بالنسبة لنتنياهو، لم تكن الورقة الاقتصادية كافية لتحييد حماس

بالنسبة لنتنياهو، لم تكن الورقة الاقتصادية كافية لتحييد حماس

رئيس الوزراء الإسرائيلي لعب بالورقة الاقتصادية عبثاً لشراء الهدوء مع حماس في قطاع غزة. لقد راهن بنيامين نتنياهو، الذي ظل في السلطة دون انقطاع تقريباً لمدة ثلاثة عشر عاماً، على أن تحسين الظروف المعيشية للسكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو أحد أكثر المناطق فقراً في العالم، من شأنه أن يهدئ الحماس الحربي لدى مسلحي حماس. ومن المؤكد أن الاشتباكات كانت تحدث بشكل دوري، على شكل إطلاق صواريخ فلسطينية تليها غارات جوية إسرائيلية انتقامية. لكن حدة هذه الصراعات المتفرقة لا علاقة لها بمئات من المسلحين الذين ينشرون الموت منذ يوم السبت على الأراضي الإسرائيلية.
 
ومن أجل الحفاظ على ما يشبه الهدوء، تفاوضت إسرائيل وحماس على سلسلة كاملة من وقف إطلاق النار بفضل وساطة مصر وقطر. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد وافق على بعض « اللفتات» كتعويض عن العودة إلى الهدوء. على سبيل المثال: زاد عدد تصاريح العمل التي أصدرتها إسرائيل للفلسطينيين في غزة بمقدار عشرة أضعاف خلال عامين ليصل إلى رقم قياسي قدره 20.000. 
ويمكن أن تكون الأجور المدفوعة في إسرائيل أعلى بعشر مرات من تلك الموجودة في قطاع غزة، حيث تؤثر البطالة على ما يقرب من نصف السكان و60% من الشباب. وقد مكن هذا التدفق من الأموال الجديدة مئات الآلاف من الأسر من البقاء على قيد الحياة. 
 
المساعدة القطرية
وكان نتينياهو و «شين بيت» و جهاز المخابرات الاسرائيلية مقتنعين أن حماس لن تعرض هذه المكاسب، غير المتوقعة ، للخطر، خوفا من إثارة «انتفاضة اجتماعية». ولإكمال الصورة، وافقت إسرائيل على أن تدفع قطر مساعدات لقطاع غزة بقيمة 30 مليون دولار شهرياً لمدة خمس سنوات.  ولطالما تم نقل هذه الأموال على شكل  مبالغ نقدية في حقائب سفر على متن سيارات تربط الأراضي الإسرائيلية بقطاع غزة. صحيح أن قطر لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ولكنها  لم تكن بأي حال من الأحوال عائقا أمام هذه المعاملات. وفي هذه الحالة أيضاً، كان الهدف هو إقناع حماس بأنها ستخسر كل شيء في الحرب. واستُخدمت الأموال القطرية لدفع جزء من رواتب الموظفين الحكوميين وأفراد الميليشيات، الذين يشكلون العمود الفقري لسلطة حماس، فضلاً عن دفع جزء من توزيع تبرعات بقيمة مائة دولار على عشرات الأسر الأكثر فقراً. 
 
كما سدد القطريون فاتورة استيراد الوقود لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة. وتم نقل هذا الوقود الذي تم الحصول عليه من الشركات الإسرائيلية بواسطة شاحنات إسرائيلية إلى الحدود مع غزة. باختصار، كان هذا الدعم بمثابة بالون أكسجين حقيقي، كان من المفترض ألا تتمكن حماس من الاستغناء عنه. هذا التشخيص تبين أنه خاطئ. فلقد تغلبت الإيديولوجية على العقلانية الاقتصادية.
 
 بالنسبة لبنيامين نتنياهو، كان لهذه السياسة هدف ثانٍ: إضعاف السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، المنافس الأكبر لحماس التي تسيطر على جزء من الضفة الغربية. ونقلت وسائل الإعلام أن نتنياهو أكد في لجنة صغيرة داخل حزب الليكود، أن معارضي إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية، حيث يستوطن نصف مليون إسرائيلي في المستوطنات، يجب أن يدعموا تحويلات الأموال إلى غزة. والنتيجة كانت أن الحكومات المتعاقبة لأكثر من عقد من الزمان بذلت كل ما في وسعها لإضعاف محمود عباس حتى أصبح غير قادر على اتخاذ أدنى خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية. لتحقيق هذا، قامت إسرائيل مرارا وتكرارا بتجميد استرداد ضرائب الاستيراد المفروضة على البضائع المستوردة إلى الضفة الغربية. لدرجة أن السلطة التنفيذية الفلسطينية، التي كانت تواجه بالفعل انخفاضًا في المساعدات الدولية، وجدت نفسها عمليًا في حالة توقف عن المدفوعات، مع خفض رواتب موظفي الخدمة المدنية. وقد فقدت السلطة مصداقيتها بشكل متزايد في عيون سكان الضفة الغربية. وكانت هذه العملية، على عكس ما حدث مع حماس، ناجحة تماما.