياسية والفكرية، خاصة أن أنصار الانتخابات يرون فيها ضرورة لتجديد الشرعية الديمقراطية، مستشهدين بتجارب دول أجرت انتخابات أثناء الحروب العالمية.
وفي المقابل، يحذر المعارضون من أن فتح الباب للتنافس السياسي في هذا التوقيت قد يؤدي إلى فوضى داخلية، في بيئة تُعد مثالية للتدخل الروسي، سواء عبر المال أو الإعلام أو الحرب النفسية، ما قد يحول الديمقراطية من عنصر قوة إلى ثغرة قاتلة.

«شبه مستحيل»
رأى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية د. نبيل رشوان، أنه لا يرى إمكانية لإجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا في المرحلة الراهنة، معتبرًا أن هذا الطرح غير واقعي في ظل حرب مستمرة وفقدان كييف السيطرة على مساحات واسعة من أراضيها.
وقال رشوان في تصريحات خاصة لـ»إرم نيوز»، إن «تنظيم انتخابات شاملة بات شبه مستحيل مع خروج مناطق مثل زابوروجيا وخيرسون ولوغانسك ودونيتسك عن السيطرة الأوكرانية، ما يجعل أي عملية انتخابية بالغة التعقيد». ولفت إلى أن «تغيير القيادة السياسية خلال حرب مفتوحة يمثل مخاطرة كبيرة قد تهدد الاستقرار السياسي والأمني، خاصة أن موسكو تستخدم ملف الانتخابات كورقة سياسية للطعن في شرعية أي اتفاق سلام محتمل مع زيلينسكي».
وشدد رشوان، على أن زيلينسكي ما زال يُستقبل دوليًا بصفته رئيسًا شرعيًا وضامنًا لأي تسوية، محذرًا من أن الإصرار على الانتخابات في هذا التوقيت قد يفتح الباب للتشكيك في الشرعية بدلًا من دعم مسار السلام.
وأضاف أن «الحديث عن انتخابات في ظل الوضع القائم يعني ضمنيًا القبول بعدم إجرائها في المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية، وهو ما قد يُفسَّر لاحقًا كإقرار بالأمر الواقع ويفتح باب الطعن في شرعية أي نتائج مستقبلية».
وأوضح رشوان، أن «الدستور الأوكراني يمنح البرلمان وحده صلاحية تعطيل الانتخابات زمن الحرب»، مشيرًا إلى أن الطروحات الروسية بشأن توقيع اتفاق سلام مع رئيس البرلمان بدلًا من الرئيس ليست سوى مناورة سياسية تهدف إلى الالتفاف على الشرعية.

«عاصفة دبلوماسية»
من جانبه، أكد مدير مركز «فيجن» للدراسات الاستراتيجية د. سعيد سلام، أن القيادة الأوكرانية تواجه «عاصفة دبلوماسية» تقودها الولايات المتحدة في إطار السعي لفرض تسوية سريعة للحرب، تقوم على التشكيك في شرعية الرئيس فولوديمير زيلينسكي والتهديد بقطع الدعم، بهدف انتزاع تنازلات إقليمية.
وقال سلام في تصريح لـ»إرم نيوز»، إن «زيلينسكي تعامل مع هذا الضغط عبر مناورة سياسية امتص من خلالها الزخم ثم أعاد توجيهه، بإعلانه القبول المبدئي بالانتخابات بشروط مستحيلة التنفيذ». وأشار إلى أن «الدعوة الأمريكية للانتخابات تتجاهل القيود الدستورية والواقع الميداني، في ظل الأحكام العرفية والقصف المستمر وانتشار الجنود واللاجئين». وأضاف سلام، أن ربط الانتخابات بتوفير مظلة أمنية كاملة ووقف شامل لإطلاق النار نقل عبء القرار إلى واشنطن وموسكو معًا.
وحذر مدير مركز فيجن للدراسات من أن الدفع نحو الانتخابات الآن يمثل مكسبًا استراتيجيًا للكرملين، إذ يهدد بتفكيك الجبهة الداخلية وإغراق البلاد في صراعات سياسية وأمنية، بما يحول الديمقراطية إلى نقطة ضعف قاتلة تهدد بقاء الدولة الأوكرانية.
وأوضح سلام، أن «أخطر ما في سيناريو الانتخابات يتمثل في التداعيات الأمنية واللوجستية المباشرة، إذ ستتحول الحملات الانتخابية والتجمعات الشعبية إلى أهداف مكشوفة، ما يهدد سلامة المدنيين ويشل عمل المؤسسات».
وأضاف أن أي عملية انتخابية في هذه الظروف ستكون عرضة لتدخلات خارجية واسعة، سواء عبر التمويل أو الحملات الإعلامية المضللة، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف الوحدة الوطنية وتقويض الثقة بالعملية السياسية.
وشدد سلام، على أن الإصرار على هذا المسار في التوقيت الراهن لا يخدم التسوية، بل يمنح موسكو فرصة استراتيجية لاستنزاف الداخل الأوكراني سياسيًا وأمنيًا.