الألعاب الأولمبية 2024: فوائد فرنسا الاقتصادية غير مؤكدة

الألعاب الأولمبية 2024: فوائد فرنسا الاقتصادية غير مؤكدة

ما بين ثلاثة وأربعين وستين ميدالية: هذا ما ينبغي أن يفوز به الرياضيون الفرنسيون خلال دورة الألعاب الأولمبية 2024 التي ستقام في باريس في الفترة من 26 يوليو إلى 11 أغسطس، وفق نموذج اقتصادي قياسي وضعه خبراء في اقتصاديات الرياضة. . ولكن من الغريب أن القياس الكمي للفوائد الاقتصادية يبدو أكثر عشوائية.  فقد تم إجراء دراسة التأثير في عام 2016، قبل منح الألعاب لباريس، من قبل مركز قانون الرياضة والاقتصاد. 
 
وقدرت الفوائد الاقتصادية بنطاق واسع للغاية، يتراوح بين 5.3 مليار إلى 10.7 مليار يورو، ما بين الربع والثلث الكبير منها تحققه السياحة. « و هي أرقام يجب مراجعتها، مع الأخذ في الاعتبار الأزمة التضخمية والسياق الدولي كما يقول فلاديمير أندريف، الأستاذ الفخري للاقتصاد في جامعة باريس 1 بانتيون السوربون. وقد تم إطلاق دراسات أخرى أكثر حداثة حول التأثير ولكن لم يتم نشرها بعد. «هذا يدل على صعوبة الممارسة»، يلخص ليونيل غروتو، المدير العام لوكالة «شوز» وهي وكالة الجذب الدولية لمنطقة  باريس . 
 
توفر بعض الأرقام بعض المعايير و المؤشرات . إن بناء البنية التحتية الأولمبية، التي اكتملت بنسبة 84% في نهاية ديسمبر 2023، ستولد في النهاية استثمارات تزيد عن 4 مليارات يورو. وستبلغ نفقات اللجنة المنظمة لألعاب باريس 2024  ما يقارب 4.4 مليار يورو، بحسب الأرقام التي احتفظ بها ديوان المحاسبة في تقريره المقدم إلى البرلمان والذي نشر في يناير2023  
 
و قد أشارت اللجنة الاولمبية ، في نهاية ديسمبر 2023، إلى أنها وقعت بالفعل عقودا بقيمة 2.3 مليار يورو مع نحو ألفين ومئتي مقدم خدمة، ثلاثة أرباعها من الشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة و البقية من خارج فرنسا . وهذا يعني أن «جزءًا من  الفوائد سيفلت في نهاية المطاف من الشركات الفرنسية، بنسب لم يتم تحديدها بعد»، كما يؤكد النائبان ستيفان بيو  وستيفان مازارز المؤلفان المشاركان لـ تقرير صدر في يوليوز 2023، في ختام مهمة إعلامية حول تأثير الألعاب على النسيج الاقتصادي والجمعوي المحلي. ووفقاً لسيلفان بيرسينغر، الخبير الاقتصادي ، فإن النفقات المرتبطة بالألعاب والتي تعود بالنفع على الشركات الفرنسية يجب أن «تولد مائة وتسعة آلاف فرصة عمل، فضلاً عن حوالي 9.3 مليار يورو من القيمة المضافة . هذه» تداعيات كبيرة بالتأكيد، ولكنها تمت على مدار عدة سنوات، حيث بدأت مواقع البناء قبل وقت طويل من بدء الألعاب. وبالنسبة للشركات المعنية، فإن هذه العقود لا تأتي بالضرورة دائما بالإضافة إلى نشاط غير الألعاب – لعدم وجود فرق يمكن توسيعها حسب الحاجة – كما أوضح ستيفان لوزورييه، المدير العام لشركة نجارة والذي فاز بعدة عقود. ويوضح قائلاً: «إن التأثير على معدل دوران الأعمال ليس كبيرًا: فقد سمح لنا هذا بشكل أساسي بضمان استمرارية النشاط منذ عام 2021 « بالإضافة إلى ذلك، فإن «التأخير في بعض المشاريع كان له تأثير سلبي على حجم الأعمال في عام 2023، ولكن ينبغي تعويض ذلك في عام  2024 .»
 
تحديات أمام السياحة 
إذا كانت باريس 2024 تشير إلى أنها تتوقع توافد أكثر من خمسة عشر مليون متفرج على المواقع الأولمبية، فإن قطاع السياحة يعاني من عدد معين من العناصر المجهولة.  
يقدم أولى هذه العناصر أوجستين لوي، نائب رئيس مجموعة أتالانتي، التي تدير خمسة فنادق في  باريس يقول: «نعتقد أن الألعاب ستخيف السياح المعتادين». لكن لا أحد يمكن، في الوقت الحالي، قياس تأثير هذا الغياب  « . في عام 2012، خلال دورة الألعاب الأولمبية في لندن، لم يكن هناك هجر، ولكن لم يكن هناك تأثير «مبهر» على أعداد السياح أيضًا»، كما يتذكر فنسنت بياوسك، النائب المسؤول عن الألعاب الأولمبية في إدارة المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في باريس. وتفضل الإدارة الإقليمية المذكورة أيضًا الانتظار حتى نهاية الحدث لتحديد تأثيره على المنطقة الاقتصادية الفرنسية الرائدة. دانييل وايزمن، الذي تم تعيينه في 19 ديسمبر 2023، مديرا ل»ميديف»  أكثر ثقة: «خلال الألعاب، نتوقع ثلاثة إلى أربعة ملايين زائر إضافي مقارنة بالصيف العادي، الذين سينفق كل منهم حوالي 3000 يورو على إقامتهم. ومرة أخرى، هذا لا يأخذ في الاعتبار مضاعفة أسعار الغرف. » أو على حد قوله حوالي مليار يورو عائدات إضافية للمنشآت في المنطقة. يجب أن نضيف إلى ذلك المبالغ التي سيجنيها الملاك الباريسيون الذين سيعرضون أماكن إقامتهم للإيجار الموسمي حيث قدر  تقرير من شركة Deloitte نيابة عن Airbnb، نُشر في أبريل 2023، قيمة  العائد بمبلغ 257 مليون يورو، أو 2000 يورو في المتوسط لكل مسكن مستأجر.  و يعتقد السيد وايزمان أن «هذا سيستمر بعد الألعاب، حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين مليون ونصف إلى مليوني شخص سيرغبون في القدوم إلى باريس بعد رؤية صور العاصمة أثناء البث .»
ومهما كانت الأرقام، فإن هذا الاحتمال يثير البعض ويثير قلق البعض الآخر. وفي بعض القطاعات، مثل الخدمات اللوجستية، يمثل الحدث فرصة نادرة « .
 لكي نكون قادرين على استيعاب خمسة عشر مليون زائر، وتزويد الفنادق والمطاعم والمواقع، سيتعين علينا مضاعفة عدد عمليات التسليم بين 1 يوليو و15 سبتمبر»، كما توقع المدير العام الفرنسي لشركة XPO Logistics، برونو كلوكنر. وقد قامت الشركة بتعيين حوالي عشرة مهندسين للعمل على التكيف مع هذا الطلب القوي. يوضح السيد كلوكنر: «لقد طلبنا سيارات كهربائية، وإذا لزم الأمر، سنقوم بالتوصيل بالدراجة». تخطط الشركة   أيضًا لتوسيع سعاتها التخزينية الإضافية في ضواحي باريس إذا لم يكن هناك ما يكفي من الأمتار المكعبة لتخزين عبوات البيرة أو مخزون المواد الغذائية.
 
مشكلة في الرؤية
إن لغز النقل ومواقف السيارات في باريس، والتي ستكون مقيدة بمحيط أمني وقيود مرورية، يسعد أيضًا بعض المبتكرين. يعتقد تشارلز فيستر، المؤسس المشارك لشركة « ياس بارك «، وهي شركة ناشئة تؤجر أماكن وقوف السيارات في المساكن الخاصة أو من الملاك الاجتماعيين عبر منصة، أن «الألعاب الأولمبية ستعيد خلط الأوراق» في هذه السوق المقيدة للغاية عادة. ويتذكر قائلاً: «سيتم تأمين العديد من المواقع في باريس وإفراغ مواقف السيارات الخاصة بها»، في حين أن «الوفود الأولمبية تطالب بشدة بضمان توفر أماكن لوقوف السيارات « .
«إن الألعاب الأولمبية هي مسألة ظهور واكتساب العملاء»، كما يلخص أيمارد دي رافينيان، رئيس شركة ناشئة أخرى، تعتزم الاستفادة من الألعاب الأولمبية لإطلاق سيارات الأجرة الخاصة بالدراجات في العاصمة، عندما تنشر شركة Air Liquide ألف سيارة أجرة الهيدروجين. 
جيروم ديكامبس، رئيس شركة عقارية تستأجر متاجر أو مباني تجارية، يفرك يديه أيضًا: السياح، بين حدثين، لن يفشلوا في إلقاء نظرة على المحلات الفاخرة، لشراء القمصان والقبعات  من العلامات التجارية الكبرى للملابس الرياضية، أو تذوق متعة فن الطهو في متاجر المواد الغذائية. 
ويؤكد السيد ديكامب أن «السياح يحبون المخابز الفرنسية «. وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة «ميديف باريس» في تشرين الثاني-نوفمبر 2023، فإن 45% من قادة الأعمال في العاصمة يقولون إنهم قلقون، سواء بشأن استمرارية نشاطهم أو بشأن سفر موظفيهم. ووفقًا لمارسيل بينيزيت، المنتخب لعضوية غرفة التجارة والصناعة في إيل دو فرانس ورئيس فرع المقاهي والحانات، فإن «العديد من أصحاب المطاعم والتجار يريدون إغلاق أبوابهم خلال فترة الألعاب»، خوفًا من أن يصبحوا خاسرين.
 يجيب السيد وايزمان: «نحن نعمل على جميع القضايا المتعلقة بحركة المرور والتوصيل والأمن»، مؤكدًا أن مختلف أصحاب المصلحة في الحدث  «يستمعون» بعناية للمخاوف لتذليلها. 
وبمجرد انتهاء المنافسات، وتعليق الميداليات، وعودة المتفرجين إلى حياتهم اليومية، فهل سينعكس كل ذلك على نمو الاقتصاد الوطني؟ قام السيد بيرسينجر بتشريح مسارات البلدان التي استضافت الألعاب على التوالي، منذ عام 1988 .الاستنتاج: «ليس لهذا الحدث تأثير ملحوظ على نمو البلدان المضيفة، ولا في العام السابق، بسبب بناء الإنفاق، ولا في السنوات التالية، وذلك بسبب تحسن صورة البلاد مما يؤدي إلى زيادة الجاذبية. 
هذا كثير بالنسبة لأولئك الذين يحلمون بتأثير كأس العالم، كما حدث في عام 1998، وهو ما من شأنه أن يدفع الشعب الفرنسي المبتهج إلى  إحتساب أمواله. لكن ربما تكون القضية في مكان آخر، كما أشار دانييل كاريوتيس، المدير العام للبنك الشعبي أوفيرني رون ألب، في نوفمبر 2023 «هل يمكننا قياس الفخر الوطني والتماسك الوطني؟ نحن لا نرحب بهذه الأحداث  من أجل الاقتصاد» .