نشر ترامب 6 تغريدات ركّزت على الفيروس الصيني

التواصل الاجتماعي.. من الحاجة الإنسانية إلى نشر العنف

التواصل الاجتماعي.. من الحاجة الإنسانية إلى نشر العنف


اشترى إيلون ماسك شركة تويتر باسم دعم الحرية المُطلقة. غير أن كثيراً من الأبحاث أثبتت أن خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي يفضي إلى عنفٍ حقيقي على أرض الواقع. ولذلك، يحتاج ماسك وآخرون ممن يديرون شبكات التواصل الاجتماعي أن يحققوا شيئاً من التوازن في هذا السياق.

إن إيلون ماسك هو أكثر “السائقين” تهوراً في العالم أجمع. فقد جلس الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس وراء مقود مختلف كل الاختلاف الآن رئيساً لشركة تويتر، وفق تقرير لصحيفة “لي إيكو” الفرنسية. وشرعَ ماسك يحظر العمل عن بُعد قبل أن يتراجع قليلاً ويُصرِّح به “للمساهمين البارزين” في الشركة.

وها هو الآن يفتح الباب لدونالد ترامب للعودة إلى تويتر، وفي الوقت عينه يتباهى ويتفاخر بتراجع أعداد رسائل الكراهية التي تظهر على تلك الشبكة الاجتماعية... وفي تلك الأثناء، سرَّحَ ماسك فِرق الإشراف على المحتوى العاملة بالشركة. غير أن أغنى أغنياء العالم هذه المرة سيتعين عليه أن يتخذ قرارات حاسمة. وسيضطر إلى أن يكبح حبّه غير المشروط لحرية التعبير.

فقد وردَ في إعلان حقوق الإنسان الفرنسي عام 1789 أن: “الحرية قوامها أن تكون قادراً على أن تفعل كل شيء لا يضر بالآخرين». لكنّ الحرية على شبكات التواصل الاجتماعي لا تفضي إلى الإهانات وتشويه السمعة وحسب، وإنما أحياناً ما تؤدي إلى الاعتداء البدنيّ. والواقع أن الباحثين جمعوا أدلةً كثيرة لإثبات الآثار التي أمسى من المستحيل إنكارها. ويُعدُّ دونالد ترامب نفسه حالة دراسة.

فقد أرسلَ الرئيس الأمريكي الأسبق المهووس بموقع تويتر ما يربو على 50 ألف تغريدة إلى متابعيه الذين يتجاوز عددهم 90 مليوناً ترتَّبَ عليها أحياناً آثار غير مرغوب فيها. ولا يقتصر ذلك وحسب على رسائله التي وجهها بتاريخ 19 ديسمبر-كانون الأول عام 2021 ودعا فيها إلى احتجاج كبير في واشنطن في السادس من يناير (كانون الثاني) على تزوير الانتخابات المزعوم (الذي لم يُثبت مُطلقاً) قائلاً: “لا تفوتوا الاحتجاج، سيكون حدثاً مثيراً».

اضطلع فريق من خبراء الاقتصاد في جامعة تكساس آيه آند إم بدراسة سلسلة محددة من رسائل ترامب، وتحديداً تلك التي تستهدف “الفيروس الصيني” في مارس -آذار 2020، عندما اخترقت جائحة فيروس كورونا المُستجد الولايات المتحدة أول مرة.

ترامب والفيروس الصيني
خلال الفترة ما بين 16 و18 مارس -آذار، نشرَ ترامب 6 تغريدات ركّزت على “الفيروس الصيني”، وهو التعبير الذي لم يظهر في الخطاب العام حتى ذاك التاريخ. وفي 19 مارس -آذار، سجّلت الولايات المتحدة ارتفاعاً مُفاجئاً في عمليات البحث على موقع غوغل عن “الفيروس الصيني”، متبوعةً غالباً باسم ترامب.

وفي 20 مارس -آذار، ارتفعت وتيرة الاعتداءات على الآسيويين بمقدار الضِعف عن اليوم السابق.
وهذه ليست بالظاهرة القاصرة على ترامب أو حتى على الولايات المتحدة، بحسب الأدلة التي قدمتها روبن إنيكولوبوف وماريا بيتروفا، من معهد الاقتصاد السياسي والحوكمة في برشلونة، في بحثهما الذي أجرياه بالتعاون مع ليوناردو بورزتين (من جامعة شيكاغو) وجورج إيجوروف (من جامعة نورث وسترن)، الذي أفادَ بأن هناك رابطاً بين الشبكات الاجتماعية والهجمات العنصرية التي وقعت في روسيا.

وعكفَ الباحثون على دراسة موقع VKontakte، بديل فيسبوك في روسيا، الذي طُوِّر بشكلٍ متفاوت في مدن روسية مُختلفة. وخلصَ الباحثون إلى أن: “الاختراق الأكبر لمواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى زيادة معدلات جرائم الكراهية ذات الطبيعة العنصرية، وكان هذا الأثر أقوى في المدن المُشبَّعَة بمشاعر قومية قبل نشأة هذه الشبكة الاجتماعية».
وكما في الولايات المتحدة، تُعزِّز رسائل مواقع التواصل الاجتماعي المعتقدات القائمة، وتحث الناس على التصرف بناءً عليها، أكثر مما تخلق المعتقدات أصلاً.

وأثبتت أبحاث أخرى أن الآليات ذاتها تسري في ألمانيا.
حتى لو لم يكن حظر الشبكات الاجتماعية مُمكناً، فإن تنظيمها وضبطها ممكن. وهذا هو ما طالبت به ألمانيا عام 2017 في أعقاب وصول ما يربو على مليون لاجئ إلى أراضيها، ونشر سيل من الرسائل العنصرية على شبكات التواصل الاجتماعي. فقد أجبر “قانون إنفاذ الشبكة” الشبكات الاجتماعية على حذف رسائل الكراهية في غضون 24 ساعة من الإبلاغ عنها.

وكان هذا القانون خطوة ثورية في ألمانيا. فقد درس الباحثان اللذان سبق أن فحصا تغريدات ترامب المُعادية للإسلام، وهما مولر وشفارتز، ما حدث بعد أن وُضعَ القانون موضع التنفيذ، بالتعاون مع رافاييل جيمينز-دوران هذه المرة (من مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية).

ووفقاً لبحثهم الذي نُشِرَ مؤخراً، ارتبط هذا القانون بتراجع في عدد الرسائل الخبيثة، ونقص في الجرائم المُعادية للاجئين في مدنٍ يقطنها عدد كبير من مستخدمي فيسبوك اليمينيين.

ووفق تقرير الصحيفة الفرنسية، سيتعين على إيلون ماسك أن يُقْدِم على شيء لم يعتده من قبل؛ ألا وهو أن يُحقق توازناً بين حرية التعبير والمسؤولية. والنبأ السار له ولشركات مواقع التواصل الاجتماعي العملاقة هو أن هذا التوازن ممكن، ولو كان مُعقَّداً بعض الشيء.