تحت مجهر مؤسسة المستقبل والابتكار

الصين في مواجهة العالم: ما يقوله الخبراء الفرنسيون...!

الصين في مواجهة العالم: ما يقوله الخبراء الفرنسيون...!

- إدوارد فيليب: لا يمكن اليوم حل أي قضية عالمية بدون الصين
- برونو لو مير: ستكون هناك إمبراطوريتان، الولايات المتحدة والصين، وعلى أوروبا أن تكون الإمبراطورية الثالثة
- سيلفي بيرمان: إنها حرب باردة حقيقية، تختلف عن تلك التي حدثت مع الاتحاد السوفياتي
- باسكال بونيفاس: إذا لم نتمكن من مساعدة الأفغان ضد طالبان، لا أرى كيف سنذهب لمساعدة تايوان ضد الصين
- أندريه شينغ: رغم مضاعفة الصين لنجاحاتها، فإنها لا ترى شعبيتها ترتفع، بل تنهار
- ديفيد بافيريز: مواصلة الحوار مع الصين، مع أيضًا تغيير اللهجة
- جان بيير رافاران: يدرك الصينيون أن أداءهم مرتبط بالانفتاح


  في 27 أغسطس، نظمت مؤسسة المستقبل والابتكار برئاسة جان بيير رافاران، مؤتمرا في فوتورسكوب خصص للعلاقات مع العالم الصيني.
   قد لا نغالي إن قلنا إن الصين منذ ما يقارب العامين انغلقت على نفسها. فالقيود التي فرضتها السلطات ضد انتشار فيروس كوفيد-19، تمنع الصينيين من السفر خارج البلاد. وفي نفس الوقت، فإن الحجر الإجباري طيلة ثلاثة أسابيع -منها خمسة عشر يومًا في غرفة فندق -ورفض منح أو تجديد التأشيرات، بالكاد يشجع بقية العالم على الذهاب إلى الصين. جان بيير رافاران، هو أحد الفرنسيين الذين اعتادوا الإقامة بشكل متكرر في هذا البلد، ولكنهم انقطعوا عن الذهاب إلى هناك.

«الصديق القديم للشعب الصيني»
   ومع ذلك، يحافظ رئيس الوزراء السابق على اهتمام وثيق بالأخبار الصينية. كانت المرة الأولى التي زار فيها هذا البلد عام 1976. وكان آنذاك ضمن وفد من الشباب الجيسكاردي. ولكن عام 2004، عندما كان يتربّع على عرش ماتينيون، طلب منه جاك شيراك مواصلة الزيارة التي كان عليه أن يقوم بها إلى بكين أثناء انتشار وباء السارس في الصين. عندها كان جان بيير رافاران السياسي الغربي الوحيد الذي لم يلغي رحلته. وأكسبته هذه المقاربة سمعة دائمة باعتباره “صديقًا قديمًا للشعب الصيني”، وسُمح له منذئذ بربط صلات مميزة مع القادة الصينيين. ويروي جان بيير رافاران اليوم، أنه فيما يتعلق بالصينيين، قال له جاك شيراك: “يفترض أنهم أذكياء مثلنا، وبما أنهم يعملون أكثر بكثير وأنهم أكثر عددًا، فسيتفوقون علينا وسنجدهم أمامنا في يوم ما. «

   حتى أوائل عام 2020 عندما منع فيروس كوفيد-19 السفر إلى الصين، كان جان بيير رافاران يرافق بشكل متكرر الشركات الفرنسية التي تسعى إلى إقامة اتصالات هناك. كما نظم جميع أنواع الاجتماعات الفرنسية الصينية رفيعة المستوى. وطيلة خمسة عشر عامًا، في كل يوم جمعة أخير من شهر أغسطس، تنظم مؤسسة المستقبل والابتكار التي يرأسها، مؤتمرًا في فوتورسكوب في بواتييه، مكرسًا للأحداث الدولية، وبشكل أكثر تحديدًا للعلاقات مع العالم الصيني. عام 2020، عُقد هذا المؤتمر عبر الإنترنت حصريًا بسبب وباء كوفيد. لكن في 27 أغسطس 2021، حضر ما يقرب من 150 شخصًا هذا اليوم، وكان موضوعه “دُوار العالم، استعادة التوازن”، وتسنّى أيضًا متابعة المناقشات على الإنترنت.

   في الساعة العاشرة صباحًا، افتتح جان بيير رافاران، الذي انتخب لفترة طويلة عن دائرة فيينا ومنطقة بواتو شارانت، المناقشات. المتحدث الأول هو برونو لو مير، وزير الاقتصاد. لم يكن حاضرا في فوتورسكوب، وظهر على شاشة كبيرة.
   لقد طور الوزير فكرة أنه في القرن الحادي والعشرين “ستكون هناك إمبراطوريتان قوميتان عظيمتان، الولايات المتحدة والصين، وأن أوروبا يجب أن تكون الإمبراطورية الثالثة،
 إمبراطورية الأمم”، محددا انه “يجب أن تكون أوروبا قادرة على تخيّل نموذج يسمح لها بمكافحة تغير المناخ،
وضمان قيمها الأساسية، وضمان أمنها».

   ولم يستبعد الوزير “الاشتباكات المباشرة أو غير المباشرة” بين الصين والولايات المتحدة في المنافسة على المركز الأول في العالم.
“لقد رأينا ذلك في عهد ترامب في المجال التجاري، حيث كانت المواجهة هي القاعدة والتسوية السلمية للنزاعات هي الاستثناء”، هذا ما صرح به برونو لو مير الذي دعا إلى “تضامن وتعاون أوثق بين الدول الأوروبية».

«الصين تنغلق»
   بعد ذلك، على مدار اليوم، تناول الكلمة حوالي عشرة متحدثين. من بينهم ديفيد بافيريز. رجل الأعمال هذاأ يعيش في هونغ كونغ حيث يدير شركة ايريس كابيتال، النشطة في مجال الاستثمار المالي. في مايو الماضي، نشر كتاب “الصين-أوروبا: نقطة التحول الكبرى”، حيث يسعى إلى تجديد مقاربة ومعرفة الصين الحالية.
   وعلى خشبة مسرح فوتورسكوب، أوضح أن “الصين تنغلق، ومن المفارقات أن هذا هو الوقت الذي نحتاج فيه إلى التحدث إلى الصينيين أكثر من غيرهم، ويجب أن نعلمهم أنه تم الاستهانة بالصين طيلة عشرين عامًا، وعلينا مواصلة الحوار، ولكن مع تغيير لهجتنا أيضًا”. ووصف بلدًا سيظل مغلقًا عام 2022، على وجه الخصوص، لأنه لا يملك لقاحا فعالا ضد المتغيرات الجديدة لـ كوفيد. من جهة اخرى، وفي مجال البيئة، يقدر ديفيد بافيريز أنه في الصين، ستكون ذروة التلوث عام 2030.
 وسيكون أمام الصين حوالي ثلاثين عامًا فقط لتحقيق مناخ أفضل عام 2060، كما تتصوره. وهذا يفترض جهدًا اقتصاديًا هائلاً، وتقنيات غير متوفرة اليوم.

   مداخلة أخرى، سيلفي بيرمان. كانت سفيرة فرنسا لدى الصين بين 2011 و2014، قبل تعيينها في بريطانيا العظمى، ثم روسيا.
   هي ايضا كتبت كتابًا عن الصين “الصين في المياه العميقة”، عام 2017. حللت في فوتورسكوب، العلاقات الحالية بين الغرب والصين. وقالت: “إنها حرب باردة حقيقية، تختلف عن تلك التي حدثت مع الاتحاد السوفياتي. كان الاولى في الأساس عسكرية ونووية وأيديولوجية. اما اليوم، مع الصين، نحن امام حرب باردة متعددة الأبعاد. الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على الرسوم الجمركية الصينية كانت فاشلة: الصادرات الصينية إلى أمريكا الشمالية أعلى مما كانت عليه في البداية. لكن هناك حرب أكثر خطورة، وهي تكنولوجية”. وذكرت الحصار الأمريكي على أشباه الموصلات الصينية، أو حظر شراء الشركات الغربية لهواتف هواوي.

   ثم رسم باسكال بونيفاس، مؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، صورة لمكانة الصين في العالم الحالي، مؤكدًا أنها اليوم الشريك التجاري لـ 128 دولة مقابل 60 دولة للولايات المتحدة. ثم دعا اوروبا إلى عدم اتباع العداء الأمريكي تجاه الصين. وعلى حد قوله، فإن “الصين ليست دولة ديمقراطية، لكن لسنا ملزمين باتباع الولايات المتحدة على أساس أنها ديمقراطية”. ثم أصر على احتمال نشوب صراع بين الصين الشعبية وتايوان بالقول: “إذا لم نتمكن من مساعدة الأفغان ضد طالبان، لا أرى كيف سنذهب لمساعدة تايوان ضد الصين. إنها مسألة واقعية. في الوقت الحالي، يقول التايوانيون، بطريقة ذكية للغاية، لأنفسهم “لدينا استقلال واقعي، ما الذي سنحصل عليه من الاستقلال القانوني الذي قد يؤدي إلى انفجار لن يسيطر عليه أحد؟».

الصين لاعب رئيسي
    الخطاب الذي أعقبه، وفاز بأكبر قدر من الاهتمام، هو خطاب إدوارد فيليب. لقد قام عمدة لوهافر الحالي برحلة إلى الصين عام 2018 عندما كان رئيسًا للوزراء. ولكن، خصوصا، منذ سنوات الألفين، زارها عدة مرات ودُفع إلى الاقامة بضعة أيام في مدينة صينية لمراقبة عملها. وبعد أن أصبح عمدة لوهافر، زار إدوارد فيليب في مناسبات عديدة داليان، حيث توجد توأمة نشطة بشكل خاص منذ ثلاثين عامًا بين هذا الميناء الكبير في شمال شرق الصين وبلدية لوهافر.

   ومع ذلك، في فوتورسكوب، لم يستعرض إدوارد فيليب معرفته بالصين. وبدلاً من ذلك، ركّز على تحليل جيوسياسي حول الجملة التالية: “في عالم اليوم، الذين لا يعانون من الدُوار يجب أن يخيفونا”. في خطابه، جاورت تحديات تغيّر المناخ والديموغرافيا العالمية، التفكير في وزن الصين: “خلال ثلاثين عامًا، يحدث في الصين ما عرفته المجتمعات الغربية خلال 250 عامًا”، وهو ما يدفعه إلى اعتبار أننا “نشهد ظهور هذه المواجهة الحتمية بين الصين الزاحفة وأمريكا التي في حالة قلق”. ومع ذلك، يعتقد إدوارد فيليب، أنه لا يمكن اليوم حلّ أي قضية عالمية بدون الصين: “يجب ألا نستبعد فكرة أن الصين الضعيفة التي لا تريد احترام القواعد المشتركة، هي في الحد الأدنى لا تقلّ خطورة خطيرة عن الصين القوية والقاهرة».

   في وقت آخر من الندوة، سلط إدوارد فيليب الضوء على موقف القوة الروسية فيما يتعلق بالصين. وقال إنه عندما كان في ماتينيون، دعا إلى لوهافر نظيره ميدفيديف الذي كان يزور فرنسا، وأن هذا الأخير قال له: “بالنسبة لنا، الصين ليست صديقة، وهي ليست حليفًا طبيعيًا، وربما هي خطيرة علينا في يوما ما. لكن اليوم، وربما لفترة طويلة، نحن الروس نفهمها، ونعرف جيدًا ما يريده الصينيون، ونفضل أن يكون لدينا محاور نفهمه أكثر من محاورين لا نفهمهم ومن ثم يهددوننا بطريقة ما”، في إشارة بالطبع إلى الغرب.

شعبية منتكسة
   في فوتورسكوب، أوضح جان بيير رافاران، أثناء رئاسة المناظرات، أن “الصينيين يدركون جيدًا أن أداءهم مرتبط بالانفتاح،
 وان للعالم مصلحة في التعاون، ومن يغلق أبوابه سيواجه صعوبات، وإلا سيضطر إلى فتحها في بعض الحالات وإغلاقها في حالات أخرى.   ولن يكون الأمر بهذه السهولة”. وفي كل الأحوال، بالنسبة للرئيس السابق لمنطقة بواتو شارانت، فإن مخاطر الانكماش في المدى المتوسط في الصين “غير مرجحة».
   واختتمت الاشغال بكلمة أندريه تشينغ، الرئيس المدير العام للتجارة الآسيوية الأوروبية ونائب رئيس لجنة فرنسا والصين، وهي مؤسسة تابعة لمنظمة الأعراف الفرنسية تتابع المبادلات الاقتصادية بين البلدين.

   تم تسجيل كلمته في بكين، يعتبر أنه “بعد بداية فوضوية، سيطرت الصين على كوفيد. وبعد أن شهدت اقتصادها ينهار، استطاعت أن تنعشه. وبعد المواجهة الشرسة التي أرادها دونالد ترامب، أصبح ميزانها التجاري أكثر ازدهارًا من أي وقت مضى. وهذا العام، أصبح تطبيق تيك توك الصيني هو التطبيق الأكثر تنزيلًا في العالم، متقدمًا على فيسبوك، وتمكن الصينيون من إنزال روبوت على كوكب المريخ «.

   لكن، يتابع أندريه شينغ: “رغم مضاعفة الصين لنجاحاتها، فإنها لا ترى شعبيتها ترتفع، بل تراها تنهار. لقد كانت الصين تغوي وتغري عندما كانت بائسة وضعيفة، ولا يمكنها فعل ذلك الآن بعد أن أصبحت غنية وقوية «.
   كيف تنجح في جذب تعاطف بقية العالم، هو بلا شك سؤال يطرحه المثقفون الصينيون الذين يلاحظون، أن الحلم الأمريكي يحتفظ بجاذبية لا جدال فيها رغم الصعوبات التي تواجهها أمريكا اليوم. في فوتورسكوب، كان لاجتماع مؤسسة المستقبل والابتكار فائدة واحدة على الأقل: تقديم عدد معين من الحقائق عن الصين اليوم...
لكن جعلها محبوبة وجذّابة وشعبية في الوقت الحالي يبدو وكأنه هدف بعيد المنال.