أولمبياد بكين 2022:

البرلمان الأوروبي، المقاطعة، وغضب الصين...!

البرلمان الأوروبي، المقاطعة، وغضب الصين...!

- الدعوة إلى المقاطعة الصادرة عن أعضاء البرلمان الأوروبي هي فقط مقاطعة دبلوماسية
- تتصاعد الأصوات في الولايات المتحدة داعية إدارة بايدن الى فعل نفس الشيء
- أثارت مبادرة البرلمان الأوروبي على الفور غضب وسائل الإعلام الصينية
- الأزمة ليست جديدة وقد سبقها رفض النواب الأوروبيين المصادقة على معاهدة حماية الاستثمار


تفاقمت الأزمة بين الصين والاتحاد الأوروبي بشكل حاد في 8 يوليو. لقد دعا برلمان بروكسل مسؤولي الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى رفض دعوات بكين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 للاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان في هونغ كونغ وشينجيانغ.
ففي نص تم تبنيه بأغلبية 578 صوتًا (29 صوتًا ضده وامتناع 73 عن التصويت)، حثّ أعضاء البرلمان الأوروبي، المفوضية والمجلس والدول الأعضاء على “رفض دعوات ممثلي الحكومات والدبلوماسيين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022، ما لم تُظهر الحكومة الصينية تحسّنا ملموسا في حالة حقوق الإنسان في هونغ كونغ ومنطقة شينجيانغ والتبت ومنغوليا الداخلية وأماكن أخرى في الصين. «

ويدين البرلمان الأوروبي “بأشد العبارات الإغلاق الإجباري لصحيفة أبل ديلي، واستمرار تجميد أصولها واعتقال صحفييها، وجميع الخطوات التي اتخذتها الصين في تفكيك المجتمع الحر في هونغ كونغ، وانهاء “حرية الإعلام وحرية التعبير تماما في هونغ كونغ”، وفق هذا القرار الذي ليس له قوة الزامية.وانتقدت حكومة هونغ كونغ التصويت فورا، ووصفته بأنه “غوغائي” و”عقبة أمام تعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي يعود بالمنفعة على الطرفين».

بعد إلقاء القبض على عدد من مسؤوليها وتجميد أصولها، أطلقت صحيفة آبل ديلي، وهي صحيفة معارضة يومية تصدر باللغة الصينية، ومنذ فترة طويلة في مرمى نيران بكين بسبب دعمها المعلن للحركة الديمقراطية وانتقادها المتكرر للقادة الصينيين، أُجبرت على التوقف عن العمل بعد 26 عامًا، وأصدرت اخر اعدادها في 24 يونيو.ويدعو أعضاء البرلمان الأوروبي، المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء إلى “جعل قانون الأمن القومي أولوية قصوى على جدول أعمال جميع الاجتماعات بين الاتحاد الأوروبي والصين، بما في ذلك خلال المشاورات الدبلوماسية التحضيرية لهذه الاجتماعات».
وهذا القانون، الذي دخل حيز التنفيذ في 30 يونيو 2020، فرضته بكين على هونغ كونغ لاستعادة السيطرة على هذه المنطقة بعد حركة الاحتجاج الشعبية لعام 2019. ويهدد من تثبت إدانتهم بـ “التواطؤ مع قوة أجنبية”، بعقوبات تصل إلى السجن مدى الحياة.

أثارت مبادرة البرلمان الأوروبي على الفور غضب وسائل الإعلام الصينية. وهذا مثال آخر على التوترات السائدة بين بروكسل وبكين. “إن البرلمان الأوروبي يجمع بين الإيديولوجيات الأكثر راديكالية وتطرفًا في المجتمع الغربي، وفي نفس الوقت يوفر مسرحًا لعروض جميع أنواع الرذائل السياسية التي يتم الحديث عنها وتبرز”، تستنكر الطبعة الصينية من جلوبال تايمز الرسمية. وتتهم الصحيفة القومية، التي تقع تحت وصاية صحيفة الشعب اليومية، البرلمانيين بالسعي فقط لإثارة “أقصى قدر من التصادم والتأثير”، مع “تجاهل الحقيقة والمسؤوليات والعواقب».

وبحسب الصحيفة، فقد تبنّ ى البرلمان الأوروبي في الواقع عقوبات مماثلة للعقوبات الأمريكية ضد المسؤولين في هونغ كونغ. لكنه أيضًا “ذهب إلى أبعد من الولايات المتحدة فيما يتعلق بدورة الألعاب الأولمبية الشتوية».
ومع ذلك، يؤكد كاتب العمود في جلوبال تايمز، أن هذه الدعوة لن يتم الالتفات إليها: “المسافة بين قرار البرلمان الأوروبي وسياسته الفعلية تجاه الصين أكبر من الفجوة بين مواقف البرلمانات والحكومات الوطنية تجاه الصين .... نظرًا للعلاقة الحالية بين الدول الأوروبية والصين، فمن غير المرجح أن يتم تنفيذ قرارهم. «

إن العلاقات الصينية الأوروبية “مفيدة للطرفين”، يتابع كاتب العمود الصيني الذي يرفض الفكرة التي نقلها أعضاء البرلمان الأوروبي عن أن ميزان القوى في صالحهم، مؤكدا “إذا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على كبار المسؤولين من هونغ كونغ والصين، فإنهم بدورهم سيواجهون حتما انتقامًا من الصين».

وفي إشارة إلى أن قضيتي شينجيانغ وهونغ كونغ هي “شؤون داخلية للصين”، قال كاتب العمود، إن “العصر الذي كان يتسنىللولايات المتحدة والغرب أن يغضبا ويزمجرا مجانًا” قد ولّى. وفي هذا السياق، إذا كانت واشنطن وبروكسل مصممتين على إثارة التوترات حول هذين الموضوعين، فإن الصحيفة تعلن: “نحن مستعدون لقبول عواقب مثل هذه التصادمات».

صحيفة إخبارية دولية عالية الجودة عند إطلاقها عام 1993، استفادت جلوبال تايمز بسهولة من موجة الاعتزاز الوطني التي رافقت صعود الصين إلى المسرح العالمي. وتتميز بافتتاحيات قومية لاذعة على غرار التابلويد، والتي تختلف عن النبرة الانشائية لصحيفة الشعب اليومية، وهي إحدى أجهزة الحزب الشيوعي الصيني، والتي يملكها. مواقفها القوية هي مؤشر على الاتجاهات الأكثر راديكالية في الدوائر العليا في بكين. وشهد توزيعها نموا بشكل كبير، وتزعم الصحيفة الآن أنها تحتل المرتبة الثانية على المستوى الوطني.

إن الأزمة بين بروكسل وبكين، ليست بالأمر الجديد. فقد سبق ان وصلت إلى مرحلة جديدة مع رفض النواب الأوروبيين التصديق على معاهدة حماية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي، وهي اتفاقية تم التفاوض عليها بشدة طيلة سبع سنوات، وتم إبرامها في 30 ديسمبر 2020.
ويشكل نداء أعضاء البرلمان الأوروبي صفعة ونكسة كبيرة للحكومة الصينية، التي كانت تأمل في أن تتمكن من الاعتماد على العلاقات السلمية مع الاتحاد الأوروبي لموازنة العلاقات المروعة بين بكين وواشنطن.

يشار الى ان الدعوة إلى المقاطعة الصادرة عن أعضاء البرلمان الأوروبي، هي فقط للمقاطعة الدبلوماسية. وهذا يعني أن القادة السياسيين والدبلوماسيين فقط في الاتحاد الأوروبي مدعوون لرفض السفر إلى بكين لحضور الألعاب الشتوية عام 2022، لذلك لا يشعر الرياضيون بالقلق.
ومع ذلك، فإن الفكرة تزحف وتكتسب مساحات اوسع، منها في الولايات المتحدة حيث تتصاعد الأصوات لمطالبة إدارة بايدن بفعل نفس الشيء. كل ذلك على خلفية تصريحات “إبادة جماعية” ترتكبها الحكومة الصينية ضد الأقلية المسلمة من الأويغور، ذات الدعوة تصدر من قبل برلمانات عدة دول منها كندا والمملكة المتحدة وبلجيكا. البرلمان الفرنسي على وشك النظر في بيان مماثل.
--------------------------
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.