بعد 4 عقود.. لماذا سئم أكراد تركيا من القتال؟

بعد 4 عقود.. لماذا سئم أكراد تركيا من القتال؟


بعد نحو أربعة عقود من القتال المسلح الذي خاضه حزب العمال الكردستاني ضد الدولة التركية، يبدو أن لحظة تاريخية قد أزفت، يتخلى فيها المقاتلون عن البندقية لصالح العمل السياسي، فمشهد إحراق السلاح تحت عدسات الإعلام، وظهور عبد الله أوجالان مجدداً برسالة سياسية، لم يكن مجرد استعراض، بل إعلان عن تحوّل جذري في المسار الكردي داخل تركيا.
في هذا الإطار، تناول الكاتب والباحث البريطاني مات برومفيلد، من منصة «UnHerd»، خلفيات هذا التحول العميق، وما يحمله من أمل ومخاوف، في ظل تغيرات إقليمية متسارعة.
واستهل الكاتب مقاله بالرجوع إلى البدايات في عام 1984، حين أطلق حزب العمال الكردستاني شرارة النضال المسلح وسط أجواء الحرب الباردة.
واليوم، وبعد سنوات من المواجهة الدموية، يخرج المقاتلون من الجبال لتسليم أو إحراق أسلحتهم، في مشهد يرمز لنهاية عهد طويل من العنف.
وظهر الزعيم الكردي المعتقل عبد الله أوجالان عبر تسجيل مصور لأول مرة منذ أكثر من 25 عاماً، قائلاً: «استراتيجية التحرر الوطني المسلح قد أدّت دورها… لم أعد أؤمن بالبندقية، بل بقوة السياسة.»
شهدت مراسم نزع السلاح لقطات مؤثرة: مقاتلون بملابس كردية تقليدية يلتقون بمسؤولين أنيقين وإعلاميين عند سفح الجبل، في محاولة لتقديم صورة جديدة عن القضية الكردية. وحتى ظهور أوجالان بقميص من ماركة «لاكوس» أصبح محل تداول واسع في أوساط الأكراد، كرمز للتحول «من الكلاشنيكوف إلى السياسة».
ويشير الكاتب إلى أن اللحظة، رغم رمزيتها، مشحونة بالتساؤلات: هل يمكن الحديث عن «نصر» دون معاهدة رسمية؟ وما مصير التحالفات القديمة؟ وهل تضمن السياسة حقوق الأكراد كما كانت تعدهم البندقية؟
من كردستان العراق، ينقل الكاتب مقارنة حية بين تجربتين كرديتين مختلفتين:  تجربة حزب العمال الكردستاني القائمة على الكفاح المسلح والأفكار الثورية مثل الديمقراطية القاعدية، وتجربة كردستان العراق التي فضّلت بناء كيان شبه مستقل بدعم من الولايات المتحدة بعد عام 2003.
ورغم النجاح النسبي لمسار الدولة، فإن كثيراً من الأكراد يرونه مشوّهاً.
ويقول حافال أبو بكر، محافظ السليمانية: «لا توجد هنا دولة، بل سلطات متنازعة… ثورتنا الديمقراطية لم تترجم إلى شرعية حقيقية.»
وفيما تتفاخر أنقرة بإعلان «تركيا خالية من الإرهاب»، يُحاول الأكراد تصوير مشهد حرق السلاح على أنه مبادرة سلام.
واللافت أن المقاتلين لم يسلّموا أسلحتهم للجيش التركي، بل دمّروها بأنفسهم، في تقليد يذكّر بنيران النيروز، التي ترمز للتجدد والتحول.
لا يخفي الكاتب تشاؤله من إمكانية فشل هذا التحول، إذ تبقى احتمالات «الردّة» قائمة، خاصة مع غياب إشراف دولي حقيقي، واستمرار القصف التركي في بعض المناطق الكردية رغم إعلان التهدئة.
لكن رغم ذلك، يمتلك الأكراد حزباً سياسياً شرعياً داخل تركيا، ويجري العمل على نقل التأثير من الجناح العسكري إلى مؤسسات مدنية تتبنى رؤية أوجالان للفيدرالية والديمقراطية المحلية.
وقال الكاتب إن الانعكاسات لن تقتصر على الداخل التركي فقط. إذ قد يؤثر نجاح عملية السلام على مستقبل الأكراد في سوريا، حيث تسيطر جماعات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني على مناطق واسعة شمال شرقي البلاد. هذه الجماعات حاربت تنظيم داعش وتركيا، وتطمح لبناء كيان ديمقراطي محلي رغم الضغوط المتزايدة.
أما في العراق، فقد تتأثر علاقة بغداد وأربيل بأنقرة، خاصة في ظل وجود أكثر من 100 قاعدة تركية داخل الأراضي العراقية، وقصف متكرر يستهدف مناطق كردية، غالباً دون محاسبة. وقال الصحافي الكردي ربين بكير، الذي نجا من غارة قتلت اثنين من زملائه: «نحن صحافيون ولسنا مقاتلين، ومع ذلك استُهدفنا». واختتم الكاتب مقاله بالقول: لم تعد البندقية الكردية سيدة الموقف كما كانت في الثمانينات. فبعد سنوات من النزف والملاحقة والعنف، بدأ سؤال «ماذا بعد السلاح؟» يفرض نفسه»، مضيفاً أن التحول إلى السياسة ليس مجرد خيار أخلاقي، بل ضرورة استراتيجية في ظل عالم تتغير فيه الخرائط والتحالفات، لكن دون ضمانات دولية واضحة، يبقى الحذر سيد الموقف. فالطريق إلى السلام طويل وقديم وشائك، لكنه، ربما للمرة الأولى منذ عقود، أصبح قابلاً للتحقيق.