خالد بن محمد بن زايد يشهد جانباً من منافسات الألعاب الرقمية الهجينة في «دورة ألعاب المستقبل 2025»
المُعضلة الاستراتيجية للصين وروسيا.. الحرب الأوكرانية على المحك
قال المحلل السياسي الأمريكي جورج فريدمان إن الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا منذ ستة أشهر، بالغة الأهمية من الناحية الاستراتيجية لعدة أسباب، مضيفاً أنه في حال هزمت روسيا أوكرانيا وسيطرت عليها، فستكون قواتها مُتمركزة على الحدود الشرقية لقارة أوروبا، والوجود الروسي على الحدود الأوروبية سيُحْدِث تحولاً في ميزان القوى في المحيط الأطلسي، ومن ثم ستضطر الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى نشر قواتها دفاعاً عن أوروبا.
وأوضح الكاتب في تحليل نشره موقع “جيوبولتيكال فيوتشرز” الأمريكي أنه لا يهم كثيراً نوايا روسيا في بداية غزوها؛ فالنوايا تتغير وتتبدل، والاستراتيجية لا يجب أن تكون تفاؤلية. فالأمر الذي على المحك حالياً في الحرب الأوكرانية هو احتمال إحياء فكرة الحرب الباردة، بكل ما تنطوي عليه من مخاطر. ومن وجهة النظر الأمريكية، فالاشتباك بين روسيا والقوات الأوكرانية في أوكرانيا أقل خطورة بكثيرٍ من اندلاع حرب باردة ثانية.
الحرب البادرة وتماسك الناتو
لم تُسفر الحرب الباردة عن حرب شاملة، وإنما أسفرت عن الخوف من اندلاع الحرب فحسب. والمخاوف الغربية من النوايا الاتحاد السوفياتي تجاوزت قدراته. وخوف الغرب بدوره ضَمَنَ التماسك لحلف شمال الأطلسي، مما أثار حنق القادة في روسيا. فلم يتحقق أي من أسوأ مخاوفهم، ولذلك كان انهيار الاتحاد السوفيتي يتعلق بالفساد الداخلي أكثر منه بالتهديد الخارجي. وليس من الواضح أن أي حرب باردة مُستقبلية ستكون كالسابقة، غير أن ثمة احتمالاً قائماً: بالنظر إلى وجود أسلحة نووية، سيظل خط المواجهة للحرب الباردة المُقبلة ثابتاً، والوضع الراهن على الجانبين سيظل ثابتاً طالما أن أياً من الجانبين لم يشهد انقسامات. وستكون النتيجة مُكلفة وبالغة الخطورة، بما أنّ التاريخ لا يكرر نفسه بالضرورة. غير أن انهيار أوكرانيا سيمثل تهديدات يمكن احتواؤها، مهما كان الثمن والخطر. وسيظل النسيج العالمي سليماً.
...فتش عن العمق الاستراتيجي
وأفاد فريدمان أن نقاط ضعف الصين ومحاولاتها الحثيثة للتغلب على تلك النقاط أخطر بكثير. فكما الحال مع روسيا، المشكلة الأساسية جغرافيّة. بالنسبة لروسيا، تتمثل المشكلة في أن الحدود الأوكرانية موجودة على مسافة أقل من 300 ميل من موسكو، وسبق أن صمدت روسيا في مواجهة العديد من محاولات الغزو بفضل بُعد موسكو الجغرافيّ وحسب عن الغُزاة، وهي المسافة التي ضيَّقها انهيار الاتحاد السوفيتي.
وتابع فريدمان أن هوس روسيا بأوكرانيا يُراد منه تصحيح هذه المشكلة. والمشكلة الجغرافية للصين تتمثل في أنها أصبحت مركزاً للتصدير، ولذلك فهي تعوِّل على وصولها إلى المحيط الهادئ والمياه المجاورة لها.
وبحسب الكاتب، فإن الولايات المتحدة ترى في وصول الصين بلا عائق ولا مانع إلى المحيط الهادئ تهديداً محتملاً لعُمقها الاستراتيجي، وهو أمر محوري للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويعرقل وصول الصين إلى المحيط الهادئ سلسلة من الدول الجزيريّة – ألا وهي اليابان وتايوان والفلبين وإندونيسيا، وتدعمها بشكلٍ غير مباشر قوى قريبة مثل أستراليا والهند وفيتنام. وليست كل هذه الدول حليفة للولايات المتحدة، غير أنها كلها لديها مصالح مشتركة تتعارض مع التوسُّع البحري الصيني. تريد الصين أن تُدافع عن عمقها الاستراتيجي بالاستحواذ على هذا العمق والسيطرة عليه. وتريد الولايات المتحدة من جهتها الدفاع عن عمقها الاستراتيجي هي الأخرى.
ويُعقِّد البُعد الاقتصادي البُعد الجغرافي. فاقتصاد الصين يعتمد على الصادرات، والولايات المتحدة أكبر عميل لديها. وبكين أيضاً بحاجة إلى الاستثمارات الأمريكية المُستمرة، إذ إن نظامها المالي يتعرض لضغوط كبيرة جداً.
وتحاول روسيا استرداد عمقها الاستراتيجي، فشّنت هجومها وهي تعلم تمام العلم التبعات المالية التي ستخلقها. وبتعبيرٍ آخر، تحمّلَت روسيا الأضرار المالية التي لحقت بها مقابل ضمان أمنها الاستراتيجي. وإلى الآن، لم تُحقق الأمان الاستراتيجي الذي تسعى إليه، وتعرضت لأضرار مالية جسيمة في الوقت الذي حمّلت فيه أوروبا أضراراً كبيرة.
وتبحث الصين عن حل استراتيجيّ في الوقت الذي تتفادى فيه أي ضرر اقتصادي ربما يترتب على المزيد من التوسُّع. وخصمها الرئيس على الجبهتين هو الولايات المتحدة. ولذلك، نجد أن الصين تجس نبض الولايات المتحدة في محاولةٍ لفهم ردود أفعالها المُحتملة. وكادت ردة الفعل تجاه زيارة نانسي بيلوسي رئيسة البرلمان الأمريكي لتايوان تتجاوز حدود جس نبض الصين لمعرفة موقفها من غزو تايوان. لقد أدركت الصين أن الجيش الأمريكي لم يستوضح موقفه بعد، لكنها علمت أنّ الدافع وراء الإجراءات الاقتصادية الأمريكية يتجاوز استعراض الصين لقوتها.
ووفق فريدمان، فإن غاية أمريكا في أوكرانيا إذن هو حرمان روسيا من البُعد الاستراتيجي التي تريده كي تقوِّض التهديد الروسي لأوروبا. أما في ما يتعلق بالصين، فغايتها الحفاظ على العمق الاستراتيجي الأمريكي لمنع الصين من تهديد الولايات المتحدة أو نيل التوسُّع العالمي.
مشكلة الصين أهم من مشكلة روسيا
وأوضح التحليل أن المشكلتين متشابهتان من حيث المبدأ، غير أن المخاطر التي تُهدد الولايات المتحدة ليست كذلك. فبالنسبة لواشنطن، تُعدُّ مشكلة الصين أهم بمراحل من مشكلة روسيا. ففوز روسيا بالحرب في أوكرانيا سيعيد ترسيم الحدود غير الرسمية ويزيد المخاطر. أما نجاح الصين في مساعيها فسيخلق قوة عالمية أكبر تتحدى الولايات المتحدة وحلفاءها حول العالم.
إن تبعات الحرب كبيرة دوماً. وتورُّط الولايات المتحدة يضيف أعباء اقتصادية للمعادلة. وإلى الآن، استوعبت روسيا التكاليف التي تكبدتها. وربما لا تكون الصين قادرة على استيعاب تلك التبعات، نظراً لأن اقتصادها هش حاليّاً. لكن الأمم تقتات على الاقتصاد وتنجو عندما تضمن لنفسها الأمان. وانطلاقاً من هذا المعنى، قد يبدو أن روسيا أقل اهتماماً من الصين بالدخول في مفاوضات.
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الأمريكي جو بايدن في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) في مؤتمر سيُعقد إما في إندونيسيا وإما في تايلاند. وإذا عُقِدَ الاجتماع، فسيكون الأول من نوعه منذ المؤتمر الذي أُقيم عن بُعد في مايو (أيار) الماضي. ولا تجري سوى محادثات غير رسمية ومن وراء الكواليس بين الولايات المتحدة وروسيا. إن الصين بحاجة إلى اقتصاد مُستقر الآن أكثر من حاجتها إلى فرض هيمنتها على البحار.
وتبدو روسيا قادرة على الصمود في مواجهة الصعاب التي تعرضت لها اقتصاديّاً، لكنها لم تكسر بعد شوكة القوات الأوكرانية. والصين أقرب إلى التعرُّض إلى أزمة اقتصادية من روسيا، ولذلك فهي ليست مستعدة للمخاطرة بشن حرب ضد الولايات المتحدة. وستلجأ للتفاوض، إن لم تُقدِّم تنازلات. وجدير بالذكر أن الموقف الاقتصادي والعسكري لروسيا غامض على المدى البعيد. والولايات المتحدة تتعامل مع الصين وروسيا بطريقة لا تكلفها الكثير حالياً، وبوسعها التعامل معهما في آنٍ واحد الآن. على روسيا والصين أن تحاولا رفع تكلفة تورُّط الولايات المتحدة، غير أنهما لا تستطيعان أن ترفعا تكلفة تورطهما.واختتم فريدمان تحليله بالقول: “إنها لمعادلة تحار فيها العقول، لكنها ليست غير شائعة. فالصين بحاجة إلى الوصول إلى تفاهم مع الولايات المتحدة. أما روسيا فليست بحاجة إلى ذلك. والولايات المتحدة تتحلى بالمرونة».