رئيس الدولة والرئيس الأميركي يبحثان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتطورات الإقليمية
«يتحمّل الجانبان المسؤولية»:
أوكرانيا، مسرح لتوترات دولية...!
-- الدعم لأوكرانيا حقيقي، لكن في العمق هناك انقسام بين فرنسـا وألمانيـا أكثر ممـا تقولـه البيانات الرسـمية
-- تقليد بين الأمريكان والروس: في المسائل ذات الاهتمام المشترك، يكون النقاش حولها بقسوة
مارس 2021، تحشد روسيا قواتها على حدودها مع أوكرانيا، وهذا لا يترك طبعا القوى الأخرى، وخاصة الغرب، غير مبالين. امام الخوف من استئناف الصراع، ودعوة الغرب إلى وقف التصعيد، والتوترات بين القوى العظمى:
ما هي الرهانات التي يكشفها إحياء مثل هذا التوتر في أوكرانيا؟، في ما يلي تقييم وقراءة جان دو جلينياستي، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، المتخصص في القضايا الروسية.
*منذ نهاية شهر مارس، نشهد تجدد التوتر بين أوكرانيا وروسيا في دونباس. تجمّعت القوات الروسية على الحدود، وخاصة في شبه جزيرة القرم... لماذا تعيد روسيا إشعال الصراع اليوم؟
- الانطباع الذي يعطيه الوضع الحالي هو أن المسؤولية يتحمّلها الجانبان. على الجانب الأوكراني والغربي، يجب أخذ العديد من العناصر في الاعتبار: أولاً، معاقبة رئيس الحزب الموالي لروسيا “منصة المعارضة -من أجل الحياة”، فيكتور ميدفيدشوك، وهو صديق شخصي لبوتين. في فبراير 2021، أعلنت الحكومة إغلاق قنواته التلفزيونية الثلاث الناطقة بالروسية. وتشكك أوكرانيا أيضًا بشكل متزايد في اتفاقيات مينسك، التي هي تلائم روسيا أكثر، وترغب في توسيع “شكل نورماندي” -الذي يتكون حاليًا من ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا. - ولا سيما باتجاه الولايات المتحدة وبريطانيا. ولا ننسى مناورات الناتو الكبرى في أوروبا الشرقية، “ديفندر 2020”، والتي أصبحت الآن “ديفندر 2021».
على الجانب الروسي، هناك العديد من العوامل التي تلعب دورها: رد الفعل على إضعاف الحزب الموالي لروسيا في أوكرانيا؛ إعادة تحريك أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي لموضوع عودة شبه جزيرة القرم، علما ان اتفاقيات مينسك لا تتضمن أي إشارة إلى شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها روسيا. وأعاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الموضوع مرة أخرى إلى الطاولة من خلال إنشاء “منصة القرم” التي تضم جميع الدول الغربية باستثناء روسيا.
بعد ذلك، في الدولة الروسية العميقة، يتعارض خياران لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو: الأول هو الحفاظ على عدم الاستقرار في أوكرانيا، والآخر بتطبيق اتفاقيات مينسك، وضمان حياد أوكرانيا. منذ عام 2014 وطوال الأزمة، تصادم هذان الاتجاهان في روسيا، ويبدو الآن أن الميل إلى إثارة التوتر يكتسب وزناً أكبر من دعاة التفاوض. لكن لا أعتقد أن هذا التوتر ينتهي بانفجار... ستكون هناك بلا شك حوادث، لكن تبقى الحكمة.
*يدعم الغرب وحلف شمال الأطلسي أوكرانيا رسميًا. لكن هل يمكن لهذا الدعم أن يدفع روسيا للتخلي عن مناوراتها العسكرية؟
- أعتقد أنه يجب على الطرفين التخلي عن التدريبات العسكرية. ويمكن أن نتوقع بعض المعاملة بالمثل، طبعا ستخضع المسالة للمفاوضات. لا أؤمن بوقف مناورات عسكرية بالنظر الى وقت التحضير والقدرة على حشد الكثير من الوحدات من جميع البلدان، إلخ... ومع ذلك، يمكن إرسال إشارات سياسية، وقد تم ذلك من كلا الجانبين، بما يفسر غياب تهديد لروسيا أو للولايات المتحدة.
أما بالنسبة لدعم الغرب لأوكرانيا، فقد أعيد تأكيده في إطار مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، حيث نم القاء اللوم على روسيا في تصاعد التوتر، لكن التعليقات في السر من المرجح أن تكون مختلفة. يتم دعم أوكرانيا رسميًا، باعتبارها بلدًا مهاجمًا تم بتر جزء من إقليمه، ولكن في الإطار الخاص، تظهر الدول نفسها أكثر حزماً، للمطالبة بتطبيق اتفاقيات مينسك والحد من التوتر من الجهتين على حد سواء. إن الدعم لأوكرانيا حقيقي، لكن في العمق هناك انقسام بين فرنسا وألمانيا أكثر مما تقوله البيانات الرسمية.
*ناقشت موسكو وواشنطن الأمر في مقابلة هاتفية. وأكد جو بايدن دعمه لأوكرانيا وأعرب عن استعداده لإقامة حوار... هل العلاقة المستقرة ممكنة بين القوتين؟
- أنا اعتقد ذلك. في ذروة الحرب الباردة، واصلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الحفاظ على علاقات براغماتية بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك، مثل نزع السلاح. اليوم، هناك اجندة ثقيلة جدا يحتاج الأمريكيون والروس التحدّث بشأنها. أولاً، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها النهائي من أفغانستان في سبتمبر المقبل، والروس قلقون من ذلك، خوفًا من انفجار الحركات الإرهابية. ثم هناك بالطبع أوكرانيا، وهو موضوع لا يبتعد عنه الأمريكان، كما ان مسألة المناخ، ونزع السلاح في أوروبا، ومكافحة الإرهاب، وطريقة عمل محتملة تخص “الحرب الإلكترونية”، كلها مواضيع يجب تناولها بين القوتين.
ان التقليد بين الأمريكيين والروس، هو أنه عندما تكون هناك مسائل ذات اهتمام مشترك، يكون الحديث بشأنها بقسوة، لكن يتم تناولها. وأجندة العلاقات الروسية الأمريكية، بخلاف الإعلانات غير البروتوكولية إلى حد ما، من الجانب الأمريكي، مكثفة. بعد المقابلة الهاتفية الأخيرة بين بايدن وبوتين، يبدو من مصادر تركية أن نشر سفينتين حربيتين أمريكيتين في البحر الأسود قد تم تأجيله، وأنه كان من المقرر عقد اجتماع قمة في دولة ثالثة. هناك العديد من النقاط التي يجب التفاوض حولها، وعلى هذا المستوى، أعتقد أن البراغماتية هي السائدة كما كانت دائمًا.
عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية
-- تقليد بين الأمريكان والروس: في المسائل ذات الاهتمام المشترك، يكون النقاش حولها بقسوة
مارس 2021، تحشد روسيا قواتها على حدودها مع أوكرانيا، وهذا لا يترك طبعا القوى الأخرى، وخاصة الغرب، غير مبالين. امام الخوف من استئناف الصراع، ودعوة الغرب إلى وقف التصعيد، والتوترات بين القوى العظمى:
ما هي الرهانات التي يكشفها إحياء مثل هذا التوتر في أوكرانيا؟، في ما يلي تقييم وقراءة جان دو جلينياستي، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، المتخصص في القضايا الروسية.
*منذ نهاية شهر مارس، نشهد تجدد التوتر بين أوكرانيا وروسيا في دونباس. تجمّعت القوات الروسية على الحدود، وخاصة في شبه جزيرة القرم... لماذا تعيد روسيا إشعال الصراع اليوم؟
- الانطباع الذي يعطيه الوضع الحالي هو أن المسؤولية يتحمّلها الجانبان. على الجانب الأوكراني والغربي، يجب أخذ العديد من العناصر في الاعتبار: أولاً، معاقبة رئيس الحزب الموالي لروسيا “منصة المعارضة -من أجل الحياة”، فيكتور ميدفيدشوك، وهو صديق شخصي لبوتين. في فبراير 2021، أعلنت الحكومة إغلاق قنواته التلفزيونية الثلاث الناطقة بالروسية. وتشكك أوكرانيا أيضًا بشكل متزايد في اتفاقيات مينسك، التي هي تلائم روسيا أكثر، وترغب في توسيع “شكل نورماندي” -الذي يتكون حاليًا من ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا. - ولا سيما باتجاه الولايات المتحدة وبريطانيا. ولا ننسى مناورات الناتو الكبرى في أوروبا الشرقية، “ديفندر 2020”، والتي أصبحت الآن “ديفندر 2021».
على الجانب الروسي، هناك العديد من العوامل التي تلعب دورها: رد الفعل على إضعاف الحزب الموالي لروسيا في أوكرانيا؛ إعادة تحريك أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي لموضوع عودة شبه جزيرة القرم، علما ان اتفاقيات مينسك لا تتضمن أي إشارة إلى شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها روسيا. وأعاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الموضوع مرة أخرى إلى الطاولة من خلال إنشاء “منصة القرم” التي تضم جميع الدول الغربية باستثناء روسيا.
بعد ذلك، في الدولة الروسية العميقة، يتعارض خياران لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو: الأول هو الحفاظ على عدم الاستقرار في أوكرانيا، والآخر بتطبيق اتفاقيات مينسك، وضمان حياد أوكرانيا. منذ عام 2014 وطوال الأزمة، تصادم هذان الاتجاهان في روسيا، ويبدو الآن أن الميل إلى إثارة التوتر يكتسب وزناً أكبر من دعاة التفاوض. لكن لا أعتقد أن هذا التوتر ينتهي بانفجار... ستكون هناك بلا شك حوادث، لكن تبقى الحكمة.
*يدعم الغرب وحلف شمال الأطلسي أوكرانيا رسميًا. لكن هل يمكن لهذا الدعم أن يدفع روسيا للتخلي عن مناوراتها العسكرية؟
- أعتقد أنه يجب على الطرفين التخلي عن التدريبات العسكرية. ويمكن أن نتوقع بعض المعاملة بالمثل، طبعا ستخضع المسالة للمفاوضات. لا أؤمن بوقف مناورات عسكرية بالنظر الى وقت التحضير والقدرة على حشد الكثير من الوحدات من جميع البلدان، إلخ... ومع ذلك، يمكن إرسال إشارات سياسية، وقد تم ذلك من كلا الجانبين، بما يفسر غياب تهديد لروسيا أو للولايات المتحدة.
أما بالنسبة لدعم الغرب لأوكرانيا، فقد أعيد تأكيده في إطار مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، حيث نم القاء اللوم على روسيا في تصاعد التوتر، لكن التعليقات في السر من المرجح أن تكون مختلفة. يتم دعم أوكرانيا رسميًا، باعتبارها بلدًا مهاجمًا تم بتر جزء من إقليمه، ولكن في الإطار الخاص، تظهر الدول نفسها أكثر حزماً، للمطالبة بتطبيق اتفاقيات مينسك والحد من التوتر من الجهتين على حد سواء. إن الدعم لأوكرانيا حقيقي، لكن في العمق هناك انقسام بين فرنسا وألمانيا أكثر مما تقوله البيانات الرسمية.
*ناقشت موسكو وواشنطن الأمر في مقابلة هاتفية. وأكد جو بايدن دعمه لأوكرانيا وأعرب عن استعداده لإقامة حوار... هل العلاقة المستقرة ممكنة بين القوتين؟
- أنا اعتقد ذلك. في ذروة الحرب الباردة، واصلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الحفاظ على علاقات براغماتية بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك، مثل نزع السلاح. اليوم، هناك اجندة ثقيلة جدا يحتاج الأمريكيون والروس التحدّث بشأنها. أولاً، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها النهائي من أفغانستان في سبتمبر المقبل، والروس قلقون من ذلك، خوفًا من انفجار الحركات الإرهابية. ثم هناك بالطبع أوكرانيا، وهو موضوع لا يبتعد عنه الأمريكان، كما ان مسألة المناخ، ونزع السلاح في أوروبا، ومكافحة الإرهاب، وطريقة عمل محتملة تخص “الحرب الإلكترونية”، كلها مواضيع يجب تناولها بين القوتين.
ان التقليد بين الأمريكيين والروس، هو أنه عندما تكون هناك مسائل ذات اهتمام مشترك، يكون الحديث بشأنها بقسوة، لكن يتم تناولها. وأجندة العلاقات الروسية الأمريكية، بخلاف الإعلانات غير البروتوكولية إلى حد ما، من الجانب الأمريكي، مكثفة. بعد المقابلة الهاتفية الأخيرة بين بايدن وبوتين، يبدو من مصادر تركية أن نشر سفينتين حربيتين أمريكيتين في البحر الأسود قد تم تأجيله، وأنه كان من المقرر عقد اجتماع قمة في دولة ثالثة. هناك العديد من النقاط التي يجب التفاوض حولها، وعلى هذا المستوى، أعتقد أن البراغماتية هي السائدة كما كانت دائمًا.
عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية