طالبان صداع مربك:

الصين والانخراط الحذر في المستنقع الأفغاني...!

الصين والانخراط الحذر في المستنقع الأفغاني...!

-- تنظر الصين إلى التعامل مع أفغانستان على أنه قضية أمن داخلي
-- هاجس بكين الأساسي تأمين خطة الحزام والطريق بضمان اســتقرار ســياسي أكبــر في آسـيا الوسطى
-- باعتبارها إمبراطورية واقعية، ستسعى للحصول على ضمانات من المخابرات الباكستانية وطالبان
-- تريد بكين تفادي إقامة ملاذ للإرهاب على أعتابها لهذا، تتأرجح استراتيجيتها بين الاحتواء والتدخل
-- رغم أنها لا ترفض المساعدات غير المشروطة من الدول الغربية، إلا أن طالبان تفضل الاستثمار الصيني


من خلال زيادة القمع ضد اللاجئين الأويغور في أفغانستان لإرضاء الصين، تخاطر حركة طالبان بأن يُنظر إليها على أنها متعاونة. وبرفضها القيــــام بذلك، فقـــد تتســــبب في غضب بكين وتــــودّع الاســـــتثمار الضروري لبقاء نظامها.

تشير اللعبة الكبرى إلى الصراع على النفوذ العسكري والدبلوماسي بين بريطانيا وروسيا في آسيا الوسطى بين منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكانت إحدى النتائج إنشاء دولة عازلة، أفغانستان، في أزمة شبه دائمة منذ ولادتها. فمن ديسمبر1979 إلى أغسطس 2021، شهدت الدولة ذات الحدود الستة (إيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وباكستان والصين) اثنين وأربعين عامًا من الحرب، ثلاثون منها تحت احتلال قوة أجنبية (الاتحاد السوفياتي، ثم الولايات المتحدة).
   مع الرحيل الكارثي للجيش الأمريكي من كابول في أغسطس (وهو نفس يوم انهيار شعبية بايدن)، بات للصين فرصة تولي زمام الأمور لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى. وبمبالغ ضخمة لتحقيق طموحاتها، ترغب بكين في أن تثبت للعالم مصداقية باكس سينيكا. الا انه للسيطرة على أوراسيا، يجب حل مشكلة شينجيانغ ورغبة الأويغور في استقلال.

  وهكذا، فإن التعامل مع أفغانستان، التي تشترك معها في حدود طولها 80 كيلومترًا، يُنظر إليه على أنه قضية أمن داخلي. تريد الصين، وبأي ثمن، تفادي إقامة ملاذ للإرهاب على أعتابها. لهذا، تتأرجح استراتيجيتها بين الاحتواء والالتزام والتدخل.
  عند توليها السلطة في أغسطس، وعدت طالبان بإعادة الامن والنظام، غير أن الأمور لا تسير كما هو مخطط لها. تتزايد الهجمات، وكان آخرها في ننجرهار شرقي البلاد في 12 نوفمبر. وأكثر ما يقلق الصينيين هو الهجوم الانتحاري، الذي تبناه تنظيم داعش في خراسان، على مسجد شيعي في قندوز ونفذه انتحاري من الأويغور... الرسالة: جعل طالبان تدفع ثمن تعاونها مع “الظالمين” الصينيين.

مسألة الأويغور
   غزاها المانشو في القرن الثامن عشر، أصبحت مقاطعة شينجيانغ “الفارويست” الصيني. هناك صحاري، وجمال باكتريا، وبازارات، ومساجد، وحقول نفط، وأويغور، يتحدثون التركية، ولا علاقة لهم بالثقافة الصينية، وعرفوا بتمردهم دائمًا ضد سلطة بكين (اثنان وأربعون مرة خلال مائة عام من احتلال المانشو).
   بعد جمهوريات تركستان الشرقية، التي لم تعمّر طويلا، وضعت الثورة الشيوعية حدا للرغبة في الاستقلال. في التسعينات، وكرد فعل على استعمار الهان، واستلهاما من الصحوة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، ازدادت أعمال الشغب والثورات ضد الهيمنة الاقتصادية والثقافية والقمع الديني.
   ومع الهجمات الأولى، نما القمع الصيني بقوة، واتخذ منعطفًا جذريًا في أعقاب هجومين إرهابيين كبيرين، عام 2013 في ميدان تيان آن مين، وعام 2014 في محطة كونمينغ، عاصمة يونان. وطيلة سبع سنوات، كان كل شيء مبرّرا للقضاء على مشكلة شينجيانغ: ما بين مليون ومليوني إيغور محتجزون في معسكرات إعادة التأهيل، وتعقيم النساء، وتدمير الأحياء التقليدية، واختفاء التراث الثقافي، وهدم المساجد ... الهدف واضح: يجب على الحكومة استيعاب السكان المتمردين في الثقافة الصينية.

«طريق الحرير الجديد»
   الصين مستعدة لاستثمار مبالغ ضخمة في مشروعها الرئيسي والفرعوني، مبادرة الحزام والطريق، أو “طريق الحرير الجديد”، وهي شبكة عملاقة من خطوط السكك الحديدية والطرق البحرية وخطوط أنابيب الغاز التي تهدف إلى تحويل أوراسيا إلى أكبر مساحة تبادل في العالم.
   يقدر المشروع بتريليون دولار ويجمع سبعين دولة. ومع ذلك، عند النظر إلى الخريطة، نفهم أن جميع طرق طريق الحرير تمر عبر شينجيانغ: لا يمكن تحقيق حلم الفضاء الاقتصادي الصيني الكبير الممتد من هاربين إلى روتردام إلا بشرط أن تكون أراضي الأويغور هادئة... ومن أجل ذلك، تحتاج الصين إلى مساعدة طالبان.

معضلة طالبان
  منذ استيلاء طالبان على كابول، أفغانستان فريسة انهيار اقتصادي غير مسبوق. وإذا لم يتم تقديم مساعدات مالية كبيرة للحركة التي تقطع أيدي اللصوص وتمنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة، فإن الكارثة الإنسانية لا مفر منها.    ورغم أنهم لا يقولون لا للمساعدات غير المشروطة من الدول الغربية، إلا أن طالبان تفضل الاستثمار الصيني، وهو كبير وبدون دروس أخلاقية. وستكون أيضًا مستعدة للسماح للصينيين بإنشاء قواعد عسكرية، أو حتى الاستيلاء على قاعدة باغرام التي تخلى عنها الأمريكيون.
  لكن المساعدة تأتي بشروط: القبول الضمني بالقمع الذي يمارس على الأويغور، مما يثير الجدل داخل صفوف نفس طالبان، ويتيح فرصة لتنظيم داعش في خراسان لتقديم نفسه على أنه المدافع الحقيقي عن الأويغور في مواجهة حكومة متواطئة مع تصرفات الصين في إقليم شينجيانغ.
  وهكذا تواجه طالبان معضلة: بزيادة القمع ضد اللاجئين الأويغور في أفغانستان لإرضاء الصين، فإنها تخاطر بأن يُنظر إليها على أنها حركة عميلة متعاونة؛ وبرفضها القيام بذلك، فقد تتسبّب في غضب بكين، وبالتالي تنسى الاستثمار الضروري لبقاء نظامها.

اللعبة الكبرى الجديدة
 لعبة الخداع
  بعد عشرين عامًا من الوجود العسكري، واستثمار تريليونات الدولارات مع النتائج التي نعرفها، فإن الولايات المتحدة ليست مستعدة للعودة إلى أفغانستان، ولا روسيا ايضا. الباب مفتوح أمام الصين، حليف باكستان ضد الهند، للانخراط بحذر في المستنقع الأفغاني من أجل ضمان استقرار سياسي أكبر في آسيا الوسطى.
   ومثل طالبان، يواجه الصينيون أيضًا معضلة: إذا كانوا خجولين جدًا، فإنهم سيسمحون لوضع منهار أصلا، ان يزداد تدهورا “لا يوجد “أمن” طالباني”، مع شن أولى الهجمات على الأراضي الصينية في قادم الأيام. وإذا فعلوا الكثير، فإنهم سيوفرون مبررات الهجمات الإرهابية على الأراضي الأفغانية... إن الوضع غير قابل للحل.    إمبراطورية حذرة وواقعية، ستسعى الصين إلى الحصول على ضمانات من وكالة الاستخبارات الباكستانية وطالبان، وستضع قمع الأويغور شرطا لمساعداتها. سيهاجم  داعش خراسان المصالح الصينية انتقاما من الانتهاكات في شينجيانغ، وسيسعون في الوقت نفسه  لتجنيد الأويغور من الحزب الإسلامي التركستاني الذي يشعر بخيبة أمل من طالبان... الصين لم تنته بعد من أفغانستان.
روائي متخصص في الحرب السورية، ووحدات حماية الشعب، وداعش، والعالم العسكري والمخابرات. وهو مؤلف “كود نمسيس” و”هبريس».