غول التضخم يتمدد:
المملكة المتحدة على وشك الانفجار الاجتماعي...!
- تمر البلاد بأكبر أزمة اجتماعية واقتصادية منذ الخمسينات، مما أثار غضب النقابات والسكان
- في مايو 2022، زاد عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من بيوتهم بنسبة 41 بالمائة مقارنة بشهر مايو 2020
- لا يؤيد حزب العمال الإضرابات، خشية أن تكلفه الكثير في الانتخابات القادمة
- ترفض الحكومة البريطانية التفاوض مع النقابيين
تواجه المملكة المتحدة حاليًا أعلى معدل تضخم شهدته منذ عام 1981. فقد وصل إلى 9 بالمائة في مايو، بينما كان 2 فاصل 1 بالمائة فقط عام 2021، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع أكثر بحلول نهاية العام. في نفس الوقت، فإن نمو البلاد في حالة ركود. ووصلت أسعار البنزين والمساكن والمواد الغذائية ذروتها، مما تسبب في أزمة كبيرة في تكلفة المعيشة لعدة أشهر.
ووفق فيونا سيمبكينز، الأستاذة المحاضرة في الحضارة البريطانية في جامعة لوميير ليون 2، فإن هذه هي أهم أزمة اجتماعية واقتصادية تشهدها البلاد منذ الخمسينات: “ليس فقط الأكثر هشاشة هم المتأثرون، فحقيقة أن 40 بالمائة من الأسر تتأثر بنقص الوقود، تدل بوضوح على الجانب غير المسبوق للوضع «.
اقتصاد في خطر
ووفقًا للمتخصصة، يُعزى هذا الوضع بشكل خاص إلى التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، والتي تؤثر على الاقتصاد الذي سبق ان أُضعف بسبب عامين من الأزمة الصحية: “لقد تضرر الاقتصاد في المملكة المتحدة أكثر من فرنسا من كوفيد-19، لأن نوبات الحجر الصحي كانت أكثر عددًا وأطول. وعلى الرغم من الأموال العامة التي أفرجت عنها الحكومة، ولا سيما لتمويل خطط العمل ذات الوقت القصير، إلا أن صعوبات التزوّد والتوظيف، لا سيما داخل الشركات الصغرى، قد أدت إلى تآكل خطير في النمو البريطاني.
ويأتي هذا الوضع في الوقت الذي بدأت فيه عواقب البريكسيت تظهر بشكل ملموس على الاقتصاد. ووفق مركز الإصلاح الأوروبي، انخفض الناتج القومي الإجمالي بنسبة 5 فاصل 2 بالمائة منذ خروج المملكة المتحدة الفعلي من الاتحاد الأوروبي في يناير 2020، وفي الأشهر الأخيرة، قفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8 فاصل 3 بالمائة، وفقًا لمؤسسة ريزوليوشنز. كارثة للأسر الأكثر تواضعًا، التي “سبق ان أضعفتها سياسات التقشف التي نفذتها الحكومات المحافظة منذ عام 2010”، تحدد فيونا سيمبكينز.
ولتعويض ارتفاع الأسعار، تحاول بنوك الطعام، التي شهدت زيادة بنسبة 33 بالمائة في عدد حزم الطوارئ التي تم تسليمها خلال ثلاثة أيام، مواكبة الأمر. “في الوقت الحالي، لم يعد يلجأ الى المساعدات الغذائية فقط الأفراد الذين تم تعليق أو في انتظار منحهم الاجتماعية، كما كان الحال قبل الوباء، يوضح ديفيد في، أستاذ الحضارة البريطانية في جامعة السوربون نوفيل -باريس 3، بل بات على الطلاب، وأيضًا الأشخاص الذين يعملون بدوام كامل، الاعتماد الآن على توزيع المواد الغذائية، حيث أن رواتبهم غير كافية لمواجهة الانفجار في تكلفة المعيشة.
ونتيجة لذلك، لم يعد بإمكان الكثيرين دفع الإيجار أيضًا: “في مايو 2022، زاد عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من مساكنهم بنسبة 41 بالمائة مقارنة بشهر مايو 2020. كارثة حقيقية”، كما يلاحظ الباحث.
التفاوت يتعمّق
بالنسبة لبول جونز، 58 عامًا، من مانشستر، في حالة عجز اليوم بعد مسيرة مهنية في الأحداث، فإن عدم اليقين الذي يتعين على ضعاف الحال مواجهته ليس جديدًا: “منذ عدة سنوات، تجد أكثر الطبقات فقرا والمتوسطة صعوبة في تغطية نفقاتها. لا أحد ممن حولي ينجو من هذا الموقف. بريكسيست وكوفيد-19 والحرب في أوكرانيا والآن هذا الارتفاع المذهل في الأسعار ... سيل لا يتوقف أبدًا! ويخشى الناس أن يستمر الوضع في التدهور. ماذا ينتظر الناس من الطبقات الدنيا والمتوسطة؟ مستقبل صعب وغير مستقر، على الأرجح «.
بالنسبة لديفيد في، فإن هذا التفاوت ناتج عن عولمة الأسواق والتغيرات التكنولوجية، التي بدأت في أواخر السبعينات من القرن الماضي. وهذه الاضطرابات التي أدت إلى نقل أو اختفاء العديد من الوظائف التي تتطلب مهارات متدنية، قد أصابت الأسر البريطانية بشكل أكبر، مع سياسات إعادة التوزيع التي أصبحت أقل حجما في المملكة المتحدة عنها في أي مكان آخر في أوروبا.
ووفقًا للمتخصص، فإن التحول النيوليبرالي الذي بدأه حزب مارغريت تاتشر المحافظ في السبعينات قد حفر ثلمه حتى اليوم: “يمكننا أن نرى بوضوح أنه بعد ما يقرب من خمسين عامًا، لا تزال البلاد تشيد بشدة بسياسات إلغاء القيود، الخصخصة وإلغاء الحد الأدنى للأجور وإضعاف النقابات الخبيرة في ذلك الوقت».
الرد النقابي يتشكل
وعلى الرغم من خطة المساعدة الأخيرة البالغة 15 مليار جنيه (17 مليار يورو)، التي صوتت عليها حكومة جونسون في مايو لتغطية الزيادات الأخيرة في أسعار الطاقة والغذاء، إلا أن استياء النقابات يتصاعد، مدعومًا برغبة الحكومة في الغاء 90 ألف وظيفة في القطاع العام.
في 18 يونيو، استجاب آلاف الأشخاص لدعوة مؤتمر نقابات العمال، القوة النقابية الاولى في البلاد، للتظاهر في شوارع لندن. ولعدة أسابيع، كانت الإضرابات تحدث في مختلف قطاعات النشاط، منها شبكة النقل في العاصمة، والسكك الحديدية، أو مؤخرًا شركة الخطوط الجوية البريطانية.
ويدعم بول بقوة هذه الإجراءات الاحتجاجية: “على الرغم من رواتبهم، فإن الكثير من الناس في وضع الكفاف ويجدون أنفسهم مضطرين للاختيار بين عدة نفقات أساسية. هل الأفضل دفع ثمن الكهرباء؟ او البنزين للذهاب إلى العمل؟ هل تملأ ثلاجتك للتأكد من أنه لن ينقصك أي شيء في نهاية الشهر؟ الوضع لا يمكن تحمّله، ولتغيير الأشياء فإن الحل الوحيد هو التنظّم الجماعي. أنا أؤيد إعادة مكانة مركزية للنقابات، القوة السياسية الحقيقية المضادة الوحيدة المتبقية لدينا.
كما هددت النقابات في نظام الصحة العامة والمطاعم والتعليم بالإضراب للمطالبة بزيادة الأجور. لكن في نهاية يونيو، رفضت الحكومة المفاوضات وظل الرأي العام منقسمًا بشأن الإضرابات.
تقول فيونا سيمبكينز: “هذا يعكس مرة أخرى أزمة السبعينات، عندما أدت الإضرابات إلى شل حركة البلاد في عدة مناسبات في مواجهة التضخم المتزايد وأزمة الطاقة بسبب صدمات النفط”. اتُهمت النقابات العمالية البريطانية، التي كانت قوية جدًا في ذلك الوقت، باللامسؤولية وفقدها المصداقية من قبل المحافظين ووسائل الإعلام وقطاع كامل من السكان. إن رفض حكومة جونسون للتفاوض مع النقابات وانعدام الثقة الذي تم الإعراب عنه تجاه حركات الإضراب، يعيدان إلى الأذهان أجواء تلك الحقبة.
ولكن على عكس السبعينات، لم يؤيد حزب العمال، وهو حليف تاريخي للعمل النقابي، الإضرابات، كما يشير ديفيد في: “على الرغم من أن أكبر إضراب للسكك الحديدية منذ ثلاثين عامًا في طور الإنجاز، فإن حزب العمال لا يدعم هذه الخطوة، خشية أن تكلفه الكثير في الانتخابات القادمة».
في الانتظار، بنوك الطعام على وشك الانفجار. في 8 أبريل، حثت شبكة المعونة الغذائية المستقلة الحكومة على اتخاذ إجراءات فورية ودائمة لوقف زيادة الفقر والجوع في جميع أنحاء الإقليم... نداء يبدو، أنه في الوقت الحالي، سيظل حبرا على ورق.
- في مايو 2022، زاد عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من بيوتهم بنسبة 41 بالمائة مقارنة بشهر مايو 2020
- لا يؤيد حزب العمال الإضرابات، خشية أن تكلفه الكثير في الانتخابات القادمة
- ترفض الحكومة البريطانية التفاوض مع النقابيين
تواجه المملكة المتحدة حاليًا أعلى معدل تضخم شهدته منذ عام 1981. فقد وصل إلى 9 بالمائة في مايو، بينما كان 2 فاصل 1 بالمائة فقط عام 2021، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع أكثر بحلول نهاية العام. في نفس الوقت، فإن نمو البلاد في حالة ركود. ووصلت أسعار البنزين والمساكن والمواد الغذائية ذروتها، مما تسبب في أزمة كبيرة في تكلفة المعيشة لعدة أشهر.
ووفق فيونا سيمبكينز، الأستاذة المحاضرة في الحضارة البريطانية في جامعة لوميير ليون 2، فإن هذه هي أهم أزمة اجتماعية واقتصادية تشهدها البلاد منذ الخمسينات: “ليس فقط الأكثر هشاشة هم المتأثرون، فحقيقة أن 40 بالمائة من الأسر تتأثر بنقص الوقود، تدل بوضوح على الجانب غير المسبوق للوضع «.
اقتصاد في خطر
ووفقًا للمتخصصة، يُعزى هذا الوضع بشكل خاص إلى التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، والتي تؤثر على الاقتصاد الذي سبق ان أُضعف بسبب عامين من الأزمة الصحية: “لقد تضرر الاقتصاد في المملكة المتحدة أكثر من فرنسا من كوفيد-19، لأن نوبات الحجر الصحي كانت أكثر عددًا وأطول. وعلى الرغم من الأموال العامة التي أفرجت عنها الحكومة، ولا سيما لتمويل خطط العمل ذات الوقت القصير، إلا أن صعوبات التزوّد والتوظيف، لا سيما داخل الشركات الصغرى، قد أدت إلى تآكل خطير في النمو البريطاني.
ويأتي هذا الوضع في الوقت الذي بدأت فيه عواقب البريكسيت تظهر بشكل ملموس على الاقتصاد. ووفق مركز الإصلاح الأوروبي، انخفض الناتج القومي الإجمالي بنسبة 5 فاصل 2 بالمائة منذ خروج المملكة المتحدة الفعلي من الاتحاد الأوروبي في يناير 2020، وفي الأشهر الأخيرة، قفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8 فاصل 3 بالمائة، وفقًا لمؤسسة ريزوليوشنز. كارثة للأسر الأكثر تواضعًا، التي “سبق ان أضعفتها سياسات التقشف التي نفذتها الحكومات المحافظة منذ عام 2010”، تحدد فيونا سيمبكينز.
ولتعويض ارتفاع الأسعار، تحاول بنوك الطعام، التي شهدت زيادة بنسبة 33 بالمائة في عدد حزم الطوارئ التي تم تسليمها خلال ثلاثة أيام، مواكبة الأمر. “في الوقت الحالي، لم يعد يلجأ الى المساعدات الغذائية فقط الأفراد الذين تم تعليق أو في انتظار منحهم الاجتماعية، كما كان الحال قبل الوباء، يوضح ديفيد في، أستاذ الحضارة البريطانية في جامعة السوربون نوفيل -باريس 3، بل بات على الطلاب، وأيضًا الأشخاص الذين يعملون بدوام كامل، الاعتماد الآن على توزيع المواد الغذائية، حيث أن رواتبهم غير كافية لمواجهة الانفجار في تكلفة المعيشة.
ونتيجة لذلك، لم يعد بإمكان الكثيرين دفع الإيجار أيضًا: “في مايو 2022، زاد عدد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من مساكنهم بنسبة 41 بالمائة مقارنة بشهر مايو 2020. كارثة حقيقية”، كما يلاحظ الباحث.
التفاوت يتعمّق
بالنسبة لبول جونز، 58 عامًا، من مانشستر، في حالة عجز اليوم بعد مسيرة مهنية في الأحداث، فإن عدم اليقين الذي يتعين على ضعاف الحال مواجهته ليس جديدًا: “منذ عدة سنوات، تجد أكثر الطبقات فقرا والمتوسطة صعوبة في تغطية نفقاتها. لا أحد ممن حولي ينجو من هذا الموقف. بريكسيست وكوفيد-19 والحرب في أوكرانيا والآن هذا الارتفاع المذهل في الأسعار ... سيل لا يتوقف أبدًا! ويخشى الناس أن يستمر الوضع في التدهور. ماذا ينتظر الناس من الطبقات الدنيا والمتوسطة؟ مستقبل صعب وغير مستقر، على الأرجح «.
بالنسبة لديفيد في، فإن هذا التفاوت ناتج عن عولمة الأسواق والتغيرات التكنولوجية، التي بدأت في أواخر السبعينات من القرن الماضي. وهذه الاضطرابات التي أدت إلى نقل أو اختفاء العديد من الوظائف التي تتطلب مهارات متدنية، قد أصابت الأسر البريطانية بشكل أكبر، مع سياسات إعادة التوزيع التي أصبحت أقل حجما في المملكة المتحدة عنها في أي مكان آخر في أوروبا.
ووفقًا للمتخصص، فإن التحول النيوليبرالي الذي بدأه حزب مارغريت تاتشر المحافظ في السبعينات قد حفر ثلمه حتى اليوم: “يمكننا أن نرى بوضوح أنه بعد ما يقرب من خمسين عامًا، لا تزال البلاد تشيد بشدة بسياسات إلغاء القيود، الخصخصة وإلغاء الحد الأدنى للأجور وإضعاف النقابات الخبيرة في ذلك الوقت».
الرد النقابي يتشكل
وعلى الرغم من خطة المساعدة الأخيرة البالغة 15 مليار جنيه (17 مليار يورو)، التي صوتت عليها حكومة جونسون في مايو لتغطية الزيادات الأخيرة في أسعار الطاقة والغذاء، إلا أن استياء النقابات يتصاعد، مدعومًا برغبة الحكومة في الغاء 90 ألف وظيفة في القطاع العام.
في 18 يونيو، استجاب آلاف الأشخاص لدعوة مؤتمر نقابات العمال، القوة النقابية الاولى في البلاد، للتظاهر في شوارع لندن. ولعدة أسابيع، كانت الإضرابات تحدث في مختلف قطاعات النشاط، منها شبكة النقل في العاصمة، والسكك الحديدية، أو مؤخرًا شركة الخطوط الجوية البريطانية.
ويدعم بول بقوة هذه الإجراءات الاحتجاجية: “على الرغم من رواتبهم، فإن الكثير من الناس في وضع الكفاف ويجدون أنفسهم مضطرين للاختيار بين عدة نفقات أساسية. هل الأفضل دفع ثمن الكهرباء؟ او البنزين للذهاب إلى العمل؟ هل تملأ ثلاجتك للتأكد من أنه لن ينقصك أي شيء في نهاية الشهر؟ الوضع لا يمكن تحمّله، ولتغيير الأشياء فإن الحل الوحيد هو التنظّم الجماعي. أنا أؤيد إعادة مكانة مركزية للنقابات، القوة السياسية الحقيقية المضادة الوحيدة المتبقية لدينا.
كما هددت النقابات في نظام الصحة العامة والمطاعم والتعليم بالإضراب للمطالبة بزيادة الأجور. لكن في نهاية يونيو، رفضت الحكومة المفاوضات وظل الرأي العام منقسمًا بشأن الإضرابات.
تقول فيونا سيمبكينز: “هذا يعكس مرة أخرى أزمة السبعينات، عندما أدت الإضرابات إلى شل حركة البلاد في عدة مناسبات في مواجهة التضخم المتزايد وأزمة الطاقة بسبب صدمات النفط”. اتُهمت النقابات العمالية البريطانية، التي كانت قوية جدًا في ذلك الوقت، باللامسؤولية وفقدها المصداقية من قبل المحافظين ووسائل الإعلام وقطاع كامل من السكان. إن رفض حكومة جونسون للتفاوض مع النقابات وانعدام الثقة الذي تم الإعراب عنه تجاه حركات الإضراب، يعيدان إلى الأذهان أجواء تلك الحقبة.
ولكن على عكس السبعينات، لم يؤيد حزب العمال، وهو حليف تاريخي للعمل النقابي، الإضرابات، كما يشير ديفيد في: “على الرغم من أن أكبر إضراب للسكك الحديدية منذ ثلاثين عامًا في طور الإنجاز، فإن حزب العمال لا يدعم هذه الخطوة، خشية أن تكلفه الكثير في الانتخابات القادمة».
في الانتظار، بنوك الطعام على وشك الانفجار. في 8 أبريل، حثت شبكة المعونة الغذائية المستقلة الحكومة على اتخاذ إجراءات فورية ودائمة لوقف زيادة الفقر والجوع في جميع أنحاء الإقليم... نداء يبدو، أنه في الوقت الحالي، سيظل حبرا على ورق.