سلاح الانقسام يغيّر معسكره:

إسبانيا: ماذا حدث في معركة مدريد...؟

إسبانيا: ماذا حدث في معركة مدريد...؟

-- لا يمكن للحزب الشعبي التفكير في الحكم بدون دعم حزب فوكس اليميني المتطرف
-- انتصار الحزب الشعبي وإيزابيل أيوسو في اقتراع إقليمي غيّر تمامًا الوضع السياسي في إسبانيا
-- تمكنت إيزابيل دياز أيوسو من تجميع الناخبين حول قائمة يمينية واحدة ضمنت نجاحها
-- بعد كارثة سيودادانوس، ليس لليمين الليبرالي بيت آخر غير الحزب الشعبي
-- دفع الاشتراكيون في مدريد ثمنا باهظا لمزاج الناخبين السيئ تجاه الحكومة


   يبدو أن الانتصار المدوي للحزب الشعبي والرئيسة إيزابيل دياز أيوسو في الاقتراع الإقليمي في مدريد في 4 مايو، قد غيّر تمامًا الوضع السياسي في إسبانيا، ومن شأن انبعاث اليمين الحكومي، أن يبشر بتغيير في الدورة السياسية.  فلأول مرة منذ يونيو 2018، يواجه رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز مشكلة، وبدأت الأسئلة حول نهاية الدورة التشريعية (نوفمبر 2023) تُطرح بصوت عالٍ.   تمت الدعوة لهذه الانتخابات وانتشار وباء فيروس كورونا في قمّته، وتتحدث نتائجها عن مدى سرعة وافاق التغيير الذي تخضع له السياسة الإسبانية. أشرنا في مقال سابق (القفل الكتالوني)، إلى كيف ان النتائج الانتخابية لحزب الشعب في كاتالونيا – 3 فاصل 8 بالمائة، في 14 فبراير -عمّقت أزمة اليمين. وبعد شهرين ونصف، ها هو يحلم بالعودة، ويتطلع بثقة إلى المستقبل.  هل هي بداية انعطاف جديد في غضون بضعة أشهر؟ هل تقدّم المعركة السياسية التي دارت رحاها في مدريد مفاتيح لقراءة المستقبل، أم أنها مجرد تصويت معزول، وإقليمي تمامًا؟

انتصار اليمين وانتصار زعيمة
   عندما، في 10 مارس، أعلنت إيزابيل دياز أيوسو، الرئيسة الشابة لمجتمع مدريد المستقلة، حل البرلمان الإقليمي والدعوة لإجراء انتخابات في 4 مايو، قلة من الناس صفقوا لقرارها هذا. ان أسبابا سياسويّة وقفت وراء هذا القرار، حيث كانت تجري صياغة لائحة لوم في منطقة مورسيا، ويعتزم الحزب الاشتراكي التفاوض مع الوسطيين في سيودادانوس من اجل ان يتخلوا عن دعمهم للحزب الشعبي بعد تعرّض حكومة مورسيا لفضيحة:
استغل المستشار (الوزير الإقليمي) المسؤول عن الصحة منصبه للتطعيم ضد كوفيد-19 متجاوزا شروط السنّ. خشيت إيزابيل دياز أيوسو، التي تحكم من خلال تحالف مع الوسط في مدريد، من أن تكون ضحية مناورة مماثلة. لذا أخذت زمام المبادرة من خلال حل البرلمان والانفصال عن شريكها الوسطي. علما أن العلاقة مع نائب رئيسها إغناسيو أغوادو كانت سيئة جدا.

   لم يكن هذا مجرد صراع فصائل، بل هناك رهان وطني وراء هذه المحاولات الاشتراكية للإطاحة بالحكومات الإقليمية المحافظة. فبالإضافة إلى قضمه للسلطة الإقليمية للحزب الشعبي وإظهار عزلته السياسية، كان الحزب الاشتراكي -ونعني بيدرو سانشيز -يأمل في رسم تطور استراتيجيته السياسية. فمن خلال اقتراح اتفاقات محلية على الوسطيين، فهو يدعوهم الى ان يصبحوا شركاء في استكمال فترة تشريعية معقدة. لم يرغب بيدرو سانشيز في الانفصال عن بوديموس، لكنه أراد أن يكون قادرًا على درء توتر محتمل بين حكومته والنواب الانفصاليين الكتالونيين “1”. وكان نجاح مثل هذه العملية بمثابة نجاح سياسي كبير لبيدرو سانشيز.

   الا ان إيزابيل دياز أيوسو، بجرأتها، دمّرت هذه الخطة، وأضعفت فجأة مركز سانشيز المهيمن حتى الآن. فمن جانب، ضحت عمدًا بتحالفها مع الوسطيين، ومن جانب اخر، بمفاجأة خصومها، منعت تجديد الجامعة الاشتراكية في مدريد، وهي حجر حقيقي في حذاء بيدرو سانشيز.
     إيزابيل دياز أيوسو، شخصية جديدة في السياسة الإسبانية. تم تعيينها من قبل بابلو كاسادو عام 2019 في محاولة لحماية جوهرة المعاقل الإقليمية للحزب الشعبي -مدريد يحكمها الحزب الشعبي منذ عام 1995! – لقد كانت نكرة تمامًا.

    انزعج بارونات الحزب من اختيار اختصاصية في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث بدأت نشاطها بحساب على تويتر خاص بكلبة رئيسة منطقة مدريد إسبيرانزا أغيري ... وكانت النتائج مخيفة: حصل الحزب الشعبي على 22 فاصل 2 بالمائة فقط من الأصوات مقابل 27 فاصل 3 بالمائة للحزب الاشتراكي، وأبقى على الحكومة الإقليمية فقط بفضل التحالف مع الوسطيين (19 فاصل 4 بالمائة) وكرم اليمين الراديكالي لـ “فوكس” (8 فاصل 9 بالمائة) “2”. الا ان دياز أيوسو، بمساعدة فعالة للغاية من قبل مدير مكتبها، ميغيل أنجيل رودريغيز، وزير الدولة السابق للاتصالات في حكومة أزنار الأولى، كانت قادرة على الاستفادة من مواجهتها مع الحكومة المركزية في إدارة الوباء لتصبح شخصية إعلامية وكاريزمية. وأكملت حملة 2021 هذه، عملية تكريسها وترسيخها بين أصحاب الوزن الثقيل داخل اليمين الإسباني.

  هل هي “ترامب الإسباني”؟ شعبوية؟، قالها اليسار مرارًا وتكرارًا خلال الحملة ... دون جدوى. في الواقع، إنها تجسد حقيقة مزدوجة: الأولى، هي علامة هوية الحزب الشعبي في مدريد. منذ كان يحكم، جعل الحزب الشعبي من مدريد واجهة سياساته الليبرالية، وتم تحويل المدينة وتحديثها بشكل عميق من قبل رؤساء البلديات (ألفاريز ديل مانزانو، غالاردون، بوتيلا والآن ألميدا، بعد أربع سنوات كبلدية يسارية بين 2015 و2019).    لقد كانت المنطقة بمثابة المختبر لسياسات الخصخصة وتخفيض الضرائب (رئاسات ألبرتو رويز غالاردون وإسبيرانزا أغيري). ولا شك ان اليسار الاشتراكي الديمقراطي عانى هنا أكثر من اي منطقة اخرى، حيث تتالى فشله الانتخابي من عام 1995 إلى عام 2021 ... تحمّلت إيزابيل دياز أيوسو هذا الإرث، وما تدشين مستشفى إيزابيل زندال، وسط جائحة، الا علامة على هذه الروح التطوعية.

    الحقيقة الثانية، تتمثل في الشخصية التي خلقتها: شخصية الشابة المتعاطفة، العفوية، المتطوعة، ومن غير عقد ... والراسخة في معتقداتها المحافظة، تتجنب شتم ليس فقط ناخبي فوكس وانما أيضًا قادته، وتدعو، على عكس حزبها، الى التحالف معهم. إيزابيل دياز أيوسو امرأة يمينية ويسعدها أن تكون نقيض جيل راخوي الذي تجنب السياسة وركّز فقط على الإدارة الحكومية. ان أيوسو هي الوريث السياسي لإسبيرانزا أغيري”3».

   وما الذي حققته إيزابيل دياز أيوسو في 4 مايو؟ لإعادة الناخبين إلى الحزب الشعبي. في 4 مايو، وبمشاركة تاريخية بلغت 76 فاصل 25 بالمائة (+12 مقارنة بعام 2019)، حصل الحزب الشعبي على 1.6 مليون صوت (44 فاصل 7 بالمائة). والأفضل من ذلك، تمت دحرجة الوسطيين (130 ألف صوت، و3 فاصل 5 بالمائة، بدون أي نائب ...)، فقد عاد ناخبوهم إلى بيت اليمين المشترك. والأروع، أنها توفر امتياز عدم الارتهان الى اليمين المتطرف. وبوجود 65 نائباً، فإنها تتجاوز عدد النواب المنتخبين على اليسار (58 في ثلاث مجموعات برلمانية) و13 نائباً من فوكس ليسوا ضروريين وهي في غنى عنهم ... استعراض للقوة مبهر حيث تمكنت من تجميع الناخبين حول قائمة يمينية واحدة ضمنت نجاحها. وصلت الرسالة إلى جميع أنحاء إسبانيا، وهذا ما يفسر ابتهاج الحزب الشعبي.

الانقسام ينتقل إلى اليسار
   قام بيدرو سانشيز بحساب بسيط وصحيح: طالما أن الناخبين اليمينيين منقسمون على ثلاثة عروض – الحزب الشعبي وسيودادانوس وفوكس -يضمن الحزب الاشتراكي الفوز في كل انتخابات ... لكن في مدريد، تبخر هذا الرهان كليّا.
   تجدر الإشارة الى إن بابلو إغليسياس لعب دوره في هذا الفشل الذريع لمجمل اليسار الإسباني. لقد اختار زعيم بوديموس ونائب رئيس الحكومة الائتلافية الانطلاق في حملة مدريد بعد استقالته من الحكومة التي أحدثت ضجة كبيرة، عازما على إعادة تعبئة اليسار، وخصوصا منح بوديموس موقعا أكثر صلابة للتأثير على التحكيم الحكومي.

  هاجم إغليسياس، إيزابيل دياز أيوسو، ووصفها بأخطر يمين في إسبانيا، فالمعركة هي ضد الفاشية... وبالرومانسية التاريخية التي تميز طريقة إيغليسياس في القيام بالأشياء، بدأت معركة مدريد الجديدة. قبلت أيوسو التحدي، واقترحت البديل “الشيوعية أو الحرية”. وبقيامها بذلك، والمبالغة في تبسيط النقاش السياسي، اسقطت منافسها إيغليسياس في الفخ، هو الذي رأى موضوع حملته يختزل في إدانة خطر فاشي، كان متخيلًا إلى حد كبير.

   ارتكب بابلو إغليسياس خطأ ثانيا: لقد قلل من أهمية إنشاء حزب “ماس مدريد” الذي أسسه شريكه السابق، إينيغو إريجون، الذي عندما هزم داخل بوديموس، اختار الانفصال. ومع ذلك، فإن ماس مدريد، الذي حصل عام 2019 على نتيجة أفضل من بوديموس (14 فاصل 7 بالمائة مقابل 5 فاصل 6 بالمائة)، وجد في مونيكا غارسيا مرشحة ممتازة، طبيبة طوارئ! انها تملك مواصفات أفضل رئيسة قائمة لقيادة حملة بعد عام من وباء وحشي ترك العديد من عائلات مدريد في حالة حداد! وفعلا، كافأ ناخبو اليسار حملة انتخابية اعتمدت سياسة القرب. وأصبح ماس مدريد، في 4 مايو، أول حزب يساري في المنطقة (614.000 صوت مقابل 610.000 لـ الحزب الاشتراكي و261.000 لـ بوديموس).

   استخلص بابلو إغليسياس العبرة فورا معلنا انسحابه من الحياة السياسية. ولئن يمكن أن نتساءل بشكل مشروع عما إذا كان سيعبر الصحراء أو بالأحرى صندوق الرمل، إلا أنه يبقى خارج اللعبة الانتخابية مؤقتًا.
  من المؤكد أن اليسار لا يزال يمثل أقلية في مدريد (حوالي 40 بالمائة من الأصوات) لكنه كشف خاصة عن انقساماته. لقد فشل الحزب الاشتراكي، بقيادة أنجيل غابيلوندو، وهو أكاديمي يعمل في السياسة منذ ثلاثة هيئات تشريعية، في التغلب على انقساماته الداخلية، ويمثل غابيلوندو رهان الاعتدال والعقلانية. عام 2015 فشل في التغلب على الحزب الشعبي، وعام 2019 احتل الصدارة لكنه ظل في المعارضة، وعام 2021، تطلع إلى أن يتم تعيينه كمدافع عن الحقوق ... كان من الصعب على الاشتراكيين القيام بحملة مع مرشح غير متحمّس. بالإضافة إلى ذلك، تم تشكيل القائمة بالكامل من قبل مكاتب رئيس الحكومة، بمعيّة مستشاره الطاغي، إيفان ريدوندو. لقد دفع الاشتراكيون في مدريد ثمنا باهظا للمزاج السيئ للناخبين تجاه الحكومة.   

في 4 مايو، مثل ذراع الرافعة، انقلب سلاح الانقسام ضد بيدرو سانشيز، وبدا اليمين أخيرًا يلامس امل إعادة التجمع حول الحزب الشعبي. وهذا التغيير في الافق والمناخ هو الذي يعطي هذا الاقتراع الاقليمي أهميته السياسية الوطنية.

طريق مليء بالمزالق
  هل خرج الحزب الشعبي من أزمة الهوية والازمة السياسية والانتخابية التي دخلها منذ عام 2015 وتفاقمت مع خسارة الحكومة في يونيو 2018؟ وهل ان شبح الانقسام بين مكونات اليمين الثلاثة -ليبرالي ومحافظ وراديكالي –قد هزم؟
  يبتهج الحزب الشعبي بأن وسطيي سيودادانوس قد راكموا أخطاء سياسية من الحجم الكبير منذ أبريل 2019، والتي أدت إلى تبديد الحلم الذي جسدوه لفترة وجيزة.
   أبريل 2019، مع 57 عضوًا في البرلمان، كان من الممكن أن يصبح حزب سيودادانوس شريكًا لـ الحزب الاشتراكي، ويضمن لإسبانيا حكومة وسطية وأوروبية ومستقرة. زعيمه آنذاك، ألبرت ريفيرا، الذي سقط في غطرسة خطيرة بقدر ما هي غير مفهومة، فضل تكتيك المعارضة على أمل أن يصبح ممثل احياء اليمين وتجديده.

  نوفمبر 2019، خسر الوسطيون 47 نائبًا، وانسحب ريفيرا من الحياة السياسية، تاركًا الحزب الاشتراكي يتحالف مع اليسار الراديكالي والاستفادة من الكرم المحسوب للانفصاليين الكتالونيين والباسك (بيلدو). سجّل كارثي الى درجة أن سيودادانوس لم يتعافى أبدًا من هذا الموقف “4”. ليس لليمين الليبرالي بيت آخر غير الحزب الشعبي.

   لكن تبقى استعادة ناخبي فوكس الذي يتعزز موقعه في المشهد السياسي. هذا اليمين الراديكالي المتطرف، ليس محكوم عليه، في الوقت الحاضر، بالزوال بسهولة. فعلى المستوى الوطني، يُمنح فوكس بين 14 إلى 16 بالمائة من نوايا التصويت، وفي كل الاحوال، لا يمكن للحزب الشعبي التفكير في الحكم بدون دعم فوكس. و من الواضح أن المشكلة السياسية لهذا الدعم الضروري لا تزال قائمة. تُعرف في إسبانيا باسم “صورة كولومبوس” (في فبراير 2019، شهدت مظاهرة مناهضة للانفصاليين في مدريد مشاركة الحزب الشعبي وسيودادانوس وفوكس في نفس المنصة في ساحة كريستوف كولومبوس). وسيعرف اليسار كيف يستخدمها لتعبئة قواته في الانتخابات الوطنية.

  ثم، بالنسبة للحزب الشعبي، تبقى نقطتا ضعف وصعوبة واحدة: نقطتا الضعف، هما إقليم الباسك وكاتالونيا. في هذه المناطق، يعتبر الحزب الشعبي من الفضلات. إذا فاز الحزب الشعبي في الانتخابات العامة المقبلة، فسيكون في كل مكان باستثناء هاتين الطائفتين. وكان على اليمين أن يدرك ضرورة جعل سيودادانوس (المولود في كاتالونيا) المكافئ الكاتالوني لـ “الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري” في المانيا، ومن الحزب الشعبي “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” الإسباني ... الا ان نهم الأحزاب حال دون ما كان يمكن أن يكون رافعة هائلة لتحديث الحياة السياسة الكاتالونية والاسبانية! اما الصعوبة فتكمن في أن انتصار الحزب الشعبي سيؤدي بدوره إلى وحدة الانفصاليين الكاتالونيين، وبالتالي تجدد التوترات.

   حاليًا، يتناحر الانفصاليون الكتالونيون (سيكون تكرار اقتراع 14 فبراير حتميًا إذا لم يعين البرلمان الإقليمي رئيسًا في 26 مايو). بعد أن قوضتهم شكوكهم المتبادلة، وانغلقوا في الوهم الذي يهدهدهم منذ 2016، أصبحوا غير قادرين على الانخراط في سياسة مفيدة. لكن إذا عاد اليمين إلى السلطة، سنراهم يتحدون ضد الخطر المركزي الذي يتخيلون أنه مرتبط بالحزب الشعبي.

  بيدرو سانشيز، الذي أضعفته انتخابات مدريد هذه، هل سيتمكن من الخروج من هذا الوضع السيئ أم أنه سيدخل مرحلة تدهور لا يمكن إصلاحه؟ مثل جميع الحكومات القائمة، سيتحمّل تكلفة إدارة الوباء. ومثل غيره، سيراهن على شهور التعافي القادمة لكي ينسي شهور القلق والنقد. ومن الواضح أن الرهان سيكون محفوفًا بالمخاطر لأنه لا يوجد مخرج اخر ممكنا.

   لكن استطلاع مدريد يقدم درسين آخرين ينطبقان على أوروبا، ويتجاوزان إسبانيا، وربما ستكون البداية بفرنسا. الأول، هو أن تذبذب جمهور الناخبين شديد للغاية. الناخبون ليسوا مخلصين ولا ثابتين، إنهم يصوتون بمشاعرهم، وتصويتهم هو تصويت احتجاجي وغاضب بقدر ما هو تصويت ولاء وانخراط وانتماء، لذلك من الصعب جدا تحديد تبلوره. وتضاف إلى ذلك حلقة مفرغة: يعرف المتخصصون في الاتصال أن الناخب لا ذاكرة له، وأنهم يلعبون على المدى القصير، مما يغذي تقلبًا يمكن، في أي وقت ووفق أي حدث، أن ينقلب على الأحزاب التي يدعي هؤلاء الاتصاليون خدمتها.

    والثاني، هو أنه في الأزمات السياسية التي أعادت تشكيل الجسم الانتخابي والهياكل السياسية، فإن الافضلية لا تذهب إلى التشكيلات الجديدة. ألبرت ريفيرا وسيودادانوس حكم عليهما الإقامة في مزابل التاريخ، وكان على بابلو إغليسياس التضحية بنفسه لإنقاذ بوديموس. ان نجمي التجديد السياسي، اللذان اعتقدا في أبريل 2019 للأول، وديسمبر 2015 للثاني، أن قيادة اليمين واليسار في قبضتهما، قد خفت بريقهما اليوم. وها ان الديناصورات القديمة، الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، وهما منظمتان يثقل كاهلهما الفساد، ولهما تاريخ ليس مجيدًا دائمًا، هما اللذان يظلان الصفائح التكتونية للحياة السياسية الإسبانية.

    لقد شهدت بلدان أخرى عمليات إعادة تنظيم انتخابية مذهلة (إيطاليا مع حركة 5 نجوم ورابطة سالفيني، وفرنسا إيمانويل ماكرون ...). وأعتقد أن إسبانيا ليس من عادتها أن تكون حالة خاصة، وهي تشير إلى الاتجاهات المشتركة في الحياة الانتخابية الأوروبية.
 «1» لا يمكن الاستغناء عن نواب إسكيرا ريبوبليكانا دي كاتالونيا الثلاثة عشر في بعض انتخابات مجلس الكورتيس. والحصول على دعم 10 أصوات وسطية سيسمح لبيدرو سانشيز بعدم التعرض اذلال الانفصاليين الكاتالونيين الذين تدفعهم انقساماتهم الداخلية الى مزايدات مقلقة.
«2» عام 2015 ، تراجع الحزب الشعبي بشكل ملحوظ ، حيث حصل على 33 فاصل 4 بالمائة فقط من الأصوات مقابل 51 فاصل 7 بالمائة عام 2011.

 «3» أول رئيسة إقليمية ، إسبيرانزا أغيري تمثل الجناح الليبرالي للحزب الشعبي. في صراع مفتوح مع ماريانو راخوي عام 2008، لم تنافسه لرئاسة الحزب لكنها اعتبرت نفسها “إلكترونًا حرًا” ولم تدخر انتقاداتها.

«4» تميز عام 2019 بأربع انتخابات : الانتخابات العامة في أبريل ، والانتخابات البلدية والجهوية في مايو، وإعادة الانتخابات العامة في نوفمبر. وأعطت انتخابات الحكم الذاتي في مايو 2019 نتائج جيدة للوسط. وعلى أساس هذه المخلفات يتم قياس انهيار سيودادانوس حاليًا.

*مؤرخ، أستاذ كرسي في مدرسة كوندورسيه