رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
تسعى إلى وضع ختمها على المنطقة
المحيط الهادي: رغم الشكوك، الصين عازمة على الفوز
-- كيف وصلت القوى الغربية، الراسخة في المنطقة منذ القرن السادس عشر، ان ترى وجودها موضع نزاع في اقل من عقدين؟
-- ينوي الغرب الحفاظ على تفوقه التاريخي على مساحة شــاسـعة، دون أن تكون وســائل هذا الطموح واضحـة
-- إن المناورات التي تندد بالصين باعتبارها «أكبر تهديد للنظام العالمي» لن تكون كافية للفوز باللعبة
-- تايوان حلقة وصل بين مسارح الصراع الأوروبية والآسيوية وخطر التصعيد النووي
أنهى وزير الخارجية الصيني زيارة استغرقت 10 أيام لثماني دول في المحيط الهادي في 4 يونيو. وتهدف الجولة إلى وضع ختم الصين على المنطقة بينما الشرخ بين الدول الليبرالية ومحور بكين -موسكو أصبح أكثر وضوحًا في أوروبا وآسيا. ولئن تظلّ المنطقة متشككة بشأن العرض الصيني، فان بكين تبقى المعلّمة في لعبة الصبر.
تحالف اوكوس، بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على السكة منذ سبتمبر 2021، وتنتشر التكهنات حول ما سيغيّره انتخاب العمّالي أنطوني ألبانيز في 21 مايو في السياسة الأسترالية في المنطقة. وبينما لا يجد الغزو الروسي لأوكرانيا مخرجًا، ويلعب الرئيس الأمريكي بالكلمات من خلال التلميح للدفاع عن تايوان ضد غزو مماثل، فإن الصين لم تنتظر ان تضع الإدارة الجديدة في كانبيرا أسس عملها في المحيط الهادي لإرسال وزير الخارجية وانغ يي في مهمة إلى ثماني دول جزرية.
من الناحية الاستراتيجية، تشكل الجزر التي تمت زيارتها سلسلة من الحواجز المكمّلة لتلك التي تحيط بالفضاء الصيني في بحر الصين وما وراء اليابان، وكلها تهدف إلى منع الصين من الوصول إلى بركة نوستروم الأمريكية.
وتشكل بابوا غينيا الجديدة الطرف الشمالي لكل من الحاجز الأول، الذي يشمل كاليدونيا الجديدة، والثاني، الذي يشمل جزر سليمان وفانواتو وكل نيوزيلندا. وتعتبر هذه الحواجز ملاذًا للقارة الأسترالية، المرتبطة جيدًا بالولايات المتحدة بواسطة اوكوس. إن مسألة الاعتراف بتايوان من عدمه هي أيضًا صدع جديد صدّرته الصين إلى المنطقة. أما بالنسبة للتعاون جنوب-جنوب، فهو ينطوي على ان ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتنكر في صورة دولة نامية، وهذا لا يقنع أحداً ولكنه يلعب على حساسيات سكان جزر المحيط الهادي تجاه التاريخ الاستعماري.
الخارج القريب
على الجانب الآخر من بابوا الغربية، الإندونيسية، أصبحت بابوا غينيا الجديدة مستقلة عن أستراليا منذ عام 1975، بعد أن كانت، علاوة على ذلك، ألمانية وبريطانية. ومع ذلك، فإن الروابط، وخاصة الأمنية، لا تزال هشة مع هذه الأرض التي ربما انحدر منها السكان الأصليون قبل 50 ألف عام. يعطي البنك الدولي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من 2800 دولار أمريكي عام 2020. وهي غنية بالمعادن، من ذلك الذهب، والهيدروكربونات، وبابوا غينيا الجديدة هي قبل كل شيء مُصدِّر للمواد الخام؛ أستراليا والصين واليابان هم أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لها. وتصل المساعدات الثنائية الأسترالية إلى أقل من 500 مليون دولار أسترالي لعام 2022-23. والموقع الاستراتيجي، والمواد الخام، وإثبات وجودها ضد الرباعية “أستراليا، الهند، اليابان، الولايات المتحدة” كلها دوافع صينية.
المحطة قبل الأخيرة لوانغ يي، بابوا غينيا الجديدة في خضم انتخابات وطنية سيخرج منها رئيس الوزراء المقبل. لذلك رأى المراقبون المحليون أنه تم اختيار اللحظة بشكل سيئ لإشراك البلاد في علاقة رئيسية جديدة مع الصين. عام 2019، صوتت جزيرة بوغانفيل، القريبة جغرافيًا من جزر سليمان، بنسبة 98 بالمائة لصالح الاستقلال. وقدمت الولايات المتحدة مبلغ 2 مليون دولار الناقصة لتمويل الاستفتاء، وتركت الصين خارج اللعبة. وأدى الصراع الذي دام عشرين عامًا بين بابوا غينيا الجديدة وبوغانفيل، والذي تركز على إدارة الموارد المعدنية، إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص.
مستقلة عن البرتغال منذ عام 1975، تحررت تيمور الشرقية عام 2002 من ثلاثة عقود من العنف الإندونيسي بفضل عملية الأمم المتحدة لتقرير المصير. واستهلكت جزيرة خشب الصندل السابقة هذه، وقتًا طويلاً للتوصل إلى اتفاق مع أستراليا لاستغلال نفطها في بحر تيمور، وهو مصدر رئيسي لإجمالي ناتجها المحلي. بلغ نصيب الفرد من الدخل 1450 دولارًا عام 2020. وتشمل الاتفاقات مع الصين الزراعة ومساعدات لطبية وبناء مستشفى.
قتال من أجل بكين؟
تمد جزر سليمان الحاجز الثاني الذي يمنع الوصول إلى جنوب نيوزيلندا عبر جزر بانكس وفانواتو. وتُعدّ جزر سليمان واحدة من أقل البلدان نمواً في المنطقة، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2250 دولارًا أمريكيًا عام 2020، وتلقت 174 مليون دولار أسترالي من المساعدات الثنائية لنفس الفترة. وتعتبر أستراليا، التي يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها 52 ألف دولار، المصدر الرئيسي لواردات الأرخبيل إلى حد بعيد. في المقابل، تستقبل الصين 65 بالمائة من صادراتها من الأخشاب والمأكولات البحرية وزيت النخيل وغيرها من المواد الخام. ساحة معركة جوادالكانال الأسطورية، استقلت جزر سليمان عن بريطانيا العظمى منذ عام 1978، لكنها ظلت ملكية دستورية تجلس الملكة إليزابيث الثانية على عرشها.
وسمحت معاهدة مساعدة عسكرية بنشر قوات أسترالية في العاصمة هونيارا في نوفمبر الماضي، حيث اندلعت أعمال شغب حارقة للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء، وسط اتهامات له بالفساد، لقيامه بقطع 36 عامًا من العلاقات مع تايوان لصالح بكين. علاوة على ذلك، اتخذ العنف منعطفًا وحدويًا حيث كانت مقاطعة مالايتا، على وجه الخصوص، هي التي ثارت ضد نزعة الحكومة المركزية المؤيدة للصين، مما جعل جزر سليمان أول أرخبيل في المحيط الهادئ يتقاتل بشأن مسألة مكانة الصين المستقبلية في المنطقة. ولئن انقسمت وجهات النظر، فذلك يرجع جزئيًا إلى ثقل التاريخ. فأنصار سيادة جزر سليمان يتذكرون الخسائر البشرية الفادحة التي دفعت، في القرن التاسع عشر، للمزارعين الأستراليين الذين يمارسون التجنيد العنيف في الاشغال الشاقة، الطيور السوداء. وهكذا، في 29 أبريل، أكد رئيس الوزراء توقيع “اتفاق أمني” مع الصين، وردت الولايات المتحدة على الفور بزيارة رئيس شؤون المحيطين الهندي والهادئ الأمريكي، كورت كامبل، إلى هونيارا. وحتى نيوزيلندا التصالحية ذكّرت شريكها في جزر سليمان بوجوب مناقشة الأمن الإقليمي قبل اتخاذ أي إجراء انفرادي.
الصديقة فانواتو
السيادة المشتركة الفرنسية البريطانية في نيو هبريدس، أصبحت فانواتو عام 1980. والتنافس الصيني الأسترالي سبق ان ترسّخ في السياسة المحلية، وقد أظهرت الصين سخاءها من خلال العديد من الإنشاءات، والتي يبدو أن لبعضها استخدامات عسكرية محتملة. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ 2870 دولارًا عام 2020، مستفيدا من صادرات منتجات المأكولات البحرية وغيرها من المواد الخام الطبيعية إلى تايلاند واليابان، بينما تعدّ الصين المصدر الرئيسي للواردات قبل أستراليا. ومن المتوقع أن تبلغ المساعدة الأسترالية للسنة المالية 2022-23 عند 46 مليون دولار أسترالي، وهو رقم يسهّل المزايدة الصينية، كما يتضح من اتفاقية جديدة بين فانواتو والصين لتمديد مهبط للطائرات في جزيرة سانتو يسمح بهبوط طائرات المساعدات الإنسانية.
في نهاية مايو، بعد إعلان حالة الطوارئ المناخية، قدرت فانواتو تكلفة التعامل معها بنحو 1.2 مليار دولار. ومع ذلك، لا يظهر المناخ على وجه التحديد في النقاط الخمس التي تم الاستشهاد بها باعتبارها مرساة للتعاون “الموثوق” المعزز بين البلدين، والذي يشمل التبادل اللغوي، وترسيخ فانواتو على “طرق الحرير الجديدة».
نداء البحر
في فيجي، تجد الصين نفسها في إقليم أنجلو-ساكسوني. وتقوم شاهدا على ذلك الآثار التي خلّفها الماضي، والتجارة والمساعدات الثنائية في هذه المستعمرة البريطانية السابقة، المستقلة منذ عام 1970 ومقر منتدى جزر المحيط الهادئ. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي يزيد عن 5000 دولار عام 2020، يضع الأرخبيل في أسفل البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى في البنك الدولي. الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري، تليها أستراليا. وتصدّر فيجي المياه المعبأة والمأكولات البحرية والسكر والذهب. وتمثل الصين أقل من 4 بالمائة من هذه الصادرات. في 2022-23، ستصل المعونة الأسترالية إلى 40 مليون دولار أسترالي. كما أرسلت سيدني وزير خارجيتها الى عين المكان قبل أيام قليلة من وصول وانغ يي، مع انتقاد الإدارة السابقة لأنها “تخلت” عن جزر المحيط الهادئ. في غضون ذلك، ينقسم السكان المحليون حول فوائد الاستثمار الصيني، في بلد يعمل فيه المغتربون الصينيون، على الرغم من أنهم أقل تأثيرًا من الشتات الهندي.
ولكن في 30 مايو، فشل وانغ يي في إقناع عشرة من نظرائه في المحيط الهادئ، اجتمعوا في قمة افتراضية، بالاتحاد في “رؤية مشتركة” لتنمية المنطقة. دائمًا بريطانية للغاية، كانت فيجي قد وقّعت للتو على المشروع الذي أطلق في 23 مايو في طوكيو من قبل الولايات المتحدة ومجموعة الرباعية: كتلة اقتصادية تسمى الإطار الاقتصادي بين المحيطين الهندي-والهادئ. ويمتد الاقتراح الصيني من التجارة والأمن السيبراني إلى الجمارك والتكنولوجيا، ناهيك عن الصحة والمناخ. وللمماطلة، أعلنت دول المنطقة أن أي اتفاق بينها يجب أن يمر عبر المنتدى.
إلى الشمال الشرقي من فيجي، عند خط عرض واليس وفوتونا، تمت إدارة جزر ساموا الغربية، المستقلة منذ عام 1962، باتفاق ثلاثي بين ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة حتى عام 1919، عندما أصبحت نيوزيلندا قوة مفوّضة. ولا تزال ساموا الشرقية أمريكية، على الرغم من أن مواطنيها لا يشاركون في انتخابات البر الرئيسي. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ساموا الغربية أكثر من 4000 دولار عام 2020. وستصل المساعدات الأسترالية إلى 27 مليون دولار أسترالي في 2022-23. وتتجه الصادرات أولاً إلى ساموا الأمريكية المجاورة، تليها نيوزيلندا والولايات المتحدة وأستراليا. الواردات تأتي من نيوزيلندا وسنغافورة والصين. ويتكون ثلث الصادرات من عربات مدرعة مجمعة في الموقع، ويأتي ترتيب المنتجات الزراعية في الخلف. ومن خلال التوقيع على اتفاقية مع جزر ساموا حول التعاون الاقتصادي والتقني، ومركز ثقافي و”حديقة صداقة”، تقترب الصين من الوجود الأمريكي.
في الجنوب، الملكية الدستورية لتونغا مستقلة منذ عام 1970 وعضو في الكومنولث. ويقترب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 5000 دولار، وستكون المساعدة الأسترالية 20 مليون دولار أسترالي لعام 2022-23. تصدّر تونغا بشكل أساسي المنتجات الزراعية والصيد إلى الولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا وكوريا الجنوبية، مع غياب الصين تقريبًا عن تجارتها في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن تونغا مدينة بثلثي ديونها لبكين، ولا سيما بسبب إعادة بناء شبكة طرقها. تم التوقيع على اتفاقيات تعاون جديدة حول الثروة السمكية والاقتصاد الأزرق والشرطة خلال الزيارة الصينية.
3 الاف كيلومتر
من المراسي المحتملة
أرخبيل كيريباتي، المنتشر أفقيًا على نطاق واسع ويتكون بشكل خاص من جزر جيلبرت السابقة، هو الأفقر في المنطقة حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 1،650 دولارًا عام 2020. وستخصص أستراليا له ما يزيد قليلاً عن 24 مليون دولار أسترالي للفترة 2022-23. استقلت كيريباتي (تُنطق “كيريباس”) عن المملكة المتحدة منذ عام 1979، بعد أن انفصلت جزر إليس السابقة لتشكل توفالو الحالية.
يتكون الأرخبيل الواقع غرب جزر ماركيساس وجنوب هاواي، من 33 جزيرة مرجانية مع مساحة صغيرة جدًا من اليابسة. تحمل المياه الغنية بالأسماك وعودًا بصيد معجزة لبكين، حيث إن 11 بالمائة فقط من هذه المساحة، البالغة ثلاثة ملايين ونصف المليون كيلومتر مربع، محمية. أما الحكومة فهي تفاوض لشراء أراض في المنطقة المحيطة لنقل سكانها من المياه. وإذا كانت الصين ترى كيريباتي كموقع مثالي لتطوير مهابط الطائرات في الجزر الصغيرة، كما فعلت في بحر الصين الجنوبي، فإن كيريباتي، التي أعادت العلاقات مع الصين عام 2019، تفكر ...
مواجهة
لا يمكن أن تكون كاليدونيا الجديدة، التي أعادت انتخاب إيمانويل ماكرون بنسبة تزيد عن 61 بالمائة، جزءً من هذه الجولة الأوقيانوسية حيث تستعد الأحزاب المحلية لمناقشة الوضع المستقبلي بعد الاستفتاء الثالث لتقرير المصير في 12 ديسمبر. هذه المناقشات الشائكة، التي ستتبلور بعد الانتخابات التشريعية، سيقودها الوزير الجديد لأقاليم ما وراء البحار، يائيل براون بيفيه، حيث ترك سلفه ذكريات قوية. في الوقت الحالي، تتجه أحزاب الاستقلال إلى لجنة إنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة في محاولة إيجاد الدعم للتشكيك في نتائج الاستشارة الثالثة، بعد رفض مجلس الدولة قبول الاعتراض. وبقدر ما يكون البعبع الصيني مضطربًا في بعض الأحيان، فإن الصين يجب أن تحصر دورها في مشتري النيكل فقط. كما لم يمر وانغ يي عبر بولينيزيا، حيث تعثرت المشاريع الطموحة في مستنقعات التأثيرات البيئية.
كيف وصلت القوى الغربية، الراسخة في المنطقة منذ القرن السادس عشر، أن ترى وجودها موضع نزاع في أقل من عقدين؟ من بين عوامل التفسير المحتملة، تجدر الإشارة إلى أن تلك القوى لم تتصرّف دائمًا بشكل منسق، وأن تطورات عام 2021 كانت، في هذا الصدد، مصيرية وحاسمة. لقد فشلوا أيضًا في التعامل مع تهديد المناخ بجدية كافية، وفشلوا في تقديم مشروع متعدد الأطراف طويل المدى للمنطقة بأكملها لاختراع أوقيانوسيا الخضراء. اتفاق باريس، الذي وصل في وقت متأخر جدًا عام 2015، رفضته الولايات المتحدة العام التالي، والمؤسسات الإقليمية هي منتديات للنقاش أكثر منها للعمل المشترك، والعمل الغربي يقع بسهولة ضحية للتقلبات الانتخابية، وأشهرها سياسة الهجرة بسبب المناخ في أستراليا. ويتعارض التسلح النووي الذي خطط له أوكوس مع معاهدة راروتونجا لعام 1985.
في مقال حديث، أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه لا ينبغي الخلط بين المصالح الأمريكية في المحيط الهادئ والنفوذ التأثير الحقيقي، وقدمت أمثلة متعددة على ترسّخ الصين في المنطقة. ولا يمكن إلا ان نندهش امام عدم استمرارية السياسة الأمريكية في محيط سخّرت القرن التاسع عشر بأكمله لغزوه، وذلك بتطهيره من الوجود الإسباني على وجه الخصوص. وكما يشير تشارلز إديل، لفورين أفيرز، “عانت هذه المنطقة الاستراتيجية الشاسعة من إهمال كبير في العقود الأخيرة” حيث كانت الولايات المتحدة مشغولة في أماكن أخرى. وبين العراق والمناخ انتصر الأول، مؤكدا أن الأمريكيين يتدخلون إقليميا في زمن الحرب فقط. وفي هذا الصدد، فإن المماطلة في تجديد “الاتفاقيات” الأمنية مع ميكرونيزيا وبالاو غريبة عندما تأتي من قوة تبلغ ميزانيتها العسكرية حوالي 800 مليار دولار. لقد كانت شعوب أوقيانوسيا، الحاضرة في مؤتمر الأمم المتحدة حول تمويل التنمية في مونتيري بالمكسيك في مارس 2002، تتوقع شيئًا آخر.
متنافسون في المحيط الهادئ، الصين والليبراليات الغربية متنافسون بالمعنى الاشتقاقي للمصطلح: إنهم يشتركون في نفس المياه. وتحت غطاء لعب لعبة متعددة الأقطاب، تأمل الأولى بلا شك “طرد الولايات المتحدة من المحيط الهادئ”، في حين ينوي الأخيرون الحفاظ على تفوقهم التاريخي على مساحة شاسعة، دون أن تكون وسائل هذا الطموح واضحة. إن المناورات التي تندد بالصين باعتبارها “أكبر تهديد للنظام العالمي” لن تكون كافية للفوز باللعبة. لا يزال هناك مسار أسوأ: غزو صيني لتايوان مع شي جين بينغ في السلطة، مما سيؤدي إلى دعم عسكري غربي لـ “الجزيرة المتمردة”، بتدخل أمريكي أو بدونه، وهي حلقة وصل بين مسارح الصراع الأوروبية والآسيوية وخطر التصعيد النووي. وحول هذه المسألة، من الأفضل أن يكون الفاعلون واضحين.
*تخرجت من كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، في مسيرتها 25 عامًا من العمل في الشؤون المالية والدبلوماسية المتعددة الأطراف والاستشارات وتعليم العلاقات الدولية. من بين كتبها، “الأمم المتحدة والأعمال: شراكة تعافت”. وعملت مستشارة لوكالات الأمم المتحدة وشركات بشأن توسعها المستدام في البلدان الصاعدة والنامية.
-- ينوي الغرب الحفاظ على تفوقه التاريخي على مساحة شــاسـعة، دون أن تكون وســائل هذا الطموح واضحـة
-- إن المناورات التي تندد بالصين باعتبارها «أكبر تهديد للنظام العالمي» لن تكون كافية للفوز باللعبة
-- تايوان حلقة وصل بين مسارح الصراع الأوروبية والآسيوية وخطر التصعيد النووي
أنهى وزير الخارجية الصيني زيارة استغرقت 10 أيام لثماني دول في المحيط الهادي في 4 يونيو. وتهدف الجولة إلى وضع ختم الصين على المنطقة بينما الشرخ بين الدول الليبرالية ومحور بكين -موسكو أصبح أكثر وضوحًا في أوروبا وآسيا. ولئن تظلّ المنطقة متشككة بشأن العرض الصيني، فان بكين تبقى المعلّمة في لعبة الصبر.
تحالف اوكوس، بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على السكة منذ سبتمبر 2021، وتنتشر التكهنات حول ما سيغيّره انتخاب العمّالي أنطوني ألبانيز في 21 مايو في السياسة الأسترالية في المنطقة. وبينما لا يجد الغزو الروسي لأوكرانيا مخرجًا، ويلعب الرئيس الأمريكي بالكلمات من خلال التلميح للدفاع عن تايوان ضد غزو مماثل، فإن الصين لم تنتظر ان تضع الإدارة الجديدة في كانبيرا أسس عملها في المحيط الهادي لإرسال وزير الخارجية وانغ يي في مهمة إلى ثماني دول جزرية.
من الناحية الاستراتيجية، تشكل الجزر التي تمت زيارتها سلسلة من الحواجز المكمّلة لتلك التي تحيط بالفضاء الصيني في بحر الصين وما وراء اليابان، وكلها تهدف إلى منع الصين من الوصول إلى بركة نوستروم الأمريكية.
وتشكل بابوا غينيا الجديدة الطرف الشمالي لكل من الحاجز الأول، الذي يشمل كاليدونيا الجديدة، والثاني، الذي يشمل جزر سليمان وفانواتو وكل نيوزيلندا. وتعتبر هذه الحواجز ملاذًا للقارة الأسترالية، المرتبطة جيدًا بالولايات المتحدة بواسطة اوكوس. إن مسألة الاعتراف بتايوان من عدمه هي أيضًا صدع جديد صدّرته الصين إلى المنطقة. أما بالنسبة للتعاون جنوب-جنوب، فهو ينطوي على ان ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتنكر في صورة دولة نامية، وهذا لا يقنع أحداً ولكنه يلعب على حساسيات سكان جزر المحيط الهادي تجاه التاريخ الاستعماري.
الخارج القريب
على الجانب الآخر من بابوا الغربية، الإندونيسية، أصبحت بابوا غينيا الجديدة مستقلة عن أستراليا منذ عام 1975، بعد أن كانت، علاوة على ذلك، ألمانية وبريطانية. ومع ذلك، فإن الروابط، وخاصة الأمنية، لا تزال هشة مع هذه الأرض التي ربما انحدر منها السكان الأصليون قبل 50 ألف عام. يعطي البنك الدولي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من 2800 دولار أمريكي عام 2020. وهي غنية بالمعادن، من ذلك الذهب، والهيدروكربونات، وبابوا غينيا الجديدة هي قبل كل شيء مُصدِّر للمواد الخام؛ أستراليا والصين واليابان هم أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لها. وتصل المساعدات الثنائية الأسترالية إلى أقل من 500 مليون دولار أسترالي لعام 2022-23. والموقع الاستراتيجي، والمواد الخام، وإثبات وجودها ضد الرباعية “أستراليا، الهند، اليابان، الولايات المتحدة” كلها دوافع صينية.
المحطة قبل الأخيرة لوانغ يي، بابوا غينيا الجديدة في خضم انتخابات وطنية سيخرج منها رئيس الوزراء المقبل. لذلك رأى المراقبون المحليون أنه تم اختيار اللحظة بشكل سيئ لإشراك البلاد في علاقة رئيسية جديدة مع الصين. عام 2019، صوتت جزيرة بوغانفيل، القريبة جغرافيًا من جزر سليمان، بنسبة 98 بالمائة لصالح الاستقلال. وقدمت الولايات المتحدة مبلغ 2 مليون دولار الناقصة لتمويل الاستفتاء، وتركت الصين خارج اللعبة. وأدى الصراع الذي دام عشرين عامًا بين بابوا غينيا الجديدة وبوغانفيل، والذي تركز على إدارة الموارد المعدنية، إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص.
مستقلة عن البرتغال منذ عام 1975، تحررت تيمور الشرقية عام 2002 من ثلاثة عقود من العنف الإندونيسي بفضل عملية الأمم المتحدة لتقرير المصير. واستهلكت جزيرة خشب الصندل السابقة هذه، وقتًا طويلاً للتوصل إلى اتفاق مع أستراليا لاستغلال نفطها في بحر تيمور، وهو مصدر رئيسي لإجمالي ناتجها المحلي. بلغ نصيب الفرد من الدخل 1450 دولارًا عام 2020. وتشمل الاتفاقات مع الصين الزراعة ومساعدات لطبية وبناء مستشفى.
قتال من أجل بكين؟
تمد جزر سليمان الحاجز الثاني الذي يمنع الوصول إلى جنوب نيوزيلندا عبر جزر بانكس وفانواتو. وتُعدّ جزر سليمان واحدة من أقل البلدان نمواً في المنطقة، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2250 دولارًا أمريكيًا عام 2020، وتلقت 174 مليون دولار أسترالي من المساعدات الثنائية لنفس الفترة. وتعتبر أستراليا، التي يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها 52 ألف دولار، المصدر الرئيسي لواردات الأرخبيل إلى حد بعيد. في المقابل، تستقبل الصين 65 بالمائة من صادراتها من الأخشاب والمأكولات البحرية وزيت النخيل وغيرها من المواد الخام. ساحة معركة جوادالكانال الأسطورية، استقلت جزر سليمان عن بريطانيا العظمى منذ عام 1978، لكنها ظلت ملكية دستورية تجلس الملكة إليزابيث الثانية على عرشها.
وسمحت معاهدة مساعدة عسكرية بنشر قوات أسترالية في العاصمة هونيارا في نوفمبر الماضي، حيث اندلعت أعمال شغب حارقة للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء، وسط اتهامات له بالفساد، لقيامه بقطع 36 عامًا من العلاقات مع تايوان لصالح بكين. علاوة على ذلك، اتخذ العنف منعطفًا وحدويًا حيث كانت مقاطعة مالايتا، على وجه الخصوص، هي التي ثارت ضد نزعة الحكومة المركزية المؤيدة للصين، مما جعل جزر سليمان أول أرخبيل في المحيط الهادئ يتقاتل بشأن مسألة مكانة الصين المستقبلية في المنطقة. ولئن انقسمت وجهات النظر، فذلك يرجع جزئيًا إلى ثقل التاريخ. فأنصار سيادة جزر سليمان يتذكرون الخسائر البشرية الفادحة التي دفعت، في القرن التاسع عشر، للمزارعين الأستراليين الذين يمارسون التجنيد العنيف في الاشغال الشاقة، الطيور السوداء. وهكذا، في 29 أبريل، أكد رئيس الوزراء توقيع “اتفاق أمني” مع الصين، وردت الولايات المتحدة على الفور بزيارة رئيس شؤون المحيطين الهندي والهادئ الأمريكي، كورت كامبل، إلى هونيارا. وحتى نيوزيلندا التصالحية ذكّرت شريكها في جزر سليمان بوجوب مناقشة الأمن الإقليمي قبل اتخاذ أي إجراء انفرادي.
الصديقة فانواتو
السيادة المشتركة الفرنسية البريطانية في نيو هبريدس، أصبحت فانواتو عام 1980. والتنافس الصيني الأسترالي سبق ان ترسّخ في السياسة المحلية، وقد أظهرت الصين سخاءها من خلال العديد من الإنشاءات، والتي يبدو أن لبعضها استخدامات عسكرية محتملة. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ 2870 دولارًا عام 2020، مستفيدا من صادرات منتجات المأكولات البحرية وغيرها من المواد الخام الطبيعية إلى تايلاند واليابان، بينما تعدّ الصين المصدر الرئيسي للواردات قبل أستراليا. ومن المتوقع أن تبلغ المساعدة الأسترالية للسنة المالية 2022-23 عند 46 مليون دولار أسترالي، وهو رقم يسهّل المزايدة الصينية، كما يتضح من اتفاقية جديدة بين فانواتو والصين لتمديد مهبط للطائرات في جزيرة سانتو يسمح بهبوط طائرات المساعدات الإنسانية.
في نهاية مايو، بعد إعلان حالة الطوارئ المناخية، قدرت فانواتو تكلفة التعامل معها بنحو 1.2 مليار دولار. ومع ذلك، لا يظهر المناخ على وجه التحديد في النقاط الخمس التي تم الاستشهاد بها باعتبارها مرساة للتعاون “الموثوق” المعزز بين البلدين، والذي يشمل التبادل اللغوي، وترسيخ فانواتو على “طرق الحرير الجديدة».
نداء البحر
في فيجي، تجد الصين نفسها في إقليم أنجلو-ساكسوني. وتقوم شاهدا على ذلك الآثار التي خلّفها الماضي، والتجارة والمساعدات الثنائية في هذه المستعمرة البريطانية السابقة، المستقلة منذ عام 1970 ومقر منتدى جزر المحيط الهادئ. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي يزيد عن 5000 دولار عام 2020، يضع الأرخبيل في أسفل البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى في البنك الدولي. الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري، تليها أستراليا. وتصدّر فيجي المياه المعبأة والمأكولات البحرية والسكر والذهب. وتمثل الصين أقل من 4 بالمائة من هذه الصادرات. في 2022-23، ستصل المعونة الأسترالية إلى 40 مليون دولار أسترالي. كما أرسلت سيدني وزير خارجيتها الى عين المكان قبل أيام قليلة من وصول وانغ يي، مع انتقاد الإدارة السابقة لأنها “تخلت” عن جزر المحيط الهادئ. في غضون ذلك، ينقسم السكان المحليون حول فوائد الاستثمار الصيني، في بلد يعمل فيه المغتربون الصينيون، على الرغم من أنهم أقل تأثيرًا من الشتات الهندي.
ولكن في 30 مايو، فشل وانغ يي في إقناع عشرة من نظرائه في المحيط الهادئ، اجتمعوا في قمة افتراضية، بالاتحاد في “رؤية مشتركة” لتنمية المنطقة. دائمًا بريطانية للغاية، كانت فيجي قد وقّعت للتو على المشروع الذي أطلق في 23 مايو في طوكيو من قبل الولايات المتحدة ومجموعة الرباعية: كتلة اقتصادية تسمى الإطار الاقتصادي بين المحيطين الهندي-والهادئ. ويمتد الاقتراح الصيني من التجارة والأمن السيبراني إلى الجمارك والتكنولوجيا، ناهيك عن الصحة والمناخ. وللمماطلة، أعلنت دول المنطقة أن أي اتفاق بينها يجب أن يمر عبر المنتدى.
إلى الشمال الشرقي من فيجي، عند خط عرض واليس وفوتونا، تمت إدارة جزر ساموا الغربية، المستقلة منذ عام 1962، باتفاق ثلاثي بين ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة حتى عام 1919، عندما أصبحت نيوزيلندا قوة مفوّضة. ولا تزال ساموا الشرقية أمريكية، على الرغم من أن مواطنيها لا يشاركون في انتخابات البر الرئيسي. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ساموا الغربية أكثر من 4000 دولار عام 2020. وستصل المساعدات الأسترالية إلى 27 مليون دولار أسترالي في 2022-23. وتتجه الصادرات أولاً إلى ساموا الأمريكية المجاورة، تليها نيوزيلندا والولايات المتحدة وأستراليا. الواردات تأتي من نيوزيلندا وسنغافورة والصين. ويتكون ثلث الصادرات من عربات مدرعة مجمعة في الموقع، ويأتي ترتيب المنتجات الزراعية في الخلف. ومن خلال التوقيع على اتفاقية مع جزر ساموا حول التعاون الاقتصادي والتقني، ومركز ثقافي و”حديقة صداقة”، تقترب الصين من الوجود الأمريكي.
في الجنوب، الملكية الدستورية لتونغا مستقلة منذ عام 1970 وعضو في الكومنولث. ويقترب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 5000 دولار، وستكون المساعدة الأسترالية 20 مليون دولار أسترالي لعام 2022-23. تصدّر تونغا بشكل أساسي المنتجات الزراعية والصيد إلى الولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا وكوريا الجنوبية، مع غياب الصين تقريبًا عن تجارتها في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن تونغا مدينة بثلثي ديونها لبكين، ولا سيما بسبب إعادة بناء شبكة طرقها. تم التوقيع على اتفاقيات تعاون جديدة حول الثروة السمكية والاقتصاد الأزرق والشرطة خلال الزيارة الصينية.
3 الاف كيلومتر
من المراسي المحتملة
أرخبيل كيريباتي، المنتشر أفقيًا على نطاق واسع ويتكون بشكل خاص من جزر جيلبرت السابقة، هو الأفقر في المنطقة حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 1،650 دولارًا عام 2020. وستخصص أستراليا له ما يزيد قليلاً عن 24 مليون دولار أسترالي للفترة 2022-23. استقلت كيريباتي (تُنطق “كيريباس”) عن المملكة المتحدة منذ عام 1979، بعد أن انفصلت جزر إليس السابقة لتشكل توفالو الحالية.
يتكون الأرخبيل الواقع غرب جزر ماركيساس وجنوب هاواي، من 33 جزيرة مرجانية مع مساحة صغيرة جدًا من اليابسة. تحمل المياه الغنية بالأسماك وعودًا بصيد معجزة لبكين، حيث إن 11 بالمائة فقط من هذه المساحة، البالغة ثلاثة ملايين ونصف المليون كيلومتر مربع، محمية. أما الحكومة فهي تفاوض لشراء أراض في المنطقة المحيطة لنقل سكانها من المياه. وإذا كانت الصين ترى كيريباتي كموقع مثالي لتطوير مهابط الطائرات في الجزر الصغيرة، كما فعلت في بحر الصين الجنوبي، فإن كيريباتي، التي أعادت العلاقات مع الصين عام 2019، تفكر ...
مواجهة
لا يمكن أن تكون كاليدونيا الجديدة، التي أعادت انتخاب إيمانويل ماكرون بنسبة تزيد عن 61 بالمائة، جزءً من هذه الجولة الأوقيانوسية حيث تستعد الأحزاب المحلية لمناقشة الوضع المستقبلي بعد الاستفتاء الثالث لتقرير المصير في 12 ديسمبر. هذه المناقشات الشائكة، التي ستتبلور بعد الانتخابات التشريعية، سيقودها الوزير الجديد لأقاليم ما وراء البحار، يائيل براون بيفيه، حيث ترك سلفه ذكريات قوية. في الوقت الحالي، تتجه أحزاب الاستقلال إلى لجنة إنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة في محاولة إيجاد الدعم للتشكيك في نتائج الاستشارة الثالثة، بعد رفض مجلس الدولة قبول الاعتراض. وبقدر ما يكون البعبع الصيني مضطربًا في بعض الأحيان، فإن الصين يجب أن تحصر دورها في مشتري النيكل فقط. كما لم يمر وانغ يي عبر بولينيزيا، حيث تعثرت المشاريع الطموحة في مستنقعات التأثيرات البيئية.
كيف وصلت القوى الغربية، الراسخة في المنطقة منذ القرن السادس عشر، أن ترى وجودها موضع نزاع في أقل من عقدين؟ من بين عوامل التفسير المحتملة، تجدر الإشارة إلى أن تلك القوى لم تتصرّف دائمًا بشكل منسق، وأن تطورات عام 2021 كانت، في هذا الصدد، مصيرية وحاسمة. لقد فشلوا أيضًا في التعامل مع تهديد المناخ بجدية كافية، وفشلوا في تقديم مشروع متعدد الأطراف طويل المدى للمنطقة بأكملها لاختراع أوقيانوسيا الخضراء. اتفاق باريس، الذي وصل في وقت متأخر جدًا عام 2015، رفضته الولايات المتحدة العام التالي، والمؤسسات الإقليمية هي منتديات للنقاش أكثر منها للعمل المشترك، والعمل الغربي يقع بسهولة ضحية للتقلبات الانتخابية، وأشهرها سياسة الهجرة بسبب المناخ في أستراليا. ويتعارض التسلح النووي الذي خطط له أوكوس مع معاهدة راروتونجا لعام 1985.
في مقال حديث، أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه لا ينبغي الخلط بين المصالح الأمريكية في المحيط الهادئ والنفوذ التأثير الحقيقي، وقدمت أمثلة متعددة على ترسّخ الصين في المنطقة. ولا يمكن إلا ان نندهش امام عدم استمرارية السياسة الأمريكية في محيط سخّرت القرن التاسع عشر بأكمله لغزوه، وذلك بتطهيره من الوجود الإسباني على وجه الخصوص. وكما يشير تشارلز إديل، لفورين أفيرز، “عانت هذه المنطقة الاستراتيجية الشاسعة من إهمال كبير في العقود الأخيرة” حيث كانت الولايات المتحدة مشغولة في أماكن أخرى. وبين العراق والمناخ انتصر الأول، مؤكدا أن الأمريكيين يتدخلون إقليميا في زمن الحرب فقط. وفي هذا الصدد، فإن المماطلة في تجديد “الاتفاقيات” الأمنية مع ميكرونيزيا وبالاو غريبة عندما تأتي من قوة تبلغ ميزانيتها العسكرية حوالي 800 مليار دولار. لقد كانت شعوب أوقيانوسيا، الحاضرة في مؤتمر الأمم المتحدة حول تمويل التنمية في مونتيري بالمكسيك في مارس 2002، تتوقع شيئًا آخر.
متنافسون في المحيط الهادئ، الصين والليبراليات الغربية متنافسون بالمعنى الاشتقاقي للمصطلح: إنهم يشتركون في نفس المياه. وتحت غطاء لعب لعبة متعددة الأقطاب، تأمل الأولى بلا شك “طرد الولايات المتحدة من المحيط الهادئ”، في حين ينوي الأخيرون الحفاظ على تفوقهم التاريخي على مساحة شاسعة، دون أن تكون وسائل هذا الطموح واضحة. إن المناورات التي تندد بالصين باعتبارها “أكبر تهديد للنظام العالمي” لن تكون كافية للفوز باللعبة. لا يزال هناك مسار أسوأ: غزو صيني لتايوان مع شي جين بينغ في السلطة، مما سيؤدي إلى دعم عسكري غربي لـ “الجزيرة المتمردة”، بتدخل أمريكي أو بدونه، وهي حلقة وصل بين مسارح الصراع الأوروبية والآسيوية وخطر التصعيد النووي. وحول هذه المسألة، من الأفضل أن يكون الفاعلون واضحين.
*تخرجت من كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، في مسيرتها 25 عامًا من العمل في الشؤون المالية والدبلوماسية المتعددة الأطراف والاستشارات وتعليم العلاقات الدولية. من بين كتبها، “الأمم المتحدة والأعمال: شراكة تعافت”. وعملت مستشارة لوكالات الأمم المتحدة وشركات بشأن توسعها المستدام في البلدان الصاعدة والنامية.