وقت تشكيلها كان قصيرًا:

إيطاليا: حكومة تحت سطوة الإكراهات...!

إيطاليا: حكومة تحت سطوة الإكراهات...!

-- الناخبون يريدون الجدية والأسواق لا تغفر الارتجال
-- رغم الوعود، لن يكون من السهل على قادة الحكومة الجديدة، الحفاظ على نفس دور دراجي



   أشار الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا عن حق إلى أن وقت تشكيل الحكومة التي أدت اليمين صباح الأحد كان قصيرًا. وضعت جيورجيا ميلوني، على الرغم من الصعوبات التي أثارها حلفاؤها في الأيام الأخيرة، قائمة بالوزراء الذين سيضطرون إلى إظهار الكفاءة اللازمة المتوقعة منهم في الأشهر المقبلة لإدارة المشاكل المعقدة التي يتعين على إيطاليا مواجهتها، لا سيما على الجبهة الاقتصادية التي ينخرها التضخم وتكاليف الطاقة، وعلى واجهة العلاقات الدولية، التي تتميز بالصراع العنيف على الجبهة الشرقية للقارة العجوز والذي للأسف لا توجد نهاية سريعة متوقعة له.

  اتسم وجود ماريو دراجي على رأس الحكومة السابقة حتى اليوم الأخير بمرحلة من الحياة السياسية لعبت فيها الأمة الإيطالية دورًا رياديّا، لا سيما داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك بفضل سمعة الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي وزعامته، مما مكن روما من لعب دور متقدم في مواجهة شركائها الأوروبيين. ورغم الوعود، لن يكون من السهل لقادة الحكومة الجديدة، الحفاظ على نفس السمعة ونفس الدور، وبالتالي الدفاع عن مصالح إيطاليا، كما كان الحال خلال العام ونصف العام الماضيين حتى لو كانت التصريحات الأخيرة لجورجيا ميلوني واختيار الوزراء مثل جيورجيتي (الاقتصاد) وكروسيتو (الدفاع) علامة على النوايا الحسنة لخليفة دراجي.
    كان دور “التكنوقراط” في الفريق الحكومي -وهو مصطلح يستخدم لتسمية أعضاء السلطة التنفيذية الذين لا يأتون من عالم السياسة -موضوع الكثير من النقاش.

   ومع ذلك، من المثير ملاحظة نتائج دراسة استقصائية أجرتها مؤخرًا أليساندرا غيسليري، تبيّن منها أن “73 فاصل 8 بالمائة من المواطنين يشعرون بالاطمئنان لوجود تكنوقراط في الحكومة (التي كانت بصدد التشكّل) بينما مجرد اختيار الكفاءة من شأنه أن يخيب آمال واحد من كل أربعة ناخبين (26 فاصل 2 بالمائة) “. باختصار، يبدو أن تفضيل مشاركة السياسيين في الحكومة مصدره السياسيين أنفسهم أكثر من تفضيل المواطنين.
   لن تواجه السلطة التنفيذية معارضة قادرة على تعقيد حياتها كما هو الحال في فرنسا بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة. وعلى العكس من ذلك، على رئيسة الوزراء أن تكون حذرة من حلفائها، كما سبق ان رأينا خلال الاستعدادات لتشكيل الحكومة.

   إن ديمقراطية استطلاعات الراي، التي حلت الآن إلى حد كبير محل ديمقراطية الأحزاب، إذا استمرت في تسجيل مزيد تراجع رابطة سالفيني، ستؤدي بالتأكيد إلى اضطرابات داخل التحالف الحاكم، وسيتعين على جيورجيا ميلوني تأكيد الخصال التي أظهرتها في الأيام الأخيرة، كما انها ستكون ضرورية لمكافحة الآراء السلبية الموجودة في العديد من الدول الغربية، بسبب مواقفها السابقة.
   ماذا يريد ناخبوها، وما التفويض الذي أعطوه لها؟ يساعد استطلاع أجرته ايبسوس على تلطيف صورة إيطاليا حيث يتعاطف غالبية ناخبي جيورجيا ميلوني مع اليمين المتطرف. في الواقع، اتضح أن أكثر من نصف المواطنين الذين اختاروا التصويت لصالح فراتلي ديتاليا (52 بالمائة) يعرّفون أنفسهم على أنهم يمين الوسط، بينما 31 بالمائة يصنّفون أنفسهم على اليمين فقط.

   السيادة التي بشّر بها في الماضي طرفان يشكلان الائتلاف الحكومي مصطلح فارغ إذا أخذنا في الاعتبار أن الدولة ذات السيادة هي تلك التي تطبع عملتها الخاصة بينما الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي فوّضت تلك الوظيفة الى البنك المركزي للاتحاد وللاتفاقيات بين الدول الأعضاء.

   ان الحكومات المنتخبة من قبل المواطنين، مثل تلك التي في إيطاليا وألمانيا، مسؤولة أمام دائرتين: ناخبيهم والأسواق التي تمول الدين العام. حتى المملكة المتحدة، التي غادرت الاتحاد الأوروبي وتفاخرت بسيادتها المستعادة، تعاني حاليا من عواقب وخيمة على اقتصادها جراء الإدارة غير المسؤولة للمالية العامة، مما أجبر رئيسة الوزراء ليز تروس على الاستقالة على الفور. ويعطينا هذا فكرة جيدة عن الاحتمالات المتبقية للمغامرة السياسية اليوم... الناخبون يريدون الجدية والأسواق لا تغفر الارتجال.

*مدير الأبحاث في المركز القومي للبحث العلمي -مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، مركز ريمون آرون “مركز الدراسات الاجتماعية والسياسية ريمون آرون».