توترت العلاقات بين الصين وأستراليا

أية دبلوماسية لقاح على ضفاف المحيط الهادئ...؟

أية دبلوماسية لقاح على ضفاف المحيط الهادئ...؟

- تعكس هذه الاتهامات حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي التي تخيم حاليًا على المحيط الهادئ
- لوحات المنطقة تتحرك، والصين، مثل أستراليا، ترى في الأزمة الصحية الحالية معبرا لتعزيز نفوذها
- الصين تتهم أستراليا بتخريب برنامج المساعدة في التطعيم الصيني المخصص لبابوا غينيا الجديدة
- يرى الخبراء فرصة لبكين، التي يمكن أن تستخدم لقاحاتها لتعميق قيادتها الإقليمية
- وافقت الإدارة الأسترالية على ثلاثة لقاحات غربية فقط، مع وضع اللقاح الصيني جانبًا


توترت العلاقات بين الصين وأستراليا خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، خاصة منذ أن طلبت كانبرا بإجراء تحقيق دولي في أصل فيروس كورونا.
لكن في الأسبوع الماضي، وجد البلدان نقطة ارتكاز جديدة، تتعلق هذه المرة بحملات التطعيم ضد فيروس كورونا كوفيد-19 في المحيط الهادئ.
وفي مقال مطول، اتهمت جلوبال تايمز -المتحدثة باسم الحزب الشيوعي الصيني -أستراليا بشكل مباشر بتخريب برنامج المساعدة في التطعيم الصيني المخصص لبابوا غينيا الجديدة. وللقيام بذلك، ورد أن كانبيرا استخدمت “مستشارين” للتلاعب بالسياسات الصحية المحلية ومنع الموافقة على اللقاح الصيني، مع تهديد كبار المسؤولين الحكوميين الذين يتعاونون مع الصين في هذا الشأن.

وردا على هذه الاتهامات، نفى وزير المحيط الهادئ الأسترالي زيد سيسيلجا الوقائع، مشيرا إلى أن “ الأمر ليس على هذا النحو إطلاقا”، وأن أستراليا “كانت تفي ببساطة بمسؤوليتها الأخلاقية والاقتصادية” تجاه المنطقة. وأضاف أن أستراليا “تتعامل مع هذه القضايا بحسن نية، وتواصل القيام بما هو في مصلحة المنطقة ومصالح أصدقائنا وجيراننا، وخاصة بابوا غينيا الجديدة. «

وتعكس هذه الاتهامات حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي التي تخيم حاليًا على المحيط الهادئ.
كانت بابوا غينيا الجديدة مستعمرة أسترالية حتى استقلالها عام 1975. ومنذئذ، كانت بابوا غينيا الجديدة ولا تزال، أكبر متلق للمساعدات الدولية الأسترالية. وهكذا، تم تمويل جزء كبير من ميزانية البلاد منذ فترة طويلة من قبل كانبيرا، التي انتهزت الفرصة لتعيين مستشارين في مناصب رئيسية في الإدارات الحكومية التي غالبًا ما تعتبر استراتيجية. وانتقل هذا التأثير لاحقًا إلى القطاع الخاص، لا سيما قطاع الموارد الطبيعية.

الا ان كل هذا تغيّر في السنوات الأخيرة، مع صعود الصين على الصعيد الدولي. وتعدّ بكين اليوم، واحدة من أكبر المستثمرين في بابوا غينيا الجديدة، وثاني أكبر شريك تجاري للبلاد، بعد أستراليا مباشرة. وفي نوفمبر 2018، قام الرئيس شي جين بينغ، بزيارة تاريخية إلى البلاد، حيث وقّع شراكة استراتيجية شاملة مع رئيس الوزراء بيتر أونيل، وكذلك انتماء بابوا نيو غينيا إلى مبادرة الحزام والطريق.

وبالتالي، فإن اللوحات الجيوسياسية في المنطقة تتحرك، والصين، مثل أستراليا، ترى في الأزمة الصحية الحالية فرصة لتعزيز نفوذها.
بعد موافقة منظمة الصحة العالمية على لقاح سينوفارم، بدأت الصين في توزيعه في جميع أنحاء المنطقة في مايو من هذا العام. وكانت أول دولة استفادت هي جزر سليمان، حيث تطوع نائب رئيس الوزراء ماناسيه مايلانجا، لتلقي أول جرعة من 50 ألف جرعة قدمتها بكين.
ورداً على ذلك، في نفس الأسبوع، عرضت أستراليا على هونيارا 60 ألف جرعة من لقاح أسترا زينيكا المصنوع محليًا. وتبع ذلك اقتراح صيني بشأن 200 ألف جرعة مخصصة لبابوا غينيا الجديدة.

لذلك نحن نشهد حقًا سباق لقاحات في المحيط الهادئ.
يبدو أن لقاح سينوفارم هو جزء أساسي من “دبلوماسية اللقاح” الصينية. ويتم تصنيع مئات الملايين من الجرعات في الصين وعرضها على البلدان النامية في جميع أنحاء العالم.

وفي المحيط الهادئ، يرى الخبراء وجود فرصة للصين، التي يمكن أن تستخدم لقاحاتها لتعميق “قيادتها الإقليمية”. فكرة ينفيها المتحدث باسم الصين وانغ وينبين. وحسب قوله، فإن توزيع اللقاحات في بابوا غينيا الجديدة “ليس له هدف جيوسياسي أو شروط سياسية».
كان ردّ كانبرا امام هذا الوضع على شقين: أولاً، واصلت أستراليا إرسال اللقاحات والفرق الطبية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الالتزام بتقديم 15 مليون جرعة إلى المحيط الهادئ بحلول منتصف عام 2022.

والأهم من ذلك، وافقت إدارة المنتجات العلاجية الأسترالية على ثلاثة لقاحات فقط في برنامجها الصحي: فايزر وأسترا زينيكا وجونسون آند جونسون، مع وضع اللقاح الصيني جانبًا في الوقت الحالي. المعنى الأساسي لهذا القرار، هو أنه سيمنع سكان المحيط الهادئ الذين تم تطعيمهم بـ “سينوفارم” من الاستفادة من رفع إجراءات الحجر الصحي المكلفة عند دخول أستراليا، في حالة إعادة فتح الحدود.

من المهم أن نذكّر هنا، أن المنطقة تعتمد بشكل كبير على السياحة الدولية وخاصة الأسترالية. وإذا طبقت كانبرا منطقها حتى النهاية، فهذا يعني أن “فقاعات” السفر السياحي المحتملة لن تحدث إلا مع البلدان التي تلقت اللقاحات الغربية، المعترف بها من قبل إدارة المنتجات العلاجية الأسترالية. وبالتالي، فإن الانتعاش الاقتصادي في المنطقة سيكون انتقائيًا فقط. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يكون للقرار الأسترالي تأثير كبير على قبول اللقاح الصيني في المنطقة.

حتى وان لم تكن جميع الاتهامات الصينية مبررة، فمن المؤكد أن هذه الخطوة، وتكثيف توزيع اللقاحات الغربية من قبل أستراليا، ستؤثران على الخطة الصحية الصينية.
ولكن في الوقت الذي يرتفع فيه عدد الإصابات بشكل كبير في المنطقة، وتجاوزت الاوضاع القوى الصحية، لا يتمتع شركاء التنمية في المحيط الهادئ برفاهية المماطلة في برامجهم للتطعيم، بل على العكس، يجب القيام بها في أسرع وقت ممكن.

* باحث في معهد لوي (أستراليا)