رئيس الدولة والرئيس التركي يؤكدان ضرورة تكثيف الجهود لخفض التصعيد والعودة إلى الحوار
القليل من التواضع... فوكوياما ينتقد معظم محللي الشأن الأفغاني
أعرب الكاتب السياسي البارز فرنسيس فوكوياما عن انزعاجه الكبير من تحليلات مراقبين كثر بشأن الأحداث الرهيبة في أفغانستان. ثمة الكثير من القضايا التي يمكن التذمر منها خصوصاً إخفاق إدارة بايدن في توقع ووضع خطة من أجل مواجهة انهيار سريع للحكومة الأفغانية، وجهود بايدن الخاصة لإلقاء اللوم على الجميع بمن فيهم الأفغان أنفسهم.
لكن فوكوياما يشير تحديداً إلى المعلقين الذين لم يمضوا أكثر من خمس دقائق في التفكير بشأن أفغانستان خلال العقدين الماضيين، والذين يعلنون أن كل الجهد الأمريكي لزرع الاستقرار في تلك البلاد كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية. والأمر نفسه ينطبق على المراقبين الذين قالوا إن الإدارات المتعاقبة علمت بأن المشروع كان يائساً وإنها ببساطة كذبت بشأن آفاقه على الشعب الأمريكي.
يرد فوكوياما في موقع “أمريكان پورپوز” على هذه المزاعم كاتباً أن الحقيقة، كما العادة، أكثر تعقيداً من هذه الادعاءات بكثير. فلو قررت واشنطن الانسحاب في وقت أبكر لرأى العالم المشاهد نفسها عن الارتكابات الطالبانية والذعر الأفغاني. يعتقد الكاتب أن المسؤولين الأمريكيين لم يوهموا أنفسهم بشأن نجاح الدولة الأفغانية. كانت المشكلة منذ البداية في أن البدائل عن إطالة أمد التدخل بدت دوماً أسوأ.
اقترح فوكوياما في الماضي أن الخطأ الأمريكي الأساسي بدأ في مؤتمر بون واللويا جيرغا الدستورية بعد هزيمة طالبان في 2001، حين تم الاتفاق على تأسيس دولة أفغانية مركزية. لقد كان هنالك دوماً بديل لهذا المقترح وهو تحويل السلطة إلى تحالف من أمراء الحرب والميليشيات القبلية والإثنية مثل تحالف الشمال الطاجيكي الذي كان جوهرياً في إطاحة طالبان.
حين استلم فوكوياما منصبه في جامعة ستانفورد سنة 2010، عقد القائد السابق لقوة المساعدة الأمنية الدولية ستيف كراسنر والسفير الأمريكي الأسبق في أفغانستان كارل إيكنبيري سلسلة ندوات غير رسمية حول بناء الدولة، وقد ناقش فيها المجتمعون هذه البدائل بشكل مطول. ونشر كراسنر وإيكنبيري تقريراً في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم وجّها فيه توصيات باتباع أهداف أكثر تواضعاً لمستقبل السياسة الخارجية الأمريكية ضمن صيغة “حوكمة جيدة بما فيه الكفاية”. تستند هذه الصيغة إلى التركيز على حماية المصالح القومية الجوهرية للولايات المتحدة وتجنب الأهداف الأكثر طموحاً مثل بناء الدولة وبناء الديموقراطية. يعني هذا الأمر في الحالة الأفغانية تقديم دعم لأي أمير حرب محلي يوافق على مواجهة القاعدة وتنظيمات إرهابية أخرى.
يرى فوكوياما أن تحالف أمراء الحرب أمكن أن يكون أكثر مرونة من دولة أفغانية مركزية. لقد انحل تحالف الشمال القديم بشكل كبير لصالح الجيش الأفغاني المدعوم أمريكياً، وهكذا حصل مع عدد من الميليشيات الإثنية في أماكن أخرى من الدولة. لكن من ناحية أخرى، يدعو فوكوياما القراء والمحللين إلى عدم خداع أنفسهم حول مدى جودة هذا البديل.
من غير المرجح أن يتمتع تحالف أمراء الحرب بالاستقرار لفترة طويلة من الزمن. لقد أمضت ميليشيات أفغانية عدة وقتها تقاتل بعضها البعض، وهي تحالفت غالباً مع طالبان لتأمين قوتها. وأمكن طالبان أن تعيد تجميع نفسها من ملاذها في باكستان كما أمكن أن تجد طريقاً أسهل لإعادة إدخال نفسها في البلاد تحت شكل من أشكال الحكم اللامركزي.
ولا تقل أهميةً عن هذه النقطة مسألة عدم قبول الكونغرس بصيغة “حوكمة جيدة بما يكفي” لأنها لا تشكل استراتيجية. ستتطلب الصيغة تقديم دعم مادي لمجموعات كانت منخرطة في انتهاكات حقوقية جسيمة، كما ستتطلب التنازل عن أهداف أخرى مثل تمكين المرأة، مكافحة تهريب المخدرات وإقامة مؤسسات حكم القانون لحماية حقوق الأقليات.
يقول منتقدو مشروع بناء الدولة، وعن حق، إن الفساد عامل أساسي في تآكل سلطتي غني وكرزاي. لكن الاعتماد على أمراء الحرب كان سيترتب عليه غض الطرف عن مستويات أعلى من الفساد. اليوم، يؤكد بعض النقاد بثقة أن مشروع بناء الدولة في أفغانستان كان سيمنى بالفشل وأن ذلك كان واضحاً منذ البداية. يرد فوكوياما بأن هذا الأمر لم يكن بديهياً على الإطلاق خلال السنوات الأولى التي تلت هجمات 11 سبتمبر.
لقد عانت مجموعات أفغانية عدة خلال فترة الحرب الأهلية وحكم طالبان فدعت إلى قيام دولة مركزية لتخطي الانقسامات الإثنية. حتى حكم آخر ملك أفغاني، ظاهر شاه، كانت الدولة الأفغانية موجودة لعقود عدة. وهي مارست الحد الأدنى من السيادة وقد رضيت عنها المجموعات الإثنية والمحلية. وقبل انقلاب محمد داود خان في 1973 تمتعت الحكومات بشرعية كافية لإبقاء البلاد موحدة.
يرجح فوكوياما أن تكون السنوات العشرين التي قضتها واشنطن في أفغانستان قد أنتجت آثاراً إيجابية أكبر بكثير مما هو ظاهر اليوم. بفعل الموارد المادية والبشرية التي تدفقت إلى البلاد، تحول المجتمع الأفغاني بطريقة جذرية. تضاعف عدد سكان كابول بشكل جذري من 500 ألف إلى أكثر من 3 ملايين بعد 2001. وارتفع عدد من حصّلوا التعليم الابتدائي من 1 إلى 9.2 مليون نسمة وقد شكلت النساء 37% من هذا العدد.
إن الدولة التي تسيطر طالبان عليها اليوم مختلفة جداً عن تلك التي حكمتها في التسعينات، مع اقتصاد أكبر وأكثر تعقيداً ومع احتياجات إدارية يصعب تلبيتها. ليس واضحاً ما إذا كانت طالبان قادرة على حكم هذه البلاد خصوصاً أنها ستكون معزولة عن مصادر المساعدة الخارجية.
ليس فوكوياما متأكداً مما إذا كان الانسحاب قراراً صحيحاً. إن من يدافعون عن قرار البقاء يناصرون الإبقاء على الحد الأدنى من الحضور العسكري الذي احتفظت به واشنطن خلال السنوات الأخيرة. لم يكن الأمر ليبدو جميلاً، لكن أمكنه أن يتفادى حمام الدم الذي قد يأتي. من ناحية أخرى، إن حضور الحد الأدنى يمكن ألا يكون مستداماً الأمر الذي كان سيجبر الأمريكيين على زيادة العدد في مرحلة مستقبلية، كما فعل أوباما سنة 2010. ويختم الكاتب مقاله كاتباً: “لا أعتقد أنني أملك ما يكفي من المعلومات لإصدار حكم صارم في هذه المرحلة، وكذلك معظم النقاد الفوريين الذين أبدوا آراءهم بشأن هذا الموضوع خلال الأيام القليلة الماضية».