رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان جهود تعزيز التنمية الوطنية والازدهار الذي يحققه الاقتصاد الوطني
إلى أين ستُفضي «فصول الصيف الكاكي» و انقلاباتها في أفريقيا ؟
يمكن تفسير تعاقب الانقلابات في وسط وغرب أفريقيا بالفشل الاقتصادي والاجتماعي للأنظمة المدنية غير الديمقراطية أكثر منه بفشل الحرب ضد الجهاديين.
ومن الممكن أن يستفيد هذا الفشل من الانسحاب الغربي من المنطقة الذي ستؤدي اليه هذه الانقلابات، حتى لو لم يتم استبعاد العودة إلى الأنظمة المدنية.
من قبيل المصادفات أو تأثيرات الدومينو، أن يشهد العالم ، بانتظام ، موجات من أحداث متماثلة، مثل «ربيع الشعوب» في أوروبا في عام 1848، أو «الربيع العربي» في عام 2011 ــ والتي في الحقيقة لم يبق منها شيء.
وها هي تتوالى الآن «فصول الصيف الكاكي» في وسط وغرب أفريقيا، مع سبعة انقلابـات ناجحة في ثلاث سنوات، كلهــا تقريبا بين مايــــو و سبتمبر، بما في ذلك اثنان في النيجر والجابون، في الشهرين الأخيرين، بالإضافة إلى انقــــلاب مجهض و محاولة أخرى يوم الثلاثاء في بوركينا فاسو. فما هي أسباب عـدم الاســتتقرار المؤسسي المتزايد هذا و ما هي آثاره ؟
غموض الحرب ضد الجهاديين
حتى لو كان جيل أولاكونلي يابي، مدير مركز واثي للأبحاث في داكار، يشك في وجود سبب واحد لهذه الموجة، لأنه «من خلال التركيز على ظاهرة العدوى نجازف بنسيان خصوصيات كل بلد»، فإنه يتبادر إلى ذهني تفسيران رئيسيان، بصرف النظر عن التفسير الأقل إقناعًا المتمثل في المؤامرات التي تقودها موسكو،
و هما رد الفعل العسكري على فشل المعركة ضد الجهاديين أو عجز المدنيين في النظام الموجودين في مواقعهم لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه بلدانهم. وفي الواقع، استشهد الانقلابيون في مالي والنيجر وبوركينا فاسو بفشل الأنظمة المدنية في مواجهة الجهاديين. ومع ذلك، لا يمكننا أن نقول إنهم بذلوا قصارى جهدهم على هذا الأساس. ويقاتل المجلس العسكري في مالي دون إدانة تنظيم داعش الذي قتل مؤخرا نحو خمسين مدنيا وفرض حصارا على مدينة تمبكتو قبل شهرين وضاعف أراضيه خلال عام، وفقا لبعثة تابعة للأمم المتحدة. وفي النيجر ارتفعت أعداد الكمائن وضحايا الجهاديين بشكل كبير منذ وصول الجيش إلى السلطة، بينما كانت في أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات في النصف الأول من العام. وفي بوركينا فاسو فقط تبدو هذه الذريعة مبررة: في نوفمبر 2021، هاجم الجهاديون حامية وقتلوا 53 جنديًا، من الذين لم يتم تزويدهم بالطعام والذخيرة لمدة أسبوعين بسبب اختلاس الأموال والإهمال.
الإخفاقات الخطيرة للقادة الذين سقطوا يقف وراءها الفساد والإهمال، وهو ما يشير بالتالي إلى التفسير الثالث: سوف يستغل الانقلابيون الإخفاقات الخطيرة للقادة الذين سقطوا من جهة الاندماج السياسي، وشفافية صناديق الاقتراع والازدهار. سيتحرك الجيش لأنه يعلم أن السكان يعتقدون أنهم لا يستفيدون إلا قليلاً من الديمقراطية، والتي غالباً ما تكون تجميلية و من سيادة القانون، وهو أمر غير مؤكد للغاية، و من موارد البلاد .
« إن تدهور الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي يفسر سبب توقع الجيش لموافقة معينة من السكان في حالة حدوث انقلاب،» يلخص جيل يابي .و هكذا، في غينيا، من الواضح أن ألفا كوندي حكم «ولاية واحدة أكثر من اللازم» وهو في الثانية والثمانين من عمره، بعد أن تلاعب بالحد الدستوري الذي ينص على ولايتين، وانحرف نحو الاستبداد. وفي مالي، كان إبراهيم بوبكر كيتا خاملاً تماماً في مواجهة الفقر وانعدام الأمن والفساد، وشارك في بعض التلاعب خلال الانتخابات التشريعية قبل بضعة أشهر. ولم يدعمه أحد عندما سقط. أما بالنسبة للنيجر، فمن المؤكد أن قادة المجلس العسكري تفوقوا ببساطة على الرئيس بازوم، الذي كان يستعد لإقالتهم. لكن يجب الاعتراف أيضاً بأن ظروف انتخابه عام 2020 لم تكن خالية من العيوب، وأن إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية وجدت صعوبة لإظهار آثارها الإيجابية. وفي الجابون، كان الجزء من الثروة النفطية الذي لم تحتكره عشيرة البونجو يستفيد منه نصف السكان بالكاد، وكانت إعادة انتخاب علي بونجو قبل خمس سنوات بمثابة مهزلة دموية. ومن الواضح أنه كان يستعد لسرقة الأصوات مرة أخرى عندما أطاح به الجيش . الجميع يتفق على هذا الامر.
الفراغ الأمني
هذه السلسلة غير العادية من الانقلابات لها ثلاث نتائج واضحة. الانخفاض الجذري في نفوذ فرنسا، التي أُعلنت أن جنودها غير مرحب بهم في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث انتهى موقف الرئيس ماكرون - «لن نغادر» - بشكل مؤسف يوم الأحد.
ومع ذلك، لا تزال باريس تحتفظ بقواعد عسكرية صغيرة في أفريقيا ، و بالذات في السنغال والجابون وجيبوتي وساحل العاج وتشاد. وقبل كل شيء، يترك هذا الرحيل فراغاً أمنياً يستفيد منه الجهاديون بالفعل، كما رأينا. فراغ لن تملأه دول غربية أخرى، حتى لو كان البعض مثل واشنطن يظن أنها أذكى من الفرنسيين. كما تغادر وحدات عسكرية أوروبية صغيرة أو وحدات عسكرية تابعة للأمم المتحدة إلى البلدان التي تريد الطغمات العسكرية أن تكون الوحيدة على متنها. ولا تملك روسيا الوسائل ولا الرغبة في القتال بفعالية ضد الجهاديين. وإذا كانت الصين تعمل على ترسيخ وجودها بقوة في أفريقيا اقتصاديا، فإن مبدأها يتلخص في عدم نشر قوات على الأرض بعيدا عن موطنها.
وأخيرا، فإن هذه الانقلابات تخلق سوابق تثير الشكوك حول ما إذا كان العد سيتوقف عند سبعة، أم لا؟ الأمر الذي دفع أيضاً المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا إلى التهديد بالتدخل العسكري في النيجر... قبل أن يتراجع أمام الصعوبات العملياتية. وبالتالي فإن جزءاً كبيراً من أفريقيا الوسطى والشرقية مهدد بأن يصبح محكوما على المدى الطويل بأنظمة عسكرية، ربما من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، وأن يكون موبوءاً منذ فترة طويلة بالجهاديين الذين يتاجرون بالأسلحة والمخدرات والبشر. ومع ذلك، فإن الأسوأ ليس مؤكدًا، كما يحذر رئيس مركز الواثي للابحاث « إن الانقلاب لا يؤدي بالضرورة في النهاية إلى الحكم العسكري، و إلى حزب واحد، و إلى تعليق الدستور. إذ تُلوح معظم المجالس العسكرية باجراء انتخابات.
» وحتى ذلك الحين، تظل المعضلة هائلة بالنسبة للدول الغربية: قبول الأمر الواقع، دعم الانظمة المدنية مهما كانت أخطاؤها وعيوبها ، أو الاحتفاظ بالدعم الدبلوماسي و المالي فقط للأنظمة التي تطبق سياسات اجتماعية و اقتصادية و تنموية دامجة، وهو ما ينطبق على القلة القليلة من هذه الدول.