أي معنى عملي لتهديد بوتين النووي؟

أي معنى عملي لتهديد بوتين النووي؟


تطرق الباحث البارز في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” غوستاف غريسيل إلى دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 27 فبراير-شباط القوات النووية الروسية لتبني مستوى أعلى من الجاهزية.

ورأى أن بعض الصحافيين خلطوا هذه الدعوة بحالة “التأهب القصوى” وهي حالة ستتبناها روسيا إذا ظنت أن هجوماً أو تهديداً نووياً هو وشيك. أدى ذلك إلى تقارير أثارت الذعر في الغرب. لكن جاهزية أعلى من تلك التي يشهدها زمن السلم ليست حالة تأهب قصوى أو أي إشارة إلى أي هجوم.

في الواقع، كانت القوى النووية الروسية أصلاً في حالة جهوزية أعلى لأنها كانت تقود تدريبات غروم 2022 التي كانت محددة لمثل هذا الوقت من السنة. ولا دليل على وجود أي نشاط غير اعتيادي للقوات النووية الروسية بما هو أبعد من هذه التدريبات. في 2014، وخلال غزوهم وضمهم القرم، استخدم القادة الروس الوسائل نفسها من الإشارات النووية لإبلاغ العالم بأنهم سيقومون بما سيقومون به وبأن عليه البقاء خارج دربهم. لقد كان سراً مكشوفاً لفترة طويلة أن روسيا ستوجه إشارات نووية لردع الغرب في حال شنت اجتياحاً كاملاً. كان ذلك متضمناً في جميع الوثائق الأمنية البارزة خلال العقود الأخيرة. يجب ألا يتفاجأ أحد بذلك خلال هذه المرحلة.

أضاف الكاتب أنه ينبغي على المراقبين عدم الشعور بالذعر مما قد تعنيه عبارة “البقاء خارج” أوكرانيا على مستوى عملي: هنالك قواعد تأسست منذ زمن طويل تضبط هذا الأمر. منذ الحقبة السوفياتية وما بعد، دعم الغرب وروسيا فصائل مختلفة في النزاعات بدون الانزلاق إلى حرب نووية. الحرب في سوريا هي أحد أبرز الأمثلة على ذلك، حيث ينخرط فيها جيشا الطرفين. إمدادات السلاح والعقوبات لا تنتهك هذه القواعد. في المثل الأوكراني، سيكون دخول القوات الأطلسية الحرب أكان عبر الجنود أو المقاتلات انتهاكاً للقواعد. سوف يشكل تنفيذ منطقة حظر جوي فوق كييف حالة كهذه. لهذا السبب، رفض الناتو والأمريكيون فعل ذلك في مناسبات عدة.

ذكر غريسيل أن روسيا تدرك خطوط الغرب الحمراء، مثل نقل الصراع إلى أراضي الحلف. لهذا السبب، كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على المستوى نفسه من الوضوح عندما قال: “أعتقد أن على الرئيس فلاديمير بوتين أن يدرك أيضاً أن الحلف الأطلسي هو حلف نووي. هذا كل ما سأقوله عن ذلك”. ولا شيء يقترح أن بوتين لا يفهم تداعيات هذا البيان.

بالرغم مما سبق، يخشى العديد من الغربيين أن تتمتع روسيا بمزية تصعيدية على الناتو لأن موسكو تمتلك أسلحة نووية غير استراتيجية، أكثر حداثة وتنوعاً. في هذه الأثناء، قد يتمكن الغرب من الرد بالمثل فقط عبر مقاتلات تحمل قنابل جاذبية من طرز بي-61. لكن الخوف من عدو متفوق هو أمر متبادل.

ستستخدم واشنطن الأسلحة النووية الاستراتيجية للرد على روسيا في حال استخدمت أي سلاح نووي. إن بوتين ومحيطه العسكري يبالغان بشدة في تقدير أنظمة الدفاع الصاروخي للولايات المتحدة ويقلقان من أنها ستوفر درعاً يمكّن الأمريكيين من الاختباء خلفه بعد شن ضربة أولى على روسيا.
علاوة على ذلك، إن الاستخبارات الأمريكية المتفوقة حيال الخطوات الروسية – كما برهنت عن ذلك في المرحلة التي سبقت الاجتياح – تلقي ظلالاً من الشك على ما إذا كانت موسكو قادرة على كسب عنصر المفاجأة في مواجهة نووية. بالنظر إلى هذه الاعتبارات، من شبه المؤكد أن يكون بوتين حريصاً على تقليص مخاطر النزاع النووي مع الناتو.

أخيراً، ثمة خطوط تواصل مباشرة بين هيئة الأركان العامة لروسيا والقوى النووية الاطلسية. هنالك إجراءات فض اشتباك للتعامل مع مسائل يراها أي من الطرفين على أنها مزعزعة للاستقرار.

يكمن الجواب في مبادئ سياسة الدولة حيال الردع النووي والتي تنص على تزامنه مع إجراءات مثل “سياسات المعلومات” (البروباغندا) وجهود “ردع الاعتداء” (تحقيق أهداف روسيا في السياسة الخارجية).

بكلمات أخرى، يستخدم الكرملين الخوف من الحرب النووية لجعل الآخرين يخضعون لطموحاته.
خسرت روسيا الكثير من المتعاطفين معها في الغرب بوتيرة مذهلة. حتى ألمانيا تخلت عن معتقداتها الراسخة في السياسة الخارجية، عبر زيادة إنفاقها وإمدادات السلاح إلى أوكرانيا. المدافعون السابقون عن الكرملين شجبوا بوتين أو التزموا الصمت. وفقدت قنوات الدعاية الروسية الكثير من جاذبيتها في الدول الأوروبية حتى أنها تعرضت للحظر على يد حكومات أوروبية عدة. ينشر بوتين الخوف من الحرب النووية لأنه لا يملك الكثير من الفرص لإقناع القادة الأوروبيين بعدم مساعدة أوكرانيا وبعدم فرض عقوبات على روسيا. لكنها خدعة دعائية بحسب غريسيل.