الدول أكثر انقساماً وتفتتاً.. «الغرب ضد بقية العالم»... انقسام يهدد البشرية

الدول أكثر انقساماً وتفتتاً.. «الغرب ضد بقية العالم»... انقسام يهدد البشرية


من غزة وأوكرانيا إلى انعدام الأمن الغذائي، هناك ترابط بين المشاكل العالمية التي لن تحلها غرف الصدى والفقاعات.
وتشرح صحيفة «غارديان» أن طريقة إدارة الدول أمنها ودفاعاتها في مواجهة التهديد الرئيسي- أي السلام أو الحرب- قد عادت إلى الواجهة. الغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب في غزة، والانقلابات والحروب الأهلية في عدد من البلدان الإفريقية، والتهديد بتصعيد في شرق آسيا، في تايوان على سبيل المثال، في بحر الصين الجنوبي أو شبه الجزيرة الكورية، كلها عوامل تؤكد ذلك.

ومع ذلك، لا أحد يجادل حتى الآن بأن السياسة الخارجية تتعلق بما هو أكثر بكثير من مجرد الديبلوماسية أو الاستخبارات أو التحالفات الاستراتيجية أو مخزونات الأسلحة. ويجب أن تشمل أيضاً، على سبيل المثال، أزمة المناخ والأمن الغذائي والذكاء الاصطناعي. ومع أن الطريق لايزال طويلاً لتحقيق ذلك، لكن الاعتراف بالتعقيد المتداخل كان واضحاً بالكامل في مؤتمر ميونيخ للأمن الأخير، وهو التجمع السنوي المعروف باسم دافوس الدفاع. وتقول الكاتبة: «بدأت حضور مؤتمر ميونيخ منذ أكثر من عقد. وقتذاك شعرت بأنني مثل سمكة خارج المياه. كانت هناك نساء قليلات في المؤتمر بينما غالبية الحضور كانت من الرجال البيض الكبار في السن ببزات رسمية أو بزات على النموذج العسكري».
 فقاعات منفصلة.. ومع ذلك، فإن الكثير من النقاشات هذه السنة جرت ضمن فقاعات منفصلة. وكانت هناك محادثات متشائمة حول الغزو الروسي لأوكرانيا، مشوبة بموت المعارض الروسي أليكسي نافالني، وخسارة أوكرانيا لمدينة أفدييفكا أمام القوات الروسية، إلى تأخير الكونغرس الأمريكي للمساعدة العسكرية لأوكرانيا فيما شبح دونالد ترامب يلوح في الأفق.

وكان هناك نقاش محبط بالكامل حول الشرق الأوسط، في الوقت الذي لا تبدي الحكومة الإسرائيلية أية علامة على ضبط النفس، وبينما كانت إدارة الرئيس جو بايدن تبدي معارضتها كلامياً لهجوم محتمل على رفح، فإنها غير مستعدة لاستخدام روافع تملكها من أجل لجم إسرائيل.

المساعدات لأوكرانيا..
وفيما كانت هذه النقاشات تجري على نحوٍ منفصلٍ، فقد ضاعت الرابطة المأسوية التي تجمع بينها. إن تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا بسبب مماطلة الكونغرس الأمريكي يمنح روسيا تفوقاً عسكرياً، بينما في الشرق الأوسط، تكمن عدم رغبة جو بايدن حتى في التلميح إلى تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل، في جوهر الكارثة الإنسانية في غزة.
وتؤكد الكاتبة أن عدم الترابط لا يقتصر فقط على النقاشات المتعلقة بالحرب في أوروبا والشرق الأوسط. بل إن الأمر ينطبق على مواضيع أخرى على رأس الأجندة العالمية. فالبلدان في الشمال العالمي منشغلة بأوكرانيا. أما تلك الموجودة في الجنوب العالمي، فهي أكثر اهتماماً بالحالة الطارئة للمناخ والأمن الغذائي والنزوح الجماعي.
وعلى رغم الترابط بين المواضيع، فإن العلاقة بين الحرب والأمن الغذائي هي الأكثر وضوحاً، بيد أن المحادثات غالباً ما جرت في أماكن مختلفة بمشاركة أشخاص مختلفين.

لا تعاطف اليوم
والأسوأ من ذلك، أنه في حين كان هناك جهد واعٍ من جانب الغرب لإشراك الجنوب العالمي في أوكرانيا خلال العام الأول بعد الغزو الشامل، فإن تلك المحاولات الخجولة باءت بالفشل. إن إثارة قضية أوكرانيا اليوم لا تثير أي تعاطف إطلاقاً، نظراً لمعايير الغرب المروعة المزدوجة، إن لم يكن التواطؤ، في الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة.
إن العالم أكثر ترابطاً من أي يوم مضى. ويبدو هذا واضحاً جداً في النزاعات التي تتكشف أمامنا، من أزمتي الغذاء والطاقة العالميتين اللتين أثيرتا بتأثير الحرب الروسية-الأوكرانية إلى دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة من قبل جنوب إفريقيا على إسرائيل في محكمة العدل الدولية، أو في تعطيل الحوثيين لطرق الملاحة الدولية من خلال مهاجمتهم سفناً تمر في البحر الأحمر.
ومع ذلك، فإن العالم أكثر انقساماً وتفتتاً بينما مساحات الحوار الحقيقي والتعاون تضيقان يوماً بعد يوم.
إن الحروب التي تندلع اليوم، مع أصدائها الإقليمية والعالمية، تغذي عدم الثقة وسوء التفاهم وسردية «الغرب ضد البقية» في أنحاء العالم. وهذا بدوره يعقد البحث عن حلول للتحديات الانتقالية التي يواجهها عصرنا. إن الأصوات من كل زوايا العالم يمكن جمعها بنجاح. لكن عدم الترابط العالمي بينها آخذ في الاتساع.