بـ «دبلوماسية اللقاح».. انتصار صيني في الفناء الخلفي لأميركا

بـ «دبلوماسية اللقاح».. انتصار صيني في الفناء الخلفي لأميركا


سجّلت الصين انتصاراً دبلوماسياً ناعماً في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، وذلك عبر ملايين الجرعات من اللقاحات التي قدّمتها إلى دول أميركا اللاتينية خلال الشهور الماضية.
وعبر “دبلوماسية اللقاح” تسعى بكين إلى تعزيز نفوذها في أميركا اللاتينية على حساب واشنطن التي وضعت في البداية جل تركيزها على معالجة الأزمة وتداعياتها داخلياً أولاً، بينما راحت الصين مبكراً وعبر ما عُرف بـ”دبلوماسية الأقعنة” لتلميع صورتها، عبر دعم تلك الدول -من بين الأكثر تضرراً بالجائحة- بأدوات الوقاية وأجهزة التنفس الصناعي منذ بدء الجائحة، وهو النهج الذي تواصل مع بدء حملات التطعيم.
وينظر محللون إلى اختبار جائحة كورونا، باعتباره جولة من جولات المواجهة بين واشنطن وبكين في أميركا اللاتينية، ضمن صراع النفوذ في تلك المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.

هيمنة صينية
ويُهيمن اللقاح الصيني على على حملات التطعيم داخل عديد من دول أميركا اللاتينية الأكثر تضرراً بالجائحة، ما يشكل “انتصاراً للدبلوماسية الصينية”، التي حرصت على توظيف الجائحة لصالح دعم نفوذها في تلك المنطقة المهمة، من خلال مساعدة الدول اللاتينية منذ نهاية الربع الأول من عام 2020.
«وبينما تكافح أميركا اللاتينية ضد موجة ثالثة مميتة من الوباء، شحنت الصين أكثر من نصف الـ 143.5 مليون جرعة من اللقاحات التي تم تسليمها إلى الدول العشر الأكثر اكتظاظًا بالسكان في المنطقة”، وفقًا لتحليل نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز للبيانات التي قدمتها الحكومات، في مايو الماضي، والذي خلص إلى أن “الشركات الصينية -وفي مقدمتها سينوفاك- سلمت تلك الدول 75.8 مليون جرعة».
والاثنين، كشفت الولايات المتحدة عن خطة لتوزيع 55 مليون جرعة متبقية من إجمالي 80 مليون جرعة سبق وتعهد الرئيس جو بايدن بتخصيصها، عبر “كوفاكس”. وبحسب البيت الأبيض، فإن 14 مليون جرعة سيتم توزيعها في دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (تحديداً في البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وبيرو والإكوادور وباراغواي وبوليفيا وأوروغواي وغواتيمالا والسلفادور وهندوراس وهايتي وجمهورية الدومينيكان وبنما وكوستاريكا.

انتصار صيني
كبير الباحثين في أميركا اللاتينية بمركز تشاتام هاوس للتحليل في لندن، كريستوفر ساباتيني، قارن في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، بين الحضور الصيني والأميركي فيما يتعلق بالتعامل مع دول أميركا اللاتينية في ظل أزمة جائحة كورونا، والفوز الذي حققته الدبلوماسية الصينية الناعمة في ذلك الملف.
وأشار ساباتيني إلى أن بكين تقوم بعمل أفضل بكثير تجاه دول أميركا اللاتينية في ظل جائحة كورونا؛ سواء لجهة بيع اللقاحات “مبكراً” لحكومات تلك الدول، وكذلك فيما يتعلق بتوفير المعلومات والأخبار لمواطني تلك الدول من خلال وسائل الإعلام الحكومية التي تتخذ من أميركا اللاتينية مقراً لها. ولفت إلى أنه بموازاة ذلك فإنه على النقيض كان تركيز الولايات المتحدة “محلياً”، مع تقديم التبرعات من خلال منظمات متعددة الأطراف (في إشارة للمساهمة الأميركية ضمن مرفق كوفاكس).
ومن ثمّ يعتقد كبير الباحثين في أميركا اللاتينية بمركز تشاتام هاوس للتحليل في لندن، أن ذلك يمثل “فوزاً للدبلوماسية الصينية الناعمة في أميركا اللاتينية”، لكنّه يقول بموازاة ذلك إن هذا الفوز “لم يكن فوزاً رائعاً”، مبرراً ذلك بالتشكيك المتصاعد حول الصين داخل أميركا اللاتينية، ومع معدلات الإصابات الحالية في تشيلي على رغم ارتفاع معدلات التطعيم، وهي الأصوات التي طغت على النجاح الصيني هناك.
ورداً على سؤال حول أثر جائحة كورونا على ما يمكن توصيفه بـ “الحرب الباردة” بين الصين والولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، قال ساباتيني: “لقد كان فوزاً صافيا للصين لا شك (..) لقد لعبها الصينيون مثل المنافسة التي لم تفعلها الولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وبسبب أيضاً السياسات الداخلية».
كما تطرق في معرض حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية”، إلى الدور الروسي فيما يتصل بدبلوماسية اللقاح، مؤكداً أن “موسكو تمكنت من توطيد العلاقات مع الأرجنتين، ما ساعد على إدخال لقاح سبوتنيك إلى أميركا اللاتينية ، ولكن بخلاف ذلك لم يكن هناك حضوراً كثيرًا للدور الروسي في ذلك الصدد”. ورّدت موسكو 8.6 مليون جرعة لقاح سبوتنيك لأميركا اللاتينية، غالبيتها للأرجنتين.

دبلوماسية «اللقاح»
وفيما تسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى توظيف اللقاحات المضادة لفيروس كورونا كأداة لاكتساب المكانة وتحسين الصورة الذهنية في أمريكا اللاتينية، أشارت الباحثة المتخصصة في أميركا اللاتينية صدفة محمد، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن “الصين تبدو هي الأكثر قدرة على توظيف “دبلوماسية اللقاح”، في صراعها على النفوذ الجيوسياسي في المنطقة، في حين تُخاطر الولايات المتحدة بفقدان مكانتها المتراجعة بالفعل في فنائها الخلفي».
يدعم ذلك الرأي -في تقدير الباحثة- ملايين الجرعات صينية الصنع التي تم إرسالها إلى أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وتحديدًا، شيلي والسلفادور والبرازيل وأوروجواي». وقالت إن بكين تستهدف من تقديم اللقاحات لدول المنطقة، تحقيق مجموعة من الأهداف؛ يأتي في مقدمتها: تحسين صورتها باعتبارها جزء من الحل لأزمة كورونا وليس سببًا لها، وذلك