رئيس الدولة والرئيس القبرصي يؤكدان أهمية العمل على ترسيخ أسباب السلام والاستقرار الإقليميين
لا ضمانة قوية لعدم امتداد الصراع:
أوكرانيا: هل دخل الغرب في حرب مع روسيا...؟
-- سيتعين التفكير في وقائع جديدة -العدوانية المحتملة، وحالة الحرب الهجينة -حتى لا تتجاوزنا الأحداث
-- بوتين: العقوبات التي فُرضت علينا هي بمثابة إعلان حرب، لكن الحمد لله لم نصل إليها بعد
-- يتسبب هذا الصراع في ترنّح مقولات القانون ونظرية الحرب
-- التضامن الأطلسي ليس على وشك الانفجار وعزلة روسيا في العالم في ازدياد
-- ليس لروسيا التأثير الأيديولوجي ولا الوسائل الاقتصادية والديموغرافية اللازمة لإعادة تأسيس إمبراطورية
البداية يجب أن تكون بفتح سؤالين هنا.هل يمكن الدفـــــاع عن موقف الناتــــــو المتمثــــــل في عـدم القتال؟
وهل يمكن لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي الرد على عدوان روسي، إذا كان هناك عدوان، دون الدخول في دوامة حرب شاملة؟
لا يقين لدي بشأن الإجابة على هذه الأسئلة الضخمة والمخيفة، لكنني أعتقد أنها مطروحة اليوم على الغربيين، وآمل أن يكونوا بصدد الاستعداد لها.
إن موقف عدم القتال الذي تم تأكيده منذ بداية الأعمال العدوانية ليس ضمانة قوية لعدم امتداد الصراع.
ففي أي وقت، يمكن لروسيا أن تقرر أنّ مثل هذه العقوبة، أو مثل هذا التدخل من قبل الغرب، ولا سيما تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، يشكل أعمالًا حربية.
وكلما اقتربت روسيا من الحدود الغربية لأوكرانيا، زاد خطر وقوع حوادث تشارك فيها قوات الناتو دون اتخاذ قرار من الناتو.
ومع ذلك، أوضح بوتين أنه يريد غزو كل أوكرانيا، وتصفية “النازيين”، أي ليس فقط قادة البلاد، ولكن كل الذين يقاتلون من أجل حريـــــة بلدهم..
ويمكن بهـــــذا المنطق الذهاب بعيدًا جدًا بالنظر إلى حجم تعبئة السكان الأوكرانيين.
أخيرًا، يخلق تكثيف حملة الجيش الروسي مخاطر جديدة، وسيؤثر قريبًا بشكل كبير على السكان المدنيين. هذا هو الحال بالفعل في خاركيف، في تشيرنيهيف، في ماريوبول، حول كييف. وبينما يعود أوكرانيون من الشتات إلى أوكرانيا لمحاربة الغزو الروسي، عدد المنفيين من الأسر الأوكرانية على عتبة المليونين.
ابتزاز الجحيم النووي
يقال إن القافلة البطيئة الحركة إلى كييف تحمل قنابل حرارية، هي ليست نووية وليست محظورة بموجب الاتفاقيات الدولية مثل الأسلحة الكيميائية، ولكنها ليست أقل تدميرًا. وسيزداد موقف رفض القتال إشكالا مع كل خط أحمر يتم تجاوزه، إشكالا ليس فقط على المستوى الأخلاقي، وانما بالنسبة لمصداقية الناتو أيضًا.
أخيرًا، أصبح الخطر النووي ملموسًا بشكل متزايد: ربما يكون استخدام الأسلحة النووية مجرد خدعة، لكن خطر وقوع حوادث نووية كبرى، سواء كانت متعمدّة أم بغير قصد، حول محطات الطاقة النووية الأوكرانية، لا بد أن يؤخذ على محمل الجد. في 3 مارس، أشعل قصف روسي النار في مبنى إداري في محطة كهرباء زابوريجيا الواقعة على بعد 600 متر من المفاعلات. ماذا سيفعل الغرب عندما يواجه مذابح للمدنيين وارتفاع المخاطر النووية، والتي صرح الرئيس الفرنسي ماكرون إنها “مقلقة للغاية”؟
لكل هذه الأسباب، قد يجد حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي نفسيهما، ودون ارادتهما، في حالة حرب مع روسيا. وليست الجغرافيا أقل هذه الأسباب: فبمجرد أن تنوي روسيا غزو أوكرانيا بأكملها، فإن الحرب تتداخل داخل الجناح الشرقي لحلف الناتو. ويزداد الوضع تقلبًا، لأن روسيا لم تعلن الحرب على أوكرانيا وتواصل (بصعوبة متزايدة) إخفاء حقيقة “عمليتها الخاصة” عن الشعب الروسي.
تُظهر تصريحات بوتين في 5 مارس (الخطاب الذي ألقاه أمام طواقم شركة إيروفلوت، الذي أوردته رويترز) أنه مستعد لاعتبار الغرب طرفًا متحاربًا. وفي نفس الوقت، كان خطابه رجراجا حول ما يراه إعلان حرب على روسيا. قال في البداية إن “العقوبات المفروضة علينا أشبه بإعلان حرب ولكن الحمد لله لسنا هناك”، ثم أضاف: “أي محاولة من قبل أي قوة لفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا ستعتبر من قبل روسيا دخولا في الصراع العسكري، وسيكون لهذا الدخول في الحرب عواقب وخيمة على أوروبا والعالم».
بين الابتزاز النووي في حال فرض الغرب منطقة حظر طيران، علما أن الحلف رفض هذا الاحتمال قبل يوم، والالتباس بشأن العقوبات، التي هي أقرب إلى إعلان حرب ولكنها ليست كذلك في الواقع، قد يسعى بوتين إلى إرباك خصومه، إلا إذا كان هو نفسه قلقًا بشأن ما يمكن أن يفعلوه.
حلم “نظام عالمي جديد»
إن هذه الحرب اذن، تهز مقولات القانون ونظرية الحرب. وسيتعين علينا التفكير في حقائق جديدة -العداء المحتمل، وحالة الحرب الهجينة -حتى لا تتجاوزنا الأحداث.
خاصة أن أهداف بوتين الحربية، التي كان يُعتقد أنها تقتصر على دونباس وساحل البحر الأسود حتى شبه جزيرة القرم، تستهدف الآن أوكرانيا بأكملها، وتعرض روسيا الآن طموحات تتجاوز أوكرانيا. وهكذا، فإن نصًا أعدته وكالة ريا نوفوستي حول عواقب الحرب، وتم عرضه على الإنترنت عن طريق الخطأ في 26 فبراير ثمّ سحبه بسرعة، ولكن تم حفظه ونشر فوندابول ترجمته في 2 مارس، يضيف بعدًا جديدًا لعداوة محتملة للصراع. ويصف هذا النص، الذي كان من المفترض أن يظهر بعد انتصار روسيا في أوكرانيا، العواقب الجيوسياسية لعودة أوكرانيا إلى “العالم الروسي».
يرى بوتين، أنّ إعادة تشكيل إمبراطورية كل روسيا (روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا) لها عواقب فورية على علاقات روسيا مع الغرب وعلى النظام العالمي: “إذا ابتهج الأطلسيون اليوم بأن ‘التهديد الروسي’ يوحد الكتلة الغربية، فيجب أن تفهم برلين وباريس أنه بعد فقد كل أمل في الاستقلالية، سينهار المشروع الأوروبي على المدى المتوسط “. بعبارة أخرى، إن مستقبل بلدان القارة الأوروبية هو الانفصال عن العالم الأنجلو ساكسوني والفلندنة، ناهيك عن التبعية في ظل الإمبراطورية الروسية.
من ناحية أخرى، بالنسبة إلى نوفوستي، فإن إعادة هيكلة القارة هذه بدون الأنجلو ساكسون وبدون الاتحاد الأوروبي، ستسرّع “بناء نظام عالمي جديد”: “الصين، الهند، أمريكا اللاتينية، إفريقيا الشمالية، العالم الإسلامي وجنوب شرق آسيا، لا أحد يعتقد أن الغرب يحكم النظام العالمي، ناهيك عن تحديد قواعد اللعبة. لم تتحدى روسيا الغرب فحسب، بل أظهرت أن عصر الهيمنة الغربية العالمية يمكن اعتباره انتهى بالكامل ونهائيا.
إن الحالة الأدائية لهذا النص متناقضة. من ناحية، المقتطفان أعلاه مجرد تنبؤات وهما جزء من حلم الإمبراطورية الذي تحدثت عنه في مقال سابق، والتضامن الأطلسي ليس على وشك الانفجار، وروسيا معزولة أكثر فأكثر في العالم.
تم التصويت على قرار 2 مارس الذي يطالب بسحب القوات الروسية من قبل 141 دولة، فقط إريتريا وكوريا الشمالية وسوريا وبيلاروسيا، إلى جانب روسيا.
وامتنعت 35 دولة أخرى عن التصويت، ويجب تحليل مواقفها على أساس كل حالة على حدة، حيث إنها تتراوح بين الدعم الضمني (مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى تحت التأثير الروسي، على سبيل المثال)، إلى إحجام الدول التي ترفض مغامرات بوتين والمخاطر التي تتهدد النظام العالمي، وهذا هو حال العملاق الصيني، وبدرجة أقل، الهند. وخصوصا، ليس لروسيا التأثير الأيديولوجي ولا الوسائل الاقتصادية والديموغرافية اللازمة لإعادة تأسيس إمبراطورية.
عدوانية هجينة
لم يُظهر الأسبوع الأول من الغزو قوة المقاومة الأوكرانية فحسب، بل أظهر أيضًا نقاط ضعف الجيش الروسي، الذي لا يزال في الواقع ذاك الجيش المتهالك للاتحاد السوفياتي المنهار (وهو أمر لا يعيق للأسف تمامًا قدرته على الإيذاء).
لكن من ناحية أخرى، يؤمن بوتين بحلمه وهو مصمم على متابعته، بما في ذلك بالسلاح: “هنا يبدأ البعد الثاني للعصر الجديد اختفاء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وإخضاع أوروبا القارية “...” الأضرار الناجمة عن تصعيد المواجهة ستكون ثنائية، لكن روسيا مستعدة لها أخلاقيًا وجيوسياسيًا، عندما يؤدي تفاقم المعارضة إلى تكبد الغرب تكاليف كبيرة، لن تكون أهمها بالضرورة اقتصادية”. وسواء أدت هذه التهديدات إلى عدوان عسكري أم لا، فإنها تخلق وضعًا واقعيًا يمكن وصفه بالعدوانية الهجينة بين الغرب وروسيا.
ما الذي يستطيع الغربيون فعله وما ينبغي عليهم فعله؟ يجب أن يكونوا مستعدين للانجرار إلى الحرب دون رغبتهم، وأن يعدوا أشكالًا من الرد متوسطة الكثافة، والتي لا يمكن أن تكون اشتباكًا مباشرًا على مستوى مساوٍ لمستوى القوات الروسية، ولكن لا يمكن أن تقتصر على العقوبات، مهما كانت قاسية، وإيصال السلاح. علاوة على ذلك، فإن تسليم الأسلحة، الذي يزداد صعوبة وخطورة، ينطوي على مخاطر عالية لتورط جنود من دول الناتو في أوكرانيا. آخرون مؤهلون بشكل أفضل مني للنظر في تدابير الحرب الهجينة متوسطة الكثافة وآثارها القانونية والعسكرية، ونأمل أن يتم إعدادها بنشاط.
*أستاذ محاضر في العلوم السياسية بجامعة باريس الثانية
-- بوتين: العقوبات التي فُرضت علينا هي بمثابة إعلان حرب، لكن الحمد لله لم نصل إليها بعد
-- يتسبب هذا الصراع في ترنّح مقولات القانون ونظرية الحرب
-- التضامن الأطلسي ليس على وشك الانفجار وعزلة روسيا في العالم في ازدياد
-- ليس لروسيا التأثير الأيديولوجي ولا الوسائل الاقتصادية والديموغرافية اللازمة لإعادة تأسيس إمبراطورية
البداية يجب أن تكون بفتح سؤالين هنا.هل يمكن الدفـــــاع عن موقف الناتــــــو المتمثــــــل في عـدم القتال؟
وهل يمكن لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي الرد على عدوان روسي، إذا كان هناك عدوان، دون الدخول في دوامة حرب شاملة؟
لا يقين لدي بشأن الإجابة على هذه الأسئلة الضخمة والمخيفة، لكنني أعتقد أنها مطروحة اليوم على الغربيين، وآمل أن يكونوا بصدد الاستعداد لها.
إن موقف عدم القتال الذي تم تأكيده منذ بداية الأعمال العدوانية ليس ضمانة قوية لعدم امتداد الصراع.
ففي أي وقت، يمكن لروسيا أن تقرر أنّ مثل هذه العقوبة، أو مثل هذا التدخل من قبل الغرب، ولا سيما تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، يشكل أعمالًا حربية.
وكلما اقتربت روسيا من الحدود الغربية لأوكرانيا، زاد خطر وقوع حوادث تشارك فيها قوات الناتو دون اتخاذ قرار من الناتو.
ومع ذلك، أوضح بوتين أنه يريد غزو كل أوكرانيا، وتصفية “النازيين”، أي ليس فقط قادة البلاد، ولكن كل الذين يقاتلون من أجل حريـــــة بلدهم..
ويمكن بهـــــذا المنطق الذهاب بعيدًا جدًا بالنظر إلى حجم تعبئة السكان الأوكرانيين.
أخيرًا، يخلق تكثيف حملة الجيش الروسي مخاطر جديدة، وسيؤثر قريبًا بشكل كبير على السكان المدنيين. هذا هو الحال بالفعل في خاركيف، في تشيرنيهيف، في ماريوبول، حول كييف. وبينما يعود أوكرانيون من الشتات إلى أوكرانيا لمحاربة الغزو الروسي، عدد المنفيين من الأسر الأوكرانية على عتبة المليونين.
ابتزاز الجحيم النووي
يقال إن القافلة البطيئة الحركة إلى كييف تحمل قنابل حرارية، هي ليست نووية وليست محظورة بموجب الاتفاقيات الدولية مثل الأسلحة الكيميائية، ولكنها ليست أقل تدميرًا. وسيزداد موقف رفض القتال إشكالا مع كل خط أحمر يتم تجاوزه، إشكالا ليس فقط على المستوى الأخلاقي، وانما بالنسبة لمصداقية الناتو أيضًا.
أخيرًا، أصبح الخطر النووي ملموسًا بشكل متزايد: ربما يكون استخدام الأسلحة النووية مجرد خدعة، لكن خطر وقوع حوادث نووية كبرى، سواء كانت متعمدّة أم بغير قصد، حول محطات الطاقة النووية الأوكرانية، لا بد أن يؤخذ على محمل الجد. في 3 مارس، أشعل قصف روسي النار في مبنى إداري في محطة كهرباء زابوريجيا الواقعة على بعد 600 متر من المفاعلات. ماذا سيفعل الغرب عندما يواجه مذابح للمدنيين وارتفاع المخاطر النووية، والتي صرح الرئيس الفرنسي ماكرون إنها “مقلقة للغاية”؟
لكل هذه الأسباب، قد يجد حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي نفسيهما، ودون ارادتهما، في حالة حرب مع روسيا. وليست الجغرافيا أقل هذه الأسباب: فبمجرد أن تنوي روسيا غزو أوكرانيا بأكملها، فإن الحرب تتداخل داخل الجناح الشرقي لحلف الناتو. ويزداد الوضع تقلبًا، لأن روسيا لم تعلن الحرب على أوكرانيا وتواصل (بصعوبة متزايدة) إخفاء حقيقة “عمليتها الخاصة” عن الشعب الروسي.
تُظهر تصريحات بوتين في 5 مارس (الخطاب الذي ألقاه أمام طواقم شركة إيروفلوت، الذي أوردته رويترز) أنه مستعد لاعتبار الغرب طرفًا متحاربًا. وفي نفس الوقت، كان خطابه رجراجا حول ما يراه إعلان حرب على روسيا. قال في البداية إن “العقوبات المفروضة علينا أشبه بإعلان حرب ولكن الحمد لله لسنا هناك”، ثم أضاف: “أي محاولة من قبل أي قوة لفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا ستعتبر من قبل روسيا دخولا في الصراع العسكري، وسيكون لهذا الدخول في الحرب عواقب وخيمة على أوروبا والعالم».
بين الابتزاز النووي في حال فرض الغرب منطقة حظر طيران، علما أن الحلف رفض هذا الاحتمال قبل يوم، والالتباس بشأن العقوبات، التي هي أقرب إلى إعلان حرب ولكنها ليست كذلك في الواقع، قد يسعى بوتين إلى إرباك خصومه، إلا إذا كان هو نفسه قلقًا بشأن ما يمكن أن يفعلوه.
حلم “نظام عالمي جديد»
إن هذه الحرب اذن، تهز مقولات القانون ونظرية الحرب. وسيتعين علينا التفكير في حقائق جديدة -العداء المحتمل، وحالة الحرب الهجينة -حتى لا تتجاوزنا الأحداث.
خاصة أن أهداف بوتين الحربية، التي كان يُعتقد أنها تقتصر على دونباس وساحل البحر الأسود حتى شبه جزيرة القرم، تستهدف الآن أوكرانيا بأكملها، وتعرض روسيا الآن طموحات تتجاوز أوكرانيا. وهكذا، فإن نصًا أعدته وكالة ريا نوفوستي حول عواقب الحرب، وتم عرضه على الإنترنت عن طريق الخطأ في 26 فبراير ثمّ سحبه بسرعة، ولكن تم حفظه ونشر فوندابول ترجمته في 2 مارس، يضيف بعدًا جديدًا لعداوة محتملة للصراع. ويصف هذا النص، الذي كان من المفترض أن يظهر بعد انتصار روسيا في أوكرانيا، العواقب الجيوسياسية لعودة أوكرانيا إلى “العالم الروسي».
يرى بوتين، أنّ إعادة تشكيل إمبراطورية كل روسيا (روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا) لها عواقب فورية على علاقات روسيا مع الغرب وعلى النظام العالمي: “إذا ابتهج الأطلسيون اليوم بأن ‘التهديد الروسي’ يوحد الكتلة الغربية، فيجب أن تفهم برلين وباريس أنه بعد فقد كل أمل في الاستقلالية، سينهار المشروع الأوروبي على المدى المتوسط “. بعبارة أخرى، إن مستقبل بلدان القارة الأوروبية هو الانفصال عن العالم الأنجلو ساكسوني والفلندنة، ناهيك عن التبعية في ظل الإمبراطورية الروسية.
من ناحية أخرى، بالنسبة إلى نوفوستي، فإن إعادة هيكلة القارة هذه بدون الأنجلو ساكسون وبدون الاتحاد الأوروبي، ستسرّع “بناء نظام عالمي جديد”: “الصين، الهند، أمريكا اللاتينية، إفريقيا الشمالية، العالم الإسلامي وجنوب شرق آسيا، لا أحد يعتقد أن الغرب يحكم النظام العالمي، ناهيك عن تحديد قواعد اللعبة. لم تتحدى روسيا الغرب فحسب، بل أظهرت أن عصر الهيمنة الغربية العالمية يمكن اعتباره انتهى بالكامل ونهائيا.
إن الحالة الأدائية لهذا النص متناقضة. من ناحية، المقتطفان أعلاه مجرد تنبؤات وهما جزء من حلم الإمبراطورية الذي تحدثت عنه في مقال سابق، والتضامن الأطلسي ليس على وشك الانفجار، وروسيا معزولة أكثر فأكثر في العالم.
تم التصويت على قرار 2 مارس الذي يطالب بسحب القوات الروسية من قبل 141 دولة، فقط إريتريا وكوريا الشمالية وسوريا وبيلاروسيا، إلى جانب روسيا.
وامتنعت 35 دولة أخرى عن التصويت، ويجب تحليل مواقفها على أساس كل حالة على حدة، حيث إنها تتراوح بين الدعم الضمني (مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى تحت التأثير الروسي، على سبيل المثال)، إلى إحجام الدول التي ترفض مغامرات بوتين والمخاطر التي تتهدد النظام العالمي، وهذا هو حال العملاق الصيني، وبدرجة أقل، الهند. وخصوصا، ليس لروسيا التأثير الأيديولوجي ولا الوسائل الاقتصادية والديموغرافية اللازمة لإعادة تأسيس إمبراطورية.
عدوانية هجينة
لم يُظهر الأسبوع الأول من الغزو قوة المقاومة الأوكرانية فحسب، بل أظهر أيضًا نقاط ضعف الجيش الروسي، الذي لا يزال في الواقع ذاك الجيش المتهالك للاتحاد السوفياتي المنهار (وهو أمر لا يعيق للأسف تمامًا قدرته على الإيذاء).
لكن من ناحية أخرى، يؤمن بوتين بحلمه وهو مصمم على متابعته، بما في ذلك بالسلاح: “هنا يبدأ البعد الثاني للعصر الجديد اختفاء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وإخضاع أوروبا القارية “...” الأضرار الناجمة عن تصعيد المواجهة ستكون ثنائية، لكن روسيا مستعدة لها أخلاقيًا وجيوسياسيًا، عندما يؤدي تفاقم المعارضة إلى تكبد الغرب تكاليف كبيرة، لن تكون أهمها بالضرورة اقتصادية”. وسواء أدت هذه التهديدات إلى عدوان عسكري أم لا، فإنها تخلق وضعًا واقعيًا يمكن وصفه بالعدوانية الهجينة بين الغرب وروسيا.
ما الذي يستطيع الغربيون فعله وما ينبغي عليهم فعله؟ يجب أن يكونوا مستعدين للانجرار إلى الحرب دون رغبتهم، وأن يعدوا أشكالًا من الرد متوسطة الكثافة، والتي لا يمكن أن تكون اشتباكًا مباشرًا على مستوى مساوٍ لمستوى القوات الروسية، ولكن لا يمكن أن تقتصر على العقوبات، مهما كانت قاسية، وإيصال السلاح. علاوة على ذلك، فإن تسليم الأسلحة، الذي يزداد صعوبة وخطورة، ينطوي على مخاطر عالية لتورط جنود من دول الناتو في أوكرانيا. آخرون مؤهلون بشكل أفضل مني للنظر في تدابير الحرب الهجينة متوسطة الكثافة وآثارها القانونية والعسكرية، ونأمل أن يتم إعدادها بنشاط.
*أستاذ محاضر في العلوم السياسية بجامعة باريس الثانية