رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده
لا يزال النظام الذي أسسه الخميني ممسكاً بالسلطة
احتجاجات إيران تثير الأمل.. ولكن التفاؤل المفرط يحجب الواقع
في الأسبوع الثاني من ديسمبر -كانون الأول 1978، تظاهر ما بين مليون ومليونَيْ شخص في مسيرة سلمية داخل طهران مطالبين بمغادرة الشاه البلاد. وكان ما بين خُمس ونصف سكان المدينة في الشوارع.
في حينه، لاحظت وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إي” التي كانت تراقب بحذر حركة المعارضة وقتها داخل حليف إقليمي رئيسي وعميل للأسلحة الأمريكية، أن هناك رجلاً واحداً يشكّل “النقطة المحورية” وهو من يقدم “التوجيه والدعم للحركة التي تعمل باسمه في إيران».
كان هذا الرجل هو آية الله روح الله الخميني الذي كان يقيم على بعد آلاف الكيلومترات في منفاه بمدينة باريس، على الرغم من قيام العديد من المتظاهرين بحمل صورته.
ولا يزال النظام الذي أسسه الخميني ممسكاً بالسلطة في إيران بعد عقود من تلك التظاهرات. واليوم نزلت حشود إلى الشوارع مرة أخرى في طهران ومدن إيرانية أخرى بعد وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً في 16 سبتمبر -أيلول، والتي اعتقلتها شرطة الأخلاق، واتهمتها بخرق القوانين المتعلقة بارتداء الحجاب الذي فرضه نظام الخميني في عام 1981.
قامت النساء برمي الحجاب في النار، وأضرمت النيران بأقسام الشرطة. ويبدو أن الاضطرابات ستشتد.
وفي هذا السياق، تساءل مراسل “غارديان” جيسون بيرك في تقرير أعده للصحيفة البريطانية: هل يمكن أن يكون هذا أخيراً الشرارة التي تؤدي إلى تغيير هائل في إيران كما يأمل الكثيرون؟ وهل التاريخ يعيد نفسه؟ مؤكداً أن بعض المتظاهرين قد استدعوا أحداث 1979 الصاخبة بالتوازي وهم يهتفون: “الموت للظالم، سواء أكان الشاه أم المرشد الأعلى!».
وأوضح بيرك أن هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نتأثر بما يحدث في إيران. فالاحتجاجات على هذا النطاق من انتهاك حقوق المرأة نادرة الحدوث في أي مكان. نزل الرجال إلى الشوارع أيضاً، ويقال إن المشاركين في الاضطرابات أكثر تنوعاً ديمغرافياً مما كانت في أحداث مماثلة في السنوات الأخيرة.
استغلال مخزون السخط
وأشار معد التقرير إلى أن هذه الاحتجاجات تَستغل أيضاً مخزون السخط العميق من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية الواضحة للنظام الثيوقراطي القمعي.
ومع ذلك، يقول: “ربما نترك آمالنا تتخطى الواقع... فما نراه بعيداً كل البعد عن أن يشكّل لنا صورة كاملة للأحداث. فالكتابة من الأرض محدودة للغاية. وبعد عقد تقريباً من التعرض للتأثير الاستثنائي لتكنولوجيا الوسائط المعاصرة، رأينا مراراً وتكراراً كيف يمكن بث مقطع واحد تم تحميله من الهاتف المحمول لفرد إلى مئات الملايين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تضخيمه بشكل أكبر بواسطة وسائل الإعلام الرئيسية. فنحن نرى شيئاً ما يحدث في شارع واحد في بلدة واحدة في مقاطعة واحدة، ولكن هذا لا يمثل دائماً الأحداث في جميع أنحاء بلد شاسع ومكتظ بالسكان.
ورأى التقرير أنه من الصعب الآن تحديد مدى انتشار الاضطرابات في إيران بالضبط. “سيسعى الصحفيون والخبراء الأكاديميون ومحللو الاستخبارات الحكومية إلى استكمال الأدلة المرئية غير الكافية، لكن استنتاجاتهم غالباً ما يكون لها تأثير ضئيل مقارنة بالصور الانفعالية».
وأضاف معد التقرير: “يعرف السياسيون الشعبويون ذلك، وكذلك يفعل الإرهابيون من كل أيديولوجيا وعقيدة. نحن نفضل أن نصدق ما نريد أن يكون صحيحاً».
قبل ثلاثة وأربعين عاماً، أُطيح الشاه ليس فقط من قِبَل الخميني وزمرة من رجال الدين المتطرفين، ولكن من قِبَل تحالف عريض من جماعات المعارضة التي حشدت مجموعات متنوعة منها: الليبراليون المدنيون العلمانيون، والشيوعيون من المدرسة القديمة، والفدائيون اليساريون الجدد، والماركسيون الإسلاميون، والقوميون الذين كرموا ذكرى محمد مصدق رئيس الوزراء المخلوع عام 1953 في انقلاب دعمته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
كان هناك أيضاً شباب من مدن الأكواخ الجديدة المترامية الأطراف في ضواحي المدن الإيرانية أو من المحافظات والذين شكلوا قوات الصدمة لرجال الدين المتطرفين والذين أصبحوا الآن متقدمين في السن ويتشبثون بالسلطة التي فازوا بها في ذلك الوقت.
طوفان بشري
من بين شهود الاضطرابات في إيران عامي 1978 و1979، الصحفي البولندي الشهير رزيارد كابوتشيسكي، الذي وصف إحدى المسيرات الضخمة في طهران بأنها “طوفان بشري واسع ويغلي يتدفق بلا نهاية، يتدحرج في الشارع الرئيسي من الفجر حتى الغسق. فيضان، فيضان عنيف سيغرق كل شيء في لحظة واحدة».
رغم أهمية الاحتجاجات الراهنة...
الحقيقة القاسية، برأي معد التقرير، هي أنه على الرغم من أهمية الاحتجاجات الإيرانية الدائرة الآن، فمن المرجح أن يتم سحقها من قبل النظام الذي لا يزال قوياً.
ويضيف بيرك بقوله إن “حماستنا للصور المثيرة التي نراها للمظاهرات لا تدفعنا فحسب في كثير من الأحيان إلى المبالغة في تقدير اتساع وعمق حركة الاحتجاج، لا سيما عندما يبدو أن أولئك الموجودين في الشوارع يشاركوننا العديد من قيمنا وتطلعاتنا، ولكن أيضاً التقليل من شأن قوة أعدائهم أيضاً. فمن يتصدون للمحتجين الآن في إيران لا يزالون يمتلكون قوة هائلة حقاً».
وأوضح معد التقرير أن مشكلة تفسير الأحداث البعيدة ليست مجرد نتيجة للهواتف الذكية والإنترنت. لقد قام بتغطية الثورة الإيرانية عام 1979 مئات المراسلين من جميع أنحاء العالم. وفي الأشهر القليلة التي قضاها الخميني في باريس قبل عودته إلى طهران، أجرى 150 مقابلة. حتى المتعصبين داخل إيران استوعبوا كلمات الخميني عن الديمقراطية وحقوق المرأة والتسامح. وصرح السفير الأمريكي في طهران أن رجل الدولة الذي سيشبه الخميني أكثر من غيره بعد توليه السلطة هو غاندي. وفي غضون عامين من توليه السلطة، قضى الخميني بلا رحمة على جميع المعارضة تقريباً وملأ السجون وأدخل القوانين التي فرضت الحجاب على النساء.
ومع ذلك، يقول الكاتب: “انتشار الأخبار في كل مكان اليوم، وكيف تصل إلينا وكيف يتم استهلاكها، والأولوية التي تمنحها التكنولوجيا للصورة، تجلب علينا مخاطرة من نوع خاص. غالباً ما يوصف وصول المعلومات على أنه تدفق، مما يعني أن هناك شيئاً مستمراً وثابتاً وإيقاعياً. في الواقع، إنه تدفق متقطع وغير منتظم تماماً، وبينما نعمل على بناء ما نسمعه ونراه لنمنحه إطاراً لفهم معناه، فإننا نملأ العديد من الفجوات بأنفسنا. ينشر البعض الأحكام المسبقة والخوف، ويخلقون نظريات مؤامرة معقدة. يكمل الآخرون الصورة غير المكتملة بالأحلام والآمال، وهو رد فعل أكثر إيجابية بالتأكيد، ولكنه أيضاً يمكن أن يسبب الأذى».
هذا لا يعني أنه لا ينبغي الإعجاب بأولئك الموجودين في شوارع إيران والاحتفاء بأمثالهم، يقول معد التقرير، “ومع ذلك، عندما نفكر في كيفية مساعدتهم ودعمهم، يجب أن نكون حريصين على القيام بذلك بعيون واضحة، وليست مغمورة بالتفاؤل الزائف. هذا سيجعل دعمنا أكثر قيمة».