انتخابات تخفي أخرى في فرنسا
الإقليمية تفتح الشهية الرئاسية على اليمين واليسار...!
-- صــراع زعامــة داخــــل اليســــار واليميـن، وماكــــرون بــدون حــزب، وقبضــة ماريــن ترتـخي
-- كانت هذه الاستشارة الانتخابية بمثابة انتصار للأحزاب الراسخة في الجمهورية الخامسة
-- يعتبر الحزب الاشتراكي الفرنسي، نفسه «محرك» اليسار
-- أسفرت الانتخابات الإقليمية، التي قاطعها الناخبون، عن ضحيتين: التجمع الوطني والأغلبية الرئاسية
-- محروم من زعيم لا ينازع، أصبح اليمين على رأس فريق يتصارع فيه بشراسة العديد من الشخصيات
بالتوقيع على فشل اليمين المتطرف ورئيس الجمهورية، فإن المحطة الانتخابية تدشن مرحلة سياسية جديدة مليئة بالصعوبات... للجميع!
لا شك أن الانتخابات الإقليمية، التي قاطعها الناخبون بشكل كبير، أسفرت عن ضحيتين: التجمع الوطني، والأغلبية الرئاسية بجناحيها حركة الجمهورية إلى الأمام والحركة الديمقراطية (مودام). ونتيجة لذلك، يرى كثيون أن من يجسّد هاتين الكتلتين، مارين لوبان وإيمانويل ماكرون، قد تمّ النّيل من صورتهما، وأن خطتهما الانتخابية تتعثر، وسط ملعب سياسي يتسم بعدم اهتمام الرأي العام المتزايد بالمسائل الانتخابية. لم يفز اليمين المتطرف بأي منطقة هو الذي كان يأمل، على الأقل، افتكاك بروفانس ألب كوت دازور (باكا) حيث كان المنشق عن اليمين البرلماني وانتقل إلى حزب لوبان، تييري مارياني، قد تقدم على الرئيس المنتهية ولايته، رينو موسيلير (الجمهوريون) في الجولة الأولى. في الطليعة إلى حد كبير في جميع المناطق خلال دورة الإحماء، لم تكن حركتي الجمهورية إلى الأمام والمودم قادرتين على فرض كيانهما كقوة احتياطية أساسية في الجولة الثانية، كامتداد لـ “واليمين واليسار”، الذي كان الشعار الرئيسي للمرشح ماكرون عام 2017.
لقد فشل مسعى رئيسة الحزب اليميني المتطرف، ورئيس الجمهورية، في محاولة “تأميم” هذه الانتخابات المحلية. أرادت رئيسة التجمع الوطني تحويل هذه المناطق إلى منصة انطلاق لحملتها الرئاسية. وعلى أساس استطلاعات الرأي لنوايا التصويت قبل الانتخابات، رأت نفسها على رأس أول قوة سياسية فرنسية وفائزة، وعلى وجه الخصوص، في باكا وفي أوت دو فرانس. ومع الأسف، خيّب الناخبون آمالها منذ الجولة الأولى بغيابهم عن مراكز الاقتراع.
لقد فشلت
استراتيجية التأميم
في الوقت نفسه ، كان الرئيس ماكرون قد بعث الى جبهة المعركة فيلق من الوزراء في عدة مناطق. رسمياً، كان عليهم “تبليل القميص”، بمواجهة ميدانية؛ وبشكل غير رسمي، كان الأمر يتعلق بالتخفيف من الضعف الشديد للمؤسسة المحلية للحزب الشاب الذي تم إطلاقه عام 2016، اي أن الجمهورية الى الامام لم يبلغ حتى خمس سنوات من الوجود.
كان الهدف الأول للاستراتيجية الرئاسية، على وجه الخصوص، هو إجبار كزافييه برتران، الرئيس المنتهية ولايته لـ أوت دو فرانس، وفاليري بيكريس، رئيسة إيل دو فرانس -غادر الزعيمان حزب الجمهوريين ويأملان تمثيل يمين مستقل عن هذا الحزب –إجبارهما على تحالفات الجولة الثانية لقطع الطريق على أقصى اليمين هنا وعلى اليسار هناك. وكان الهدف الثاني، هو تقديم نفسه على أنه أكثر المعارضين شراسة للتجمع الوطني، حيث أن جزءً من النواب والناخبين الجمهوريين ليسوا معادين للتقارب مع اليمين المتطرف.
من الواضح أن استراتيجية الاليزيه هذه قد فشلت في هاتين المنطقتين الرئيسيتين -لم يكن قادة الأغلبية الرئاسية أكثر نجاحًا في المناطق الأخرى التي كانوا يطمعون فيها – وثبت ان أفضل الأسوار ضد التجمع الوطني واليسار، هما برتران وبيكريس اللذين ، بمفردهما وبدون دعم حركة الرئيس الجمهورية إلى الأمام، تمكنا من الحفاظ على منطقتهما.
انتصار الأحزاب القائمة
في المقابل، قلّص الرئيس ماكرون من حجم الهزيمة بفضل الانتصار الكبير، على عكس كل التوقعات، لرينود موسيلير (الجمهوريون) الذي تحالفت معه حركة الجمهورية إلى الأمام بدفع من السلطة التنفيذية، قبل الدور الأول. مما أثار استياء بعض أباطرة اليمين المحلي، مثل إريك سيوتي.
هذا النجاح الذي حققه الرئيس المنتهية ولايته في باكا تم تسهيله أيضًا من خلال انسحاب اليسار بقيادة منافس من أوروبا البيئة-الخضر، الذي لم تكن لديه نية التنازل قبل الجولة الثانية. لكن ضغط السلطات الوطنية لحزبه، وربما الخوف من تحمل المسؤولية عن الانتصار الوحيد المحتمل لليمين المتطرف، قد تغلب على إصرار جان لوران فيليزيا.
وفي النهاية، تكفّل عدم تعبئة الناخبين مجددا في التجمع الوطني، وإعادة الاعتبار للجبهة الجمهورية، والتي لم يصرح أحد من اليمين واليسار بأنها ماتت، تكفّل بالباقي.
لقد سجلت هذه الانتخابات انتصار الأحزاب الراسخة في الجمهورية الخامسة –سيقول البعض انها أحزاب هرمت، باعترافها بنفسها أنها تعيش حياة صعبة -وتفوّق الرؤساء والرئيسات المنتهية ولايتهم لأن الجميع قد أعيد انتخابه في فرنسا القارية (وفيما وراء البحار، ريونيون انتقلت من اليمين إلى اليسار)، ولم يتغير شيء في توزيع المناطق بين اليمين (7) واليسار (5)، وظلت كورسيكا يحكمها الانفصاليون القوميون.
إن انخفاض نسبة المشاركة في الجولتين (34 بالمائة) ، مصحوبًا بتعبئة ضعيفة لناخبي لوبان، خلافًا لعادة الاقتراعات الأخيرة، كان في صالح استمرار الوضع القائم.
منافسة مفتوحة على اليمين
الانتخابات المحلية ضدّ الانتخابات الوطنية؟ هل سيكون لهذه المحطة تأثير على أم المعارك الانتخابية، وهي الانتخابات الرئاسية العام المقبل في نظر الفرنسيين؟ هل هناك انفصال بين الانتخابات المحلية أو البلدية أو الإدارية أو الإقليمية، والتي تتطلب بلا شك ترسّخًا قويًا في الميدان، وتلك الوطنية، من نوع الأوروبية أو الرئاسية أو حتى التشريعية بشكل أقل، والتي تستجيب لردود فعل انتخابية أخرى ... على وجه التحديد أقل محلية؟ يبدو أن استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت تؤكد -حتى الآن! - هذه الفرضية الأخيرة.
ومن الواضح أن هذا هو الأمل والرهان، لكل من الرئيس ماكرون ورئيسة حزب التجمع الوطني مارين لوبان، اللذين يحافظان على موقع أنهما المرشحان المفضلان لانتخابات 2022 في إعادة إنتاج لعام 2017. هذا دون احتساب التقدم التدريجي لذي يسجله كزافييه برتران، مرشح اليمين المتعدد، في استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت، والاسبقية التي يأخذها على منافسته المحتملة الرئيسية، فاليري بيكريس، مرشحة لنفس اللون السياسي أيضًا.
وكمرشح رئاسي مُعلن ومُعزز في معركته السياسية ضد اللوبينية، سبق ان أشار برتران إلى أن ترشّحه لن يكون جزءً من الانتخابات التمهيدية التي ينظمها الجمهوريون، والتي ستشكل مشكلة على اليمين.
خاصة أن نتيجة الإقليمية فتحت الشهية. مرشحون آخرون محتملون في الصفوف مثل لوران ووكيز أو برونو ريتايو، ممثلين عن اليمين المحافظ الذي يتماشى مع شريحة عريضة من الناخبين ... حتى التجمع الوطني. لأنه من الدروس التي تم تجاهلها من هذه الانتخابات الإقليمية، قد يكون استياء جزء من ناخبي لوبان ناتجًا عن الضجر من رؤية وعود لم تتحقق بالوصول إلى السلطة التي زرعتها سلالة لوبان لعقود.
الناخبون لوبينيست ضجروا
إذا تجرأنا على مقارنة تقنية بحتة، فسنلاحظ أن جزءً من جمهور الناخبين الشيوعيين قد تحول إلى التصويت الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية لعام 1981 بسبب اليأس من الإقامة الأبدية في المعارضة. وكانت هذه الفئة من الناخبين تفضل المراهنة، منذ الجولة الأولى، على الفرس الذي يملك أفضل فرصة للفوز على اليمين. ولم يكن جورج مارشيه، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي، بل فرانسوا ميتران، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي.
هل سيترسخ هذا السيناريو، بشكل غير محسوس، هذه المرة في ناخبي اليمين المتطرف؟ إذا كان هذا هو الحال، فسيشكل هذا مشكلة استراتيجية لزعيمة التجمع الوطني التي يجب أن تتخلى عن منصبها في المؤتمر القادم لحزبها (3 و4 يوليو، في بربينيان). والشخص الذي قيل إنه الأفضل لخلافتها، جوردان بارديلا، نائب الرئيس الحالي، تعرض لهزيمة نكراء في إيل دو فرانس على يد فاليري بيكريس، وتقدمت عليه بفارق كبير ايضا القائمة اليسارية (أوروبا البيئة الخضر، الحزب الاشتراكي، فرنسا المتمردة) بقيادة جوليان بايو. بعد هذه الانتخابات، لن يكون هذا الاختيار عامل تعبئة كبير للناخبين اللوبانيين.
كما تطرح مسألة التعبئة على اليسار في افق الانتخابات الرئاسية. خلف أي حزب وأي ممثل ينبغي أن تصطف قوى اليسار، علما أن جان لوك ميلينشون، يخوض حملته منذ عدة أشهر خلف اللافتة الوحيدة لحزبه، فرنسا المتمردة، التي حققت نتائج ضعيفة في المنطقة؟ لذلك، سيقود زعيم المتمردين حملته وحيدا ومنعزلا أكثر مما كان عليه الحال عام 2017 لأن السكرتير الوطني للحزب الشيوعي، فابيان روسيل، المعين من قبل حزبه، لديه الإرادة للذهاب حتى النهاية رغم النتائج الحالية لمعاهد استطلاعات الراي.
من سيكون القوة
الدافعة لليسار؟
من الآن، يعرّف الحزب الاشتراكي نفسه، من خلال صوت سكرتيره الأول، أوليفييه فور، بأنه “محرك” اليسار. وبالفعل، سيكون حزبه قادرًا على الاستفادة من خمس رئاسات إقليمية (أوكسيتاني، ونيوكويتان، وبريتاني، وسنتر فال دي لوار، وبورجوني-فرانش-كومتي)، بعد أن فاز بها بمفرده أو بمساعدة أوروبا البيئة الخضر.
تدعمهم نتائجهم في الانتخابات البلدية حيث فازوا في عدد قليل من المدن الكبرى، مما يمنحهم أسبقية رمزية، يرى دعاة حماية البيئة أنفسهم المحمل الوحيد لتطلعات اليسار (باستثناء فرنسا المتمردة والحزب الشيوعي الفرنسي) عام 2022. ومنذ اعلان نتائج الجولة الثانية من الإقليمية، التزم رئيس الحزب الاشتراكي بتعديل الساعة ووضع الأمور في نصابها... وهذا التطور يفتح المنافسة بين الاشتراكيين والخضر.
في النهاية، تعطي هذه الانتخابات الاقليمية إشارة انطلاق للمنافسة الرئاسية، طارحة اسئلة أكثر من الاجابات سواء على اليمين او على اليسار، وعلى ماكرون ولوبان.
محروم من زعيم لا ينازع، أصبح اليمين الآن على رأس فريق يتصارع فيه بشراسة العديد من الشخصيات من اجل انتزاع موقع الصدارة على خط الانطلاق. انها نوع من المنافسة حيث نادراً ما تمنح فيها هدايا.و دون زعيم لا جدال فيه أيضًا، يشارك اليسار الآن في معركة زعامة بين الحزب الاشتراكي وأوروبا البيئة -الخضر. أما رئيس الجمهورية فهو يتقدم دون حزب فاعل يدعمه. ورئيسة التجمع الوطني، لم يعد بإمكانها ادعاء موقع مهيمن. والأسوأ، أن حزبها أصبح ضحية الامتناع عن التصويت.
لقد تمت إعادة خلط الأوراق، تقول الأحزاب... ويبقى أن نرى ما إذا كان الناخبون سيقومون بالتحليل نفسه .
-- كانت هذه الاستشارة الانتخابية بمثابة انتصار للأحزاب الراسخة في الجمهورية الخامسة
-- يعتبر الحزب الاشتراكي الفرنسي، نفسه «محرك» اليسار
-- أسفرت الانتخابات الإقليمية، التي قاطعها الناخبون، عن ضحيتين: التجمع الوطني والأغلبية الرئاسية
-- محروم من زعيم لا ينازع، أصبح اليمين على رأس فريق يتصارع فيه بشراسة العديد من الشخصيات
بالتوقيع على فشل اليمين المتطرف ورئيس الجمهورية، فإن المحطة الانتخابية تدشن مرحلة سياسية جديدة مليئة بالصعوبات... للجميع!
لا شك أن الانتخابات الإقليمية، التي قاطعها الناخبون بشكل كبير، أسفرت عن ضحيتين: التجمع الوطني، والأغلبية الرئاسية بجناحيها حركة الجمهورية إلى الأمام والحركة الديمقراطية (مودام). ونتيجة لذلك، يرى كثيون أن من يجسّد هاتين الكتلتين، مارين لوبان وإيمانويل ماكرون، قد تمّ النّيل من صورتهما، وأن خطتهما الانتخابية تتعثر، وسط ملعب سياسي يتسم بعدم اهتمام الرأي العام المتزايد بالمسائل الانتخابية. لم يفز اليمين المتطرف بأي منطقة هو الذي كان يأمل، على الأقل، افتكاك بروفانس ألب كوت دازور (باكا) حيث كان المنشق عن اليمين البرلماني وانتقل إلى حزب لوبان، تييري مارياني، قد تقدم على الرئيس المنتهية ولايته، رينو موسيلير (الجمهوريون) في الجولة الأولى. في الطليعة إلى حد كبير في جميع المناطق خلال دورة الإحماء، لم تكن حركتي الجمهورية إلى الأمام والمودم قادرتين على فرض كيانهما كقوة احتياطية أساسية في الجولة الثانية، كامتداد لـ “واليمين واليسار”، الذي كان الشعار الرئيسي للمرشح ماكرون عام 2017.
لقد فشل مسعى رئيسة الحزب اليميني المتطرف، ورئيس الجمهورية، في محاولة “تأميم” هذه الانتخابات المحلية. أرادت رئيسة التجمع الوطني تحويل هذه المناطق إلى منصة انطلاق لحملتها الرئاسية. وعلى أساس استطلاعات الرأي لنوايا التصويت قبل الانتخابات، رأت نفسها على رأس أول قوة سياسية فرنسية وفائزة، وعلى وجه الخصوص، في باكا وفي أوت دو فرانس. ومع الأسف، خيّب الناخبون آمالها منذ الجولة الأولى بغيابهم عن مراكز الاقتراع.
لقد فشلت
استراتيجية التأميم
في الوقت نفسه ، كان الرئيس ماكرون قد بعث الى جبهة المعركة فيلق من الوزراء في عدة مناطق. رسمياً، كان عليهم “تبليل القميص”، بمواجهة ميدانية؛ وبشكل غير رسمي، كان الأمر يتعلق بالتخفيف من الضعف الشديد للمؤسسة المحلية للحزب الشاب الذي تم إطلاقه عام 2016، اي أن الجمهورية الى الامام لم يبلغ حتى خمس سنوات من الوجود.
كان الهدف الأول للاستراتيجية الرئاسية، على وجه الخصوص، هو إجبار كزافييه برتران، الرئيس المنتهية ولايته لـ أوت دو فرانس، وفاليري بيكريس، رئيسة إيل دو فرانس -غادر الزعيمان حزب الجمهوريين ويأملان تمثيل يمين مستقل عن هذا الحزب –إجبارهما على تحالفات الجولة الثانية لقطع الطريق على أقصى اليمين هنا وعلى اليسار هناك. وكان الهدف الثاني، هو تقديم نفسه على أنه أكثر المعارضين شراسة للتجمع الوطني، حيث أن جزءً من النواب والناخبين الجمهوريين ليسوا معادين للتقارب مع اليمين المتطرف.
من الواضح أن استراتيجية الاليزيه هذه قد فشلت في هاتين المنطقتين الرئيسيتين -لم يكن قادة الأغلبية الرئاسية أكثر نجاحًا في المناطق الأخرى التي كانوا يطمعون فيها – وثبت ان أفضل الأسوار ضد التجمع الوطني واليسار، هما برتران وبيكريس اللذين ، بمفردهما وبدون دعم حركة الرئيس الجمهورية إلى الأمام، تمكنا من الحفاظ على منطقتهما.
انتصار الأحزاب القائمة
في المقابل، قلّص الرئيس ماكرون من حجم الهزيمة بفضل الانتصار الكبير، على عكس كل التوقعات، لرينود موسيلير (الجمهوريون) الذي تحالفت معه حركة الجمهورية إلى الأمام بدفع من السلطة التنفيذية، قبل الدور الأول. مما أثار استياء بعض أباطرة اليمين المحلي، مثل إريك سيوتي.
هذا النجاح الذي حققه الرئيس المنتهية ولايته في باكا تم تسهيله أيضًا من خلال انسحاب اليسار بقيادة منافس من أوروبا البيئة-الخضر، الذي لم تكن لديه نية التنازل قبل الجولة الثانية. لكن ضغط السلطات الوطنية لحزبه، وربما الخوف من تحمل المسؤولية عن الانتصار الوحيد المحتمل لليمين المتطرف، قد تغلب على إصرار جان لوران فيليزيا.
وفي النهاية، تكفّل عدم تعبئة الناخبين مجددا في التجمع الوطني، وإعادة الاعتبار للجبهة الجمهورية، والتي لم يصرح أحد من اليمين واليسار بأنها ماتت، تكفّل بالباقي.
لقد سجلت هذه الانتخابات انتصار الأحزاب الراسخة في الجمهورية الخامسة –سيقول البعض انها أحزاب هرمت، باعترافها بنفسها أنها تعيش حياة صعبة -وتفوّق الرؤساء والرئيسات المنتهية ولايتهم لأن الجميع قد أعيد انتخابه في فرنسا القارية (وفيما وراء البحار، ريونيون انتقلت من اليمين إلى اليسار)، ولم يتغير شيء في توزيع المناطق بين اليمين (7) واليسار (5)، وظلت كورسيكا يحكمها الانفصاليون القوميون.
إن انخفاض نسبة المشاركة في الجولتين (34 بالمائة) ، مصحوبًا بتعبئة ضعيفة لناخبي لوبان، خلافًا لعادة الاقتراعات الأخيرة، كان في صالح استمرار الوضع القائم.
منافسة مفتوحة على اليمين
الانتخابات المحلية ضدّ الانتخابات الوطنية؟ هل سيكون لهذه المحطة تأثير على أم المعارك الانتخابية، وهي الانتخابات الرئاسية العام المقبل في نظر الفرنسيين؟ هل هناك انفصال بين الانتخابات المحلية أو البلدية أو الإدارية أو الإقليمية، والتي تتطلب بلا شك ترسّخًا قويًا في الميدان، وتلك الوطنية، من نوع الأوروبية أو الرئاسية أو حتى التشريعية بشكل أقل، والتي تستجيب لردود فعل انتخابية أخرى ... على وجه التحديد أقل محلية؟ يبدو أن استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت تؤكد -حتى الآن! - هذه الفرضية الأخيرة.
ومن الواضح أن هذا هو الأمل والرهان، لكل من الرئيس ماكرون ورئيسة حزب التجمع الوطني مارين لوبان، اللذين يحافظان على موقع أنهما المرشحان المفضلان لانتخابات 2022 في إعادة إنتاج لعام 2017. هذا دون احتساب التقدم التدريجي لذي يسجله كزافييه برتران، مرشح اليمين المتعدد، في استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت، والاسبقية التي يأخذها على منافسته المحتملة الرئيسية، فاليري بيكريس، مرشحة لنفس اللون السياسي أيضًا.
وكمرشح رئاسي مُعلن ومُعزز في معركته السياسية ضد اللوبينية، سبق ان أشار برتران إلى أن ترشّحه لن يكون جزءً من الانتخابات التمهيدية التي ينظمها الجمهوريون، والتي ستشكل مشكلة على اليمين.
خاصة أن نتيجة الإقليمية فتحت الشهية. مرشحون آخرون محتملون في الصفوف مثل لوران ووكيز أو برونو ريتايو، ممثلين عن اليمين المحافظ الذي يتماشى مع شريحة عريضة من الناخبين ... حتى التجمع الوطني. لأنه من الدروس التي تم تجاهلها من هذه الانتخابات الإقليمية، قد يكون استياء جزء من ناخبي لوبان ناتجًا عن الضجر من رؤية وعود لم تتحقق بالوصول إلى السلطة التي زرعتها سلالة لوبان لعقود.
الناخبون لوبينيست ضجروا
إذا تجرأنا على مقارنة تقنية بحتة، فسنلاحظ أن جزءً من جمهور الناخبين الشيوعيين قد تحول إلى التصويت الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية لعام 1981 بسبب اليأس من الإقامة الأبدية في المعارضة. وكانت هذه الفئة من الناخبين تفضل المراهنة، منذ الجولة الأولى، على الفرس الذي يملك أفضل فرصة للفوز على اليمين. ولم يكن جورج مارشيه، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي، بل فرانسوا ميتران، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي.
هل سيترسخ هذا السيناريو، بشكل غير محسوس، هذه المرة في ناخبي اليمين المتطرف؟ إذا كان هذا هو الحال، فسيشكل هذا مشكلة استراتيجية لزعيمة التجمع الوطني التي يجب أن تتخلى عن منصبها في المؤتمر القادم لحزبها (3 و4 يوليو، في بربينيان). والشخص الذي قيل إنه الأفضل لخلافتها، جوردان بارديلا، نائب الرئيس الحالي، تعرض لهزيمة نكراء في إيل دو فرانس على يد فاليري بيكريس، وتقدمت عليه بفارق كبير ايضا القائمة اليسارية (أوروبا البيئة الخضر، الحزب الاشتراكي، فرنسا المتمردة) بقيادة جوليان بايو. بعد هذه الانتخابات، لن يكون هذا الاختيار عامل تعبئة كبير للناخبين اللوبانيين.
كما تطرح مسألة التعبئة على اليسار في افق الانتخابات الرئاسية. خلف أي حزب وأي ممثل ينبغي أن تصطف قوى اليسار، علما أن جان لوك ميلينشون، يخوض حملته منذ عدة أشهر خلف اللافتة الوحيدة لحزبه، فرنسا المتمردة، التي حققت نتائج ضعيفة في المنطقة؟ لذلك، سيقود زعيم المتمردين حملته وحيدا ومنعزلا أكثر مما كان عليه الحال عام 2017 لأن السكرتير الوطني للحزب الشيوعي، فابيان روسيل، المعين من قبل حزبه، لديه الإرادة للذهاب حتى النهاية رغم النتائج الحالية لمعاهد استطلاعات الراي.
من سيكون القوة
الدافعة لليسار؟
من الآن، يعرّف الحزب الاشتراكي نفسه، من خلال صوت سكرتيره الأول، أوليفييه فور، بأنه “محرك” اليسار. وبالفعل، سيكون حزبه قادرًا على الاستفادة من خمس رئاسات إقليمية (أوكسيتاني، ونيوكويتان، وبريتاني، وسنتر فال دي لوار، وبورجوني-فرانش-كومتي)، بعد أن فاز بها بمفرده أو بمساعدة أوروبا البيئة الخضر.
تدعمهم نتائجهم في الانتخابات البلدية حيث فازوا في عدد قليل من المدن الكبرى، مما يمنحهم أسبقية رمزية، يرى دعاة حماية البيئة أنفسهم المحمل الوحيد لتطلعات اليسار (باستثناء فرنسا المتمردة والحزب الشيوعي الفرنسي) عام 2022. ومنذ اعلان نتائج الجولة الثانية من الإقليمية، التزم رئيس الحزب الاشتراكي بتعديل الساعة ووضع الأمور في نصابها... وهذا التطور يفتح المنافسة بين الاشتراكيين والخضر.
في النهاية، تعطي هذه الانتخابات الاقليمية إشارة انطلاق للمنافسة الرئاسية، طارحة اسئلة أكثر من الاجابات سواء على اليمين او على اليسار، وعلى ماكرون ولوبان.
محروم من زعيم لا ينازع، أصبح اليمين الآن على رأس فريق يتصارع فيه بشراسة العديد من الشخصيات من اجل انتزاع موقع الصدارة على خط الانطلاق. انها نوع من المنافسة حيث نادراً ما تمنح فيها هدايا.و دون زعيم لا جدال فيه أيضًا، يشارك اليسار الآن في معركة زعامة بين الحزب الاشتراكي وأوروبا البيئة -الخضر. أما رئيس الجمهورية فهو يتقدم دون حزب فاعل يدعمه. ورئيسة التجمع الوطني، لم يعد بإمكانها ادعاء موقع مهيمن. والأسوأ، أن حزبها أصبح ضحية الامتناع عن التصويت.
لقد تمت إعادة خلط الأوراق، تقول الأحزاب... ويبقى أن نرى ما إذا كان الناخبون سيقومون بالتحليل نفسه .