بعد الاعترافات المتتالية.. الدولة الفلسطينية تتطلب وحدة وطنية وخطة شاملة

بعد الاعترافات المتتالية.. الدولة الفلسطينية تتطلب وحدة وطنية وخطة شاملة


شهد العالم في 21 و22 سبتمبر -أيلول تحولاً بارزاً في السياسات الدولية تجاه القضية الفلسطينية، مع انضمام دول مؤثرة مثل كندا، وبريطانيا، وأستراليا، وفرنسا وبلجيكا إلى قائمة تضم أكثر من 150 دولة اعترفت بدولة فلسطين، في خطوة وصفها محللون بأنها منعطف تاريخي في الموقف الدولي من الصراع العربي–الإسرائيلي.
وفي هذا الإطار، قالت زيزيت دركزلي، زميلة مشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مركز “تشاتام هاوس” إن هذا الاعتراف مثّل انتصاراً رمزياً للفلسطينيين بعد عقود من المطالبة به، لكنه في الوقت ذاته يفرض على القيادة الفلسطينية مسؤولية كبرى في ترجمة هذا الزخم إلى خطوات عملية لبناء دولة قابلة للحياة.

عباس يرحب ونتانياهو يهاجم
أوضح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن هذا الاعتراف سيمكن “دولة فلسطين من العيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في أمن وسلام وحسن جوار».
في المقابل، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخطوة واعتبرها “مكافأة للإرهاب”، مضيفاً: “لن تقوم دولة فلسطينية غربي نهر الأردن”. ووصف وزير المالية الإسرائيلي المتشدد بتسلئيل سموتريتش الاعتراف بأنه “خطوة معادية لإسرائيل”، مؤكداً أن الرد يجب أن يكون بفرض “السيادة الكاملة على يهودا والسامرة”، في إشارة إلى الضفة الغربية.

الأمل رغم غياب الخطة
قالت الكاتبة إن الاعتراف جاء في وقت يشهد استمرار الحرب في غزة وتعثر أي مساعٍ حقيقية لوقف إطلاق النار، فضلاً عن غياب خطة سياسية لما بعد الحرب. وأضافت أن الفلسطينيين ينظرون إلى الاعتراف بوصفه بصيص أمل في ظل الانسداد السياسي والإنساني القائم، حتى وإن بقيت المعوقات الواقعية كبيرة، مثل احتمال تسريع إسرائيل لخطط ضم الضفة الغربية.

خطة وطنية مطلوبة
ورأت الكاتبة أن مسؤولية الفلسطينيين اليوم تتمثل في استثمار الاعتراف الدولي عبر بناء خطة وطنية جامعة تستند إلى إعلان نيويورك الصادر في يوليو -تموز الماضي عقب القمة التي نظمتها فرنسا والسعودية تحت مظلة “التحالف العالمي لتطبيق حل الدولتين».
وأضافت أن هذا الإعلان نص على تمكين دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة اقتصادياً، ومنح السلطة الفلسطينية وحدها الصلاحية الكاملة على الأمن والقانون والحكم.
وأكدت الباحثة أن “الخطوة التالية يجب أن تكون صياغة خطة عمل وطنية تفصيلية بجدول زمني واضح وأهداف محددة، تتبناها كل القوى والمؤسسات الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية».

إصلاحات وانتخابات
وشددت الكاتبة على أن الدول الداعمة للاعتراف تحتاج إلى وضوح أكبر في تحديد الإصلاحات المطلوبة. فبينما أشارت كندا إلى ضرورة إجراء انتخابات عامة عام 2026، بقيت تعابير مثل “إصلاحات جوهرية في الحكم” فضفاضة وغير عملية.
وقالت الباحثة: “من الضروري الإعداد لانتخابات وطنية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، بوصفها أداة لتجديد الشرعية وكسر الجمود السياسي”، مضيفة أن المجتمع الدولي يجب أن يلتزم مسبقاً باحترام نتائج الانتخابات.

العقبات القائمة
أوضحت الكاتبة أن الظروف القانونية والسياسية والأمنية الحالية، لا سيما في غزة، تجعل من المستحيل إجراء الانتخابات في المدى القريب، لكن يمكن البدء من الآن بتهيئة البيئة القانونية والمؤسسية لذلك.
وأشارت إلى أن خطوات مثل التحضير لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وتشكيل لجنة دستورية، تبعث برسائل إيجابية حول إمكانية تنظيم انتخابات شفافة وشاملة مستقبلاً، لكنها تحتاج إلى ضمانات أقوى للنزاهة والتعددية.

وحدة وطنية شاملة
وأكدت دركزلي أن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني يجب أن تشمل كافة الفصائل، إلى جانب اللاجئين في الشتات والجاليات الفلسطينية حول العالم. وقالت: “على حركة فتح أن تعيد ربط نفسها بفصائل منظمة التحرير التي أبعدتها خلال العقد المنصرم، بينما يجب أن تلتزم حماس بألا تكون معرقلاً، وأن تترجم استعدادها للتنحي عن حكم غزة ونزع سلاحها ضمن إطار واضح وملزم».
وأضافت: “حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم سابق على وجود حماس، وقائم قبل أحداث 7 أكتوبر».
وقالت الكاتبة إن الاعتراف وحده لا يكفي، بل يتطلب خطوات عملية لوقف الاستيطان الإسرائيلي ومنع تهجير الفلسطينيين قسراً. وأوضحت أن “الاعتراف الدولي سيكون بلا قيمة إذا لم يتبعه ضغط اقتصادي ودبلوماسي حقيقي لوقف سياسات الضم والتهجير».

الاعتراف بداية وليس نهاية
وتؤكد دركزلي أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية يمثل خطوة فارقة في مسار طويل، لكنه لا يشكل النهاية. وتقول: “المرحلة المقبلة ستختبر جدية المجتمع الدولي في مطابقة الأقوال بالأفعال، وستختبر أيضاً قدرة الفلسطينيين على تجاوز الانقسام الداخلي، وصياغة خطة وطنية موحدة تعكس تطلعات شعبهم».