رئيس الدولة والرئيس القبرصي يؤكدان أهمية العمل على ترسيخ أسباب السلام والاستقرار الإقليميين
لقد ولد بنفسه أسوأ كوابيسه
اليوم الذي ألقى فيه بوتين بفنلندا في أحضان الناتو
-- على مدى ثمانين عامًا، مال الفنلنديين والسويديين إلى احترام المصالح الأمنية السوفياتية ثم الروسية، كما حددها الكرملين
-- شكلت الاتفاقية، التي قنّنت مزيجًا من المصالح وانعدام الثقة والاحترام المتبادل، بداية الفنلدة
-- يحتل انضمام السويد وفنلندا إلى الأطلسي مرتبة عالية جدًا على مقياس ما هو بعيد الوقوع
-- ضم فنلندا والسويد سيساعد الناتو بشكل كبير من خلال تعزيز دفاعات إستونيا ولاتفيا وليتوانيا
في مواجهة التهديد الروسي، صوّت البرلمان الفنلندي على طلب عضوية الناتو. وبالنظر إلى التاريخ المضطرب بين البلدين، فإن للقرار أهمية تاريخية.
حقيقة أن فنلندا والسويد على وشك الانضمام إلى حلف الناتو هي أكثر إثارة مما تصوّره العديد من وسائل الإعلام. لم يحافظ البلدان على الحياد المدروس لعقود عديدة فحسب، بل فعلتا ذلك، وخاصة فنلندا، خضوعا لضغوط موسكو.
تمت صياغة مصطلح “الفنلدة” أثناء الحرب الباردة للإشارة إلى دولة مستقلة تسمح لقوة عظمى مجاورة ان تملي عليها سياستها الخارجية (وإلى حد ما المحلية).
في السبعينات، عندما أخذت ألمانيا الغربية زمام المبادرة في دفء العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، كان بعض المسؤولين الأمريكيين يخشون أن تستفيد موسكو من هذا الانفتاح و “تفنلد” حليفها في خط المواجهة بين الشرق والغرب. وقبل بضعة أشهر، عندما حاصر جيش فلاديمير بوتين أوكرانيا، اقترح البعض الفنلدة لتجنب الغزو.
ولهذا السبب، أن تكون فنلندا، بمعيّة جارتها المحايدة السويد، على وشك الانضمام ليس فقط إلى أقوى تحالف عسكري في العالم، ولكن أيضًا إلى تحالف هدفه الرئيسي السيطرة على العدوان الروسي..
فإن الأمر يحتل مرتبة عالية جدًا على مقياس ما هو بعيد الوقوع.
بدافع من بوتين
كان غزو بوتين لأوكرانيا هو الدافع وراء هذه المبادرة. ولم يكن طلب عضوية الناتو مدرجًا في برنامج أي سياسي فنلندي أو سويدي قبل 24 فبراير؛ وكانت غالبية سكان هذين البلدين بعيدين عن الانجذاب لهذه الفكرة، على عكس اليوم.
ومع ذلك، فإن هذا النهج لا يأتي من العدم أيضًا. عام 1995، انضم البلدان (إلى جانب النمسا، نموذج آخر للحياد) إلى الاتحاد الأوروبي. في ذلك الوقت، انضمتا أيضًا إلى الشراكة من أجل السلام، وهو برنامج صممه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لمساعدة دول الكتلة السوفياتية السابقة والقوى المحايدة، على الاندماج مع الغرب من خلال اقتصاد السوق والمؤسسات الديمقراطية.
ولئن لم تكن الشراكة من أجل السلام تحالفًا عسكريًا، إلا أنها خططت لمساعدة هذه الدول على إصلاح جيوشها، مما يعني، من بين أشياء أخرى، شراء نفس الأسلحة مثل دول الناتو وتعلّم كيفية استخدامها.
يتذكر إيفو دالدر، أول سفير للرئيس باراك أوباما في الناتو، أنه عام 2009، عندما تولى منصبه، كانت فنلندا والسويد “في نفس مستوى” معايير وممارسات الناتو -وهو أحد الشروط المطلوبة للمطالبة بالانضمام إلى الحلف.
لقد نشرت الدولتان جنودًا في كوسوفو وأفغانستان، حتى أن السويد قدمت خدمات مخابراتية ومراقبة لعملية الناتو عام 2011 في ليبيا. لكن في ذلك الوقت، لم تكن لديهما أدنى رغبة في الانضمام إلى الناتو. ومع ذلك، فقد اختفت ذروة “الفنلدة” مع الحرب الباردة: لم يكن لدى أي زعيم روسي الوسائل للتأثير على السياسة الخارجية لفنلندا أو السويد، وبات البلدان أقرب ما يكون ليصبحا غربيين حتى النخاع.
ومع ذلك، تشـــــــترك فنلندا (ولا تــــــزال تشترك) في 1300 كيلومتر من الحـــــدود مع روسيا؛ وكان قادتها يعون جيدًا أن الجنود الروس يمكنهم عبورها دون صعوبــــــــــة كبيــــــــرة، ويدركــــــــون مصلحة الحفاظ على استقرار هذه الحــــــدود، وعدم اســــــتفزاز مســــــــتأجر الكرملين أو منحه الإحساس بأنه محاصر.
الفنلدة إلى الأمام
كان الموضوع أبعد ما يكون عن التجريد. في الواقع، في نوفمبر 1939، بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية، غزا الاتحاد السوفياتي فنلندا، بشكل أساسي لضمان أمن سانت بطرسبرغ (لينينغراد في ذلك الوقت) التي على بعد حوالي ثلاثين كيلومترًا من الحدود الفنلندية فقط.
قاوم الفنلنديون لأكثر من ثلاثة أشهر، وصدوا الدبابات السوفياتية بتكتيكات الكمائن “أسلاف الاستراتيجيات الأوكرانية الحالية، وفقًا للبعض”. انتهت “حرب الشتاء” بمعاهدة منحت روسيا 10 بالمائة من فنلندا مقابل ضمان السيادة الفنلندية. وشكلت هذه الاتفاقية، التي قننت مزيجًا من المصالح وانعدام الثقة والاحترام المتبادل، بداية الفنلدة.
على مدى الثمانين عامًا التالية، مال الفنلنديون والسويديون إلى احترام المصالح الأمنية السوفياتية ثم الروسية، كما حددها الكرملين، مع الانضمام إلى جميع المؤسسات الغربية باستثناء الناتو “الحلف الأكثر انخراطًا”، لسببين: أولاً، لإدراكهما أن ذلك سيؤدي إلى بارانويا الكرملين، وثانيًا، لعدم الاعتقاد أنهما بحاجة إلى حماية الناتو طالما ظلت علاقاتهما مع روسيا سلمية.
غزو بوتين لأوكرانيا غيّر كل شيء. لقد كشف عن اندلاع حالة من جنون العظمة داخل الكرملين، وبالنظر إلى الحقائق الجغرافية، أفهم الغزو الفنلنديين والسويديين أنه في النهاية، بعض الحماية قد تكون جيدة-لا سيما تلك التي تضمنها المادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي الأمر الذي يلزم الأعضاء باعتبار أي اعتداء على أحدهم اعتداءً على المجموعة بأكملها.
رصاصة في قدم بوتين
كما أن ضم فنلندا والسويد سيساعد الناتو بشكل كبير من خلال تعزيز دفاعات إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، والتي تعدّ من بين أعضاء الحلف الأصغر والأكثر ضعفًا في الشمال وعلى الجانب الآخر من بحر البلطيق.
لذلك، ولد بوتين بنفسه أسوأ كوابيسه.
منذ ثورة 1917، كان القادة السوفيات ثم الروس قلقين -دائمًا بإخلاص، وأحيانًا على حق -من “تطويق” أعدائهم الرأسماليين. وأعاد غزو أوكرانيا تنشيط الحلف الأطلسي باعتباره تحالفًا عسكريًا، وعمّق روابطه عبر المحيط الأطلسي مع الولايات المتحدة، بل وأجبر ألمانيا على رفع جديد في الإنفاق الدفاعي.
والآن، وفنلندا والسويد على وشك أن تصبحا العضوين الحادي والثلاثين والثاني والثلاثين في الناتو، تجد روسيا نفسها محاصرة بالمعنى الحرفي للكلمة -على طول حدودها الجنوبية والغربية والشمالية. لا يهم كم من الوقت سيبقى بوتين في السلطة، أو شخصية خليفته. لا شك أن فترة ولايته -عقدين من حكم زعيم يحنّ إلى إمبراطورية ويحلم بأن يكون رجلًا قويًا -ستُعتبر كارثة للأمن الروسي، والنكسة الأشد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، نظرًا للإرث السلبي بين البلدين، فمن الطبيعي أن تكون فنلندا هي التي وجهت الضربة القاضية.
-- شكلت الاتفاقية، التي قنّنت مزيجًا من المصالح وانعدام الثقة والاحترام المتبادل، بداية الفنلدة
-- يحتل انضمام السويد وفنلندا إلى الأطلسي مرتبة عالية جدًا على مقياس ما هو بعيد الوقوع
-- ضم فنلندا والسويد سيساعد الناتو بشكل كبير من خلال تعزيز دفاعات إستونيا ولاتفيا وليتوانيا
في مواجهة التهديد الروسي، صوّت البرلمان الفنلندي على طلب عضوية الناتو. وبالنظر إلى التاريخ المضطرب بين البلدين، فإن للقرار أهمية تاريخية.
حقيقة أن فنلندا والسويد على وشك الانضمام إلى حلف الناتو هي أكثر إثارة مما تصوّره العديد من وسائل الإعلام. لم يحافظ البلدان على الحياد المدروس لعقود عديدة فحسب، بل فعلتا ذلك، وخاصة فنلندا، خضوعا لضغوط موسكو.
تمت صياغة مصطلح “الفنلدة” أثناء الحرب الباردة للإشارة إلى دولة مستقلة تسمح لقوة عظمى مجاورة ان تملي عليها سياستها الخارجية (وإلى حد ما المحلية).
في السبعينات، عندما أخذت ألمانيا الغربية زمام المبادرة في دفء العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، كان بعض المسؤولين الأمريكيين يخشون أن تستفيد موسكو من هذا الانفتاح و “تفنلد” حليفها في خط المواجهة بين الشرق والغرب. وقبل بضعة أشهر، عندما حاصر جيش فلاديمير بوتين أوكرانيا، اقترح البعض الفنلدة لتجنب الغزو.
ولهذا السبب، أن تكون فنلندا، بمعيّة جارتها المحايدة السويد، على وشك الانضمام ليس فقط إلى أقوى تحالف عسكري في العالم، ولكن أيضًا إلى تحالف هدفه الرئيسي السيطرة على العدوان الروسي..
فإن الأمر يحتل مرتبة عالية جدًا على مقياس ما هو بعيد الوقوع.
بدافع من بوتين
كان غزو بوتين لأوكرانيا هو الدافع وراء هذه المبادرة. ولم يكن طلب عضوية الناتو مدرجًا في برنامج أي سياسي فنلندي أو سويدي قبل 24 فبراير؛ وكانت غالبية سكان هذين البلدين بعيدين عن الانجذاب لهذه الفكرة، على عكس اليوم.
ومع ذلك، فإن هذا النهج لا يأتي من العدم أيضًا. عام 1995، انضم البلدان (إلى جانب النمسا، نموذج آخر للحياد) إلى الاتحاد الأوروبي. في ذلك الوقت، انضمتا أيضًا إلى الشراكة من أجل السلام، وهو برنامج صممه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لمساعدة دول الكتلة السوفياتية السابقة والقوى المحايدة، على الاندماج مع الغرب من خلال اقتصاد السوق والمؤسسات الديمقراطية.
ولئن لم تكن الشراكة من أجل السلام تحالفًا عسكريًا، إلا أنها خططت لمساعدة هذه الدول على إصلاح جيوشها، مما يعني، من بين أشياء أخرى، شراء نفس الأسلحة مثل دول الناتو وتعلّم كيفية استخدامها.
يتذكر إيفو دالدر، أول سفير للرئيس باراك أوباما في الناتو، أنه عام 2009، عندما تولى منصبه، كانت فنلندا والسويد “في نفس مستوى” معايير وممارسات الناتو -وهو أحد الشروط المطلوبة للمطالبة بالانضمام إلى الحلف.
لقد نشرت الدولتان جنودًا في كوسوفو وأفغانستان، حتى أن السويد قدمت خدمات مخابراتية ومراقبة لعملية الناتو عام 2011 في ليبيا. لكن في ذلك الوقت، لم تكن لديهما أدنى رغبة في الانضمام إلى الناتو. ومع ذلك، فقد اختفت ذروة “الفنلدة” مع الحرب الباردة: لم يكن لدى أي زعيم روسي الوسائل للتأثير على السياسة الخارجية لفنلندا أو السويد، وبات البلدان أقرب ما يكون ليصبحا غربيين حتى النخاع.
ومع ذلك، تشـــــــترك فنلندا (ولا تــــــزال تشترك) في 1300 كيلومتر من الحـــــدود مع روسيا؛ وكان قادتها يعون جيدًا أن الجنود الروس يمكنهم عبورها دون صعوبــــــــــة كبيــــــــرة، ويدركــــــــون مصلحة الحفاظ على استقرار هذه الحــــــدود، وعدم اســــــتفزاز مســــــــتأجر الكرملين أو منحه الإحساس بأنه محاصر.
الفنلدة إلى الأمام
كان الموضوع أبعد ما يكون عن التجريد. في الواقع، في نوفمبر 1939، بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية، غزا الاتحاد السوفياتي فنلندا، بشكل أساسي لضمان أمن سانت بطرسبرغ (لينينغراد في ذلك الوقت) التي على بعد حوالي ثلاثين كيلومترًا من الحدود الفنلندية فقط.
قاوم الفنلنديون لأكثر من ثلاثة أشهر، وصدوا الدبابات السوفياتية بتكتيكات الكمائن “أسلاف الاستراتيجيات الأوكرانية الحالية، وفقًا للبعض”. انتهت “حرب الشتاء” بمعاهدة منحت روسيا 10 بالمائة من فنلندا مقابل ضمان السيادة الفنلندية. وشكلت هذه الاتفاقية، التي قننت مزيجًا من المصالح وانعدام الثقة والاحترام المتبادل، بداية الفنلدة.
على مدى الثمانين عامًا التالية، مال الفنلنديون والسويديون إلى احترام المصالح الأمنية السوفياتية ثم الروسية، كما حددها الكرملين، مع الانضمام إلى جميع المؤسسات الغربية باستثناء الناتو “الحلف الأكثر انخراطًا”، لسببين: أولاً، لإدراكهما أن ذلك سيؤدي إلى بارانويا الكرملين، وثانيًا، لعدم الاعتقاد أنهما بحاجة إلى حماية الناتو طالما ظلت علاقاتهما مع روسيا سلمية.
غزو بوتين لأوكرانيا غيّر كل شيء. لقد كشف عن اندلاع حالة من جنون العظمة داخل الكرملين، وبالنظر إلى الحقائق الجغرافية، أفهم الغزو الفنلنديين والسويديين أنه في النهاية، بعض الحماية قد تكون جيدة-لا سيما تلك التي تضمنها المادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي الأمر الذي يلزم الأعضاء باعتبار أي اعتداء على أحدهم اعتداءً على المجموعة بأكملها.
رصاصة في قدم بوتين
كما أن ضم فنلندا والسويد سيساعد الناتو بشكل كبير من خلال تعزيز دفاعات إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، والتي تعدّ من بين أعضاء الحلف الأصغر والأكثر ضعفًا في الشمال وعلى الجانب الآخر من بحر البلطيق.
لذلك، ولد بوتين بنفسه أسوأ كوابيسه.
منذ ثورة 1917، كان القادة السوفيات ثم الروس قلقين -دائمًا بإخلاص، وأحيانًا على حق -من “تطويق” أعدائهم الرأسماليين. وأعاد غزو أوكرانيا تنشيط الحلف الأطلسي باعتباره تحالفًا عسكريًا، وعمّق روابطه عبر المحيط الأطلسي مع الولايات المتحدة، بل وأجبر ألمانيا على رفع جديد في الإنفاق الدفاعي.
والآن، وفنلندا والسويد على وشك أن تصبحا العضوين الحادي والثلاثين والثاني والثلاثين في الناتو، تجد روسيا نفسها محاصرة بالمعنى الحرفي للكلمة -على طول حدودها الجنوبية والغربية والشمالية. لا يهم كم من الوقت سيبقى بوتين في السلطة، أو شخصية خليفته. لا شك أن فترة ولايته -عقدين من حكم زعيم يحنّ إلى إمبراطورية ويحلم بأن يكون رجلًا قويًا -ستُعتبر كارثة للأمن الروسي، والنكسة الأشد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، نظرًا للإرث السلبي بين البلدين، فمن الطبيعي أن تكون فنلندا هي التي وجهت الضربة القاضية.