انتهى الانقلاب قبل أن يبدأ

اليأس الانتحاري لبريغوجين ترك الإمبراطور عارياً

اليأس الانتحاري لبريغوجين ترك الإمبراطور عارياً

انتهى الانقلاب الذي قامت به فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين يوم السبت قبل أن يبدأ. ويبدو أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أقنع بريغوجين بالتوقف وقد وافق على السماح له بالانتقال إلى بلاده، ربما مع جزء من قوته القتالية. لكن عواقب مغامرته بدأت بالظهور في موسكو وفي ساحات الحرب الروسية الأوكرانية.
هذا ما خلص إليه الكاتب ليونيد برشدسكي في مقاله بموقع “بلومبرغ”. وكتب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن بريغوجين، من دون أن يسميه، خائناً في خطاب متلفز مدته خمس دقائق، لم تواجه “مسيرة العدالة” لبريغوجين مقاومة تذكر. مر المتمردون في منطقتي روستوف وفورونيج، وأسقطوا العديد من المروحيات العسكرية التي حاولت تتبع أو مهاجمة قوافلهم، بما في ذلك مروحية كا-52، وهي آلة مخيفة كانت تعمل على إبطاء الهجوم المضاد لأوكرانيا. ومروا أيضاً في منطقة ليبيتسك حيث أمر المسؤولون المحليون بحفر بعض الطرق لمنعهم، لكن بعد فوات الأوان.
اقترب المتمردون من نهر أوكا في منطقة موسكو، على بعد 200 كيلومتر من العاصمة، حيث تكدست أكياس الرمل عند نقاط التفتيش وحواجز الطرق التي تديرها قوة خفيفة من الشرطة والمجندين بالقرب من العاصمة. في غضون ذلك، يبدو أن المقاتلين الشيشانيين الذين أعلنوا الولاء لبوتين وعرضوا قمع التمرد في روستوف لم يحضروا قط. فجأة انتهى كل شيء.
 
طريقة معيارية
باستخدام طريقة الاتصال المعيارية الخاصة به – تسجيل صوتي على تلغرام – أعلن بريغوجين أنه أنهى المسيرة إلى موسكو لتجنب إراقة الدماء وسحب مقاتليه إلى معسكراتهم الميدانية. سرعان ما أوضح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن لوكاشينكو قد تفاوض على حل بناء على طلب من بوتين: سيحصل بريغوجين على حصانة من الملاحقة القضائية وينتقل إلى بيلاروسيا وسيوقع بعض مقاتلي فاغنر عقوداً مع وزارة الدفاع. في ليبيتسك، بدأ العمال بسد الحفر التي حفروها في الطرق. في موسكو، قرر العمدة عدم إلغاء يوم الإجازة الذي أعلنه لسكان العاصمة يوم الإثنين عندما كان لا يزال يتوقع أن تسخن الأمور.
 
مغامرون في تاريخ روسيا
لا يزال بالإمكان أن تسير الأمور بشكل خاطئ مع خطة لوكاشينكو المزعومة: يحب بوتين مطاردة الأشخاص الذين يعتبرهم خونة، ويتم التعامل مع بيلاروسيا بشكل متزايد كجزء من روسيا، لذلك هي ليست ملاذاً واضحاً لبريغوجين. ما سيحدث في جميع الأماكن التي مثل فيها فاغنر بشكل غير رسمي المصالح المشبوهة لروسيا ليس واضحاً أيضاً.
نادراً ما كانت روسيا مكاناً منظماً. يوم السبت، فعل بريغوجين ما قام به كثير من المغامرين الخارجين على القانون من قبل. في عهد كاترين العظيمة، أعلن قوزاقي يدعى يميليان بوغاتشيف نفسه إمبراطوراً واستولى على بعض الحصون في جبال الأورال قبل أن تمنعه قوة عسكرية نظامية كبيرة. خلال الحرب الأهلية الروسية التي أعقبت الثورة البلشفية سنة 1917، شن أمير الحرب الفوضوي نيستور مخنو حملات ناجحة ضد بقايا الجيش النظامي الروسي والجيش الأحمر بقيادة البلاشفة حيث كانت قواتهم الرئيسية منهمكة في قتال بعضها البعض. لم يستطع أي من هؤلاء المبتدئين الاعتماد على النجاح الطويل المدى، لكن كان يكفيهم أن يكونوا ملوكاً ليوم واحد وأن يعيشوا بجنون بدلاً من الخضوع لأي نوع من السلطة.
 
فاغنر... بين القوة الفعلية والانتحار الجنوني
حتى لو استولت فاغنر، مع بضعة آلاف من المقاتلين ذوي الخبرة، على بعض المباني الحكومية في موسكو، وربما حتى مع تعليق خصمي بريغوجين، وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف على أعمدة الإنارة، لم يكن بإمكانها أن تأمل السيطرة على إحدى أكبر مدن أوروبا. بالرغم من كل الصدقية التي تراكمت لدى فاغنر في الشارع حيث خاضت أصعب معارك المدن في أوكرانيا، لم يكن لديها القوة الواسعة لشن انقلاب ناجح. وبريغوجين، بصوته المزعج وماضيه الإجرامي الصغير، لم يتمتع بمكانة سياسية أو بالشعبية لشنه.
مع ذلك، إن اليأس الانتحاري يمكن أن يكون استراتيجية قابلة للتطبيق في روسيا حسب الكاتب. إنه يربك الآلة البيروقراطية الجبانة ويحظى باحترام الجماهير. في روستوف، هتفت الحشود لبريغوجين وهو يغادر المدينة في سيارة سوداء رباعية الدفع. في السنوات الأولى من حكمه، رفع بوتين نفسه مكانة رمضان قديروف، الزعيم الحالي للشيشان، بالرغم من أن قديروف حارب في وقت سابق القوات الروسية في حرب لم يستطع الانفصاليون الشيشانيون الانتصار فيها. كان كافياً أن يوالي قديروف الجانب الروسي، حيث حصل على الشيشان تقريباً كإقطاعية شخصية. اتضح أن التصميم القاتم للمحارب الهائج على إحداث الفوضى بغض النظر عن الكلفة يمكن أن يكون موقفاً تفاوضياً قوياً.
 
حياد مخيف
أضاف الكاتب أنه من خلال الاعتراف بالأمر على هذا النحو، أظهر بوتين، ليس لأول مرة ولكن في لحظة حرجة، ضعفاً. قلة قليلة في روسيا قفزت للدفاع عنه في مواجهة استعداد بريغوجين لإطلاق العنان للفوضى. بينما واصلت القوات الروسية القتال في أوكرانيا واستمر الجنرالات الروس في توجيه القتال من مقرات روستوف حتى أثناء قيام مقاتلي فاغنر بدوريات في المبنى، لم يتحرك أحد لمواجهة المرتزقة من أجل شويغو وغيراسيموف اللذين ظل بوتين معانداً في الإبقاء عليهما بالرغم من نكسات الغزو التي لا تنتهي. بينما أعلن بعض المسؤولين الولاء لبوتين خلال التمرد، تحدثت تصرفات الدولة الروسية بصوت أعلى عن حياد مخيف. كما أظهر الروس العاديون أنفسهم غير مبالين إلى حد كبير، وإن كانوا مرتبكين إلى حد ما.
 
ثياب الإمبراطور
عندما أعلن “مسيرة العدالة”، تساءل بريغوجين علناً عن دوافع هجوم روسيا على أوكرانيا ولم يهتم أحد بالمجادلة. تخوض روسيا حربها الظالمة عبر الجمود ولأن العديد من الروس لا يمكنهم تحمل الخسارة. لقد قدم الافتقار إلى السخط الشعبي بشأن التمرد أثناء هجوم مضاد للعدو دليلاً لا يمكن إنكاره على أن قلب الأمة ليس في غزو أوكرانيا. كما أظهر أيضاً تعب روسيا من بوتين.
بالرغم من أن بريغوجين لم يفز، كشفت حركته الفوضوية التمردية هشاشة النظام لكل من قد يرغب في استغلاله حسب بيرشيدسكي. الإمبراطور عارٍ. عاجلاً أم آجلاً، سواء عن طريق الانقلاب أو الضغط، سيقوم أحد رجال البلاط بخطوة أخرى لمحاولة ارتداء ملابسه.