ابن وحفيد شخصيات بارزة في الحزب الليبرالي الديمقراطي

اليابان: شينزو آبي في ظل جده حتى الاغتيال السياسي

اليابان: شينزو آبي في ظل جده حتى الاغتيال السياسي

 - لم تكن رؤيته السياسية أصيلة وإنما حافظت على إرث جده: نوبوسوكي كيشي
- كان جده ضحية محاولة اغتيال وأصيب بجروح خطيرة جراء ستّ طعنات خنجر عام 1961، لكنه نجا


   صدم اغتيال شينزو آبي اليابان. لكن تأثير هذا الموت المأساوي سيكون ضئيلا على مستقبل الأرخبيل.
   ابن وحفيد شخصيات بارزة في الحزب الليبرالي الديمقراطي (جيمينتو)، كان شينزو آبي رئيس الوزراء الذي استطاع الاحتفاظ بمقعده لأطول فترة. رئيس للحكومة مرتين من عام 2006 إلى عام 2007 ثم من عام 2012 إلى عام 2020، كان آبي مناورا ماهرا استفاد من إضعاف الجناح الوسطي لحزبه.
   فرغم الخلافات التي أحدثتها تصريحاته وطموحاته، لم تكن رؤيته السياسية أصيلة بأي حال من الأحوال. لقد حافظت على إرث جده: نوبوسوكي كيشي.

  سُجن من قبل الأمريكيين أثناء التحضير لمحاكمة طوكيو حيث تم الحكم على المسؤولين الرئيسيين عن اعتداءات اليابان قبل وأثناء حرب المحيط الهادئ، لتتم إزالته أخيرًا من قائمة المتهمين، يعتبر كيشي أحد الرجال الذين قاد تفكيرهم السياسي اليابان بشكل حاسم.
   كان كيشي تكنوقراطًا سابقًا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالفصائل العسكرية للجيش الإمبراطوري، وبدأ مسيرته كتكنوقراط مسؤول عن التنمية الصناعية لمانشوكو، الدولة الدمية التي أنشأها الجيش الإمبراطوري في منشوريا بعد غزوه لشمال شرق الصين خلال سقوط 1931.

   في نفس الوقت، حريصًا على التنمية الاقتصادية، صارمًا في رغبته في رفع اليابان إلى القمة، ولكنه براغماتيًا، وحتى انتهازيًا، في السعي لتحقيق أهدافه، واستخلاص الدروس من هزيمة عام 1945، لقد اختار كيشي خطًا سياسيًا متناقضًا ظل قائماً على يمين جيمينتو والذي اتبعه آبي.
   يعتمد هذا الخط على ثلاثة عناصر: تعزيز الاقتصاد، والتوافق غير المشروط مع الولايات المتحدة في الخارج، وداخليًا، شنّ ما يسمّى الآن “الحرب الثقافية”، أي التمسك بالقيم التي من المفترض أن تجسد “هويّة اليابان”-”روحها”-وتتمحور حول احترام وطاعة السلطة.

   هذه النقطة الأخيرة، التي لا يمكن التوفيق بينها على ما يبدو مع التحالف مع الأمريكيين، تقود إلى مراجعة تاريخية لا تتزحزح وسوقها رائجة اليوم. تهدف إعادة كتابة التاريخ هذه إلى تبرئة الجيش الإمبراطوري من الفظائع التي ارتكبها قبل هزيمته عام 1945. ويتمثل الرهان في الحفاظ على هيبته وهيبة السلطة الإمبراطورية، الى حدّ الذهاب الى معارضة الإمبراطور.

سردية تعديلية لجده
   في تناقضات بلد التناقضات، تلك التي لم يتم حلها على مدار عقود، جاءت واحدة من أكثر المعارضات حزمًا لهذا الاستخدام السياسي للمؤسسة الإمبراطورية، بما في ذلك عندما كان آبي على رأس الدولة، من ... المؤسسة الإمبراطورية نفسها. يحرص التاج على حماية نفسه من التدخل وغير ذلك من أنماط التلاعب السياسي. الى درجة أن الإمبراطور أكيهيتو، الذي امتد حكمه من عام 1990 إلى تنازله عن العرش عام 2019، كان يُعتبر أحد أكبر المعارضين لآبي.

   في السردية التحريفية، هُزم الجنود اليابانيون بالتأكيد، ولكن يجب أن تحتفل الأجيال التالية ببطولتهم لأنهم قاتلوا بنكران ذات مطلق حتى التضحية المطلقة من أجل الصالح العام لليابان.
   تمسك آبي بدقة بهذه السياسة. كان أحد أهدافه، المأخوذ عن جده، محو الطبيعة “السلمية” للدستور الذي فرضه الأمريكيون على اليابان بعد عام 1945. ذهب آبي إلى أبعد من ذلك بإثارة إمكانية وضع أسلحة نووية أمريكية في القواعد التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في البلاد، وبالتالي كسر المحرمات في الأرخبيل الخالي من الأسلحة النووية الذي خلفه تدمير هيروشيما وناغازاكي.

   ويستجيب هذا التعديل الدستوري جزئيًا لحالة طوارئ: الارتفاع الهائل في القوة العسكرية للصين، والتهديد الدائم لكوريا الشمالية، التي تسعى إلى تصنيع ترسانة من الصواريخ النووية.

   ويُنظر إلى بكين على أنها خطر متزايد حيث لا تزال مسألة وضع تايوان دون حل. ومع ذلك، من الناحية الاستراتيجية، تعد تايوان قضية حاسمة بالنسبة لليابان. تغلق هذه الجزيرة الممرات البحرية على طول الحافة الغربية للمحيط الهادئ، وسيؤدي استيلاء الجمهورية الشعبية عليها إلى بتر المنطقة الأمنية اليابانية إلى حد كبير.   لذلك فإن المراجعة الدستورية ضرورة تمليها احتياجات ماسّة جيوسياسية.
   على المستوى الشخصي، أظهر آبي المزيد من الحزم ضد بيونغ يانغ منه ضد بكين. ويستجيب هذا التحذير اللفظي لبعد تكتيكي... الصين لقمة كبيرة. ومن ناحية أخرى، بالنسبة للدوائر الصناعية اليابانية، تعتبر الصين المزدهرة أكثر حيوية من نظام كيم جونغ أون المفلس.
   لكن هذا الانفراج الشكلي لم يفرمل آبي الذي قام بتسريع إعادة تسليح اليابان بهدف جعلها قوة بحرية عظيمة.

كلام مزدوج
   تتغذى هذه المراجعة من المعركة ضد ما يسميه التيار المحيط بمؤيدي آبي “التاريخ الماسوشي”. تم دحض تحليل الماضي الذي يدين تصرفات الجيش الإمبراطوري الياباني أثناء الحرب ككل. ونجد نفس هذه الرغبة في تحويل التاريخ إلى أداة سياسية لدى بعض اليمين وفي أقصى اليمين في فرنسا وغيرها من البلاد الاوروبية، في مواجهة من يدينون الإرث الاستعماري ويدعون الى الاعتذار وعلى وجه الخصوص إمبريالية الاستعمار الفرنسي في الجزائر أو العبودية في جزر المحيط الهندي الغربية.   ومن هنا جاء خطابه المزدوج، مثل جده الذي، خلال رحلاته عبر آسيا كرئيس للوزراء، اعترف نصفًا بـ “معاناة الحرب” التي تسبب فيها مواطنوه، وفي نفس الوقت، أراد، إن لم يكن، إعادة تأهيل مجرمي الحرب المحكوم عليهم في محاكمة طوكيو، وعلى الأقل تخفيف الأحكام الصادرة ضدهم.

   خلال خطابه أمام الكونجرس الأمريكي، اعترف شينزو آبي بعبارات متفاوتة في وضوحها بمسؤولية اليابان، ومباشرة إثر عودته، انتقد “التاريخ الماسوشي”. وهكذا كان آبي أول رئيس حكومة يمارس مهامه، وإن كان ذلك بصفته الشخصية -يمتلك اليمين الياباني إحساسًا بتلطيف الحدة -بزيارة حرم معبد ياسوكوني، وهو مكان مرتفع في طوكيو، حيث تُكرّم أرواح الجنود الذين سقطوا في ساحة المعركة، ومنهم الذين أُعدموا لارتكابهم جرائم حرب.
   في النهاية، حصاد آبي ليس وفيرا فيما أنجزه شخصيًا. ومن الأفضل أن نرى وراء احتفاظه بالسلطة موجة الاحتقان التي بدأت في الخمسينات والتي عبّر عنها جدّه أيديولوجياً.

   تم تهميشها في الستينات لمّا كان اليسار قوياً وحتى نهاية السبعينات عندما كان جيمينتو في أيدي الوسطيين، ومع مرور الوقت، تمكن هذا اليمين من تقليص المعارضة. وفي هذا الصدد، تتبع اليابان تيّارا عالميًا نحو اتجاه المجتمعات الديمقراطية الى اليمين.
    لم يخف آبي أبدًا إعجابه الشديد بجدّه كيشي -أكثر بكثير من إعجابه بوالده، شينتارو آبي، الذي كان وزيرًا للخارجية قبل وفاته عام 1991، ولكنه كان أقل حضورا وسطوة.
   في ظل جده، سار آبي طوال حياته حتى تشاء الصدفة ان يكون ضحية هجوم سياسي مثل جده. أصيب كيشي بجروح خطيرة من ستّ طعنات خنجر عام 1961، ونجا... ولم يكن حفيده محظوظًا مثله.