حفاظا على تفوق الحزب الشيوعي
بكين: كبح السلطة المتنامية لشركاتها الخاصة العملاقة...!
- تشترك هذه الشركات في شيء واحد: تسببت ملاحقتها في انخفاض أسعارها في بورصة وول ستريت
- أحد هواجس الحزب الشيوعي هو نموذج الأوليغارشية الروسية
- الإشارة لعموم الصينيين أن إثراء مجموعات صناعية معينة أصبح الآن تحت السيطرة
- القادة الصينيون بصدد تطوير خطاب سيقول: نموذجنا في نهاية المطاف أكثر إنسانية من النموذج الرأسمالي
- منذ أن شرعت في التحديث واكتسبت قوة، لم تمارس الصين أبدًا أي انفتاح حقيقي تجاه الولايات المتحدة
على مدى السنوات العشر الماضية، شهدت مختلف الشركات الصينية تطورا كبيرا. لقد تمكنت من الاستفادة من السوق المحلية المتنامية، وأطلق العديد منها بنجاح، تصدير منتجاتها ومعرفتها في جميع أنحاء العالم. وفي مكان آخر، سيكون هذا المنجز مصدر رضا وطني... لكن، ليس في الصين. بعد السماح بولادة وازدهار العمالقة في الصناعة والتجارة، لا سيما في القطاع الرقمي، قررت الحكومة الصينية استعادة السيطرة. وهذا من شأنه أن يضعف المؤسسات الجديدة والديناميكية بشكل خاص. غير ان هذا لا يهم: من الواضح أن الأساسي، هو الا تهرب من سيطرة الحزب الشيوعي الصيني. في نهاية عام 2020، في بكين، تم تكليف العديد من مصالح إدارة الدولة لتنظيم السوق، أو الهيئة الصينية للإشراف على الأمن السيبراني، العمل بحزم لتقليص المواقع المهيمنة التي اكتسبتها مجموعات صينية كبرى معينة. وكان الهدف الأول، هو شركة علي بابا، التي أسسها جاك ما عام 1999 في هانغتشو، بالقرب من شنغهاي، وقد نجح هذا الرجل العصامي، الضعيف البنية، في بناء إمبراطورية اقتصادية، مما جعل نجاحه نموذجًا لريادة الأعمال الصينية.
علي بابا، هي الآن أكبر شركة مدفوعات وبيع بالتجزئة في العالم، فضلاً عن كونها محرك بحث عن التسوق. عام 2019، تم وضع ما يعادل 917 مليار يورو من الطلبات على منصاتها. حجم أعمال أكبر بثلاث مرات من حجم الأمازون الأمريكية. وعلي بابا موجودة في العديد من البلدان، وقد استحوذت على حصص أو اشترت جميع أنواع الشركات.
يسمح أليباي، وهو نظام الدفع الذي أطلقته علي بابا، ويستخدم على نطاق واسع في الصين، بالدفع مقابل كل شيء باستخدام هاتف ذكي بسيط، وبالتالي بدون نقود. عام 2014، تم طرح الشركة للاكتتاب العام في بورصة نيويورك، مع تسجيل اكتتاب عام قياسي بلغ 25 مليار دولار. وفي نفس العام، ذهب لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، إلى هانغتشو للقاء جاك ما وتوقيع اتفاقية مع علي بابا تهدف إلى زيادة ظهور المنتجات الفرنسية على علي بابا. كوم.
علي بابا وتينسنت وديدي تحت الضغط
ولكن، في خريف عام 2020، أصبحت علي بابا هدفًا لتحقيق جهاز مكافحة الاحتكار الذي اتهمها بـ “انتهاك قواعد مكافحة الاحتكار”. وتحت ضغط مفاجئ من سلطات السوق الصينية، أُجبرت الشركة على التخلي عن إدراج مجموعة آنت للتكنولوجيا المالية في أسواق شنغهاي وهونغ كونغ. بعد ذلك، في 24 ديسمبر 2020، فُرضت على علي بابا غرامة تعادل 2.8 مليار دولار -أو 4 بالمائة من إيراداتها لعام 2019. تم انتقادها بشكل خاص على مطالبة التجار ببيع منتجاتهم حصريًا على منصات علي بابا على حساب المواقع المنافسة. ثم اختفى جاك ما ولم يعد إلا بعد شهرين ونصف، في حفل نظم لأبناء موظفي الشركة في هانغتشو.
ثم وجهت السلطات التنظيمية المالية الصينية انتباهها إلى تينسنت، عملاق رقمي آخر ظهر في كانتون عام 1998. على وجه الخصوص، أنشأت الشركة ويتشات عام 2011، والذي أصبح أحد أشهر تطبيقات المراسلة عبر الهاتف المحمول في الصين، مع أكثر من مليار حساب في جميع أنحاء العالم. في مارس الماضي، تم الإعلان عن تحقيق يستهدف عمليات الاستحواذ والاندماج التي نفذتها تينسنت.
على الفور، ذهب بوني ما، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، لمقابلة إدارة الدولة لتنظيم السوق، وتم الإعلان عن غرامة مالية ضد تينسنت بما يعادل 65 ألف يورو. هذا أقل بكثير من المليار ونصف الذي تنبأت به الشائعات. ومن غير الواضح ما إذا كانت حقيقة أن بوني ما، عضو في الحزب الشيوعي، وعضواً من بين 3 الاف نائب في المؤتمر الشعبي الوطني، قد لعبت دورًا في هذا الاعتدال الجليّ.
في كل الاحوال، ستراجع تينسنت نواياها تنازليا للاندماج مع شركات ألعاب الفيديو الناشئة. وستستحوذ المجموعة على 10 بالمائة فقط من تشجيانغ هوتونغ، في حين تم تصور صفقة شراء كاملة. كما لن تكون قادرة على الجمع بين مشاركتها في خدمتين للألعاب عبر الإنترنت، هويا ودويو، في كيان واحد. وقالت إدارة الدولة لتنظيم السوق، في بيان على الإنترنت، إن هذا من شأنه أن “يعزز مكانة تينسنت المهيمنة في سوق بث الألعاب الحية».
من جانبها، ولإظهار احترامها للقوانين التي تحظر على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا اللعب عبر الإنترنت ليلاً، قررت تينسنت مؤخرا، إجبار جميع مستخدمي الإنترنت الذين يلعبون بين الساعة 10 مساءً والساعة 8 صباحًا، على تأكيد هويتهم من خلال هواتفهم المحمولة وعبر خوارزمية التعرف على الوجه. في ظل هذه الظروف، يصعب على القاصر استخدام حساب شخص بالغ.
في بداية يوليو 2021، أصبحت شركة ديدي، وهي شركة تكنولوجيا صينية كبرى أخرى، في مرمى نظر سلطات بكين. وهي الشركة الاولى في حجز سيارات الأجرة والسيارات ذات السائقين. تشنغ وي، المؤسس والرئيس التنفيذي الحالي للشركة، يحيط به أشخاص من شانغهاي، من المقربين من جيانغ زيمين، رئيس الدولة الصيني من 1993 إلى 2003، وهذا قد يثير استياء بكين. لكن ديدي، شهدت توسعًا قويًا في أقل من عشر سنوات وتنوعت تدريجيًا، حيث قدمت دراجات الخدمة الذاتية وتنظيم مشاركة السيارات.
عام 2015، اشترت الشركة، منافستها الصينية الرئيسية، وبعد ذلك، في نهاية حرب أسعار مستمرة، فضلت شركة أوبر الأمريكية مغادرة الصين. عام 2019، أحصى ديدي 375 مليون مستخدم حول العالم، و15 مليون سائق. وبلغ حجم مبيعاتها عام 2020 ما قيمته 21.6 مليار دولار. بالإضافة إلى الصين، فإن الشركة موجودة في روسيا وأستراليا.
في 4 يوليو، بعد يومين من دخول ديدي إلى بورصة وول ستريت، أمرته هيئة الإشراف على الأمن السيبراني بإزالة طلبه لحجز سيارة مع سائق من منصات الإنترنت. السبب المقدم هو “انتهاك خطير للوائح المتعلقة بجمع واستخدام البيانات الشخصية للمستخدمين».
تقوم ديدي، بالإضافة إلى رحلات زبائنها، بتسجيل المحادثات التي تجري في السيارات بشكل منهجي. ومع ذلك، في الصين، من حيث المبدأ، فإن المعلومات حول ما يقوله السكان، تظل احتكارا صارما للحزب الشيوعي. وإلى جانب ذلك، تمّ، في الأشهر الأخيرة، وضع ترسانة قانونية جديدة كاملة في الصين للحد من الجمع والاستخدام غير المنظم للبيانات الشخصية الصينية. وإزاء كل هذا، أصدرت شركة ديدي بيانًا جاء فيه: “نشكر السلطات على توجيه ديدي على الطريق الصحيح”، مضيفة أن الشركة تتعهد “باحترام التوصيات التي ستقدم لها».
تطبيقان للنقل البري على ملكيّة “فول تراك أليانس”، و”زهيبينغ تليكوم”، الموقع الأول للبحث عن الوظائف والتوظيف عبر الإنترنت في الصين، كانا أيضا موضوع تحقيق من قبل سلطات الأمن السيبراني. وقد تم تعليق جميع إمكانيات التنزيل الخاصة بهما. وتشترك الشركتان في نقطة واحدة مع ديدي: لقد تم إدراجها مؤخرا في بورصة وول ستريت، وتسبب اتهامها على الفور في انخفاض أسعارها في الصين كما في أمريكا.
اظهار أن الشركات تحت السيطرة
الشركات الخاصة الصينية الأخرى، ذات القوة المتزايدة، يمكن أن تتورط قريبًا في الصين. بالنسبة للسلطات التنظيمية للسوق وللحزب، يتمثل الهدف الأول في التوضيح للمواطنين، أن إثراء مجموعات صناعية معينة أصبح الآن تحت السيطرة.
ويعتقد جان فرانسوا دي ميجليو، رئيس مركز آسيا، أن “الخطاب الوحيد الذي يمكن أن يستخدمه قادة بكين، هو أن النموذج الصيني يختلف اختلافًا جوهريًا عن النموذج الرأسمالي. إنه يضمن مجتمعاً متواضعاً، لكنه يحترم الحد الأدنى من الرفاه الإنساني ولا يستغل الإنسان. والقادة الصينيون، بصدد تطوير خطاب سيقول: نموذجنا في نهاية المطاف أكثر إنسانية من النموذج الرأسمالي، وهذا النموذج هو على النقيض من البحث عن الربحية التي تطبع النموذج الغربي».
قبل بضع سنوات، كانت بكين تعرب عن تقديرها لكون شركة صينية تبرز صعودها الصاروخي باحتلالها مكانا في بورصة نيويورك. واليوم، على العكس من ذلك، تظهر هذه البادرة كرغبة في الاستقرار في فضاء من الحرية خارج الصين. بالإضافة إلى ذلك، تنظر السلطات الصينية بعين السوء إلى هذه الشركات التي تعتمد بشكل أساسي على السوق الصينية وتذهب للاستقرار في المؤسسة المالية الرئيسية للولايات المتحدة. وبين هذا البلد والصين، أقام دونالد ترامب مناخ حرب اقتصادية، ولم يتنصل منها جو بايدن.
على مدار الثلاثين عامًا الماضية أو نحو ذلك، منذ أن شرعت في التحديث، واكتسبت ملامح قوة عظمى بشكل كبير، لم تمارس الصين أبدًا أي انفتاح حقيقي تجاه الولايات المتحدة. ولئن استطاع بعض اللاعبين في الرقمي الصيني أن يصبحوا عمالقة اقتصاديين، فذلك يعود جزئيًا الى أنهم محصنون تمامًا ضد غافا الأمريكية، اذ لم يكن مطروحا بالنسبة لبكين السماح لهم بدخول الأراضي الصينية. ولكن، الآن بعد أن أصبحت شركات، مثل علي بابا أو ديدي، ديناصورات ضخمة، أصبح الأمر ألا تصبح قوى لا يمكن القفز عليها، هي التي باتت تتمتّع بحضور كبير في عادات الشعب الصيني. ومن هنا تأتي الحاجة في نظر السلطات الصينية للحد من سلطتها ونفوذها.
ومن هذا المنطلق، صدرت أوامر لوزارة الاقتصاد الصينية بالاستحواذ على قطاع المدفوعات الإلكترونية الذي طورته علي بابا مع أليباي، أو تينسنت مع ويتشات بنجاح كبير. ومن الصعب على النظام الاعتراف بأن هذا النوع الجديد من العملة يستخدم بشكل متزايد في الصين، دون إشراف السلطات. تم بالفعل حظر شبكة البيتكوين، بينما من المتوقع عند تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ببكين في فبراير 2022، أن يتم إطلاق عملة إلكترونية -اليوان الإلكتروني -رسميًا من قبل جمهورية الصين الشعبية.
إن الرغبة في السيطرة على القوة المتنامية لشركات التكنولوجيات الحديثة، ليست مصدر قلق مخصص للصين وحدها. في الولايات المتحدة، وكذلك في أوروبا، قد تنطبق قوانين مكافحة الاحتكار على هذه الأنواع من الشركات. لكن الأولوية في بكين ليست السماح للعب الحر للمنافسة الاقتصادية والتجارية، إنه يتعلق بالحفاظ على تفوق الحزب الشيوعي.
لا يرغب القادة الصينيون بشكل خاص في وضع يمكن مقارنته بالشركات الروسية الكبيرة، التي يلعب رؤساؤها دورًا سياسيًا كبيرًا. ويعتبر جان فرانسوا دي ميجليو، أن “أحد هواجس الحزب الشيوعي الصيني هو نموذج الأوليغارشية الروسية. لقد نمت قوتهم ويمكنهم تحدي سلطة بوتين. جاك ما، يشبه مثل قطرتي ماء، الأوليغارشية الروسية... إنه أوليغارش ذو خصائص صينية «.
في نفس الوقت، لا يريد الحزب الشيوعي الصيني أيضًا السماح لاقتصاد رأسمالي بالاستقرار في جمهورية الصين الشعبية. ولتسجيل الفرق مع الدول الغربية، يسعى شي جين بينغ وفريقه، إلى تعزيز الشركات الصينية المملوكة للدولة. ويبدو أن هذه الأخيرة آخذة في التراجع بعد الإصلاحات التي أطلقها دنغ شياو بينغ في نهاية القرن العشرين. بينما اليوم، من الواضح أن الاتجاه السائد في الصين، هو القيام بكل شيء لكبح جماح الشركات الخاصة الكبرى. ومن هنا، تعتزم السلطات الصينية تعديل نظام إدارة اقتصاد البلاد من خلال السيطرة عليه بشكل أكبر، ومن أجل هدف واحد: إقامة إدارة للبلاد “بألوان صينية”، ومن ثمة ضمان مرحلة جديدة من الصعود الصاروخي للصين.
- أحد هواجس الحزب الشيوعي هو نموذج الأوليغارشية الروسية
- الإشارة لعموم الصينيين أن إثراء مجموعات صناعية معينة أصبح الآن تحت السيطرة
- القادة الصينيون بصدد تطوير خطاب سيقول: نموذجنا في نهاية المطاف أكثر إنسانية من النموذج الرأسمالي
- منذ أن شرعت في التحديث واكتسبت قوة، لم تمارس الصين أبدًا أي انفتاح حقيقي تجاه الولايات المتحدة
على مدى السنوات العشر الماضية، شهدت مختلف الشركات الصينية تطورا كبيرا. لقد تمكنت من الاستفادة من السوق المحلية المتنامية، وأطلق العديد منها بنجاح، تصدير منتجاتها ومعرفتها في جميع أنحاء العالم. وفي مكان آخر، سيكون هذا المنجز مصدر رضا وطني... لكن، ليس في الصين. بعد السماح بولادة وازدهار العمالقة في الصناعة والتجارة، لا سيما في القطاع الرقمي، قررت الحكومة الصينية استعادة السيطرة. وهذا من شأنه أن يضعف المؤسسات الجديدة والديناميكية بشكل خاص. غير ان هذا لا يهم: من الواضح أن الأساسي، هو الا تهرب من سيطرة الحزب الشيوعي الصيني. في نهاية عام 2020، في بكين، تم تكليف العديد من مصالح إدارة الدولة لتنظيم السوق، أو الهيئة الصينية للإشراف على الأمن السيبراني، العمل بحزم لتقليص المواقع المهيمنة التي اكتسبتها مجموعات صينية كبرى معينة. وكان الهدف الأول، هو شركة علي بابا، التي أسسها جاك ما عام 1999 في هانغتشو، بالقرب من شنغهاي، وقد نجح هذا الرجل العصامي، الضعيف البنية، في بناء إمبراطورية اقتصادية، مما جعل نجاحه نموذجًا لريادة الأعمال الصينية.
علي بابا، هي الآن أكبر شركة مدفوعات وبيع بالتجزئة في العالم، فضلاً عن كونها محرك بحث عن التسوق. عام 2019، تم وضع ما يعادل 917 مليار يورو من الطلبات على منصاتها. حجم أعمال أكبر بثلاث مرات من حجم الأمازون الأمريكية. وعلي بابا موجودة في العديد من البلدان، وقد استحوذت على حصص أو اشترت جميع أنواع الشركات.
يسمح أليباي، وهو نظام الدفع الذي أطلقته علي بابا، ويستخدم على نطاق واسع في الصين، بالدفع مقابل كل شيء باستخدام هاتف ذكي بسيط، وبالتالي بدون نقود. عام 2014، تم طرح الشركة للاكتتاب العام في بورصة نيويورك، مع تسجيل اكتتاب عام قياسي بلغ 25 مليار دولار. وفي نفس العام، ذهب لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، إلى هانغتشو للقاء جاك ما وتوقيع اتفاقية مع علي بابا تهدف إلى زيادة ظهور المنتجات الفرنسية على علي بابا. كوم.
علي بابا وتينسنت وديدي تحت الضغط
ولكن، في خريف عام 2020، أصبحت علي بابا هدفًا لتحقيق جهاز مكافحة الاحتكار الذي اتهمها بـ “انتهاك قواعد مكافحة الاحتكار”. وتحت ضغط مفاجئ من سلطات السوق الصينية، أُجبرت الشركة على التخلي عن إدراج مجموعة آنت للتكنولوجيا المالية في أسواق شنغهاي وهونغ كونغ. بعد ذلك، في 24 ديسمبر 2020، فُرضت على علي بابا غرامة تعادل 2.8 مليار دولار -أو 4 بالمائة من إيراداتها لعام 2019. تم انتقادها بشكل خاص على مطالبة التجار ببيع منتجاتهم حصريًا على منصات علي بابا على حساب المواقع المنافسة. ثم اختفى جاك ما ولم يعد إلا بعد شهرين ونصف، في حفل نظم لأبناء موظفي الشركة في هانغتشو.
ثم وجهت السلطات التنظيمية المالية الصينية انتباهها إلى تينسنت، عملاق رقمي آخر ظهر في كانتون عام 1998. على وجه الخصوص، أنشأت الشركة ويتشات عام 2011، والذي أصبح أحد أشهر تطبيقات المراسلة عبر الهاتف المحمول في الصين، مع أكثر من مليار حساب في جميع أنحاء العالم. في مارس الماضي، تم الإعلان عن تحقيق يستهدف عمليات الاستحواذ والاندماج التي نفذتها تينسنت.
على الفور، ذهب بوني ما، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، لمقابلة إدارة الدولة لتنظيم السوق، وتم الإعلان عن غرامة مالية ضد تينسنت بما يعادل 65 ألف يورو. هذا أقل بكثير من المليار ونصف الذي تنبأت به الشائعات. ومن غير الواضح ما إذا كانت حقيقة أن بوني ما، عضو في الحزب الشيوعي، وعضواً من بين 3 الاف نائب في المؤتمر الشعبي الوطني، قد لعبت دورًا في هذا الاعتدال الجليّ.
في كل الاحوال، ستراجع تينسنت نواياها تنازليا للاندماج مع شركات ألعاب الفيديو الناشئة. وستستحوذ المجموعة على 10 بالمائة فقط من تشجيانغ هوتونغ، في حين تم تصور صفقة شراء كاملة. كما لن تكون قادرة على الجمع بين مشاركتها في خدمتين للألعاب عبر الإنترنت، هويا ودويو، في كيان واحد. وقالت إدارة الدولة لتنظيم السوق، في بيان على الإنترنت، إن هذا من شأنه أن “يعزز مكانة تينسنت المهيمنة في سوق بث الألعاب الحية».
من جانبها، ولإظهار احترامها للقوانين التي تحظر على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا اللعب عبر الإنترنت ليلاً، قررت تينسنت مؤخرا، إجبار جميع مستخدمي الإنترنت الذين يلعبون بين الساعة 10 مساءً والساعة 8 صباحًا، على تأكيد هويتهم من خلال هواتفهم المحمولة وعبر خوارزمية التعرف على الوجه. في ظل هذه الظروف، يصعب على القاصر استخدام حساب شخص بالغ.
في بداية يوليو 2021، أصبحت شركة ديدي، وهي شركة تكنولوجيا صينية كبرى أخرى، في مرمى نظر سلطات بكين. وهي الشركة الاولى في حجز سيارات الأجرة والسيارات ذات السائقين. تشنغ وي، المؤسس والرئيس التنفيذي الحالي للشركة، يحيط به أشخاص من شانغهاي، من المقربين من جيانغ زيمين، رئيس الدولة الصيني من 1993 إلى 2003، وهذا قد يثير استياء بكين. لكن ديدي، شهدت توسعًا قويًا في أقل من عشر سنوات وتنوعت تدريجيًا، حيث قدمت دراجات الخدمة الذاتية وتنظيم مشاركة السيارات.
عام 2015، اشترت الشركة، منافستها الصينية الرئيسية، وبعد ذلك، في نهاية حرب أسعار مستمرة، فضلت شركة أوبر الأمريكية مغادرة الصين. عام 2019، أحصى ديدي 375 مليون مستخدم حول العالم، و15 مليون سائق. وبلغ حجم مبيعاتها عام 2020 ما قيمته 21.6 مليار دولار. بالإضافة إلى الصين، فإن الشركة موجودة في روسيا وأستراليا.
في 4 يوليو، بعد يومين من دخول ديدي إلى بورصة وول ستريت، أمرته هيئة الإشراف على الأمن السيبراني بإزالة طلبه لحجز سيارة مع سائق من منصات الإنترنت. السبب المقدم هو “انتهاك خطير للوائح المتعلقة بجمع واستخدام البيانات الشخصية للمستخدمين».
تقوم ديدي، بالإضافة إلى رحلات زبائنها، بتسجيل المحادثات التي تجري في السيارات بشكل منهجي. ومع ذلك، في الصين، من حيث المبدأ، فإن المعلومات حول ما يقوله السكان، تظل احتكارا صارما للحزب الشيوعي. وإلى جانب ذلك، تمّ، في الأشهر الأخيرة، وضع ترسانة قانونية جديدة كاملة في الصين للحد من الجمع والاستخدام غير المنظم للبيانات الشخصية الصينية. وإزاء كل هذا، أصدرت شركة ديدي بيانًا جاء فيه: “نشكر السلطات على توجيه ديدي على الطريق الصحيح”، مضيفة أن الشركة تتعهد “باحترام التوصيات التي ستقدم لها».
تطبيقان للنقل البري على ملكيّة “فول تراك أليانس”، و”زهيبينغ تليكوم”، الموقع الأول للبحث عن الوظائف والتوظيف عبر الإنترنت في الصين، كانا أيضا موضوع تحقيق من قبل سلطات الأمن السيبراني. وقد تم تعليق جميع إمكانيات التنزيل الخاصة بهما. وتشترك الشركتان في نقطة واحدة مع ديدي: لقد تم إدراجها مؤخرا في بورصة وول ستريت، وتسبب اتهامها على الفور في انخفاض أسعارها في الصين كما في أمريكا.
اظهار أن الشركات تحت السيطرة
الشركات الخاصة الصينية الأخرى، ذات القوة المتزايدة، يمكن أن تتورط قريبًا في الصين. بالنسبة للسلطات التنظيمية للسوق وللحزب، يتمثل الهدف الأول في التوضيح للمواطنين، أن إثراء مجموعات صناعية معينة أصبح الآن تحت السيطرة.
ويعتقد جان فرانسوا دي ميجليو، رئيس مركز آسيا، أن “الخطاب الوحيد الذي يمكن أن يستخدمه قادة بكين، هو أن النموذج الصيني يختلف اختلافًا جوهريًا عن النموذج الرأسمالي. إنه يضمن مجتمعاً متواضعاً، لكنه يحترم الحد الأدنى من الرفاه الإنساني ولا يستغل الإنسان. والقادة الصينيون، بصدد تطوير خطاب سيقول: نموذجنا في نهاية المطاف أكثر إنسانية من النموذج الرأسمالي، وهذا النموذج هو على النقيض من البحث عن الربحية التي تطبع النموذج الغربي».
قبل بضع سنوات، كانت بكين تعرب عن تقديرها لكون شركة صينية تبرز صعودها الصاروخي باحتلالها مكانا في بورصة نيويورك. واليوم، على العكس من ذلك، تظهر هذه البادرة كرغبة في الاستقرار في فضاء من الحرية خارج الصين. بالإضافة إلى ذلك، تنظر السلطات الصينية بعين السوء إلى هذه الشركات التي تعتمد بشكل أساسي على السوق الصينية وتذهب للاستقرار في المؤسسة المالية الرئيسية للولايات المتحدة. وبين هذا البلد والصين، أقام دونالد ترامب مناخ حرب اقتصادية، ولم يتنصل منها جو بايدن.
على مدار الثلاثين عامًا الماضية أو نحو ذلك، منذ أن شرعت في التحديث، واكتسبت ملامح قوة عظمى بشكل كبير، لم تمارس الصين أبدًا أي انفتاح حقيقي تجاه الولايات المتحدة. ولئن استطاع بعض اللاعبين في الرقمي الصيني أن يصبحوا عمالقة اقتصاديين، فذلك يعود جزئيًا الى أنهم محصنون تمامًا ضد غافا الأمريكية، اذ لم يكن مطروحا بالنسبة لبكين السماح لهم بدخول الأراضي الصينية. ولكن، الآن بعد أن أصبحت شركات، مثل علي بابا أو ديدي، ديناصورات ضخمة، أصبح الأمر ألا تصبح قوى لا يمكن القفز عليها، هي التي باتت تتمتّع بحضور كبير في عادات الشعب الصيني. ومن هنا تأتي الحاجة في نظر السلطات الصينية للحد من سلطتها ونفوذها.
ومن هذا المنطلق، صدرت أوامر لوزارة الاقتصاد الصينية بالاستحواذ على قطاع المدفوعات الإلكترونية الذي طورته علي بابا مع أليباي، أو تينسنت مع ويتشات بنجاح كبير. ومن الصعب على النظام الاعتراف بأن هذا النوع الجديد من العملة يستخدم بشكل متزايد في الصين، دون إشراف السلطات. تم بالفعل حظر شبكة البيتكوين، بينما من المتوقع عند تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ببكين في فبراير 2022، أن يتم إطلاق عملة إلكترونية -اليوان الإلكتروني -رسميًا من قبل جمهورية الصين الشعبية.
إن الرغبة في السيطرة على القوة المتنامية لشركات التكنولوجيات الحديثة، ليست مصدر قلق مخصص للصين وحدها. في الولايات المتحدة، وكذلك في أوروبا، قد تنطبق قوانين مكافحة الاحتكار على هذه الأنواع من الشركات. لكن الأولوية في بكين ليست السماح للعب الحر للمنافسة الاقتصادية والتجارية، إنه يتعلق بالحفاظ على تفوق الحزب الشيوعي.
لا يرغب القادة الصينيون بشكل خاص في وضع يمكن مقارنته بالشركات الروسية الكبيرة، التي يلعب رؤساؤها دورًا سياسيًا كبيرًا. ويعتبر جان فرانسوا دي ميجليو، أن “أحد هواجس الحزب الشيوعي الصيني هو نموذج الأوليغارشية الروسية. لقد نمت قوتهم ويمكنهم تحدي سلطة بوتين. جاك ما، يشبه مثل قطرتي ماء، الأوليغارشية الروسية... إنه أوليغارش ذو خصائص صينية «.
في نفس الوقت، لا يريد الحزب الشيوعي الصيني أيضًا السماح لاقتصاد رأسمالي بالاستقرار في جمهورية الصين الشعبية. ولتسجيل الفرق مع الدول الغربية، يسعى شي جين بينغ وفريقه، إلى تعزيز الشركات الصينية المملوكة للدولة. ويبدو أن هذه الأخيرة آخذة في التراجع بعد الإصلاحات التي أطلقها دنغ شياو بينغ في نهاية القرن العشرين. بينما اليوم، من الواضح أن الاتجاه السائد في الصين، هو القيام بكل شيء لكبح جماح الشركات الخاصة الكبرى. ومن هنا، تعتزم السلطات الصينية تعديل نظام إدارة اقتصاد البلاد من خلال السيطرة عليه بشكل أكبر، ومن أجل هدف واحد: إقامة إدارة للبلاد “بألوان صينية”، ومن ثمة ضمان مرحلة جديدة من الصعود الصاروخي للصين.