يبدو التشابه غير مبالغ فيه
الإرهاب: ماذا لو كرر الفشل الأفغاني نفسه في مالي...!
- بعد ست سنوات على المعارك الأولى ضد الجماعات المسلحة، فإن مهمة الجنود الفرنسيين ليست على وشك الانتهاء
- شاركت القوى المتدخلة من الخارج، في تفاقم التشرذم العرقي والمجتمعي
- أصبح للمنطق العسكري الأسبقية على نهج الحل السياسي للنزاعات
- الانتصار في الحرب لا معنى له، إذا كان السلام الذي يتبعه هشًا للغاية
- في النهاية، لم تتعلم الدول المتدخلة إلاّ القليل من أخطاء الماضي
مع حوالي 1700 جندي، أصبحت مالي الآن الدولة التي تستضيف أكبر مجموعة من الجنود من عملية برخان، وهو تدخل نفذه الجيش الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء لقتال بعض الجماعات المسلحة في المنطقة.
ورغم أن الاشتباك العسكري في منطقة الساحل المالي طويل ومكلف، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من كبح التوترات الراسخة وغير القابلة للاختزال في هذه المنطقة. هناك العديد من النقاط المشتركة بين الصراع الذي يؤثر اليوم بشكل عنيف على وسط وشمال مالي، وبين الحرب في أفغانستان منذ عام 2001.
من خلال الرغبة في إعادة تأسيس مؤسسات الدولة القوية والشرعية السياسية للحكومات غير الشعبية، فإن القوى المتدخلة من الخارج، على العكس من ذلك، شاركت في تفاقم التشرذم العرقي والمجتمعي. وفي الحالتين، يبدو الآن أن العواقب مستديمة.
الرغبة في “كسب القلوب والعقول»
مالي، مثل أفغانستان من قبل، هي حالة تدرّس لاتجاه لوحظ منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: عندما يتعلق الأمر بحل النزاعات، يصبح من الصعب بشكل متزايد رسم الخط الفاصل بين عمليات حفظ السلام التقليدية وغير التمييزية والكونية، وما هو أقرب إلى مجرد أدوات للسياسة الخارجية تستخدمها الدول القوية داخل النظام الدولي.
ورغم كونها قديمة ومُنتقدة بشكل شرعي، فقد تمت إعادة تأهيل ما يسمى باستراتيجيات “مكافحة التمرد” كنموذج متميز للتدخل في النزاعات. وهي تضم فاعلين يتمتعون بقدرات غير متكافئة للغاية: من ناحية، الدول القوية، ومن ناحية أخرى، الجماعات ذات الجذور المحلية والقليل من الموارد القتالية.
تمت ملاحظتها أولاً في أفغانستان ثم في مالي، تجمع هذه المذاهب بين الأنشطة المدنية والعسكرية، وتهدف بشكل أساسي إلى الحصول على دعم الأغلبية من السكان المحليين من أجل التفوق على الخصم المحدد.
ولما كان الهدف هو ممارسة شكل من أشكال الحكم على منطقة ما، وكسب “القلوب والعقول”، فإن هذه الأساليب تنطوي على تكاليف باهظة بالنسبة للبلدان المعنية.
ويتطلب الحفاظ على النظام، والحفاظ على البنية التحتية الفاشلة، تعبئة هائلة للموارد البشرية أو الاقتصادية أو اللوجستية. وبنفس القدر من الأهمية هي التكلفة السياسية. هذه التدخلات العسكرية اللامتناهية، ينظر إليها على أنها إخفاقات من قبل الرأي العام للدول المنتشرة، وحروب غير مشروعة لا ترتبط بمصالح انية مباشرة.
التعاقد من الباطن مشكوك فيه
وللتعويض عن نقص اكيد في الموارد التي يمكن تعبئتها، اعتمدت الدول المتدخلة في كثير من الأحيان نفس الحل: لقد أوكلت لآخرين مهام لا يمكنهم تحمّلها بأنفسهم. في أفغانستان ومالي، على وجه الخصوص، أسندوا عمليات حفظ النظام إلى جماعات مسلحة غير حكومية، وميليشيات محددة على أسس مجتمعية أو عرقية أو قبلية.
ومن خلال حركة “العسكرة” هذه، تمكنت المنظمات المسلحة، التي غالبًا ما تفتقر إلى أي شرعية سياسية على المستوى الوطني، من الوصول إلى موارد كبيرة.
المشكلة، هي أن الصراعات تمثّل فترات تحوّل للهويات، وإن تجنيد الميليشيات بهذه الطريقة له تأثير حقيقي على مدة وشدة الأعمال العدائية.
ومن خلال اختيار الجماعات التي يجب دعمها وأيها سيتم استبعادها، ترسم القوات الأجنبية بشكل تعسفي خطوطًا بين “الخيّرين” و “الاشرار”، والميليشيات التي تصادقها وتلك التي سيتم محاربتها. ويكبر احتمال إعادة تنشيط توترات المجتمع القديم.
علاوة على ذلك، بالنظر الى أن المجموعات المجنَّدة تستمد موارد جديدة من تحالفاتها الجديدة، فإنها تميل إلى تفضيل الحفاظ على منطقة رمادية بين الحل الكامل للنزاع والأعمال العدائية المفتوحة.
التاريخ يعيد نفسه؟
كانت أفغانستان بالفعل مثالاً لاذعاً على هذه “العسكرة”. تم وضع اليات لمكافحة التمرد عام 2001 في البلاد، بهدف تحقيق استقرار المؤسسات المخصصة التي تم إنشاؤها بعد سقوط نظام طالبان. وتم بناء الشرطة المحلية الأفغانية جزئيًا على أسس عرقية لدعم المصالح العسكرية الأمريكية، وتزويد الميليشيات القبلية بالموارد التي لم تستطع الاستفادة منها في السابق.
في ولاية قندوز، على وجه الخصوص، في شمال البلاد، تم تدريب العديد من الميليشيات الطاجيكية والأوزبكية والتركمان وتسليحها ودعمها للدفاع عن مصالح الكفاح ضد طالبان. وكان من المستحيل على الجيش الأمريكي وحلفائه الحفاظ على وجود مستمر في جميع أنحاء أفغانستان.
ومع ذلك، سرعان ما تم التلاعب بالموارد الموزعة من قبل المتلقين لها لخدمة مصالحهم الخاصة. وتم تعزيز التوترات المجتمعية الموجودة من قبل تدريجياً، حيث تدهور أمن السكان المحليين بسرعة.
هذا المثال الرمزي لفشل مذاهب مكافحة التمرد، للأسف، لم يؤد إلى التخلي عنها. في مالي، أظهرت عدة تقارير حديثة دعم الحكومة المركزية وقوة برخان للجماعات المسلحة غير الحكومية في شمال البلاد، وعلى الحدود مع النيجر. الهدف، مرة أخرى، هو معالجة عدم قدرة القوات المسلحة على العمل في مناطق شاسعة وغير معروفة.
والنتيجة هي مرة أخرى تفاقم الصراعات بين الجماعات والطوائف، وهي الآن في ذروتها. إن تسوية النزاع المالي على المديين القصير والمتوسط أصبحت الآن غير ذات صلة، حيث أصبح للمنطق العسكري الأسبقية على نهج الحل السياسي للنزاعات.
بعد ما يقرب من ست سنوات على المعارك الأولى ضد الجماعات المسلحة، فإن مهمة الجنود الفرنسيين ليست على وشك الانتهاء.
إعادة التفكير في بناء السلام
«فرق تسد بشكل أفضل”، كما يقول المثل. لكن الفوز في الحرب لا معنى له، إذا كان السلام الذي يتبعه هشًا للغاية. في النهاية، لم تتعلم الدول المتدخلة إلا القليل من أخطاء الماضي. ولم يدركوا التناقض بين الرغبة في تحقيق استقرار فضاء وخلق مؤسسات مستقرة، وتفويض مهام إنفاذ القانون وحفظ النظام.
للجماعات المسلحة مصالح بعيدة بالضرورة عن مصالح الجيوش الأجنبية. ومن الصعب للغاية السيطرة عليها، حتى من خلال الهياكل التي تمولها وتسلحها. إن تسريحهم بعد النزاعات هو قضية رئيسية، وتمت إدارتها بشكل سيء للغاية في الحالتين الأفغانية والماليّة بحيث لا تسمح بعودة الاستقرار... خطر تجدد العنف يتزايد حتما.
واليوم، فشلت كل من أفغانستان ومالي في النضال ضد التمرد، حيث يمنع استقطاب الهويات إيجاد حلّ قوي ودائم للصراعات.
بعد 18 عامًا من الحرب، تبدو طالبان أقوى من أي وقت مضى، في حين أن التوترات الطائفية تمزق مالي بشكل أكبر.
خلّف أكثر من 130 مدنيا، الهجوم المروع الذي وقع في 23 مارس في منطقة موبتي، جاء ليذكّر بشكل مأساوي بالحاجة الملحة لإعادة التفكير في بناء السلام.
* آرثر شتاين طالب دكتوراة في العلاقات الدولية بجامعة مونتريال.
- شاركت القوى المتدخلة من الخارج، في تفاقم التشرذم العرقي والمجتمعي
- أصبح للمنطق العسكري الأسبقية على نهج الحل السياسي للنزاعات
- الانتصار في الحرب لا معنى له، إذا كان السلام الذي يتبعه هشًا للغاية
- في النهاية، لم تتعلم الدول المتدخلة إلاّ القليل من أخطاء الماضي
مع حوالي 1700 جندي، أصبحت مالي الآن الدولة التي تستضيف أكبر مجموعة من الجنود من عملية برخان، وهو تدخل نفذه الجيش الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء لقتال بعض الجماعات المسلحة في المنطقة.
ورغم أن الاشتباك العسكري في منطقة الساحل المالي طويل ومكلف، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من كبح التوترات الراسخة وغير القابلة للاختزال في هذه المنطقة. هناك العديد من النقاط المشتركة بين الصراع الذي يؤثر اليوم بشكل عنيف على وسط وشمال مالي، وبين الحرب في أفغانستان منذ عام 2001.
من خلال الرغبة في إعادة تأسيس مؤسسات الدولة القوية والشرعية السياسية للحكومات غير الشعبية، فإن القوى المتدخلة من الخارج، على العكس من ذلك، شاركت في تفاقم التشرذم العرقي والمجتمعي. وفي الحالتين، يبدو الآن أن العواقب مستديمة.
الرغبة في “كسب القلوب والعقول»
مالي، مثل أفغانستان من قبل، هي حالة تدرّس لاتجاه لوحظ منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: عندما يتعلق الأمر بحل النزاعات، يصبح من الصعب بشكل متزايد رسم الخط الفاصل بين عمليات حفظ السلام التقليدية وغير التمييزية والكونية، وما هو أقرب إلى مجرد أدوات للسياسة الخارجية تستخدمها الدول القوية داخل النظام الدولي.
ورغم كونها قديمة ومُنتقدة بشكل شرعي، فقد تمت إعادة تأهيل ما يسمى باستراتيجيات “مكافحة التمرد” كنموذج متميز للتدخل في النزاعات. وهي تضم فاعلين يتمتعون بقدرات غير متكافئة للغاية: من ناحية، الدول القوية، ومن ناحية أخرى، الجماعات ذات الجذور المحلية والقليل من الموارد القتالية.
تمت ملاحظتها أولاً في أفغانستان ثم في مالي، تجمع هذه المذاهب بين الأنشطة المدنية والعسكرية، وتهدف بشكل أساسي إلى الحصول على دعم الأغلبية من السكان المحليين من أجل التفوق على الخصم المحدد.
ولما كان الهدف هو ممارسة شكل من أشكال الحكم على منطقة ما، وكسب “القلوب والعقول”، فإن هذه الأساليب تنطوي على تكاليف باهظة بالنسبة للبلدان المعنية.
ويتطلب الحفاظ على النظام، والحفاظ على البنية التحتية الفاشلة، تعبئة هائلة للموارد البشرية أو الاقتصادية أو اللوجستية. وبنفس القدر من الأهمية هي التكلفة السياسية. هذه التدخلات العسكرية اللامتناهية، ينظر إليها على أنها إخفاقات من قبل الرأي العام للدول المنتشرة، وحروب غير مشروعة لا ترتبط بمصالح انية مباشرة.
التعاقد من الباطن مشكوك فيه
وللتعويض عن نقص اكيد في الموارد التي يمكن تعبئتها، اعتمدت الدول المتدخلة في كثير من الأحيان نفس الحل: لقد أوكلت لآخرين مهام لا يمكنهم تحمّلها بأنفسهم. في أفغانستان ومالي، على وجه الخصوص، أسندوا عمليات حفظ النظام إلى جماعات مسلحة غير حكومية، وميليشيات محددة على أسس مجتمعية أو عرقية أو قبلية.
ومن خلال حركة “العسكرة” هذه، تمكنت المنظمات المسلحة، التي غالبًا ما تفتقر إلى أي شرعية سياسية على المستوى الوطني، من الوصول إلى موارد كبيرة.
المشكلة، هي أن الصراعات تمثّل فترات تحوّل للهويات، وإن تجنيد الميليشيات بهذه الطريقة له تأثير حقيقي على مدة وشدة الأعمال العدائية.
ومن خلال اختيار الجماعات التي يجب دعمها وأيها سيتم استبعادها، ترسم القوات الأجنبية بشكل تعسفي خطوطًا بين “الخيّرين” و “الاشرار”، والميليشيات التي تصادقها وتلك التي سيتم محاربتها. ويكبر احتمال إعادة تنشيط توترات المجتمع القديم.
علاوة على ذلك، بالنظر الى أن المجموعات المجنَّدة تستمد موارد جديدة من تحالفاتها الجديدة، فإنها تميل إلى تفضيل الحفاظ على منطقة رمادية بين الحل الكامل للنزاع والأعمال العدائية المفتوحة.
التاريخ يعيد نفسه؟
كانت أفغانستان بالفعل مثالاً لاذعاً على هذه “العسكرة”. تم وضع اليات لمكافحة التمرد عام 2001 في البلاد، بهدف تحقيق استقرار المؤسسات المخصصة التي تم إنشاؤها بعد سقوط نظام طالبان. وتم بناء الشرطة المحلية الأفغانية جزئيًا على أسس عرقية لدعم المصالح العسكرية الأمريكية، وتزويد الميليشيات القبلية بالموارد التي لم تستطع الاستفادة منها في السابق.
في ولاية قندوز، على وجه الخصوص، في شمال البلاد، تم تدريب العديد من الميليشيات الطاجيكية والأوزبكية والتركمان وتسليحها ودعمها للدفاع عن مصالح الكفاح ضد طالبان. وكان من المستحيل على الجيش الأمريكي وحلفائه الحفاظ على وجود مستمر في جميع أنحاء أفغانستان.
ومع ذلك، سرعان ما تم التلاعب بالموارد الموزعة من قبل المتلقين لها لخدمة مصالحهم الخاصة. وتم تعزيز التوترات المجتمعية الموجودة من قبل تدريجياً، حيث تدهور أمن السكان المحليين بسرعة.
هذا المثال الرمزي لفشل مذاهب مكافحة التمرد، للأسف، لم يؤد إلى التخلي عنها. في مالي، أظهرت عدة تقارير حديثة دعم الحكومة المركزية وقوة برخان للجماعات المسلحة غير الحكومية في شمال البلاد، وعلى الحدود مع النيجر. الهدف، مرة أخرى، هو معالجة عدم قدرة القوات المسلحة على العمل في مناطق شاسعة وغير معروفة.
والنتيجة هي مرة أخرى تفاقم الصراعات بين الجماعات والطوائف، وهي الآن في ذروتها. إن تسوية النزاع المالي على المديين القصير والمتوسط أصبحت الآن غير ذات صلة، حيث أصبح للمنطق العسكري الأسبقية على نهج الحل السياسي للنزاعات.
بعد ما يقرب من ست سنوات على المعارك الأولى ضد الجماعات المسلحة، فإن مهمة الجنود الفرنسيين ليست على وشك الانتهاء.
إعادة التفكير في بناء السلام
«فرق تسد بشكل أفضل”، كما يقول المثل. لكن الفوز في الحرب لا معنى له، إذا كان السلام الذي يتبعه هشًا للغاية. في النهاية، لم تتعلم الدول المتدخلة إلا القليل من أخطاء الماضي. ولم يدركوا التناقض بين الرغبة في تحقيق استقرار فضاء وخلق مؤسسات مستقرة، وتفويض مهام إنفاذ القانون وحفظ النظام.
للجماعات المسلحة مصالح بعيدة بالضرورة عن مصالح الجيوش الأجنبية. ومن الصعب للغاية السيطرة عليها، حتى من خلال الهياكل التي تمولها وتسلحها. إن تسريحهم بعد النزاعات هو قضية رئيسية، وتمت إدارتها بشكل سيء للغاية في الحالتين الأفغانية والماليّة بحيث لا تسمح بعودة الاستقرار... خطر تجدد العنف يتزايد حتما.
واليوم، فشلت كل من أفغانستان ومالي في النضال ضد التمرد، حيث يمنع استقطاب الهويات إيجاد حلّ قوي ودائم للصراعات.
بعد 18 عامًا من الحرب، تبدو طالبان أقوى من أي وقت مضى، في حين أن التوترات الطائفية تمزق مالي بشكل أكبر.
خلّف أكثر من 130 مدنيا، الهجوم المروع الذي وقع في 23 مارس في منطقة موبتي، جاء ليذكّر بشكل مأساوي بالحاجة الملحة لإعادة التفكير في بناء السلام.
* آرثر شتاين طالب دكتوراة في العلاقات الدولية بجامعة مونتريال.