رئيس الدولة ورئيس الوزراء البريطاني يبحثان هاتفياً التطورات الإقليمية
تتجرأ باكو بعد انتصار قره باغ على المطالبة بمزيد من التنازلات
بعد قره باغ.. الأرمن يخشون تقدم أذربيجاني جديد
بعد اشتباك حدودي قرب قريته تيغه بأرمينيا في أبريل (نيسان) الماضي، قاد جيرام سيارته إلى الحقول، حيث كانت عائلته تمارس الزراعة منذ عقود وتحتفظ بمنحلة صغيرة. لكنه عندما اقترب من المكان سمع صوت رصاص. كان الأذريون يطلقون النار عليه من مواقعهم الجديدة، في التلال المحيطة. وركض إلى سيارته ولم يعد أبداً. وهناك أيضاً صمويل هيوسانتس، الذي خسر 70 هكتاراً من القمح، الذي انكبت عائلته على زراعته منذ عقود. ويقول وهو يرتدي ملابس مغبرة، على الطريق التي مر عليها آلاف اللاجئين من قره باغ إلى أرمينيا: «لقد أخذوا كل ما استطاعوا.. هذه القرية تعاني».
وتقول صحيفة «غارديان» البريطانية في تحقيق لها عن قره باغ إنه بالكاد يمكن ملاحظة ما حصل في الهجوم الخاطف للقوات الأذربيجانية على الإقليم الانفصالي، حيث قتل المئات وفر عشرات الآلاف، بعدما اقتربت أذربيجان من «إعادة دمج» أراضيها، في عملية يقول الأرمن إنها حملة من التطهير العرقي.
لكن بلدة تيغه تقع في أراضي أرمينيا، وكان حادث أبريل(نيسان) قبل هذه الحرب تمهيداً لسلسلة من الحوادث الحدودية، وقضم الأراضي كمقدمة للجزء التالي من الأزمة: أذربيجان المنتقمة تتطلع الآن بعد انتصارها في قره باغ، إلى ممر بري يربط أراضيها بتركيا، أو حتى ضم أراضٍ بكاملها، فيما بدأ الصقور في باكو يصفونه بـ»أذربيجان الغربية»، في إشارة إلى أرمينيا.
وقال ستيفان مايستر، رئيس المركز من أجل النظام والحوكمة في أوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية: «بداية، كان الأمر كله يتمحور حول قره باغ وتحسين موقعهم التفاوضي، وتهديد وحدة أراضي أرمينيا، من أجل ردعها عن دعم أرمن قره باغ.. الآن وبعد السيطرة على الإقليم، لا يريدون أي اتفاق مع الحكومة الأرمينية. من الممكن أن يندفعوا إلى الأمام والقول، حسناً، لقد أخذنا بعض الأراضي وسنأخذ المزيد منها، أو السيطرة فقط على كامل منطقة سيونيك». وأضاف «إنه جزء من النهج المتطرف.. أنت جائع ولا تتوقف عن الأكل، إذا لم يرسم لك أحد خطاً أحمر»، مؤكداً أنه حض الحكومات الغربية على درس فرض عقوبات على باكو.
وليست لدى جيرام أية شكوك باندلاع حرب أخرى. ويشير إلى التلال القريبة قائلاً: «يمكن رؤية الأذريين وهم يتخذون مواقع هناك، وهنالك الأقوى هو من يفرض القواعد».
بعد خسارة الحرب في 2020، وقّع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان مع أذربيجان اتفاقاً لوقف إطلاق النار برعاية روسيا، ما منح ممراً برياً عبر أرمينيا إلى ناخيتشفان، الجيب الأذري، ومنه إلى تركيا الحليف الأقرب لأذربيجان. والممر الذي يمتد على طول سكة للحديد في جنوب أرمينيا، كان من المفترض أن يحرسه جهاز حرس الحدود الروسي.
لكن البرلمان الأذري عقد جلسات استماع مؤخراً حول غرب أذربيجان، وهو مصطلح وحدوي، بدأ الرئيس إلهام علييف يستخدمه علناً، ويرمز خصوصاً إلى منطقة سيونيك، حيث تقع بلدة تيغه.
ويدرك كل مواطن محلي أنه سيناله الأذى بطريقة ما. ويمسك صمويل، وهو راعٍ، بعصاه الطويلة ويرسم خريطة في ممر موحل، قائلاً: «هنا تقع أذربيجان وهنا تقع تركيا، وفقط منطقة سيونيك، حيث نحن الآن، تقع بينهما».
وصمويل الذي كان يملك قطيعاً من 500 غنمة، يقول إنه فقد أراضي الرعي بعد حرب 2020، وأجبر على بيع قطيعه باستثناء 30 غنمة. ويروي أنه فقد عيناً في القتال في التسعينات، عندما أصابت شظية الجزء الأيسر من وجهه. ويضيف أن أرمينيا مغلوب على أمرها من قبل أذربيجان وعدد من الحلفاء الدوليين بينهم روسيا. ويستطرد قائلاً: «قريباً لن يتبقى أي أرميني».
وكما يرى بنيامين بوغوسيان، الزميل الباحث في السياسة الخارجية في معهد أبحاث السياسات التطبيقية بأرمينيا، فإن فرار سكان قره باغ إلى أرمينيا قد يزيل عقبة أساسية أمام توقيع الدولتين على معاهدة سلام.
ورئيس البرلمان الأرميني سبق أن قال إن الجانبين يقتربان من «فرصة تاريخية للتوقيع على اتفاق سلام».
لكن بوغوسيان، يرى أن من المحتمل أن تتجرأ أذربيجان بعد انتصار قره باغ على المطالبة بمزيد من التنازلات، بما في ذلك الممر الموصل إلى ناخيتشفان.
وقال: «إن تدمير قره باغ سيسمح لأذربيجان بتركيز كل قوتها-العسكرية والدبلوماسية والسياسية- على أرمينيا.. يمكنهم التوغل في اتجاه أو اثنين.. ومن ثم القول لأرمينيا إذا ما كانت تريد عودة القوات الأذرية إلى مواقعها قبل الحرب، فإنه يتعين عليها الموافقة على فتح الطرق لربط أذربيجان وناخيتشفان».