رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
يعتبرها بلدا مستحيلا، لا يستطيع البقاء
البلقان: ميلوراد دوديك، مفجّر البوسنة والهرسك...!
يهدد زعيم صرب البوسنة بالانفصال مخاطرا بإحداث اضطراب بالمنطقة... في الظل فلاديمير بوتين.
في 22 أكتوبر، دوى إطلاق نار في منتجع ياهورينا البوسني للتزلج، حيث اجتاحته عربات مدرعة وطائرتا هليكوبتر وكوماندوس مزودة عناصره ببنادق هجومية... ما يوقظ ذكريات في غاية السوء.
فعلى تلك المرتفعات، قصف الجيش الصربي لراتكو ملاديتش، “جزّار البلقان”، سراييفو بلا هوادة بين 1992 و1996، في حصار أودى بحياة أكثر من 5 آلاف مدني.
رسمياً، كان تدريبًا بسيطًا لشرطة صرب البوسنة. ومع ذلك، يمكن التشكيك في هذه الرواية:
هذا الاستعراض للقوة، يأتي بعد إعلان زعيم الجالية الصربية البوسنية، ميلوراد دوديك، عن إعادة تشكيل جيشه الذي تم تفكيكه عام 1995 في غضون “بضعة أشهر”، وبعد أسبوع من تهديده باستخدام القوة لمنح الحكم الذاتي الكامل لجمهورية البوسنة الصربية (جمهورية صربسكا)، أحد الكيانين في البوسنة والهرسك، إلى جانب الاتحاد الكرواتي المسلم.
بعد ستة وعشرين عامًا من انتهاء الصراع العرقي، الذي خلف ما يقرب من 100 ألف قتيل، البوسنة، وهي في قلب القارة الأوروبية، تبدو اليوم أقرب ما يكون للعودة إلى مربّع العنف، ان لم نقل الحرب الأهلية.
مكلّف بضمان الامتثال لاتفاق دايتون للسلام، أكد الممثل الدولي السامي، كريستيان شميت، إن البوسنة تتعرّض “لأكبر تهديد وجودي في فترة ما بعد الحرب”. وبالنسبة لهذا الوزير الألماني السابق، فإن الشخص الرئيسي المسؤول عن هذا الارتفاع في درجة الحرارة، هو ميلوراد دوديك، الذي يتهمه بـ “تعريض السلام للخطر».
تم انتخاب هذا القومي المتطرف، 62 عامًا، ذو البنية الجسدية المهيبة (1.90 مترًا، أكثر من 100 كيلوغرام) عام 2018 للرئاسة الجماعية للبوسنة والهرسك -مع كرواتي وبوسني.
لكنه لم يتوقف أبدًا عن إدانة وجود هذا “الوحش”: دولة طورها الغرب لتوحيد ثلاث مجتمعات، من وجهة نظره، لا يمكنها العيش معًا. “من وجهة نظره، إنها دولة مستحيلة، غير قادرة على البقاء، وهو ما يريد إثباته من خلال سياسته”، توضح تانيا توبيك، أستاذة العلوم السياسية.
منذ خمسة عشر عامًا، كان رجل الأعمال السابق هذا، يلقي خطبا انفصالية. ومستقبلا، سيمرّ الى الفعل. استراتيجيته؟ رفض المؤسسات المشتركة بين الكيانين البوسنيين، مثل السلطات الضريبية، والسلطة القضائية، وبالتالي، قوة مسلحة متعددة الأعراق.
وهذه تمثّل الكثير من البدع في عينيه، “سنطعن في كل هذا”، يكرر مرارًا وتكرارًا. وقد بدأ برلمان جمهورية صربسكا في تمرير قوانين في هذا الاتجاه، مع إنشاء وكالة ادوية لصرب البوسنة فقط... خطوة أولى نحو الانفصال.
في جذر هذا الغليان الانفصالي، القرار الذي اتخذه النمساوي فالنتين إنزكو، سلف كريستيان شميدت، في يوليو، بحظر إنكار الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا -أكثر من 8 الاف رجل ومراهق بوسني، قُتلوا في يوليو 1995 على يد الجنرال ملاديتش. مجزرة كبرى ينكرها دوديك، واصفا إياها بـ “الأسطورة”، مثله مثل كل الطبقة السياسية في جمهورية صربسكا تقريبًا. وردا على ذلك، قرر ممثلو صربيا مقاطعة المؤسسات المركزية للبوسنة والهرسك.
في “معركته”، يستمد ميلوراد دوديك تصميمه من استطاعته الاعتماد على دعم موسكو وبلغراد، اللذين يجعلان من جمهورية صربسكا رأس جسرهما في البوسنة والهرسك. “لولا دعمهما لما كان ليبدأ عملية الانفصال هذه”، يرى سمير بيهاريك الباحث في منتدى البلقان.
هل يستطيع حلفاؤه إرسال قوات له؟ يستقبله فلاديمير بوتين بانتظام، أشار دوديك إلى ذلك، مؤكداً أن “الأصدقاء” قد وعدوا بمساعدتهم إذا ساء الوضع. في الوقت الحالي، المساعدات مادية بشكل أساسي. سلمت موسكو أسلحة إلى شرطة صرب البوسنة عام 2018. وتم تكوين القوات شبه العسكرية المحلية، “الشرف الصربي”، في روسيا. وزعيمها، بويان ستويكوفيتش، لاعب كمال أجسام، مغطى تماما بوشم يجسد رموزا قومية، وهو مدافع قوي عن صربيا الكبرى، ذلك الحلم القديم بدولة تجمع كل المجتمعات الصربية في المنطقة.
أوروبا منقسمة
حول دوديك
مع ذلك، من غير المؤكد أن دوديك يرغب في دمج جمهوريته “مع جمهورية الصرب” المجاورة. “سيجد نفسه مهمشا”، يقول سيرجان بوهالو، ناشط حقوقي مقيم في بانيا لوكا، عاصمة الكيان الصربي، وقبل كل شيء، يريد دوديك السيطرة على جمهورية صربسكا، سواء كانت مستقلة أم لا”.
ففي هذا المكان جرحه المؤلم: خسر حزبه مجلس بلدية بانيا لوكا عام 2020 ويمكن أن يتراجع لصالح المعارضة خلال الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في أكتوبر 2022... ومن هنا تصلّبه لاستعادة السيطرة.
من سيوقف دوديك؟ ليس الاتحاد الأوروبي المنقسم. فبينما تدعو بعض الدول الأعضاء، مثل ألمانيا، إلى فرض عقوبات، يدعم البعض الآخر دوديك. فقد زاره رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يوم 6 نوفمبر، ورحب يانيز جانسا، الذي يقترح تصحيح حدود البلقان وفقًا للمعايير العرقية، به في سلوفينيا في اليوم التالي.
من جانبها، الولايات المتحدة، الضامنة الحقيقية لاتفاقيات السلام البوسنية، التي أبرمت في دايتون (أوهايو)، فرضت عقوبات على دوديك عام 2017. دون ان يدفعه ذلك للتراجع: “اللعنة على العقوبات”، ظل يردد ساخرا. “يمكن أن يكون للتدابير التي تستهدف رجال الأعمال من حوله تأثير أكبر”، يقترح سردجان بوهالو.
في الوقت الحالي، تعمل واشنطن على تهدئة الأمور. وخلال زيارته في 8 نوفمبر، كان مبعوثها، غابرييل إسكوبار، سعيدًا، لأن جميع القادة المحليين قد تعهدوا، بأنه “لن تكون هناك حرب”، وأن دوديك كان “منفتحا” لسحب قوانينه المثيرة للجدل. مع ذلك، متبجّحا، زعم دوديك، بعد لقائهما، أنه سيذهب “إلى النهاية».
إذا أصرّ واستمر، فقد يحاول كريستيان شميت استخدام سلطاته الخاصة كممثل أعلى لإبعاده من الرئاسة الجماعية للبوسنة والهرسك. حالة يمكن أن يستفيد منها دوديك الماكر، يخشى الباحث سمير بهاريتش: “بالنسبة لصرب البوسنة، لم يعد مجرد بطل، بل شهيد».