رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لتسوية النزاعات والتحديات في العالم عبر الحوار والحلول الدبلوماسية
نقطة تحول تاريخية في حياة القارة
انقسامات وعنف.. ما هو خطر المد اليميني المتطرف على أوروبا؟
يشكل المد اليميني المتطرف في أوروبا، نقطة تحول تاريخية في حياة القارة، ويمثل هذا الزلزال السياسي، كما وصفته صحيفة “لوموند” الفرنسية، خطراً ليس على المهاجرين العرب والأجانب فحسب، وإنما على الأوروبيين أنفسهم، بحسب الخبراء والمحللين.
ففي الوقت الذي علت فيه التحذيرات من خطر هذه التحالفات اليمينية المتطرّفة على المهاجرين العرب، تزامنت معها مخاوف جديدة مما تمثله هذه الأحزاب التي تجاهر بجذورها الفاشية والنازية، من خطر على الأوروبيين أنفسهم. ويتفق معظم الباحثين على أن النهضة الأوروبية في التاريخ المعاصر، كانت نتيجة لتغييب هذا اليمين المتطرف، فماذا ستكون نتائج بروزه اليوم؟
وهل سيضمن هذا اليمين الحاكم الذي يعتبر أقلية، السلام والأمان للشعوب الأوروبية نفسها؟ خاصة بعد اعتبار الحادث الأخير في فرنسا بدايةً لربيع متطرف نثرت بذوره أحزاب اليمين منذ بداية العام الجاري.
على أنقاض فشل اليسار
وقال الناشط المدني والباحث في الشؤون الدولية، مارون توما، لـ “إرم نيوز”: إن اليمين المتطرف كسب بعض التأييد وحقق بعض التحالفات، بعد تنامي مشكلات اللاجئين والأزمات الاقتصادية، التي يرى الأوروبيون أن اليسار يتحمل جزءاً من مسؤوليتها، لا بل يتحمل مسؤولية ما حصل من حروب وثورات في بلدان اللاجئين».
وأضاف توما، وهو ناشط حقوقي وإنساني من أصول لبنانية ومقيم في فرنسا: “صعد اليمين المتطرف على أكتاف شعارات مصلحة الشعوب الخاصة مقابل المصلحة الأوروبية العامة، وقدم نفسه كحامي عرين الثقافة الأوروبية التي بدأت تتماهى مع حركة الهجرة».
وأثبتت الدراسات والأبحاث أن المشاعر السياسية اليمينية، نمت في أوروبا مؤخراً بسبب ضعف الاقتصاد ووصول اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعرية حكومات اليسار أمام الشعوب الأوروبية في ما يتعلق بمشكلات التضخم والمهاجرين وإدارة الأزمات. وكشفت دراسة قامت بها جامعة بنسلفانيا عن المظالم التاريخية التي ارتكزت عليها أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، والتي أسهمت في تفسير النجاح الانتخابي الذي حصلت عليه، وهي مكونة من مظالم التحديث، والمظالم الاقتصادية، والمظالم الثقافية.
وتابع توما: “اليوم ينظر بعض الأوروبيين لليمين على أنه حل بديلا لفشل سياسات اليسار على مدى سنوات عديدة في تأمين بدائل نفطية، وفي إغراق القارة بالمهاجرين، وهذه المسائل قادرة على جذب اهتمام الشارع الأوروبي كأولوية تغفل اكتراثه بخلفيات هذا اليمين النازية والفاشية والعنصرية».
التاريخ والواقع
ينذران بالويلات
وعن خطر اليمين المتطرف على القارة الأوروبية، قال توما “إن حكومات اليمين المتطرف تحاول نزع شيطنة خطابها وجعله مقبولاً، وتدعي أنها صوت الشعب المضطهد، وهي بالحقيقة وعلى مر التاريخ كانت بارعة في التنكر كحركة حرية ضد الحكومات المسيئة التي تتجاهل رغبات المواطنين. وبحسب الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور إبراهيم مسلم، فإن “أهم نتائج بروز اليمين المتطرف تكمن في سياسات الكراهية التي يروجها ضد الأجانب لكسب تعاطف جماهيره الشوفينية”، مضيفا لـ “إرم نيوز” أن “هذا سيكون له أثر كارثي على مستقبل الديمقراطية والأفكار التنويرية التي تنادي بها أوروبا منذ سنوات». وأوضح مسلم: “كل القيم التي صدعت بها أووربا رؤوس العالم المتمثلة في احترام حقوق الإنسان وكرامته وصون الحرية والتعددية والديمقراطية والحق في الاختلاف، سيسحقها انتشار اليمين المتطرف وهيمنته على تقاليد الحكم في القارة». ويرى مسلم أن اليمين لا يمثل خطراً فقط على المهاجرين الذين وصلوا حديثاً، وإنما على الأجانب الذين أصبحوا أوروبيين، وأولئك الذين ولدوا في أوروبا ولا يعرفون بلدانهم الأصلية، وفي بعض البلدان يمثل خطراً على بعض التكوينات الأوروبية الأصل، فهو يمارس تعصباً ويتبنى نهجاً إقصائياً بحق بعض الأوروبيين أنفسهم. وبيّن: “لذلك فإن حقيقة أن صعود اليمين مرتبط بعدم الاستقرار في المجتمع الأوربي، وإفساد تنوعه وانفتاحه على بعضه وعلى الآخر، حقيقة لا يشق لها غبار».
انقسامات محلية
ودولية برعاية اليمين
ويرجح بعض الباحثين أن يتوسع هذا الانقسام المغذى يمينياً ليصبح على نطاق دولي، ويحذرون من خطر بروز انقسامات وتكتلات جديدة داخل الاتحاد تضعف الموقف الدولي الأوروبي في المحافل الدولية.
وطالبت السلطات البولندية الشهر الماضي بـ 1.3 ترليون يورو من ألمانيا كتعويض عن الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب العالمية الثانية، في إجراء هو الأول الذي تقوم به بولندا بشكل علني وبطلب رسمي. وقرأ عدد من النقاد هذه الخطوة على أنها جزء من الاستراتيجية الشعبوية لحزب القانون والعدالة اليميني في بولندا، خاصة أنه جاء قبل الانتخابات التي ستُجرى العام المقبل، وهو يتوافق مع سياسات اليمين القائمة على تأجيج المشاعر الوطنية والقومية.
بدوره، قال الخبير في الاقتصاد السياسي المجري، باتيان لاسلو، لـ “إرم نيوز”: “هذا يعني أن الاتحاد في طريقه للانقسام، لأن اليمين المتطرف ينتهج سياسة حل المشكلات بطريقة جذرية أو حتى عنيفة، ويدعي القومية، لكن ليست كل القوميات من اليمين المتطرف، وحتى في الأماكن التي يتجه فيها اليمين إلى اليمين المتطرف، يمكننا أن نجد نصف السكان على الأقل يرفضون بشدة هذا اليمين المتطرف».
وأضاف لاسلو، الذي يدّرس الاقتصاد السياسي في جامعة ديبرتسن: “مثل هذا الإجراء الذي قام به اليمين البولندي، هو بالتأكيد سيكسب تأييد الشارع البولندي الذي يفتح ذراعه لأي إجراء كفيل بملء خزينة بلاده بالمال، لكنه في الوقت نفسه كفيل بالعبث بالعلاقات مع دولة جارة وقوية في الاتحاد الأوروبي».
وتابع لاسلو: “في ظل هيمنة اليمين على الحكم في بولندا وغيرها من الدول، يبقى المعارضون لليمين في موقف دفاعي، ويشعرون بأنهم طبقات لم تعد ممثلة، ليبقى المشهد السائد هو مشهد الخوف والقلق من عدم الاستقرار. والمزاج السائد مشحون ومتشائم من تغيير يوصف بأنه تدهور».
واعتبر لاسلو أن هذا الواقع أدى لنوع من الحرب الأهلية العقلية في أوروبا، وفي أي لحظة ستكون هذه الحرب شرارة للعنف الصريح، ليس بين أنصار اليمين واليسار فحسب، وإنما داخل اليمين نفسه، بين أولئك المتطرفين وأنصار اليمين المحافظ الذي لا يشكك في مبادئ وديمقراطية الآخر وقبلها عندما تم التصويت ضده». أما التيار اليميني المتطرف فلا يقبل بذلك، بحسب لاسلو، ويحاول تغيير أسس الديمقراطية ومحاربة الإعلام المستقل، وقمع المعارضة، ويبث السموم والكراهية ضد المهاجرين وضد المجتمع الأوروبي المتنوع عرقياً بشكل عام.
اعتداء باريس..
هل هو البداية؟
توجهت أصابع الاتهام منذ اللحظات الأولى التي تلت الحادث الأخير الذي وقع في فرنسا، واستهدف الأكراد، إلى اليمين المتطرف، قبل أن تظهر نتائج التحقيقات الأولى حتى وقبل أن تظهر هوية منفذ الهجوم وإعلان خلفياته اليمينية والعنصرية.
وهنا رأى الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور إبراهيم مسلم، أنه رغم التلويح بتورط الاستخبارات التركية في هذا الهجوم، فإنه لا شك أن المخطط بحث في أنصار اليمين المتطرف المسلح عمن جنّده لارتكاب هذه الجريمة، والدليل أن المنفذ يميني أبدى كراهيته للمهاجرين في أول تحقيق معه.
وأضاف مسلم: “منفذ هجوم باريس قال أنا تقصدت الكرد لأنهم يعتقلون عوائل داعش في سوريا، وهؤلاء الدواعش سيشكل إبقاؤهم أحياء تهديداً لفرنسا، وهذا الاعتقاد قابل لأن ينسحب على أي يميني يرى في المسلم أو المهاجر أو حتى الأوروبي خطراً على بلده وقوميته لكي يهاجمه، أحياناً بالكلمة وربما بالرصاص إذا سنحت له الفرصة».
أما الناشط المدني مارون توما، فقال: “الحادث الأخير الذي حصل في باريس يقدم نموذجاً خالصاً لاستغلال اليمين لهذه الأحداث وربما تغذيتها، حتى يصدر نفسه على أنه المخلص للشعوب الأوروبية، واضعا اليسار في أزمة أخلاقية وفشل سياسي وأمني واقتصادي».