تتوسع رقعة الاحتجاجات في إيران في منحى تصاعدي بدأ يأخذ شكل التمرد الجماعي مع الإصرار الشعبي على المزيد من التصعيد داخلياً وحتى خارجياً ضد الطابع الديني الذي يتخذه النظام في إيران مبرراً لسلب الحقوق وقمع الحريات. وأفادت الحصيلة الرسمية التي نشرت، بأن 17 شخصاً قُتلوا بينهم 3 من عناصر الأمن منذ بدء التظاهرات وسط شكوك إزاء تعمد السلطات “التعتيم” على العدد الحقيقي للضحايا، في الوقت الذي ذكرت فيه منظمة حقوقية غير حكومية أن عدد القتلى تجاوز 31 قتيلاً وهو عدد مرشح للارتفاع في ظل حملة قمع إيرانية غير مسبوقة.

توسع الاحتجاجات
ومع توسع رقعة الاحتجاجات التي امتدت إلى أكثر من 15 مدينة مع محاولات الشرطة “اليائسة” استخدامها قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود كان الملفت دعوات الحرس الثوري الإيراني السلطة القضائية في البلاد إلى محاكمة “الذين ينشرون أخباراً كاذبة وشائعات” عن واقعة وفاة امرأة شابة في حجز للشرطة والتي أثارت احتجاجات واسعة في أنحاء البلاد تزامناً مع أنباء نقلتها وسائل إعلام إيرانية بأنه من المقرر خروج مظاهرات مؤيدة للحكومة لمواجهة الاحتجاجات المعارضة. ويبدو أن التظاهرات التي اتسعت رقعتها في إيران تكسر المحرمات وتضع النظام الإسلامي القائم في طهران أمام تحد غير مسبوق بعد مقتل مهسا أميني الذي أسهم في هيكلة ثقافية الاحتجاجات عن سابقاتها بالجمع بين مطالب سياسية ودينية وثقافية وهو ما دفع إيرانيات لحرق حجابهن بوصفه رمزاً لاستبداد النظام الديني في إيران. ونقل موقع “إيران بلا أقنعة” أن الاحتجاجات التي تشهدها إيران حالياً تطرح تحدياً للنظام الديني بقيادة علي خامنئي الذي يحكم قبضته على السلطة منذ وفاة الخميني قائد الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه في 1979 بالإشارة إلى أن إيران شهدت “الحركة الخضراء” في 2009 بعد انتخابات مثيرة للجدل، ثم تظاهرات في 2018 وأخرى في نوفمبر(تشرين الثاني) 2019 بعد ارتفاع أسعار البنزين والتضخم العام.

علامة فارقة
وفي “علامة فارقة” في تاريخ الاحتجاجات التي شهدتها إيران، أشعلت النساء النار بحجابهن والمتظاهرون بصور رجال الدين بينها صوراً لخامنئي ولقائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في غارة أمريكية مطلع 2020 في بغداد.
وقال الخبير في الشأن الإيراني في جامعة بيروت علي فتح الله نجاد لموقع “إيران إنترناشونال” الإخباري “هذه أكبر احتجاجات منذ نوفمبر 2019.

التحركات الوطنية السابقة كانت تقودها الطبقات العاملة وأثارها تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لكن الشرارة هذه المرة كانت اجتماعية ثقافية وسياسية”، مضيفاً “لم يتوقع النظام أن يؤدي اعتقال مواطنة ووفاتها إلى إثارة انتفاضة وطنية».
وذكر المحلل في معهد أمن وإستراتيجية القدس ألكسندر غرينبرغ: “إنهن الضحايا ومن الطبيعي أن يقمن بالاحتجاج. والأهم من ذلك هو أن الرجال يدعموهن”، مشيراً إلى تزايد “علمنة” المجتمع الإيراني كما أن ذلك يقلق المتدينين الإصلاحيين لأنهم يدركون أن النتيجة ستكون أن الشعب سينتهي به الأمر إلى كره الإسلام والدين».

وقال دبلوماسي أوروبي: “أعتقد أنه سيكون هناك تشدد في النظام، سيدفعهم ذلك أيضاً إلى عدم إظهار أي مرونة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة”، مضيفاً “هذه التظاهرات ستعرض استمرارية النظام للخطر، ففي نوفمبر(تشرين الثاني) 2019 لم يترددوا في إطلاق النار على المحتجين ولا أرى ما سيردعهم هذا العام».

«وقت حساس»
وتتزامن التظاهرات مع “وقت حساس” للغاية بالنسبة للنظام الإيراني الذي أضعفته العقوبات الاقتصادية الدولية المرتبطة ببرنامجه النووي والمفاوضات للعودة إلى اتفاقية فيينا لعام 2015 والمعروفة باسم “خطة العمل المشتركة الشاملة” الشرط الأساسي لرفع العقوبات، في طريق مسدود منذ عدة أشهر.
وكعادتها سارعت السلطات الإيرانية إلى حجب الوصول إلى الإنترنت أو تقييد الوصول حتى لمواقع مرخصة ومسموحة في إيران لمنع نشر الصور والدعوات إلى التظاهر ويقول موقع “نتبلوكس” ومقره لندن الذي يراقب عمليات حجب الإنترنت في جميع أنحاء العالم، إن “قيوداً فرضت للوصول إلى تطبيق انستغرام موقع التواصل الاجتماعي الرئيسي الوحيد المتاح في إيران لكن ذلك لم يمنع من انتشار مئات الفيديوهات المصورة من مختلف المدن الإيرانية التي تشهد حركة احتجاجية منظمة ضد النظام الإيراني».