ما بعد 11 سبتمبر 2001

اليمين المتطرف، المنسي الأكبر في الحرب على الإرهاب...!

اليمين المتطرف، المنسي الأكبر في الحرب على الإرهاب...!

- بين 2010 و2020، كان ما يفوق 75 بالمائة من القتلى على أيدي متطرفين في الولايات المتحدة، ضحايا اليمين المتطرف
- لم يكن المحرضون على هذه الأعمال مختبئين في كهف بعيد في أفغانستان، ولكن في البيت الأبيض
- دور “حاسم” للإنترنت في نشر الدعاية المتطرفة سواء كانت جهادية أو من أقصى اليمين أو أقصى اليسار
- ركزت منذ هجمات عام 2001 على عدو بعيد، تواجه الولايات المتحدة الآن إرهابًا «محليًا»
- لم تنته الولايات المتحدة من مواجهة تحدي الإرهاب، سواء كان مقره في قندهار أو شارلوتسفيل


في سبتمبر 2001، قام إرهابيو القاعدة باختطاف أربع طائرات: واحدة لكل برج في مركز التجارة العالمي، وثالثة للبنتاغون، ورابعة لمبنى الكابيتول. تم إنقاذ معبد الديمقراطية الأمريكية في اللحظة الأخيرة بتدخل الركاب على متن رحلة يونايتد إيرلاينز 93، والذين أحبطوا خطة الإرهابيين، وتحطمت الطائرة في الأخير في حقل في ولاية بنسلفانيا.   تريليونات الدولارات ومئات الآلاف من القتلى وعشرين عامًا من التدخل العسكري لاحقًا، سيكون هذا الكابيتول نفسه هدفًا لهجوم آخر، وهذه المرة نفذه مواطنون أمريكيون، في 6 يناير 2021. “تمرد” قاده “إرهابيون”، بحسب عدد من أعضاء الكونجرس.

   في أعقاب الصدمة، حتى لو كانت الخسائر البشرية “أربع وفيات” لا تضاهى، لم يتردد بعض المعلقين في ربط الحادثة بكارثة 11 سبتمبر 2001. وبعد شهر من أعمال الشغب، حاول مجلس النواب تمرير قانون يسمح بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة من الحزبين يُفترض أن تحقق في الحادث، بالاعتماد صراحة على القانون الذي تم صياغته عام 2002 بعد 11 سبتمبر، لكن تم منع المشروع في الأخير من قبل الجمهوريين   في مجلس الشيوخ. وكما كان الحال عام 2001، فإن أجهزة الاستخبارات، ولا سيما مكتب التحقيقات الفيدرالي، متهمة أيضًا بالفشل في التكيّف مع تهديد ناشئ رغم وجود العديد من بطاقات الإنذار الحمراء.

«الإرهاب الداخلي»
   منذ عام 2001، تعرضت الولايات المتحدة لهجمات أخرى مستوحاة من الإرهابيين، ولكن نادرًا ما يتم تمويلها من الخارج. تم إطلاق النار على فورت هود عام 2009 (13 قتيلًا) من قبل رجل على اتصال بزعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تمامًا مثل قاعدة بينساكولا البحرية عام 2019 (ثلاثة قتلى). لكن هجمات سان برناردينو عام 2015 (14 قتيلاً)، وأورلاندو عام 2016 (49 قتيلاً) ونيويورك عام 2017 (ثمانية قتلى)، ارتكبها سكان أمريكيون يعلنون بالتأكيد انتماءهم إلى تنظيم داعش إلا أنهم تصرفوا دون دعم التنظيم، ويعتبر تبني الجماعة الإرهابية للعمليات خطوة انتهازية.

   في الوقت نفسه ، على مدى السنوات الخمس الماضية، أدت العديد من عمليات القتل الجماعي التي ارتكبها اليمين المتطرف إلى الحداد في الولايات المتحدة. عام 2019، قُتل 23 شخصًا في مركز تجاري في إل باسو بولاية تكساس... القاتل، استلهم جريمته من مذبحة كرايستشيرش بنيوزيلندا ومن النظرية العنصرية “الاستبدال العظيم”، وأعلن للشرطة أنه يريد قتل “أكبر عدد ممكن من المكسيكيين».
  قبل ذلك بعام، عام 2018، قُتل 11 شخصًا في حفل أقيم في كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ، بنسلفانيا، على يد أمريكي لم يخفِ معادته للسامية. وعام 2015، قتل المتعصب ديلان روف تسعة أمريكيين من أصل أفريقي في كنيسة في تشارلستون. واعترف بأنه تصرّف على أمل إثارة حرب أهلية عنصرية.

  في يونيو الماضي، أعلن أليخاندرو مايوركاس، وزير الأمن الداخلي للولايات المتحدة -جهاز أنشأه جورج بوش الابن عام 2002 ردًا على هجمات 11 سبتمبر -أنه يعتبر الآن “الإرهاب الداخلي” (يعني: الأعمال الإرهابية المرتكبة من قبل مواطنين أمريكيين أو مقيمين دائمين في الولايات المتحدة وليس من قبل جهات أجنبية) كتهديد أمني ذي أولوية. وأمام مجلس الشيوخ، أكد مايوركاس أيضًا، أن هذا التهديد الداخلي جاء أساسًا من اتباع نظرية تفوق الرجل الأبيض، وهم نفس الأشخاص الذين كانوا حاضرين بأعداد غفيرة بين مهاجمي مبنى الكابيتول.
   تغيير جذري في اللهجة بعد سنوات ترامب، حيث فضل الرئيس الأمريكي السابق في كثير من الأحيان توجيه أصابع الاتهام إلى الخطر المفترض لـ “اليسار الراديكالي”، بينما ذهب أنصاره إلى حد التلويح بـ “مؤامرة أنتيفا” -نفتها تحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي -بعد أحداث 6 يناير.

لم يسجّل منذ ربع قرن
   الأرقام تحكي فعلا قصة مختلفة تمامًا عن رواية المستأجر السابق للبيت الأبيض. حسب رابطة مكافحة التشهير، وهي منظمة غير حكومية أمريكية مناهضة للعنصرية، بين 2010 و2020، كان ما يفوق عن 75 بالمائة من القتلى في الولايات المتحدة في عمليات قتل على أيدي المتطرفين، ضحايا لعناصر من اليمين المتطرف، أي 323 حالة وفاة من أصل 429. وهنا مرة أخرى، تم اتهام أيديولوجية تفوق البيض في الغالبية العظمى من هذه الوفيات مع 248 ضحية، أو 58 بالمائة من المجموع.

    أقل إثارة للجدل من تلك الخاصة بـ رابطة مكافحة التشهير (التي تأخذ في الاعتبار جميع جرائم القتل التي ارتكبها المتطرفون، سواء كانت مدفوعة بأيديولوجيتهم أو لم تكن في وقت الفعل)، تؤكد دراسات أخرى هذا الاتجاه. مثل قاعدة بيانات الجرائم المتطرفة، وهي قاعدة بيانات أنشأها باحثون أمريكيون حول الأعمال الإرهابية، سواء كانت محلية أم لا، وعلى مدى فترة أطول. وهكذا، بين 1990 و2019، قُتل ما مجموعه 3150 شخصًا على الأراضي الأمريكية على يد الإسلامويين، مقابل 513 على يد اليمين المتطرف.

   ولكن، من خلال عزل التفرّد الإحصائي للهجمات الأكثر دموية التي ارتكبها كل “معسكر” (11 سبتمبر وتفجير أوكلاهوما عام 1995، والتي ظلت الهجوم الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة حتى عام 2001)، فإن التوازن ينقلب مع 345 قتيلًا بسبب هجمات المتطرفين اليمينيين، ضد 154 من قبل الإسلامويين.   أخيرًا، تشير دراسة حديثة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أيضًا، إلى زيادة الإرهاب المحلي وتشير، هنا ايضا، إلى بروز الأفعال التي يرتكبها “المتعصبون للبيض، وكارهو الإسلام، والمتطرفون المعارضون للدولة وينتمون إلى اليمين المتطرف”، مع انفجار الحوادث عام 2020.
  وحسب هذه الدراسة، فإن اليمين المتطرف مسؤول منذ عام 2015 عن مقتل 91 شخصًا. رقم لم يسجّل مطلقا منذ ربع قرن. ومع ذلك، اعترف مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2019 بأن 20 بالمائة فقط من أعوانه يعملون على ملف الإرهاب المحلي.

«11 سبتمبر على الشبكات الاجتماعية»
   بالنسبة للكثيرين، لم يكن المحرضون على هذه الأعمال مختبئين في كهف بعيد في أفغانستان، وإنما في البيت الأبيض. في أعقاب مذبحة بيتسبرغ عام 2018، ورط حاخام الكنيس المستهدف مباشرة دونالد ترامب، متّهما “خطاب الكراهية” الذي يلقيه. في الواقع، انفجر الإرهاب المحلي وإطلاق النار الجماعي خلال فترة ولايته.
     إن عمى أجهزة الأمن الأمريكية، التي يحتكرها التهديد المتطرف، يسبق بالتأكيد وصول الملياردير إلى السلطة. لكن ترامب قدم أيضًا في بعض الأحيان دعمًا ضمنيًا، على سبيل المثال بعد اغتيال هيذر هاير في تجمع لليمين المتطرف في شارلوتسفيل عام 2017، حيث سوّى في البداية بين نشطاء اليمين البديل والمناهضين للفاشية. وقدم سبعة من ضباط الشرطة الذين كانوا حاضرين أثناء الهجوم على مبنى الكابيتول، شكوى ضد دونالد ترامب، وحمّلوه المسؤولية شخصيا.
    التطرف عبر الإنترنت، وهي ظاهرة برزت أيضًا في المقدمة بعد ارتفاع التهديد الإرهابي ، أصبحت الآن موضوعًا مقلقًا أيضًا لدورها في الفعل العنيف للمتطرفين اليمينيين. تم تبنّي مذبحة إل باسو، مثل غيرها، في منتدى 8 تشان، وهي وكر حقيقي للتطرف على ملك جيم واتكينز، من داعمي الرئيس الأمريكي السابق، وكذلك حركة كيو أنون. وهناك أيضًا مثال إرهابي كرايستشيرش في نيوزيلندا، الذي قتل 51 من المصلين المسلمين في المساجد في مارس 2019.

   الاتجاه لا يثير قلق الولايات المتحدة فقط. في أعقاب الهجوم على مبنى الكابيتول، تحدث المفوض الأوروبي للسوق الداخلية تييري بريتون عن “11 سبتمبر الشبكات الاجتماعية”، مشيرا إلى أنها تتعلق بـ “مسألة بقاء الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين”، وشجع الإدارة الأمريكية الجديدة على الانضمام إلى جهود الاتحاد الأوروبي في مكافحة الدعاية الإرهابية على الإنترنت.

   وفي أحدث تقرير سنوي عن وضع واتجاهات الإرهاب في الاتحاد الأوروبي لليوروبول، أكدت كاثرين دي بول، مديرة الوكالة، أيضًا على الدور “الحاسم” للإنترنت في نشر الدعاية المتطرفة سواء كانت جهادية أو أقصى اليمين أو أقصى اليسار.   بعد أربع سنوات من الإنكار في البيت الأبيض، كان جو بايدن حريصًا على إبلاغ الكونغرس بأننا “لن نتجاهل ما حددته وكالات استخباراتنا، فإن التهديد الإرهابي الأكثر دموية للوطن اليوم يأتي من الإرهاب العنصري الأبيض”. وهكذا انضمت الولايات المتحدة أخيرًا إلى مبادرة نداء كرايستشيرش لاستئصال محتوى الإرهاب من الإنترنت، التي أطلقت عام 2019 بعد المذبحة التي ارتكبها برينتون تارانت في نيوزيلندا، والتي نبذها ترامب في البداية.   أدت المبادرة على وجه الخصوص إلى إصلاح منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب، والذي يعمل الآن كمنتدى للنقاش بين حكومات حوالي خمسين دولة والفاعلين في مجال التكنولوجيا بشأن مكافحة نشر الدعاية الإرهابية والمحتوى المتطرف والإرهابي.

القائمة السوداء
   في الانتظار، وفي الولايات المتحدة تحديدا، يجب مراجعة ترسانة تشريعية كاملة. في يونيو الماضي، أعلنت إدارة بايدن عن بعض الإجراءات لمكافحة هذا التهديد، لا سيما مراقبة عناصر الشرطة أو الجيش المشتبه في انتمائهم لليمين المتطرف. لكن حتى الآن، صنفت أجهزة الأمن الأمريكية منظمات دولية فقط على أنها إرهابية، مثل القاعدة أو تنظيم داعش. وكان يجب انتظار أبريل 2020 حتى تنضم مجموعة يمينية متطرفة، الحركة الإمبراطورية الروسية، إلى قائمة مخصصة إلى حد كبير للمنظمات الإرهابية.
   يبقى أن نرى كيف التصرف ضد المنظمات الموجودة في قلب الولايات المتحدة، وبعضها، مثل مجموعة أتوموفن للنازيين الجدد، لها أيضًا صلات دولية. كما تم الاعتراف ببعض الجماعات الأمريكية على أنها إرهابية من قبل دول أخرى. كندا، على سبيل المثال، أضافت للتو مجموعة “براود بويز”، وهي جماعة فاشية جديدة مؤيدة لترامب، إلى قائمتها.
   لكن في الولايات المتحدة، على عكس المنظمات المصنفة على أنها إرهابية، لا يمكن التحقيق معهم ما لم يرتكبوا شيئًا غير قانوني. بعبارة أخرى، يمكن محاكمة مواطن أمريكي من قبل السلطات لقيامه بتبادل مع أحد أعضاء القاعدة، بينما يمكن للناشط اليميني المتطرف أن يبني بأمان ترسانة أسلحة حقيقية، طالما أنه يفعل ذلك بشكل قانوني، وهذا لا يشكل مشكلة في الولايات المتحدة.   بعد الهجوم على مبنى الكابيتول هيل، بدأت فكرة القائمة السوداء للمنظمات المحظورة على الأراضي الأمريكية في الانتشار. ولكن، مثلما سمحت الحرب العالمية على الإرهاب بارتكاب انتهاكات استبدادية خطيرة، يخشى البعض من إمكانية التحايل على مثل هذا الإجراء، الذي من شأنه أن يتعارض مع التعديل الأول.
   في مايو 2020، عندما اندلعت احتجاجات ضخمة في الشوارع الأمريكية بعد وفاة جورج فلويد، أعلن دونالد ترامب أنه يريد تصنيف حركة مكافحة الفاشية على أنها منظمة إرهابية. إجراء غير عملي في الواقع، لكنه يؤكد أنه، بعد عشرين عامًا من 11 سبتمبر، لم تنته الديمقراطية الأمريكية من مواجهة تحدي الإرهاب، سواء كان مقره في قندهار أو شارلوتسفيل.