موسكو وسَّعَت نفوذها بنجاحٍ في أفريقيا

إبراهيم تراوري .. الزعيم الإفريقي المُفضّل لروسيا

إبراهيم تراوري .. الزعيم الإفريقي المُفضّل لروسيا


في الوقت الذي تعاني فيه روسيا نكسات مريرة في الحرب الأوكرانية، وسَّعَت نفوذها بنجاحٍ في أفريقيا. فقد استطاعت أن تعزل بوركينا فاسو عن نطاق النفوذ الفرنسي.
ولم يكن الدافع لدى الكرملين وحسب السياسة الأمنية، وإنما كان هدفه أيضاً استغلال موارد الدولة الأفريقية المتاحة، وذلك بحسب كريستيان بوتش، مراسل “دي فيلت” في أفريقيا جنوب الصحراء، في تحليل نشرته الصحيفة الألمانية.
وأكدَّت التجربة أن لا أحد يتقدم بالتهاني والتبريكات في أعقاب الانقلابات. أما في بوركينا فاسو، فالموقف مختلف بالنسبة للقائد العسكري الجديد إبراهيم تراوري. فرغم أنه تعرَّضَ لإدانة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بسبب الانقلاب الذي قاده في 30 سبتمبر -أيلول، فقد أشادت به روسيا.
ومن أشادَ به تحديداً هو يفغيني بريغوزين رجل الأعمال الروسي الواسع النفوذ ومؤسس مجموعة المُرتزقة المُلحقة بالكرملين فاغنر.
فقد أعلن رجل الأعمال الموالي لبوتين بعد ساعات من الانقلاب قائلاً: “أتقدم بخالص التهنئة والدعم للزعيم إبراهيم تراوري”، في حين كان العالم كله حائراً بشأن هوية ذاك الجندي البالغ من العمر 34 عاماً وحسب، ولمعَ نجمه من الصفوف الوسطى للجيش. وتابع بريغوزين واصفاً تراوري قائلاً: “إنه حقاً ابن شجاع وجدير بوطنه».

صديق روسيا في واغادوغو
وبحسب تحليل الصحيفة الألمانية ، يبدو أن الكرملين يرى في سلف تراوري، أصغر زعماء الدول الإفريقية، الحليف الذي كانت تعقد الآمال عليه في وقت سابق من العام الجاري. في تلك الفترة، تقَّلد القائد العسكري الأشهر بكثير بول هنري سانداوغو داميبا السلطة.
وعلى النقيض من تراوري، أطاح دامبيا رئيساً خرج من عباءة الديموقراطية. ولكن، على العكس من الجيش في مالي، لم يُوجِّه دامبيا الدولة نحو نطاق النفوذ الروسي إلى الحد الذي كانت روسيا تتمناه.
ومن الأرجح، وفق التحليل، أن الوضع سيكون سواء تحت لواء تراوري. فمن الممكن أن نرى أعلامَ روسيا في صور مؤيديه. ونَقَلَ المراسلون الصحفيون هتافات مؤيدة لروسيا. وسرعان ما تحدَّثَ تراوري عن روسيا بوصفها شريكاً جديداً محتملاً. وشأنه شأن سلفه داميبا، برَّرَ تدخله بفشل الدولة في محاربة الجماعات الإرهابية التي يرتبط بعضها بعلاقات فضاضة مع “داعش” و”القاعدة».
ويعزو كثير من المواطنين في بوركينا فاسو هذا الفشل إلى فرنسا. فهذه القوة الاستعمارية السابقة لها قاعدة على أطراف العاصمة واغادوغو، وتقدِّم للدولة دعماً عسكرياً.
ودعا أحد أتباع تراوري المتظاهرين إلى شن هجمات على السفارة والمتاجر الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي عندما زعم أن القوة الاستعمارية السابقة تتستر على داميبا المخلوع، وهو ما سارعت فرنسا إلى إنكاره. ومن الواضح الآن أن داميبا فرَّ إلى توغو.

أسباب تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا
شهدت بوركينا فاسو أسرع تدهور للأوضاع الأمنية من بين دول الساحل العام الحالي. فبعد أن بلغت الخسائر في الأرواح 3252 قتيلاً، تجاوزت الدولة خسائرها العام الماضي “2359”، وكادت تتساوى مع خسائر مالي في الأرواح. وتُحْكِم الحكومة حاليّاً سيطرتها على نصف الدولة وحسب. واضطر أكثر من مليوني بوركيني إلى الفرار. وهذا عُشر إجمالي سكان البلد.
وإذ يُعدُّ هذا هو الانقلاب العسكري الثاني في غضون 8 أشهر في بوركينا فاسو، ما زال “وباء الانقلابات العسكرية” الذي أصاب القارة الإفريقية أساساً على مدار العامين الماضيين مُستمراً. ويقول أولف ليسينغ رئيس برنامج الساحل الإقليمي التابع لمؤسسة كونراد أديناور: “إن الحد الذي وَقَفَت به روسيا وراء الانقلاب الجديد ما زال غير واضح».
ظلَّ الكرملين يلمس التعاون العسكري مع بوركينا فاسو منذ فترة طويلة، بالضبط كما فعل مع مالي. يقول ليسينغ: “تتعاطف قطاعات من الحكومة على الأقل مع روسيا. والحكومة الجديدة لن يكون بوسعها أن تتجاهل المشاعر المؤيدة لروسيا».
وبُني هذا الزخم المؤيد لروسيا على مدار سنين. فبوركينا فاسو واحدة من أنجح الأسواق التي تحتضن وكالة أنباء سبوتنيك، كما توسَّعت وكالة أنباء “روسيا اليوم” أيضاً بقدرٍ كبير في عروضها الترويجية باللغة الفرنسية هنا. فضلاً عن ذلك، ما زالت وكالة أبحاث الإنترنت المملوكة لرجل الأعمال الروسي بريغوزين تُشكِّل الرأي العام البوركيني وتحرِّض ضد فرنسا في وسائل الإعلام الاجتماعي.
ويصبُّ ذلك في المصالح الجيوسياسية الروسية التي تحاول، بعد أن سيطرت على جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، أن تعزل دولة أخرى عن نطاق النفوذ الفرنسي في أفريقيا. فضلاً عن ذلك، من الممكن أن تؤدي الأزمة في بوركينا فاسو إلى تأزُّم الأوضاع الأمنية لدى جارتها ساحل العاج التي تُعدُّ الحليف الفرنسي الأهم في غرب أفريقيا.

الاعتماد الجيوسياسي
على الكرملين
لكن بوركينا فاسو لها أهمية أيضاً من الناحية الاقتصاية لدى الكرملين، بحسب التحليل. فالدولة الواهنة هيكليّاً هي رابع أكبر دولة مُنتجة للذهب في القارة السوداء. يقولي ليسينغ: “تُنقِّب سبع شركات روسية بالفعل عن الذهب هناك بحيث يمكن سداد تكاليف مرتزقة شركة فاغنر بسرعة».
وذلك لأن شركة فاغنر تحصل على امتيازات للتنقيب نظير خدماتها. وهذا ما حدث في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، وأخيراً في مالي، وكلها من بين الدول الأغنى بالموارد في القارة الإفريقية.
ولتيسير اتفاقيات الامتياز هذه على المدى البعيد، يساعد بريغوجين الأنظمة الاستبدادية على الحفاظ على السلطة، وبذلك يخلق اعتماداً جيوسياسيّاً وجوديّاً على الكرملين في آنٍ واحد. غير أن مرتزقة الكرملين لم يحققوا حتى الآن أي إنجازات حقيقة في محاربتهم للإرهاب. ففي مالي، استمر عدد الهجمات الإرهابية في التصاعد بعد انسحاب فرنسا. وفي موزمبيق، بعد وقوع خسائر فادحة، تكبَّد مئات الإرهابين هزيمة منكرة بالفعل في عام 2019.