رئيس الدولة والرئيس التركي يؤكدان ضرورة تكثيف الجهود لخفض التصعيد والعودة إلى الحوار
20 عامًا من الحرب ووجود مكلف تم محوها في أسابيع
الفشل الأفغاني يطرح تساؤلات حول جدوى التدخلات الغربية
عشرون عامًا من الحرب ووجود مكلف كلها جهود تم محوها في غضون أسابيع قليلة، ويطرح الفشل الأميركي في أفغانستان تساؤلات حول جدوى التدخلات الغربية في الخارج والصعوبات التي تواجهها لفرض نموذج للحكم.
يبدو أن استيلاء طالبان على كابول دون قتال، وكأنه عقوبة مدوية لمشروع شمولي سيء التخطيط والتنفيذ، وفقًا لخبراء استشارتهم وكالة فرانس برس.
فإلى جانب هزيمة الجيش الأفغاني الذي أنشأته واشنطن، تبين فشل سياسات أربعة رؤساء - جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن.
فقد واجهوا جميعهم النتيجة غير القابلة للحل لما بدأ كرد على هجمات 11 أيلول-سبتمبر 2001 ثم تحول إلى حرب استنزاف لتفادي عودة البلاد مجددا لأن تكون ملاذًا إرهابياً في حين تعين عليهم إدارة أولويات استراتيجية أخرى مثل الحرب في العراق منذ عام 2003.
حاولوا قبل كل شيء إنشاء جيش أفغاني وتأسيس دولة قابلة للاستمرارية. وقال باراك أوباما في عام 2016 “كرئيس ركزت استراتيجيتنا على تدريب القوات الأفغانية وتعزيزها. وأضاف “لقد طردنا تنظيم القاعدة من معسكراته وساعدنا الأفغان للإطاحة بطالبان وإقامة حكومة ديموقراطية».
لكن رغم مساعدات حكومية بالمليارات ومشاريع الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية، فإن “جهود المجتمع الدولي لبناء الدولة الأفغانية من الصفر وتعزيزها لم تتوج بالنجاح” على حد قول سيرج ميخائيلوف من مؤسسة الدراسات والأبحاث التنموية الدولية.
ويؤكد أن بعض النجاحات قد حققت مستشهداً ب”إنشاء أربع مؤسسات تعمل بشكل صحيح بين عامي 2002 و2005 هي وزارة المال والبنك المركزي ووزارة إعادة الإعمار والتنمية الريفية والاستخبارات العسكرية».
كما سمحت السنوات العشرون من الحضور عمليا لجيل من الأفغان بالعيش أحرارًا من حكم طالبان.
لكن هذه النجاحات صمدت وسط المحسوبية والفساد.
وقال عبد الباسط الباحث في مدرسة س. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة “لم يكن هناك تماسك أيديولوجي داخل الجيش ولا حس بواجب الانتماء الوطني”. ويصف فسادا متأصلا في صفوف الجيش كما في المجتمع المدني. ويشير إلى غياب مفهوم الدولة القومية في بلد تهيمن فيه العشائر والقبائل على الحياة الاجتماعية.
ولكن، يقول ضابط عسكري أوروبي متخصص في التدريب لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته، “يمكن تحسين أداة عسكرية ولكن الأمر صعب جدا إذا لم تكن مدعومة بحوكمة موثوق بها، وفي حال لم تنجح في تجاوز التوترات العشائرية والقبلية وفي إنشاء بنى تحتية للتنمية الاقتصادية تسمح للدولة بدفع مرتبات جيشها».
كما يتطرق إلى الحاجة لوضع أسس “اجتماعية وحكومية صلبة”. لكن “هذه لم تكن الحال في أفغانستان».
ويقف راء هذا الفشل أيضا شعور بالتفوق من قبل أول قوة عظمى في العالم واثقة من قيمها وضرورة تصديرها.
ودان ديفيد لايك أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان دييغو (كاليفورنيا) في هذا الصدد “الغطرسة” التي تدفع للاعتقاد بأن “كيانًا أجنبيًا يمكنه الانتقال إلى بلد ما وبناء دولة شرعية ووفية في آن».من جهته انتقد براهما شيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات، وهو مركز أبحاث خاص مقره نيودلهي، الكذبة الأميركية.
وقال إن “الولايات المتحدة لم تذهب إلى أفغانستان لبناء دولة بل للانتقام من هجمات 11 أيلول/سبتمبر”، مضيفًا أن “الدول الأخرى كانت مسؤولة عن بناء الدولة. استثمرت الهند أكثر من 3 مليارات دولار لشق الطرق السريعة وبناء المستشفيات والسدود والبرلمان».
على الرغم من العديد من الأمثلة اللافتة على الإخفاقات الأميركية في بناء قوات مسلحة محلية (فيتنام والعراق وأفغانستان) فإن التدخلات الغربية ليس مصيرها الفشل، كما يؤكد سيث جونز من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، مشددًا على نجاح الولايات المتحدة في كولومبيا، وأوروبا وفي البلقان.
لكنه قال إنه بعد النكسة الأفغانية “ستحجم الولايات المتحدة بشدة عن الانخراط في بناء دولة على نطاق واسع”. وأوضح “من الصعب جدًا القيام بذلك من الخارج ونادرًا ما تكلل المحاولة بالنجاح».
يبدو أن حلفاء الولايات المتحدة يستخلصون أيضًا النتائج “أنا لا أؤمن بالمساعدة في بناء دولة كما أعلن إيمانويل ماكرون لصحيفة لو “جورنال دو ديمانش” ردا على سؤال حول التدخل الفرنسي لمكافحة الإرهاب في مالي المستمر منذ عام 2012.هذا وجال مقاتلو طالبان، القادة الجدد لأفغانستان، منتصرين صباح الثلاثاء في مطار كابول بعد مغادرة آخر الجنود الأميركيين، يرافقهم عناصر يرتدون بزات قوات خاصة تابعة للحركة المتشددة ورافعين علمهم.تقدم المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد مجموعة من المسؤولين على المدرج. وفيما لا تظهر علي وجهه بشكل عام أية تعابير، إلا أن ابتسامة عريضة ارتسمت عليه.
وقف عناصر من القوات الخاصة التابعة لحركة طالبان وتُسمّى كتيبة “بدري 313” وهم يرتدون أحذية وسترات ذات اللون الكاكي فوق بزاتهم المموّهة، لالتقاط صور، حاملين أسلحة أميركية ورافعين علمهم الأبيض الذي كُتبت عليه باللون الأسود الشهادتان.
تعرّض مطار كابول المدني للتخريب بعد أن كان يُعد أحد المواقع الأكثر أماناً في البلاد.، وملأت رصاصات فارغة الأرض قرب كل المداخل.
خلال الأيام الـ15 التي تلت سيطرة طالبان على العاصمة في 15 آب/أغسطس، شهد محيط المطار تجمع حشود كبيرة في محاولة للصعود على متن رحلات الإجلاء التي نظّمتها الدول الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة.لكن بقي عدد كبير من الأفغان عالقين خارج هذه المنطقة بسبب سلسلة حواجز أقامتها الحركة. وأُزيلت الثلاثاء كافة نقاط التفتيش هذه على الطريق المؤدي إلى المطار، باستثناء واحدة.
وتغيّر أيضاً مزاج القادة الجدد لأفغانستان. إذ إن مقاتلي طالبان أبدوا فرحتهم عبر التسليم باليد على السائقين والركاب.
لا تزال مسألة تأمين مطار حامد كرزاي الدولي في كابول، أساسية. وقد كررت طالبان مرات عدة أنها لن تقبل مساعدة عسكرية دولية لهذا الغرض.
وداخل حرم المطار، بقيت عشرات الطائرات والمروحيات التي منحتها واشنطن للجيش الأفغاني، فارغة بعدما أعطبتها القوات الأميركية قبل انسحابها.
وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي خلال مؤتمر صحافي إنّ قواته “نزعت سلاح” حوالى 73 طائرة أي أعطبتها وجعلتها غير قابلة للتشغيل مرة أخرى. وأكد أن “هذه الطائرات لن تحلّق مرة أخرى” مضيفاً “لن يتمكّن أحد من استخدامها».
وحُطّمت نوافذ قمرات القيادة في الطائرات وثُقبت إطاراتها.
وعطّل الجيش الأميركي أيضاً 70 عربة مصفّحة مقاومة للألغام - تبلغ كلفة الواحدة منها مليون دولار - و27 مركبة هامفي مدرّعة خفيفة، في ختام جسر جوي أقيم على مدى أسبوعين وسمح بإجلاء حوالى 123 ألف شخص من البلاد، معظمهم أفغان.
ودمّرت الولايات المتحدة أيضاً منظومة دفاع صاروخية من طراز “سي-رام” نُصبت لحماية مطار كابول، وهي المنظومة التي اعترضت الاثنين خمس هجمات صاروخية شنّها تنظيم داعش على المطار.
وأوضح الجنرال ماكنزي أنّ “تفكيك هذه الأنظمة إجراء معقّد ويستغرق وقتاً طويلاً، لذلك قمنا بنزع سلاحها حتى لا يتمّ استخدامها مرة أخرى».