مجرّد بقائه يعدّ إنجازا

بريطانيا: بوريس جونسون، رغم الداء والأعداء...!

بريطانيا: بوريس جونسون، رغم الداء والأعداء...!

-- يمكن لعصر جونسون أن يمهد الطريق لممارسة غير محترمة وغير أخلاقية للسلطة
-- لا يبدو أن هناك منافسًا جديّا بما يكفي داخل المحافظين لخلافته
-- نجاته من حجب الثقة، يؤكد فرضية استمراره حتى موعد تشريعية ديسمبر 2024
-- منح نفسه حرية الالتفاف على القوانين والمؤسسات


   منذ انتخابه رئيسًا لحزب المحافظين في 23 يوليو 2019، تعرض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونســـون لســلسـلة من الانـزلاقـــات والفضائـــح، الى درجـــة أن طـــــول عمــــره الســــياسي يبدو وكأنه إنجاز.
 ومع ذلك، فإن الكشف عن مشاركته الشخصية في الحفلات المنظمة في مقر إقامته الرسمي في 10 داونينــج ســـتريت، ثم الغرامات التي كان عليه دفعها، لم تنل منه ولم تطح به.

 وعلى الرغم من عدم شعبيته الواضحة “69 بالمائة من الآراء السلبية مقابل 24 بالمائة، وفقًا لاستطلاع يوغوف في 2 يونيو 2022”، وميله للالتفاف على القانون والمؤسسات مع الإفلات التام من العقاب والصخب المتزايد داخل حزبه، ظل بوريس جونسون راسخًا بقوة في منصبه.
   في 6 يونيو، نجا حتى من اقتراح سحب الثقة الذي تقدم به في الأخير النواب الغاضبون، على الرغم من الضغط والترهيب الذي مورس عليهم من قبل “ســـياط” الحزب، النواب المكلفون تحديدًا بالحفاظ على الانضباط الانتخابي داخل الكتلة البرلمانية.

تمرّد المحافظين ضد زعيمهم
   استغرق الأمر أربعة عشر شهرًا منذ الكشف الأول، في 16 أبريل 2021 من قبل الديلي تلغراف، عن السهرات الخمرية المنظمة في حاشية رئيس الوزراء اثناء الحجر الصحي الكامل، واستقالة العديد من النواب، والانتخابات المحلية غير المواتية للمحافظين في 6 مايو الماضي “حيث خسروا 485 مقعدًا في المجالس البلدية”، واليوبيل البلاتيني احتفالا بمرور 70 عامًا على حكم إليزابيث الثانية، حيث أطلقت الجماهير صيحات استهجان ضد رئيس الوزراء، حتى يقرر ما لا يقل عن خمسين نائبًا محافظًا السعي للحصول على اقتراح بحجب الثقة ضد زعيمهم.
   هناك حاجة إلى عتبة 15 بالمائة من 359 نائبًا محافظًا في مناصبهم حاليًا، أي ما لا يقل عن 54 نائبًا يقدمون طلبا للجنة 1922، وهي هيكل يجمع فقط أعضاء البرلمان المحافظين وتشكل كيانًا مستقلاً عن فريق الإدارة حتى يتم تنظيم هذا التصويت. وقد جدد 211 نائبا مقابل 148 نائبا ثقتهم في زعيم حزب المحافظين الذي سيبقى اذن في منصبه لمدة عام آخر على الأقل دون أن يكون من الممكن تقديم اقتراح جديد.
   وعلى الرغم من أن هذه النتيجة قد تبدو مفاجئة نظرًا للانتقاد العنيف لرئيس الوزراء البريطاني في بلاده، إلا أن الإبقاء على بوريس جونسون كان مع ذلك متوقعًا، وذلك لأربعة أسباب رئيسية.

رجل البريكست القوي
    أولاً، وصوله إلى رأس الحزب، حدث في ظروف كانت مواتية له بشكل خاص. لعب اقتران عاملين على وجه الخصوص لصالحه: من ناحية، تزايد عدم شعبية تيريزا ماي، رئيسة الوزراء من يوليو 2017 إلى يوليو 2019، والتي اعتبرت عاجزة على التوصل إلى اتفاق بشأن البريكسيت في برلمان مشلول بسبب الانقسامات؛ ومن ناحية أخرى، استيلاءه الصاخب على السلطة على أساس سمعة فوضوية.
   عمدة لندن السابق “2008-2016”، الذي لم يتوقف أبدًا عن مضاعفة المغامرات خارج إطار الزواج ، اشتهر في التسعينات كصحفي يحب الإثارة وغالبًا ما يتلاعب بالحقيقة، قبل أن يصبح، أثناء حملة الاستفتاء في 23 يونيو 2016، ذاك البريكسيتي الشرس المستعد لمعارضة حزبه “رئيس الوزراء المحافظ، ديفيد كاميرون، الذي دافع عن بقاء البلاد في الاتحاد الأوروبي”، ثم، في ظل حكومة ماي “2016-2019” كوزير للخارجية مهمل وغير مهتم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه “ترك هذا المنصب في 2018».
   سمح له دوره المهم في نتيجة استفتاء عام 2016، والمفاوضات الصعبة مع الشركاء الأوروبيين في السنوات التالية، بالشروع في حملة ذكورية، وتموضع على أنه “رجل” البريكسيت القوي في مواجهة رئيسة وزراء اضعفتها موجة نقد شديدة. في يونيو 2019، استقالت تيريزا ماي من زعامة حزب المحافظين وخلفها بوريس جونسون بعد شهر.

انتصار الانتخابات التشريعية 2019
   ثانيًا، دعا جونسون إلى انتخابات مبكرة في 12 ديسمبر 2019 بهدف تعزيز أغلبيته. انتهت الانتخابات بنتيجة غير متوقعة للمحافظين: تم الحصول على 365 مقعدًا “أي أغلبية بحوالي 80 مقعدًا مقارنة بالمعارضة” بفضل غزو الدوائر الانتخابية في شمال إنجلترا، التي تاريخياً موالية لحزب العمال ولكنها صممت على رؤية بلادها تغادر الاتحاد الأوروبي ومحاربة الهجرة.
   لقد أدى وصول حوالي 50 من أعضاء البرلمان المحافظين الجدد إلى السلطة، والذين يعتقدون أنهم مدينون بمقاعدهم ومسيرتهم لبوريس جونسون، إلى تحصين الزعيم بطريقة ما ضد التمردات المحتملة داخل حزبه.
   استقالة أحد هؤلاء النواب، المنتخب بالقرب من مانشستر، كريستيان ويكفورد، للانضمام إلى معسكر حزب العمال، وهو أمر نادر الحدوث، فضلاً عن تشكيل فصائل مثل مجموعة الأبحاث الشمالية، التي جمعت هؤلاء النواب من الشمال، وفي سياق الوباء، مجموعة الشفاء من مرض كوفيد، التي تعارض القيود الصحية، أو مجموعة كومن سنس، بشكل أساسي في مكافحة ما يسمى بثقافة “الووك”، كان لها تأثير محدود فقط على حزب يتمتع بأغلبية قوية في مجلس العموم، والذي لطالما كان ينظر إلى تعدديته كعلامة على حيويته الديمقراطية.

عندما يصبح المحافظون
 على “اليسار»
   ثالثًا، ركزت حملة حزب المحافظين في ديسمبر 2019 على برنامج استثمار البنية التحتية التدخلية، لا سيما في الشمال، وتهدف إلى “رفع مستوى” المقدرة الشرائية للبريطانيين الأقل حظًا، وتعززت بسبب الأزمة الصحية، التي أجبرت الحكومة على اتخاذ تدابير لحماية الوظائف وتحسين أداء النظام الصحي.
   ساعدت هذه الإجراءات على إخفاء الآثار الاقتصادية للبريكسيت مؤقتًا ووضع حزب المحافظين على يسار الطيف السياسي بشأن القضايا الاقتصادية في مواجهة معارضة حزب عمال يجد صعوبة في التميّز.
   وحتى لو ارتفعت شعبية حزب العمل بشكل كبير منذ بداية عام 2022 “أحدث استطلاعات الرأي، مثل استطلاع يوغوف في 24 و25 مايو 2022، تضعه في المقدمة بثماني نقاط على المحافظين”، فإن هيمنة المحافظين في هذا التشكّل الجديد للمشهد السياسي، شفرت العرض السياسي وسمحت لجونسون باحتلال جزء كبير من الفضاء.

رئيس وزراء
لا يمكن المساس به؟
   وأخيراً، فإن الانتصار الانتخابي لشهر ديسمبر 2019 منح قداسة بطريقة ما لتفويض جونسون، وأعطاه الشرعية للتصرف بلا حدود تقريباً، وقد منح نفسه، إذا لزم الأمر، حرية الالتفاف على القانون والمؤسسات. لقد تعددت انحرافاته وتجاوزاته اللغوية، أو الأفعال المتهورة، أو للقول بشكل أقل اخلاقية، انتهاكاته ووقاحته المتعمدة، في طبع ولايته دون أن يتعرض للتهديد حقًا. ويبقى المثال الأكثر وضوحا هو تجميد البرلمان، أي القرار الأحادي الجانب بتعليق الجلسة البرلمانية لمدة خمسة أسابيع، الذي قرره جونسون في أغسطس 2019 واعتبرته المحكمة العليا للمملكة المتحدة غير قانوني.
   كان لهذا الحكم آثار محدودة على رئيس الوزراء، وساعد، على العكس من ذلك، في تأكيد الشعور العام بأنه وضع نفسه فوق القانون. في هذا المناخ من الإفلات الممنهج من العقاب، تمكن بوريس جونسون من النجاة بسهولة من فضيحة “بارتي غيت” من خلال دفع غرامة بسيطة وحتى الذهاب إلى أبعد من ذلك بتعديل مدونة السلوك الوزاري من أجل “إنقاذ جلده”. يمكن لعصر جونسون أن يمهد الطريق لممارسة غير محترمة وغير أخلاقية للسلطة.

   ولئن خرج رئيس الوزراء ضعيفًا من حلقة سحب الثقة، بما يشير إلى مدى السخط المتزايد بين المحافظين، والذي قد ينتهي بهزيمة المحافظين في الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة نظريًا في ديسمبر 2024، فان انتصاره مع ذلك يؤكد فرضية استمراره حتى هذا الموعد النهائي. بالتأكيد، لا يزال لدى الحزب الوسائل لتقديم اقتراح جديد بحجب الثقة في غضون عام، ولكن في مواجهة حزب عمال عاجز على إبعاد نفسه عن البرنامج الاقتصادي للحكومة، يبدو بوريس جونسون، الذي نجا من العديد من العواصف، غير قابل للتدمير.
   منذ فضيحة ريشي سوناك، وزير الخزانة “وزير الاقتصاد” التي تقيـــــم زوجته الغنية ضريبيا في الخـــــــارج، وعلى الرغـــــم من اختراق جيريمي هانت، الوزير السابق في حكومـــــة مـــــاي، والذي كان منافسه الرئيسي في الانتخابات لمنصب زعيم حزب المحافظين في يوليو 2019، لا يبـــــــدو أن هناك منافسًــــا جديـّا بمـا يكفي لخلافته.
 ويبدو أن الإرسال المبكر للقوات البريطانية إلى أوروبا الشرقية في سياق الحرب في أوكرانيا، قد أعاد البريق لصورة رئيس الوزراء الى درجة أن المدافعين عنه المتحمسين، مثل النائب السابق دانييل حنان، لا يترددون في مدحه على مواقع التواصل الاجتماعي وتتويجه “زعيما للعالم الحر”، مثل ونستون تشرشل، الذي كتب جونسون سيرة حياته، والذي يبقى، رغم كل الصعاب، نموذجه المطلق ...

*أستاذة الحضارة البريطانية، جامعة بورغوندي فرانش كونتيه. من مؤلفاتها: “الأحزاب السياسية في بريطانيا العظمى”، و”ملابس ديفيد كاميرون الجديدة... المحافظون البريطانيون 1990 -2010 «.