حروب جديدة في الأفق؟
الحرب في أوكرانيا تزعزع استقرار البلقان...!
-- البوسنة هي بؤرة عدم الاستقرار في غرب البلقان، لأنها الجائزة الكبرى لكل من الوحدوية الصربية والكرواتية
-- استعادة مصداقية الردع في البوسنة أمر بالغ الأهمية وحاسم
-- إن مكونات العنف العرقي المحتمل، الموجّه من الأعلى وسياسيا، موجودة
-- هجوم روسيا على أوكرانيا يضخم المخاوف الشعبية من صراع جديد، ويؤكد غياب سياسة غربية جادة تجاه المنطقة
في دول البلقان، تحيي صور الحرب في أوكرانيا المشاعر القومية والمخاوف من صراع جديد. وفي مقابلة لموقع أتلانتيكو، يقرأ الباحث كيرت باسنر تطور الأوضاع في بركان البلقان الخامد، وانعكاسات الحرب الأوكرانية على مستقبل الاستقرار هناك.
وكيرت باسنر، هو مؤسس مشارك، والشريك الأول في مجلس سياسة التحول الديمقراطي، وهو مؤسسة فكرية مقرها برلين تأسست عام 2005، تحصل على درجة الدكتوراة عام 2021 من مركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي في سانت أندروز، بعد أن دافع بنجاح عن أطروحته بعنوان “كارتلات السلام: تقاسم السلطة بوساطة دولية، وأوليغارشية دائمة في البوسنة والهرسك ومقدونيا الشمالية».
*في مقال نشرته مؤخرا مجلة فورين أفيرز، أشرت إلى أن الحرب في أوكرانيا تغذي عودة القومية العرقية في غرب البلقان.
ما هي العناصر التي تغذي هذا الشعور؟
- لا يؤجج هجوم روسيا على أوكرانيا نزعة قومية جديدة إلى حد كبير، بل يضخّم المخاوف الشعبية من صراع جديد، ويؤكد عدم وجود سياسة غربية جادة تجاه المنطقة -وهذا هو الحال منذ فترة طويلة.
لا ننسى أن هذه المجتمعات -بدرجات متفاوتة -مصدومة، حيث طور القادة السياسيون القوميون نموذجًا اقتصاديًا يتعزز من خلال إثارة الخوف والتظلم. وهكذا، فإن صور الحرب وخطابها، وتدمير ماريوبول (حصار تجاوز حصار سراييفو من حيث السرعة وعدد القتلى، وفقًا للتقديرات الحالية)، وإنكار روسيا للهوية الوطنية الأوكرانية، تلامس جميعها بالتأكيد الأعصاب المتوترة اصلا.
علاوة على ذلك، روسيا نفسها -بالتعاون مع حلفائها في صربيا وكيان صرب البوسنة، جمهورية صربسكا – طورت قاعدة لمزاعمها ونسختها الانتقامية من الأحداث. كان القوميون أصحاب الأهداف الوحدوية -في بلغراد وبانيا لوكا وزغرب -يعملون اوقاتا إضافية قبل 24 فبراير، ومن مصلحة موسكو إحداث اضطراب على الجانب الجنوبي لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ولديها حلفاء وحرفاء.
قبل 24 فبراير، كانت هناك زيادة في التفكير والقلق الجيوسياسي، ولكن بدا أن هذا يولّد نهجًا ثنائي الأبعاد وغير أخلاقي. ولطالما كانت المقاربة الغربية، التي يقودها الاتحاد الأوروبي، تجاه غرب البلقان جزءً من منطق التهدئة، ومتمحورة حول النظام ومنطق المعاملات. ولم تكن أي دولة عضو أكثر صراحة في هذا الصدد من فرنسا في عهد الرئيس ماكرون. ان هدية أوكرانيا لأوروبا والغرب، هي إعادة تركيز الممارسة الديمقراطية والكرامة الإنسانية -والدفاع عنها -في النقاش السياسي. ولم ينعكس هذا بعد في السياسة الغربية تجاه غرب البلقان.
*هل يمكن أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى خلق نزاع واحد أو أكثر في البلقان؟ هل حروب جديدة على وشك الحدوث؟
- أحاول أنا وزملائي في مجلس سياسة التحول الديمقراطي الامتناع عن استخدام كلمة “حرب”، ليس لأن الصراع الذي يمكن أن يتسبب فيه الوضع الحالي (والذي يسود منذ سنوات عديدة) لا يناسب ذلك الوصف، ولكن لأن استخدام هذا المصطلح قد يثير إحساسًا زائفًا بالأمان.
إن “ارتباط القوى” “لاستخدام المصطلح السوفياتي” في حالة البوسنة، على سبيل المثال، يختلف تمامًا عما كان عليه في بداية حرب 1992-1995. اليوم، فإن القوات المتحاربة المحتملة تتساوى في نصيب الفرد من التسليح تقريبًا -والخلل الديموغرافي الذي عانت منه جمهورية صربسكا طيلة الحرب “والذي تم تعويضه من خلال ميزة من وصل الأول، وامتلاك جيش نظامي بينما الجمهورية لا تملكه، والتمركز المسبق لـ الأسلحة الثقيلة، وما إلى ذلك” غير متوازن الآن أكثر من أي وقت مضى.
ان مكونات العنف العرقي المحتمل، المسيّر من الأعلى وسياسيا، موجودة. لكن ما يتم التقليل من شأنه في كثير من الأحيان، هو أن نفس القوات القهرية -المتمركزة في الشرطة -قد طُبقت في وقت السلم على الاحتجاجات الشعبية بين الأعراق.
ولهذا السبب، ناقشنا في مقالنا الخاص بمجلة فورين أفيرز، أنه يجب تعزيز ردع الناتو دون تأخير -قبل الحملة الانتخابية وانتخابات 2 أكتوبر، ولكن أيضًا قبل فترة طويلة من استخدام روسيا المحتمل لحق النقض (الفيتو) على تجديد تفويض قوة الاتحاد الأوروبي في 3 نوفمبر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كما ان هناك استهانة وسوء تقدير لمكاسب تقلص الخوف الشعبي من طبقة سياسية محتقرة عالميًا على هذا النحو. وبالتالي، فإن الإجراءات الوقائية الهادفة إلى ضمان الأمن يمكن أن تكون أيضًا حافزًا للتقدم، من خلال القضاء على مخاوف وجودية وتقليل مخاوف السكان بشأن تطبيق القوة القهرية على المواطنين الذين يمارسون حقوقهم -بما في ذلك حقوقهم في التظاهر.
*هل هناك أي شيء يجب القيام به لمنع حدوث عواقب وخيمة؟ وهل ينبغي أن تتطور السياسة الأمريكية والأوروبية في البلقان؟
- نعم... كما كتبنا أنا وتوبي فوجل -وكما نعتقد أنا وزملائي في المركز لأكثر من عقد -إن استعادة مصداقية الردع في البوسنة أمر بالغ الأهمية وحاسم. إنها ليست فقط مسألة منع الانحدار -ربما الكارثي -ولكن أيضًا تسهيل تقدم عضوي.
إن البوسنة هي بؤرة عدم الاستقرار في غرب البلقان، بما أنها الجائزة الكبرى لكل من الوحدوية الصربية والكرواتية. وحقيقة أنها لم تكن على القائمة خلال العقد الأول بعد الحرب، كان أساسيا وضروريًا للتحول الديمقراطي لكرواتيا وصربيا عام 2000، وللتقدم المحرز ليس فقط في البوسنة، ولكن أيضًا في المنطقة بعد ذلك.
وحقيقة أنه سُمح لها بالعودة إلى أحلام الحمى القومية للمسؤولين الحكوميين -بما في ذلك داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بدعم من دولة المجر غير الليبرالية “حليف روسيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي” -ساعد في دفع الوضع إلى ما هو عليه الآن. ان للغرب القدرة على إنكار هذه الأجندات، وعليه التزامات قانونية، ناهيك عن الالتزامات الأخلاقية.
ويبدو أن موقف باريس هو محاولة إيجاد نوع من الترتيبات مع روسيا للحفاظ على تفويض قوة الاتحاد الأوروبي في نوفمبر، بدلاً من العمل أولاً على توضيح أن قوة ردع غربية -مسموح بها في الملحق 1 أ من اتفاقية السلام دايتون -باريس، والتي لا تاريخ ينهي صلاحيتها -ستبقى في مكانها بغض النظر عما تقوله أو تفعله موسكو “وبكين”. انها مسالة زعامة. بدلاً من ذلك، ما أخشاه أن يكون وضع السياسة الافتراضي هو الأمل في الأفضل، والاستعداد للتفاوض بشأن أدوات إنفاذ السلام الأساسية “مثل سلطات الممثل السامي الدولي” إذا لزم الأمر، للاحتفاظ بقوات الاتحاد الأوروبي بدلاً من السماح لها بالعودة إلى عمليات الناتو. سيكون هذا خطأ استراتيجيًا من شأنه أن يوحي لمعارضي الديمقراطية -وأوروبا -بأنهم ضعفاء، الأمر الذي سيكون له تأثير أكبر بكثير مما يمكن تخيله.
-- استعادة مصداقية الردع في البوسنة أمر بالغ الأهمية وحاسم
-- إن مكونات العنف العرقي المحتمل، الموجّه من الأعلى وسياسيا، موجودة
-- هجوم روسيا على أوكرانيا يضخم المخاوف الشعبية من صراع جديد، ويؤكد غياب سياسة غربية جادة تجاه المنطقة
في دول البلقان، تحيي صور الحرب في أوكرانيا المشاعر القومية والمخاوف من صراع جديد. وفي مقابلة لموقع أتلانتيكو، يقرأ الباحث كيرت باسنر تطور الأوضاع في بركان البلقان الخامد، وانعكاسات الحرب الأوكرانية على مستقبل الاستقرار هناك.
وكيرت باسنر، هو مؤسس مشارك، والشريك الأول في مجلس سياسة التحول الديمقراطي، وهو مؤسسة فكرية مقرها برلين تأسست عام 2005، تحصل على درجة الدكتوراة عام 2021 من مركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي في سانت أندروز، بعد أن دافع بنجاح عن أطروحته بعنوان “كارتلات السلام: تقاسم السلطة بوساطة دولية، وأوليغارشية دائمة في البوسنة والهرسك ومقدونيا الشمالية».
*في مقال نشرته مؤخرا مجلة فورين أفيرز، أشرت إلى أن الحرب في أوكرانيا تغذي عودة القومية العرقية في غرب البلقان.
ما هي العناصر التي تغذي هذا الشعور؟
- لا يؤجج هجوم روسيا على أوكرانيا نزعة قومية جديدة إلى حد كبير، بل يضخّم المخاوف الشعبية من صراع جديد، ويؤكد عدم وجود سياسة غربية جادة تجاه المنطقة -وهذا هو الحال منذ فترة طويلة.
لا ننسى أن هذه المجتمعات -بدرجات متفاوتة -مصدومة، حيث طور القادة السياسيون القوميون نموذجًا اقتصاديًا يتعزز من خلال إثارة الخوف والتظلم. وهكذا، فإن صور الحرب وخطابها، وتدمير ماريوبول (حصار تجاوز حصار سراييفو من حيث السرعة وعدد القتلى، وفقًا للتقديرات الحالية)، وإنكار روسيا للهوية الوطنية الأوكرانية، تلامس جميعها بالتأكيد الأعصاب المتوترة اصلا.
علاوة على ذلك، روسيا نفسها -بالتعاون مع حلفائها في صربيا وكيان صرب البوسنة، جمهورية صربسكا – طورت قاعدة لمزاعمها ونسختها الانتقامية من الأحداث. كان القوميون أصحاب الأهداف الوحدوية -في بلغراد وبانيا لوكا وزغرب -يعملون اوقاتا إضافية قبل 24 فبراير، ومن مصلحة موسكو إحداث اضطراب على الجانب الجنوبي لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ولديها حلفاء وحرفاء.
قبل 24 فبراير، كانت هناك زيادة في التفكير والقلق الجيوسياسي، ولكن بدا أن هذا يولّد نهجًا ثنائي الأبعاد وغير أخلاقي. ولطالما كانت المقاربة الغربية، التي يقودها الاتحاد الأوروبي، تجاه غرب البلقان جزءً من منطق التهدئة، ومتمحورة حول النظام ومنطق المعاملات. ولم تكن أي دولة عضو أكثر صراحة في هذا الصدد من فرنسا في عهد الرئيس ماكرون. ان هدية أوكرانيا لأوروبا والغرب، هي إعادة تركيز الممارسة الديمقراطية والكرامة الإنسانية -والدفاع عنها -في النقاش السياسي. ولم ينعكس هذا بعد في السياسة الغربية تجاه غرب البلقان.
*هل يمكن أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى خلق نزاع واحد أو أكثر في البلقان؟ هل حروب جديدة على وشك الحدوث؟
- أحاول أنا وزملائي في مجلس سياسة التحول الديمقراطي الامتناع عن استخدام كلمة “حرب”، ليس لأن الصراع الذي يمكن أن يتسبب فيه الوضع الحالي (والذي يسود منذ سنوات عديدة) لا يناسب ذلك الوصف، ولكن لأن استخدام هذا المصطلح قد يثير إحساسًا زائفًا بالأمان.
إن “ارتباط القوى” “لاستخدام المصطلح السوفياتي” في حالة البوسنة، على سبيل المثال، يختلف تمامًا عما كان عليه في بداية حرب 1992-1995. اليوم، فإن القوات المتحاربة المحتملة تتساوى في نصيب الفرد من التسليح تقريبًا -والخلل الديموغرافي الذي عانت منه جمهورية صربسكا طيلة الحرب “والذي تم تعويضه من خلال ميزة من وصل الأول، وامتلاك جيش نظامي بينما الجمهورية لا تملكه، والتمركز المسبق لـ الأسلحة الثقيلة، وما إلى ذلك” غير متوازن الآن أكثر من أي وقت مضى.
ان مكونات العنف العرقي المحتمل، المسيّر من الأعلى وسياسيا، موجودة. لكن ما يتم التقليل من شأنه في كثير من الأحيان، هو أن نفس القوات القهرية -المتمركزة في الشرطة -قد طُبقت في وقت السلم على الاحتجاجات الشعبية بين الأعراق.
ولهذا السبب، ناقشنا في مقالنا الخاص بمجلة فورين أفيرز، أنه يجب تعزيز ردع الناتو دون تأخير -قبل الحملة الانتخابية وانتخابات 2 أكتوبر، ولكن أيضًا قبل فترة طويلة من استخدام روسيا المحتمل لحق النقض (الفيتو) على تجديد تفويض قوة الاتحاد الأوروبي في 3 نوفمبر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كما ان هناك استهانة وسوء تقدير لمكاسب تقلص الخوف الشعبي من طبقة سياسية محتقرة عالميًا على هذا النحو. وبالتالي، فإن الإجراءات الوقائية الهادفة إلى ضمان الأمن يمكن أن تكون أيضًا حافزًا للتقدم، من خلال القضاء على مخاوف وجودية وتقليل مخاوف السكان بشأن تطبيق القوة القهرية على المواطنين الذين يمارسون حقوقهم -بما في ذلك حقوقهم في التظاهر.
*هل هناك أي شيء يجب القيام به لمنع حدوث عواقب وخيمة؟ وهل ينبغي أن تتطور السياسة الأمريكية والأوروبية في البلقان؟
- نعم... كما كتبنا أنا وتوبي فوجل -وكما نعتقد أنا وزملائي في المركز لأكثر من عقد -إن استعادة مصداقية الردع في البوسنة أمر بالغ الأهمية وحاسم. إنها ليست فقط مسألة منع الانحدار -ربما الكارثي -ولكن أيضًا تسهيل تقدم عضوي.
إن البوسنة هي بؤرة عدم الاستقرار في غرب البلقان، بما أنها الجائزة الكبرى لكل من الوحدوية الصربية والكرواتية. وحقيقة أنها لم تكن على القائمة خلال العقد الأول بعد الحرب، كان أساسيا وضروريًا للتحول الديمقراطي لكرواتيا وصربيا عام 2000، وللتقدم المحرز ليس فقط في البوسنة، ولكن أيضًا في المنطقة بعد ذلك.
وحقيقة أنه سُمح لها بالعودة إلى أحلام الحمى القومية للمسؤولين الحكوميين -بما في ذلك داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بدعم من دولة المجر غير الليبرالية “حليف روسيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي” -ساعد في دفع الوضع إلى ما هو عليه الآن. ان للغرب القدرة على إنكار هذه الأجندات، وعليه التزامات قانونية، ناهيك عن الالتزامات الأخلاقية.
ويبدو أن موقف باريس هو محاولة إيجاد نوع من الترتيبات مع روسيا للحفاظ على تفويض قوة الاتحاد الأوروبي في نوفمبر، بدلاً من العمل أولاً على توضيح أن قوة ردع غربية -مسموح بها في الملحق 1 أ من اتفاقية السلام دايتون -باريس، والتي لا تاريخ ينهي صلاحيتها -ستبقى في مكانها بغض النظر عما تقوله أو تفعله موسكو “وبكين”. انها مسالة زعامة. بدلاً من ذلك، ما أخشاه أن يكون وضع السياسة الافتراضي هو الأمل في الأفضل، والاستعداد للتفاوض بشأن أدوات إنفاذ السلام الأساسية “مثل سلطات الممثل السامي الدولي” إذا لزم الأمر، للاحتفاظ بقوات الاتحاد الأوروبي بدلاً من السماح لها بالعودة إلى عمليات الناتو. سيكون هذا خطأ استراتيجيًا من شأنه أن يوحي لمعارضي الديمقراطية -وأوروبا -بأنهم ضعفاء، الأمر الذي سيكون له تأثير أكبر بكثير مما يمكن تخيله.