رئيس الدولة والرئيس القبرصي يؤكدان أهمية العمل على ترسيخ أسباب السلام والاستقرار الإقليميين
الأزمة لا تعني أوروبا فقط:
الغزو الروسي لأوكرانيا: أية عواقب بالنسبة لآسيا...؟
-- قد تخفف تنازلات أمريكية التوتر بين موسكو وكييف، لكنها قد تزيد من المخاطر الأمنية في آسيا: لأنها ستفيد الصين
-- ستزيد الأزمة الأوكرانية من تعقيد مواقف اليابان والولايات المتحدة تجاه الصين
-- يبقى رد الفعل الصيني على الأمر الواقع الروسي حذرًا
-- الأزمة الأوكرانية بالنسبة لبكين هي وسيلة لإضعاف «المحور الآسيوي» الأمريكي
-- إعادة التوزيع الواسعة للأوراق التي قد يتسبب فيها غزو أوكرانيا تشكل معضلة حقيقية بالنسبة لليابان
سيكون لغزو الجيش الروسي لأوكرانيا عواقب وخيمة على آسيا خاصة بالنسبة لليابان، ولكن أيضًا بالنسبة لكوريا الجنوبية. أما الصين التي كانت في البداية حذرة للغاية، ها هي تتهم الآن واشنطن “بسكب الزيت على النار».
بالتأكيد، أن هــــذه الأزمــة لا تعني أوروبـــا فقط، لأن التهديـــدات الجيوســـياســـية في شرق آسيا عديدة، وهي ذات طبيعة عسكرية واقتصادية وطاقية.
بالنسبة لليابان، فإن إعادة التوزيع الواسعة للأوراق، التي قد يتسبب فيها غزو أوكرانيا، تشكل معضلة حقيقية لأنها ستسلط الضوء على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وروسيا مع الصين وتايوان في الخلفية.
أولاً، من المرجح أن تتصاعد التوترات العسكرية الروسية الأمريكية في مسرح الشرق الأقصى الروسي. وتعمل روسيا منذ شهور على تكثيف أنشطتها العسكرية في بحر اليابان وبحر أوخوتسك.
وقد دقت هذه الأنشطة ناقوس الخطر في اليابان، حيث يراقب الاستراتيجيون الموقف ببعض الخوف.
في ديسمبر، أعلنت روسيا أنها ستشغل الآن غواصات نووية جديدة في الشرق الأقصى وتنشر صواريخ في ماتوا، وهي جزيرة بركانية غير مأهولة بالقرب من جبال الكوريل. وبين نهاية يناير وفبراير، أجرى الأسطول الروسي في المحيط الهادئ أيضًا مناورات بحرية واسعة النطاق في بحر اليابان وبحر أوخوتسك، شاركت فيها حوالي 20 سفينة.
في 12 فبراير، كشفت موسكو أن غواصة أمريكية دخلت في المياه الإقليمية الروسية في المحيط الهادئ بالقرب من هذه المناورات. وربما تكون الولايات المتحدة قد نفت ذلك، لكن هذه الحادثة كانت علامة لا لبس فيها على تصاعد التوترات بين القوات العسكرية الروسية والأمريكية في المنطقة. وتنشر روسيا غواصات نووية في بحر أوخوتسك منذ سنوات، ومن هذه الغواصات ستطلق صواريخ نووية باتجاه الأراضي الأمريكية إذا اندلعت حرب ذرية بين روسيا والولايات المتحدة.
«جبهة أمامية»
يضاف إلى ذلك، النزاع الإقليمي بين روسيا واليابان حول ما تصفه موسكو بـ “الأقاليم الشمالية”، وهي مجموعة من أربع جزر تقع شمال جزيرة هوكايدو شمال اليابان تحتلها روسيا وتطالب بها اليابان. لكن موسكو تعتبر هذه الجزر استراتيجية لأنها تشكل “منطقة أمامية” لحماية بحر أوخوتسك. ويعتقد بعض الخبراء أن روسيا ستوسع على الأرجح وجودها العسكري في هذه الجزر في السنوات المقبلة.
كما ستزيد الأزمة الأوكرانية من تعقيد مواقف اليابان والولايات المتحدة تجاه الصين. في 26 يناير، رد الرئيس الأمريكي جو بايدن كتابيًا على الطلبات الأمنية لنظيره الروسي فلاديمير بوتين. ورغم رفضه للمطلب الروسي من الولايات المتحدة وحلفائها بالتخلي إلى الأبد عن انضمام أوكرانيا إلى الناتو، قدم جو بايدن ثلاثة مقترحات: يمكن أن توافق واشنطن على الحد من نشر صواريخ أرض -أرض قصيرة ومتوسطة المدى، وتلتزم الولايات المتحدة وروسيا بأن تكونا أكثر شفافية بشأن مناوراتهما العسكرية في أوروبا؛ وستقدم الولايات المتحدة معلومات حول القواعد الموجودة في رومانيا وبولندا مقابل إجراءات متبادلة من جانب روسيا بشأن قاعدتين من قواعدها الصاروخية.
ولئن كانت هذه التنازلات يمكن أن تساعد في تخفيف التوترات بين هذين البلدين، فقد تزيد أيضًا من المخاطر الأمنية في آسيا: لأنها ستفيد الصين. خلال حفل الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين يوم 4 فبراير، كان فلاديمير بوتين أول من وصل إلى العاصمة الصينية بكين، ومباشرة تحدث أمام كاميرات القناة التلفزيونية الحكومية الصينية، وأشاد بعلاقات بلاده مع الصين الآن، التي هي “أكثر متانة من أي وقت مضى».
وأوضح الرئيس الروسي، أن الصين وروسيا تقفان الآن جنبًا إلى جنب لمواجهة العديد من التحديات في مجالات مثل الجغرافيا السياسية والتنمية الاقتصادية: “علاقتنا الثنائية حقا غير مسبوقة من حيث روح الصداقة والشراكة الاستراتيجية”. وشدد الرئيس الروسي على أن العلاقات بين البلدين أصبحت مثالاً للعلاقات الوثيقة التي تسهّل التنمية المتبادلة وتساعد “الدول” الأخرى على دعم بعضها البعض في التنمية الاقتصادية.
وفي بيان مشترك صدر عقب اجتماعهما، أعلن الرئيسان أنهما “يعارضان أي توسع مستقبلي لحلف شمال الأطلسي”، ونددا بـ “التأثير السلبي على السلام والاستقرار للاستراتيجية الامريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي”. وقالا كذلك إنهما “قلقان” بشأن إنشاء تحالف اوكوس العسكري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. ولتأكيد هذا البيان المشترك، بدا أن شي جين بينغ يدعم غزوًا روسيًا محتملاً لأوكرانيا، بينما أكد فلاديمير بوتين، من جانبه، أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين بما اثار احتجاج وزارة الخارجية التايوانية.
بكين، التي كانت حذرة في البداية، تتهم واشنطن
في انتظار معرفة موقف الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا، حذّر الغربيون من أن هذا التقارب الاستراتيجي بين روسيا والصين يهز قواعد النظام الدولي، معبّرين عن قلقهم من رغبة القوتين فرض سلطتهما.
لقد تسلّم الأوروبيون والأمريكيون تمامًا رسالة فلاديمير بوتين وشي جين بينغ الموجهة من بكين: “يجب احترام مخاوف روسيا بشأن أوكرانيا بنفس الطريقة التي تُحترم بها مخاوف الفاعلين الاخرين في هذه الأزمة”، قال رئيس الدبلوماسية الصينية، وانغ يي، قبل المؤتمر الأمني الثامن والخمسين من ميونيخ.
تسعى روسيا والصين إلى استبدال القواعد الدولية القائمة، أطلقت من جهتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أمام الزعماء الدوليين الذين اجتمعوا طيلة ثلاثة أيام في العاصمة البافارية. وحذرت المسؤولة الأوروبية، من أن بكين وموسكو تفضلان حكم الأقوى على حكم القانون، والترهيب بدلاً من تقرير المصير، والإكراه بدلاً من التعاون.
وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إنه لأول مرة، تنضم بكين إلى موسكو في مطالبة الناتو بعدم قبول أعضاء جدد بعد الآن. وأضاف، انها محاولة للسيطرة على مصير الدول الحرة، وإعادة كتابة القواعد الدولية، وفرض نماذجها السلطوية للحكم.
ومتحدثًا أيضًا في ميونيخ، حذر المستشار الألماني أولاف شولتز من هذه القراءة الثنائية القطبية فقط، مذكّراً أن العالم لم يعد، كما كان قبل عام 1989، منقسماً بين المعسكر الشيوعي والبلدان الرأسمالية. وقال المستشار، “من الواضح تمامًا أننا ندخل عالما متعدد الأقطاب”، مقتنعا بأن الدول الآسيوية الأخرى، التي تطمح أيضًا إلى إسماع أصواتها، لن تقبل أي محاولات من جانب الصين أو روسيا لبناء مناطق هيمنتها أو مصلحتها الخاصة، محذرا من أنه لا كوريا الجنوبية ولا اليابان ولا فيتنام ولا إندونيسيا ولا ماليزيا، ستقبل بذلك.
لكن الحقيقة الغريبة: بعد هذا الاجتماع الشهير بين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، اختفى من الرادار كبار القادة الشيوعيين السبعة. لم يظهر أي منهم على وسائل الإعلام الحكومية في الأسبوع الذي أعقب مغادرة الرئيس الروسي. لا علاقة للأولمبياد بالأمر: “ناقش الأعضاء السبعة في المكتب السياسي، منهم الرئيس شي، كيفية الرد على الأزمة الروسية الأوكرانية”، كما كتبت صحيفة وول ستريت جورنال، لأن موسكو تحرج بكين اليوم بإرغام الحليف الصيني على اتخاذ موقف من أوكرانيا.
في البيان الصيني الروسي المشترك، أعلن الرئيس الصيني أنه يعارض “استمرار توسع الناتو”... ومع ذلك، فإن السياسة الخارجية للصين كما حددها تشو إن لاي عام 1954 تستند حتى الآن إلى مبادئ “التعايش السلمي المكون من خمس نقاط”، منها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والعدوان.
ربما تعبّر الصين عن دعمها الواضح لروسيا اليوم، وهو ما حرصت على عدم القيام به أثناء ضم شبه جزيرة القرم من قبل موسكو عام 2014. لأن الأزمة الأوكرانية بالنسبة لبكين هي وسيلة لإضعاف “المحور الآسيوي” الأمريكي. الا ان الأمر متروك أيضًا للصينيين ليخاطروا بمواجهة عقوبات تجارية إضافية، إذا طلبت روسيا مساعدة الصين للهروب من الانتقام الاقتصادي الذي وعدت به واشنطن في حال غزو أوكرانيا. خطر ربما ناقشه القادة الصينيون خلال “اختفائهم عن وسائل الإعلام».
في الوقت الحالي، تكرر بكين أن سفارتها في كييف تعمل بشكل طبيعي. وخلال مكالمته الهاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال شي جين بينغ: “يجب التوصل إلى حل سياسي وشامل من خلال المنتديات المتعددة الأطراف مثل صيغة نورماندي (ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا)».
إذن، يبقى رد الفعل الصيني على الأمر الواقع الروسي حذرًا. وهكذا، في الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن، مساء الاثنين 21 فبراير في نيويورك، تميزت الصين عن شركائها بعدم إدانتها صراحة لموسكو، لكنها أيضًا لم تعبّر عن أي دعم لموسكو. “نعتقد أنه يجب على جميع الدول حل النزاعات الدولية بالوسائل السلمية وفقًا لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”، قال السفير تشانغ جون.
في مؤتمر ميونيخ، سبق ان قالت بكين بوضوح إنه يجب الحفاظ على سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل بلد. “أوكرانيا ليست استثناء”، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مداخلة عن بعد. ومحذرا من توسع الناتو نحو الشرق، ومتبنيا الموقف الذي دافع عنه بشكل مشترك شي جين بينغ وفلاديمير بوتين في 4 فبراير، ذكّر رئيس الدبلوماسية الصينية أن “الحرب الباردة انتهت منذ فترة طويلة وأن الناتو نتاجها، وعليه أن يتكيّف مع عصره. وإذا استمر الناتو في التوسع شرقًا، فهل سيساعد ذلك في الحفاظ على السلام والاستقرار في أوروبا؟”، مضيفا أنه “يجب على جميع الأطراف تحمّل مسؤولياتها والعمل من أجل السلام، بدلاً من المبالغة في المشاكل وإثارة الذعر والصراخ بخطر الحرب».
الثلاثاء، 22 فبراير، تحدث وانغ يي نفسه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين حول الوضع في أوكرانيا. ومرة أخرى، كان الحذر سيد الموقف. قال الوزير الصيني إنه “قلق” دون الانحياز لروسيا أو الولايات المتحدة. ونقلت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” قوله، “إن الصين قلقة بشأن الوضع في أوكرانيا”. لم يتغير الموقف الصيني: “يجب احترام أمن كل دولة، وأن وصول الأزمة الأوكرانية إلى هذه المرحلة مرتبط بالتأخير في تنفيذ اتفاقية مينسك “، في إشارة إلى البروتوكول الموقع 2014 و2015 والذي تتعهد بموجبه الدول الموقعة بعدم استخدام القوة، بما في ذلك قوات الناتو. وأضاف، “ستواصل الصين التمسك بالوقائع والبقاء على اتصال مع جميع الأطراف، الوضع في أوكرانيا يزداد سوءً، وتدعو الصين جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس والاعتراف بالأهمية العالمية للأمن للجميع ووقف التصعيد من خلال الحوار».
تجسّد هذه التصريحات حذر بكين الشديد بشأن القضية الأوكرانية بسبب صلاتها بكييف، وخاصة علاقتها بفكرة السيادة المرتبطة بقضية تايوان، فورموزا السابقة، التي تعتبرها بكين جزءً لا يتجزأ من الصين.
لكن الصين رفعت صوتها الأربعاء متهمة الولايات المتحدة “بسكب الزيت على النار”: إن “الولايات المتحدة تبيع أسلحة لأوكرانيا، مما يزيد التوترات، ويثير الذعر وحتى المبالغة في روزنامة الحرب”، صرّح للصحافة متحدث باسم الدبلوماسية الصينية هوا تشون ينغ، والسؤال الرئيسي هو ما الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في التوترات الحالية في أوكرانيا، إن من يصبّ الزيت على النار ويتهم الآخرين، هو شخص غير أخلاقي وغير مسؤول».
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.
-- ستزيد الأزمة الأوكرانية من تعقيد مواقف اليابان والولايات المتحدة تجاه الصين
-- يبقى رد الفعل الصيني على الأمر الواقع الروسي حذرًا
-- الأزمة الأوكرانية بالنسبة لبكين هي وسيلة لإضعاف «المحور الآسيوي» الأمريكي
-- إعادة التوزيع الواسعة للأوراق التي قد يتسبب فيها غزو أوكرانيا تشكل معضلة حقيقية بالنسبة لليابان
سيكون لغزو الجيش الروسي لأوكرانيا عواقب وخيمة على آسيا خاصة بالنسبة لليابان، ولكن أيضًا بالنسبة لكوريا الجنوبية. أما الصين التي كانت في البداية حذرة للغاية، ها هي تتهم الآن واشنطن “بسكب الزيت على النار».
بالتأكيد، أن هــــذه الأزمــة لا تعني أوروبـــا فقط، لأن التهديـــدات الجيوســـياســـية في شرق آسيا عديدة، وهي ذات طبيعة عسكرية واقتصادية وطاقية.
بالنسبة لليابان، فإن إعادة التوزيع الواسعة للأوراق، التي قد يتسبب فيها غزو أوكرانيا، تشكل معضلة حقيقية لأنها ستسلط الضوء على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وروسيا مع الصين وتايوان في الخلفية.
أولاً، من المرجح أن تتصاعد التوترات العسكرية الروسية الأمريكية في مسرح الشرق الأقصى الروسي. وتعمل روسيا منذ شهور على تكثيف أنشطتها العسكرية في بحر اليابان وبحر أوخوتسك.
وقد دقت هذه الأنشطة ناقوس الخطر في اليابان، حيث يراقب الاستراتيجيون الموقف ببعض الخوف.
في ديسمبر، أعلنت روسيا أنها ستشغل الآن غواصات نووية جديدة في الشرق الأقصى وتنشر صواريخ في ماتوا، وهي جزيرة بركانية غير مأهولة بالقرب من جبال الكوريل. وبين نهاية يناير وفبراير، أجرى الأسطول الروسي في المحيط الهادئ أيضًا مناورات بحرية واسعة النطاق في بحر اليابان وبحر أوخوتسك، شاركت فيها حوالي 20 سفينة.
في 12 فبراير، كشفت موسكو أن غواصة أمريكية دخلت في المياه الإقليمية الروسية في المحيط الهادئ بالقرب من هذه المناورات. وربما تكون الولايات المتحدة قد نفت ذلك، لكن هذه الحادثة كانت علامة لا لبس فيها على تصاعد التوترات بين القوات العسكرية الروسية والأمريكية في المنطقة. وتنشر روسيا غواصات نووية في بحر أوخوتسك منذ سنوات، ومن هذه الغواصات ستطلق صواريخ نووية باتجاه الأراضي الأمريكية إذا اندلعت حرب ذرية بين روسيا والولايات المتحدة.
«جبهة أمامية»
يضاف إلى ذلك، النزاع الإقليمي بين روسيا واليابان حول ما تصفه موسكو بـ “الأقاليم الشمالية”، وهي مجموعة من أربع جزر تقع شمال جزيرة هوكايدو شمال اليابان تحتلها روسيا وتطالب بها اليابان. لكن موسكو تعتبر هذه الجزر استراتيجية لأنها تشكل “منطقة أمامية” لحماية بحر أوخوتسك. ويعتقد بعض الخبراء أن روسيا ستوسع على الأرجح وجودها العسكري في هذه الجزر في السنوات المقبلة.
كما ستزيد الأزمة الأوكرانية من تعقيد مواقف اليابان والولايات المتحدة تجاه الصين. في 26 يناير، رد الرئيس الأمريكي جو بايدن كتابيًا على الطلبات الأمنية لنظيره الروسي فلاديمير بوتين. ورغم رفضه للمطلب الروسي من الولايات المتحدة وحلفائها بالتخلي إلى الأبد عن انضمام أوكرانيا إلى الناتو، قدم جو بايدن ثلاثة مقترحات: يمكن أن توافق واشنطن على الحد من نشر صواريخ أرض -أرض قصيرة ومتوسطة المدى، وتلتزم الولايات المتحدة وروسيا بأن تكونا أكثر شفافية بشأن مناوراتهما العسكرية في أوروبا؛ وستقدم الولايات المتحدة معلومات حول القواعد الموجودة في رومانيا وبولندا مقابل إجراءات متبادلة من جانب روسيا بشأن قاعدتين من قواعدها الصاروخية.
ولئن كانت هذه التنازلات يمكن أن تساعد في تخفيف التوترات بين هذين البلدين، فقد تزيد أيضًا من المخاطر الأمنية في آسيا: لأنها ستفيد الصين. خلال حفل الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين يوم 4 فبراير، كان فلاديمير بوتين أول من وصل إلى العاصمة الصينية بكين، ومباشرة تحدث أمام كاميرات القناة التلفزيونية الحكومية الصينية، وأشاد بعلاقات بلاده مع الصين الآن، التي هي “أكثر متانة من أي وقت مضى».
وأوضح الرئيس الروسي، أن الصين وروسيا تقفان الآن جنبًا إلى جنب لمواجهة العديد من التحديات في مجالات مثل الجغرافيا السياسية والتنمية الاقتصادية: “علاقتنا الثنائية حقا غير مسبوقة من حيث روح الصداقة والشراكة الاستراتيجية”. وشدد الرئيس الروسي على أن العلاقات بين البلدين أصبحت مثالاً للعلاقات الوثيقة التي تسهّل التنمية المتبادلة وتساعد “الدول” الأخرى على دعم بعضها البعض في التنمية الاقتصادية.
وفي بيان مشترك صدر عقب اجتماعهما، أعلن الرئيسان أنهما “يعارضان أي توسع مستقبلي لحلف شمال الأطلسي”، ونددا بـ “التأثير السلبي على السلام والاستقرار للاستراتيجية الامريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي”. وقالا كذلك إنهما “قلقان” بشأن إنشاء تحالف اوكوس العسكري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. ولتأكيد هذا البيان المشترك، بدا أن شي جين بينغ يدعم غزوًا روسيًا محتملاً لأوكرانيا، بينما أكد فلاديمير بوتين، من جانبه، أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين بما اثار احتجاج وزارة الخارجية التايوانية.
بكين، التي كانت حذرة في البداية، تتهم واشنطن
في انتظار معرفة موقف الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا، حذّر الغربيون من أن هذا التقارب الاستراتيجي بين روسيا والصين يهز قواعد النظام الدولي، معبّرين عن قلقهم من رغبة القوتين فرض سلطتهما.
لقد تسلّم الأوروبيون والأمريكيون تمامًا رسالة فلاديمير بوتين وشي جين بينغ الموجهة من بكين: “يجب احترام مخاوف روسيا بشأن أوكرانيا بنفس الطريقة التي تُحترم بها مخاوف الفاعلين الاخرين في هذه الأزمة”، قال رئيس الدبلوماسية الصينية، وانغ يي، قبل المؤتمر الأمني الثامن والخمسين من ميونيخ.
تسعى روسيا والصين إلى استبدال القواعد الدولية القائمة، أطلقت من جهتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أمام الزعماء الدوليين الذين اجتمعوا طيلة ثلاثة أيام في العاصمة البافارية. وحذرت المسؤولة الأوروبية، من أن بكين وموسكو تفضلان حكم الأقوى على حكم القانون، والترهيب بدلاً من تقرير المصير، والإكراه بدلاً من التعاون.
وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إنه لأول مرة، تنضم بكين إلى موسكو في مطالبة الناتو بعدم قبول أعضاء جدد بعد الآن. وأضاف، انها محاولة للسيطرة على مصير الدول الحرة، وإعادة كتابة القواعد الدولية، وفرض نماذجها السلطوية للحكم.
ومتحدثًا أيضًا في ميونيخ، حذر المستشار الألماني أولاف شولتز من هذه القراءة الثنائية القطبية فقط، مذكّراً أن العالم لم يعد، كما كان قبل عام 1989، منقسماً بين المعسكر الشيوعي والبلدان الرأسمالية. وقال المستشار، “من الواضح تمامًا أننا ندخل عالما متعدد الأقطاب”، مقتنعا بأن الدول الآسيوية الأخرى، التي تطمح أيضًا إلى إسماع أصواتها، لن تقبل أي محاولات من جانب الصين أو روسيا لبناء مناطق هيمنتها أو مصلحتها الخاصة، محذرا من أنه لا كوريا الجنوبية ولا اليابان ولا فيتنام ولا إندونيسيا ولا ماليزيا، ستقبل بذلك.
لكن الحقيقة الغريبة: بعد هذا الاجتماع الشهير بين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، اختفى من الرادار كبار القادة الشيوعيين السبعة. لم يظهر أي منهم على وسائل الإعلام الحكومية في الأسبوع الذي أعقب مغادرة الرئيس الروسي. لا علاقة للأولمبياد بالأمر: “ناقش الأعضاء السبعة في المكتب السياسي، منهم الرئيس شي، كيفية الرد على الأزمة الروسية الأوكرانية”، كما كتبت صحيفة وول ستريت جورنال، لأن موسكو تحرج بكين اليوم بإرغام الحليف الصيني على اتخاذ موقف من أوكرانيا.
في البيان الصيني الروسي المشترك، أعلن الرئيس الصيني أنه يعارض “استمرار توسع الناتو”... ومع ذلك، فإن السياسة الخارجية للصين كما حددها تشو إن لاي عام 1954 تستند حتى الآن إلى مبادئ “التعايش السلمي المكون من خمس نقاط”، منها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والعدوان.
ربما تعبّر الصين عن دعمها الواضح لروسيا اليوم، وهو ما حرصت على عدم القيام به أثناء ضم شبه جزيرة القرم من قبل موسكو عام 2014. لأن الأزمة الأوكرانية بالنسبة لبكين هي وسيلة لإضعاف “المحور الآسيوي” الأمريكي. الا ان الأمر متروك أيضًا للصينيين ليخاطروا بمواجهة عقوبات تجارية إضافية، إذا طلبت روسيا مساعدة الصين للهروب من الانتقام الاقتصادي الذي وعدت به واشنطن في حال غزو أوكرانيا. خطر ربما ناقشه القادة الصينيون خلال “اختفائهم عن وسائل الإعلام».
في الوقت الحالي، تكرر بكين أن سفارتها في كييف تعمل بشكل طبيعي. وخلال مكالمته الهاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال شي جين بينغ: “يجب التوصل إلى حل سياسي وشامل من خلال المنتديات المتعددة الأطراف مثل صيغة نورماندي (ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا)».
إذن، يبقى رد الفعل الصيني على الأمر الواقع الروسي حذرًا. وهكذا، في الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن، مساء الاثنين 21 فبراير في نيويورك، تميزت الصين عن شركائها بعدم إدانتها صراحة لموسكو، لكنها أيضًا لم تعبّر عن أي دعم لموسكو. “نعتقد أنه يجب على جميع الدول حل النزاعات الدولية بالوسائل السلمية وفقًا لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”، قال السفير تشانغ جون.
في مؤتمر ميونيخ، سبق ان قالت بكين بوضوح إنه يجب الحفاظ على سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل بلد. “أوكرانيا ليست استثناء”، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مداخلة عن بعد. ومحذرا من توسع الناتو نحو الشرق، ومتبنيا الموقف الذي دافع عنه بشكل مشترك شي جين بينغ وفلاديمير بوتين في 4 فبراير، ذكّر رئيس الدبلوماسية الصينية أن “الحرب الباردة انتهت منذ فترة طويلة وأن الناتو نتاجها، وعليه أن يتكيّف مع عصره. وإذا استمر الناتو في التوسع شرقًا، فهل سيساعد ذلك في الحفاظ على السلام والاستقرار في أوروبا؟”، مضيفا أنه “يجب على جميع الأطراف تحمّل مسؤولياتها والعمل من أجل السلام، بدلاً من المبالغة في المشاكل وإثارة الذعر والصراخ بخطر الحرب».
الثلاثاء، 22 فبراير، تحدث وانغ يي نفسه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين حول الوضع في أوكرانيا. ومرة أخرى، كان الحذر سيد الموقف. قال الوزير الصيني إنه “قلق” دون الانحياز لروسيا أو الولايات المتحدة. ونقلت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” قوله، “إن الصين قلقة بشأن الوضع في أوكرانيا”. لم يتغير الموقف الصيني: “يجب احترام أمن كل دولة، وأن وصول الأزمة الأوكرانية إلى هذه المرحلة مرتبط بالتأخير في تنفيذ اتفاقية مينسك “، في إشارة إلى البروتوكول الموقع 2014 و2015 والذي تتعهد بموجبه الدول الموقعة بعدم استخدام القوة، بما في ذلك قوات الناتو. وأضاف، “ستواصل الصين التمسك بالوقائع والبقاء على اتصال مع جميع الأطراف، الوضع في أوكرانيا يزداد سوءً، وتدعو الصين جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس والاعتراف بالأهمية العالمية للأمن للجميع ووقف التصعيد من خلال الحوار».
تجسّد هذه التصريحات حذر بكين الشديد بشأن القضية الأوكرانية بسبب صلاتها بكييف، وخاصة علاقتها بفكرة السيادة المرتبطة بقضية تايوان، فورموزا السابقة، التي تعتبرها بكين جزءً لا يتجزأ من الصين.
لكن الصين رفعت صوتها الأربعاء متهمة الولايات المتحدة “بسكب الزيت على النار”: إن “الولايات المتحدة تبيع أسلحة لأوكرانيا، مما يزيد التوترات، ويثير الذعر وحتى المبالغة في روزنامة الحرب”، صرّح للصحافة متحدث باسم الدبلوماسية الصينية هوا تشون ينغ، والسؤال الرئيسي هو ما الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في التوترات الحالية في أوكرانيا، إن من يصبّ الزيت على النار ويتهم الآخرين، هو شخص غير أخلاقي وغير مسؤول».
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.