بايدن يسيء قراءة التاريخ.. خسائر انتخابية بانتظاره

بايدن يسيء قراءة التاريخ.. خسائر انتخابية بانتظاره


حذّر الكاتب السياسي في موقع "ذا واشنطن فري بيكون" ماثيو كونتينيتي الرئيس الأمريكي جو بايدن من الاتكال كثيراً على ما يمكن أن ينجزه اقتصادياً كي يوسع حضور حزبه في الكونغرس ويضمن بقاءه في البيت الأبيض سنة 2024.
ففي الخطاب الذي ألقاه أمام المشرعين الأربعاء، شدد بايدن على توجهه السياسي نحو اليسار، مع خطة توسيع الدور الحكومي في جميع نواحي المواطن الأمريكي تقريباً، بحسب تقييم الكاتب. ما يحصل وفقاً لرأيه هو تذكير بما حدث مع الديموقراطيين الذين قدموا برنامجاً انتخابياً وسطياً قبل أن يحكموا كليبيراليين. وهنا، يخاطر بايدن بعدم الاستفادة من دروس التاريخ.

الحلقة تعاود الدوران
حاول أوباما إلحاق الهزيمة بالريغانية. تحدث الرئيس الديموقراطي عن "تحويل الولايات المتحدة بشكل جذري" وقد أتى إلى واشنطن في 2009 حاملاً هدف تغيير مسار البلاد كما فعل رونالد ريغان منذ ثلاثة عقود. وقبل بلوغ يومه المئة في البيت الأبيض، ألقى خطاباً في جامعة جورج تاون وعد فيه بوضع "أساس جديد" للبلاد. وصفه أصدقاؤه في الإعلام بأنه فرانكلين ديلاور روزفلت الثاني. ما حصل تالياً معروف للأمريكيين. سيطر الجمهوريون على مجلس النواب في 2010، ومع مغادرة أوباما منصبه، سيطروا على واشنطن كما على الولايات. نجت الريغانية. اليوم، بعد 12 عاماً، تعيد الحلقة الدوران نفسه.

نظرية بايدن.. بلا مشاكل؟
هذه المرة أيضاً، تم تشبيه بايدن بفرانكلين روزفلت. يقال إن بايدن هو من دفن فكرة الحكومة المحدودة. وبايدن هو من يحيي اليوم المئة في منصبه مع خطط لإنفاق التريليونات في مختلف القطاعات. لم تخفف الانتكاسات السياسية لسنوات أوباما من طموحات بايدن بل عززت رغبته بتحويل غالبيته الضئيلة في الكونغرس إلى أداة نفوذ لتوسيع دور دولة الرعاية بحسب قراءة الكاتب.
يمتلك بايدن نظرية تجعله يظن أنه يستطيع تفادي مصير أوباما: لم ينفق كلينتون أو أوباما ما يكفي من الأموال لضمان تعافٍ اقتصادي قوي. ولم يعطيا الأولوية المطلقة للوظائف. كان حذرهما مسؤولاً عن الخسائر الديموقراطية في الانتخابات النصفية. وعبر فتح بوابات الإنفاق الفيديرالي، يأمل بايدن توسيع وتمديد الازدهار الاقتصادي لمرحلة ما بعد كورونا. بحسب نظرية بايدن التي سردها كونتينيتي، سيمنع النمو وتمددُ سوق العمل سيطرة الجمهوريين على واشنطن، بينما ستبدأ حقبة تقدمية ثانية. لكن لهذه النظرية مشكلة.

ما هو أهم من الدولارات
يرى كونتينيتي أن نظرية بايدن ترتكز إلى قراءة انتقائية سيئة للتاريخ. لم يكن الاقتصاد وحده ما جعل الديموقراطيين يخسرون في انتخابات 1994 و2010. لقد حدث ذلك أيضاً بسبب تحول الناخبين المستقلين للتصويت ضد المرشحين الذين خاضوا حملتهم كمعتدلين وحكموا كليبيراليين. لم يؤدِ ارتفاع نسبة البطالة إلى منع الجمهوريين من رفع عدد مقاعدهم سنة 2002. كذلك، لم ينقذ الازدهار الاقتصادي الجمهوريين من خسارة مجلس النواب في 2018. في جميع تلك الحالات، كان التقييم السياسي للرئيس، من قبل المستقلين خصوصاً، أهم من الدولارات.

ماذا حصل مع كلينتون؟
لم ينسب بايدن الكثير من الفضل لسجل الرؤساء الديموقراطيين السابقين. كانت نسبة البطالة 7.3% حين تم تنصيب كلينتون في يناير (كانون الثاني) 1993. في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994، انخفضت النسبة إلى 5.6%. في تلك الأثناء، نما الاقتصاد الأمريكي بـ 4% في الربع الثالث من سنة 1994. مع ذلك، فاز الجمهوريون بالمجلس النيابي للمرة الأولى منذ ثمانية أعوام بسبب كسبهم أصوات المستقلين بنسبة 56 إلى 44%. في استطلاعات الخروج، لم تكن الوظائف الهم الأول للناخبين، بل الجرائم. ولم تساعد في ذلك خطة كلينتون الصحية غير الشعبية.

أسباب فشل أوباما
في 2010، برزت نتائج مشابهة. صحيح أن أرقام الاقتصاد لم تقدم ما يمكن التباهي به، لكنها كانت تتحسن على الأقل. لقد أخذت نسبة البطالة تنخفض منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2009. اتسم النمو بالضعف، لكنه عاد. فاز الجمهوريون بـ 63 مقعداً في مجلس النواب وبـ 6 في مجلس الشيوخ لأن المستقلين رفضوا طريقة حكم أوباما. أوضح الكاتب أن المستقلين دعموا الجمهوريين بنسبة 56 إلى 37% وهو تحول بنسبة 8% من ناخبي الرئيس سنة 2008 نحو انتخاب الجمهوريين سنة 2010. كان الاقتصاد سبباً جزئياً. لكن قانون أوباما كير ظهر كعامل بارز أيضاً. كانت الرعاية الصحية ثاني أولوية لدى الناخبين في استطلاعات الخروج. دعا 48% منهم إلى إلغاء ذلك القانون.

دروس الجمهوريين
يشير كونتينيتي إلى أن بايدن لا يتذكر حتى ما حدث مع الرؤساء الجمهوريين. في نوفبمر 2002، كانت نسبة البطالة أعلى من نوفمبر 2000. لكن الحزب الجمهوري تمتع بسنة جيدة بسبب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) وبسبب الحملة الفعالة لحماية الأمن القومي. وفي 2018، فاز الديموقراطيون بالمجلس النيابي على الرغم من التوظيف الكامل والنمو المستدام. فالمستقلون الذين كانوا قد دعموا ترامب بغالبية ضئيلة في 2016، انقلبوا ضده وصوتوا للمرشحين الديموقراطيين بهامش 12%. لا لغز في الموضوع بحسب الكاتب. قال 38% من الناخبين إنهم كانوا يصوتون ضد ترامب. احتلت الرعاية الصحية المرتبة الأولى بين اهتمامات الناخبين الذين رفضوا احتمال إحلال بديل عن أوباما كير لم يوفر تغطية للظروف الصحية السابقة للقانون الجديد.

حتى فوات الأوان
لا تظهر البيانات فقط أن الاقتصاد أقل أهمية مما يتصوره البعض عن الانتخابات النصفية، بل هي تذكر أيضاً بأن الأيام المئة الأولى لا تحدد مصير الرئيس وحزبه، هذا المصير الذي يعتمد أكثر على أدائه خلال الأزمات غير المتوقعة. على الرغم من أن أرقام التأييد الشعبي لبايدن لا تزال إيجابية، وأرقام رفضه منخفضة، ثمة إشارات مقلقة. يحظى بايدن بتأييد المستقلين بما يتراوح بين 55 و59% بينما تعارض غالبية الناخبين طريقة تعامله مع الهجرة على الحدود الجنوبية. من خلال التركيز على خططه الاقتصادية الكبيرة، قد يتجاهل بايدن مخاوف الناخبين من الهجرة والجرائم والتضخم حتى فوات الأوان. ويختم كونتينيتي مقاله كاتباً أن بايدن يمكن أن يتفادى ارتكاب أخطاء أوباما، لكن لا يزال لديه الكثير من الوقت لارتكاب أخطائه الخاصة.