رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لتسوية النزاعات والتحديات في العالم عبر الحوار والحلول الدبلوماسية
سذاجة الغرب مع روسيا وتاريخها وثقافتها ودوافعها انكشفت أخيراً
بعد 100 عام من العزلة... أوكرانيا و «الحب في زمن الكوليرا»
رأى بوهدان نهيلو، رئيس تحرير موقع “كييف بوست”، أن سذاجة الغرب مع روسيا وتاريخها وثقافتها ودوافعها انكشفت أخيراً، وأن لحظة الحقيقة حانت. وأضاف الكاتب “ فقدت روسيا مكانتها عملاقاً دولياً، وسقطت عنها آخر أوراق التوت، وافتضح أمر الإمبراطور، ليس فقط القيصر بوتين، ولكن الروح الروسية المستبدة والإمبريالية الكاملة، وبدا عارياً وقبيحاً وساماً وخطيراً جداً».
أوجه قصور خطيرة
وأوضح في “كييف بوست” أن التلويح باستخدام الأسلحة النووية، مثل قعقعة السيوف، وتعبئة الجيوش في الماضي، ليس علامة على القوة، و على التفوق، بل يعكس عقلية البلطجة التي تسعى للتستر على أوجه القصور الخطيرة والادعاءات الخادعة.
وقال نيهلو، وهو مسؤول سابق في الأمم المتحدة ومستشار للسياسات ومدير لإذاعة راديو الحرية الأوكرانية، لفترة طويلة جداً، أسيء فهم روسيا في أشكالها المختلفة، ما أدى إلى تصورات ساذجة في الغرب، استغلها الأيديولوجيون السوفييت لدعم الروايات الروسية ضمنياً أو علناً.
قيصر روسيا الجديد
لتبرير عدوانه على أوكرانيا، أعلن بوتين مراراً وتكراراً أنها لم تكن موجودة، وأن لينين سمح بظهورها في أوائل عشرينيات القرن الماضي. وبصفته قيصر روسيا الجديد المؤقت، يدعي أنه المؤرخ المعدل لتاريخها الرسمي.
سيعرف أي متخصص يستحق الذكر أن إمبراطورة روسيا كاثرين الثانية، تبادلت مراسلات مع المفكر الفرنسي البارز في أوروبا في القرن الثامن عشر، فولتير. وبالعودة إلى 1731، كتب لها في رسالته الأولى “لطالما كانت أوكرانيا تتطلع إلى الحرية». عندما توفي فولتير قبل فترة وجيزة من الثورة الفرنسية، اشترت السلطات الروسية مكتبته بأكملها على عجل، مع مراسلاته، لفرض رقابة على الاتصالات بين رائد أوروبي مستنير ومناصرة للاستبداد الروسي، تتنكر في زي ليبرالي.
هزمت الإمبراطورية الروسية، وحلفائها الآخرين، نابليون في النهاية، وفي 1815 احتل الحلفاء باريس. ولكن ماذا حدث للضباط الروس الذين وصلوا إلى فرنسا ورأوا الفرق بين الإمبراطورية الأوراسية الأوتوقراطية المتخلفة، وأوروبا الحديثة في تلك الأيام؟
لقد حاولوا الانقلاب في ديسمبر -كانون الأول 1825 على الحكم المطلق الروسي. لسوء الحظ، هُزم “الديسمبريون” الليبراليون وأُعدموا أو سُجنوا. وللأسف، لم تشهد روسيا سوى لحظات قليلة من الديمقراطية الحقيقية.
أيقونات الثقافة الروسية
يُحسب لأوكرانيا أن ممثليها في منتصف القرن التاسع عشر لم ينحنوا بنفس الدرجة أمام القوة الإمبريالية للعرش القيصري الروسي، كما فعلت أيقونات الثقافة الروسية، بوشكين، ودوستويفسكي، وآخرين.
وقضى تاراس شيفتشينكو، الشاعر والفنان والحالم، الذي يُعتبر الصوت الملهم الذي يوقظ أوكرانيا الحديثة، 10 أعوام في السجن بين 1849 و1859 بسبب صراحته في إدانة استبداد روسيا والإمبريالية.
وحتى معاصره الأكثر غموضاً، نيكولاي غوغول، المعروف أيضاً بميكولا هوهول، فعل الكثير على طريقته لفضح التعفن وازدواجية النظام القيصري الروسي، باستخدام الفكاهة في هذا التأثير الدقيق. لكن الاستبداد الروسي سيطر بقوة. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حظر العديد من القياصرة الأوكرانية. وحتى مع الانتعاش الثقافي والسياسي الأوكراني رغم كل الصعاب، ظل الليبراليون الروس يجدون صعوبة في قبول فكرة أن الأوكرانيين ليسوا روساً، وأرادو أن يكونوا مسؤولين عن مصيرهم. بعد التخلص من النظام القيصري في أوائل 1917، بقيت العقلية والعادات القديمة. راوغ “الديمقراطيون” الروس وكانوا مترددين في ترك أوكرانيا تمضي في طريقها. بعد ذلك، في 1918-2020، خاضت القوات الروسية البيضاء، والحمراء حرباً أهلية، في أوكرانيا، حيث عارض الجانبان استقلالها.
وفي غضون ذلك، حارب الأوكرانيون لترسيخ ثورة وطنية والاستقلال، وهي حقيقة فضل الكثيرون في الغرب التغاضي عنها في ذلك الوقت، وفي الواقع الفعلي، لم يكونوا على دراية بها أو لم يهتموا بها حتى وقت قريب جداً.
فاز الروس الحمر أخيراً، ورغم سحق نضال أوكرانيا من أجل تقرير المصير بالقوة، اضطر الزعيم البلشفي الذي لا يرحم لينين، إلى الاعتراف بالواقع السياسي وقبول إنشاء اتحاد حر نظرياً للجمهوريات “السوفيتية” ذات سيادة، تضمنت أوكرانيا، باسم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.
الباقي الذي نعرفه، تنازلات اسمية من القيادة البلشفية في عشرينيات القرن الماضي. الإبادة الجماعية في هولودومور في 1932-1933 والتي تجاهلتها الديمقراطيات الغربية وعصبة الأمم، والتطهير، والغولاغ، والحرب العالمية الثانية، مع كل ما ترتب عنها من رعب وخسائر، والمقاومة المسلحة الأوكرانية بعد الحرب، والمزيد من القمع والترحيل الجماعي، ثم فترة ما بعد ستالين وسجن المنشقين الوطنيين وسيادة اللغة الروسية بالتدريج، الترويس.
لكن أوكرانيا صمدت، وفي أواخر الثمانينيات حسم انتعاشها الديمقراطي الوطني مصير النظام السوفياتي المتعثر. ولفترة وجيزة، في عهد الرئيس الروسي ما بعد الاتحاد السوفيتي بوريس يلتسين، بدا أن صفحة تاريخية طُويت، وانفتحت على حقبة جديدة في العلاقات بين الشرق والغرب، والعلاقات الأوكرانية الروسية.
بوتين الغامض
لم يمر وقت طويل حتى ظهر خليفته، بوتين، الناشئ السياسي ذو الماضي الغامض، على الساحة وبدأ تجميع القوة والثروة باللعب على العصاب الروسي، والبارانويا، وخداع الذات. تباهى بوتين بالقوة العسكرية، أولاً في الشيشان، وجورجيا، ثم مضى أبعد من ذلك، باستغلال الطاقة الروسية لأغراض سياسية واقتصادية، والتعريف بتاريخ الزحف الروسي، وإرضاء الشعور بالعظمة، والمناعة العسكرية، والإفلات من العقاب. استُغل كل ذلك للسماح بنمو نظام الكليبتوقراطية والاستبداد والشوفينية.
في أواخر 2013 وأوائل 2014، كشفت احتجاجات ميدان، وثورة الكرامة أن لدى جزء كبير من المجتمع الأوكراني، ما يكفي ويريد قطعاً حاسماً مع الأساليب القديمة والتدخل الروسي. وردت موسكو بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وجزء من دونباس الأوكرانية. قاومت أوكرانيا بأفضل ما في وسعها، بدعم سياسي متضارب من ألمانيا وفرنسا، في إطار نورماندي 4، حيث سمحتا لروسيا بتجاهل دور المعتدي.
في 2019، أظهرت الهزيمة المهينة لبترو بوروينكو في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية أن غالبية الناخبين الأوكرانيين كانوا غير راضين عن طريقة إدارته للبلاد بعد الآمال التي أثارتها ثورة الكرامة.
كان الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا في شباط -فبراير 2022 هو التغيير النهائي لقواعد اللعبة، حيث أدى لحشد الأوكرانيين، بغض النظر عن خلفيتهم الإقليمية، أو اللغوية، أو العرقية، خلف قضية دولة أوروبية مستقلة وديمقراطية، وأعطت الرئيس الجديد، فولوديمير زيلينسكي، الوافد السياسي الجديد، الفرصة للتميز قائداً في زمن الحرب.
إذا سعت موسكو من قبل إلى تقديم الوطنيين الأوكرانيين على أنهم من أتباع ستيبان بانديرا، الزعيم القومي الأوكراني الذي اغتاله كي جي بي بميونيخ في 1959، فعليها الآن أن تواجه أنها بسلوكها الهمجي حولت الأوكرانيين في شرق وجنوب البلاد، ومعظمهم من الناطقين بالروسية، إلى “قوميين أوكرانيين».
الحب في زمن الكوليرا
وفوق كل هذا، أبعدت روسيا “أصدقاءها” في الغرب وعزلت نفسها إلى درجة لم يكن ممكناً تصورها قبل عام أو عامين فقط.
وبعد ما يقرب من 11 شهراً من شن موسكو حربها الخاطفة ضد أوكرانيا، أصبح الأوكرانيون في هجوم لا في دفاع، مدعومين بمستوى غير مسبوق من التفاهم والدعم من الحلفاء الديمقراطيين في العالم الغربي.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: “يمكننا القول إن 100 عام من العزلة في أوكرانيا انتهت. وهي تنعم بتضامن جديد، يقترب من الحب، في زمن الكوليرا السياسية المجازية».